اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماس
ما أود أن أعرفه ماذا يعني القلب في الأسلام؟
فتح البارىفى شرح صحيح البخارى لابن حجر العسقلانى . / 2 - الْإِيمَانِ - فتح البارى.2- كتاب الْإِيمَانِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الشرح ... /
47 الْإِيمَانِ - فتح البارى.
--------------------------------------------------------------------------------
47- حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ
:"الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ .
فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ.
أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِى أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ.
أَلَا وَإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِى الْقَلْبُ."
الشرح:
قوله: (حدثنا زكرياء) هو ابن أبى زائدة، واسم أبى زائدة خالد بن ميمون الوادعى.
قوله: (عن عامر) هو الشعبى الفقيه المشهور.
ورجال الإسناد كوفيون.
وقد دخل النعمان الكوفة وولى إمرتها.
ولأبى عوانة فى صحيحه من طريق أبى حريز - وهو بفتح الحاء المهملة وآخره زاى - عن الشعبى أن النعمان بن بشير خطب به بالكوفة.
وفى رواية لمسلم أنه خطب به بحمص.
ويجمع بينهما بأنه سمع منه مرتين، فإنه ولى إمرة البلدين واحدة بعد أخرى، وزاد مسلم والإسماعيلى من طريق زكرياء فيه:" وأهوى النعمان بإصبعه إلى أذنيه يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول " وفى هذا رد لقول الواقدى ومن تبعه إن النعمان لا يصح سماعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وفيه دليل على صحة تحمل الصبى المميز لأن النبى - صلى الله عليه وسلم- مات وللنعمان ثمان سنين، وزكرياء موصوف بالتدليس، ولم أره فى الصحيحين وغيرهما من روايته عن الشعبى إلا معنعنا ثم وجدته فى فوائد ابن أبى الهيثم من طريق يزيد بن هارون عن زكرياء حدثنا الشعبى، فحصل الأمن من تدليسه.
(فائدة): ادعى أبو عمرو الدانى أن هذا الحديث لم يروه عن النبى - صلى الله عليه وسلم - غير النعمان بن بشير، فإن أراد من وجه صحيح فمسلم، وإلا فقد رويناه من حديث ابن عمر وعمار فى الأوسط للطبرانى، ومن حديث ابن عباس فى الكبير له، ومن حديث واثلة فى الترغيب للأصبهانى، وفى أسانيدها مقال.
وادعى أيضا أنه لم يروه عن النعمان غير الشعبى، وليس كما قال، فقد رواه عن النعمان أيضا خيثمة بن عبد الرحمن عند أحمد وغيره، وعبد الملك بن عمير عند أبى عوانة وغيره، وسماك بن حرب عند الطبرانى، لكنه مشهور عن الشعبى رواه عنه جمع جم من الكوفيين، (1/ 127) ورواه عنه من البصريين عبد الله بن عون، وقد ساق البخارى إسناده فى البيوع ولم يسق لفظه، وساقه أبو داود، وسنشير إلى ما فيه من فائدة إن شاء الله تعالى.
قوله: (الحلال بين والحرام بين) أى: فى عينهما ووصفهما بأدلتهما الظاهرة.
قوله: (وبينهما مشبهات) بوزن مفعلات بتشديد العين المفتوحة وهى رواية مسلم، أى: شبهت بغيرها مما لم يتبين به حكمها على التعيين.
وفى رواية الأصيلى:"مشتبهات"بوزن مفتعلات بتاء مفتوحة وعين خفيفة مكسورة وهى رواية ابن ماجه، وهو لفظ ابن عون، والمعنى أنها موحدة اكتسبت الشبه من وجهين متعارضين، ورواه الدارمى عن أبى نعيم شيخ البخارى فيه بلفظ:"وبينهما متشابهات".
قوله: (لا يعلمها كثير من الناس) أى لا يعلم حكمها، وجاء واضحا فى رواية الترمذى بلفظ:"لا يدرى كثير من الناس أمن الحلال هى أم من الحرام"ومفهوم قوله:"كثير " أن معرفة حكمها ممكن لكن للقليل من الناس وهم المجتهدون، فالشبهات على هذا فى حق غيرهم، وقد تقع لهم حيث لا يظهر لهم ترجيح أحد الدليلين.
قوله: (فمن اتقى المشبهات) أى: حذر منها، والاختلاف فى لفظها بين الرواة نظير التى قبلها لكن عند مسلم والإسماعيلى" الشبهات"بالضم جمع شبهة.
قوله: (استبرأ) بالهمز بوزن استفعل من البراءة، أى: برأ دينه من النقص وعرضه من الطعن فيه، لأن من لم يعرف باجتناب الشبهات لم يسلم لقول من يطعن فيه، وفيه دليل على أن من لم يتوق الشبهة فى كسبه ومعاشه فقد عرض نفسه للطعن فيه، وفى هذا إشارة إلى المحافظة على أمور الدين ومراعاة المروءة. قوله (ومن وقع فى الشبهات) فيها أيضا ما تقدم من اختلاف الرواة.
واختلف فى حكم الشبهات فقيل: التحريم، وهو مردود.
وقيل: الكراهة، وقيل: الوقف.
وهو كالخلاف فيما قبل الشرع.
وحاصل ما فسر به العلماء الشبهات أربعة أشياء: أحدها: تعارض الأدلة كما تقدم.
ثانيها: اختلاف العلماء وهى منتزعة من الأولى. ثالثها: أن المراد بها مسمى المكروه لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك.
رابعها: أن المراد بها المباح. ولا يمكن قائل هذا أن يحمله على متساوى الطرفين من كل وجه، بل يمكن حمله على ما يكون من قسم خلاف الأولى، بأن يكون متساوى الطرفين باعتبار ذاته، راجح الفعل أو الترك باعتبار أمر خارج.
ونقل ابن المنير فى مناقب شيخه القبارى عنه أنه كان يقول: المكروه عقبة بين العبد والحرام، فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام، والمباح عقبة بينه وبين المكروه، فمن استكثر منه تطرق إلى المكروه . وهو منزع حسن.
ويؤيده رواية ابن حبان من طريق ذكر مسلم إسنادها ولم يسق لفظها فيها من الزيادة:"اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال، من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه، ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه"والمعنى: أن الحلال حيث يخشى أن يؤول فعله مطلقا إلى مكروه أو محرم ينبغى اجتنابه، كالإكثار مثلا من الطيبات، فإنه يحوج إلى كثرة الاكتساب الموقع فى أخذ ما لا يستحق أو يفضى إلى بطر النفس، وأقل ما فيه الاشتغال عن مواقف العبودية، وهذا معلوم بالعادة مشاهد بالعيان. والذى يظهر لى رجحان الوجه الأول على ما سأذكره، ولا يبعد أن يكون كل من الأوجه مرادا، ويختلف ذلك باختلاف الناس: فالعالم الفطن لا يخفى عليه تمييز الحكم فلا يقع له ذلك إلا فى الاستكثار من المباح أو المكروه كما تقرر قبل، ودونه تقع له الشبهة فى جميع ما ذكر بحسب اختلاف الأحوال.
ولا يخفى أن المستكثر من المكروه تصير فيه جرأة على ارتكاب المنهى فى الجملة، أو يحمله اعتياده ارتكاب المنهى غير المحرم على ارتكاب المنهى المحرم إذا كان من جنسه. أو يكون ذلك لشبهة فيه، وهو أن من تعاطى ما نهى عنه يصير مظلم القلب لفقدان نور الورع فيقع فى الحرام ولو لم يختر الوقوع فيه.(1/ 128) ووقع عند المصنف فى البيوع من رواية أبى فروة عن الشعبى فى هذا الحديث:"فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان له أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أو شك أن يواقع ما استبان"وهذا يرجح الوجه الأول كما أشرت إليه.
(تنبيه): استدل به ابن المنير على جواز بقاء المجمل بعد النبى - صلى الله عليه وسلم-، وفى الاستدلال بذلك نظر، إلا إن أراد به أنه مجمل فى حق بعض دون بعض، أو أراد الرد على منكرى القياس فيحتمل ما قال.
والله أعلم. قوله: (كراع يرعى) هكذا فى جميع نسخ البخارى محذوف جواب الشرط إن أعربت" من " شرطية وقد ثبت المحذوف فى رواية الدارمى عن أبى نعيم شيخ البخارى فيه فقال:" ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام، كالراعى يرعى"ويمكن إعراب"من" فى سياق البخارى موصولة فلا يكون فيه حذف، إذ التقدير: والذى وقع فى الشبهات مثل راع يرعى، والأول أولى لثبوت المحذوف فى صحيح مسلم وغيره من طريق زكريا التى أخرجه منها المؤلف، وعلى هذا فقوله:" كراع يرعى"جملة مستأنفة وردت على سبيل التمثيل للتنبيه بالشاهد على الغائب.
والحمى: المحمى، أطلق المصدر على اسم المفعول.
وفى اختصاص التمثيل بذلك نكتة، وهى أن ملوك العرب كانوا يحمون لمراعى مواشيهم أماكن مختصة يتوعدون من يرعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة الشديدة، فمثل لهم النبى - صلى الله عليه وسلم - بما هو مشهور عندهم، فالخائف من العقوبة المراقب لرضا الملك يبعد عن ذلك الحمى خشية أن تقع مواشيه فى شيء منه، فبعده أسلم له ولو اشتد حذره.
وغير الخائف المراقب يقرب منه ويرعى من جوانبه، فلا يأمن أن تنفرد الفاذة فتقع فيه بغير اختياره، أو يمحل المكان الذى هو فيه ويقع: الخصب فى الحمى فلا يملك نفسه أن يقع فيه.
فالله سبحانه وتعالى هو الملك حقا، وحماه محارمه.
(تنبيه): ادعى بعضهم أن التمثيل من كلام الشعبى، وأنه مدرج فى الحديث، حكى ذلك أبو عمرو الدانى، ولم أقف على دليله إلا ما وقع عند ابن الجارود والإسماعيلى من رواية ابن عون عن الشعبى، قال ابن عون فى آخر الحديث: لا أدرى المثل من قول النبى - صلى الله عليه وسلم أو من قول الشعبى. قلت: وتردد ابن عون فى رفعه لا يستلزم كونه مدرجا، لأن الأثبات قد جزموا باتصاله ورفعه، فلا يقدح شك بعضهم فيه.
وكذلك سقوط المثل من رواية بعض الرواة - كأبى فروة عن الشعبى - لا يقدح فيمن أثبته، لأنهم حفاظ.
ولعل هذا هو السر فى حذف البخارى قوله: " وقع فى الحرام"ليصير ما قبل المثل مرتبطا به فيسلم من دعوى الإدراج.
ومما يقوى عدم الإدراج رواية ابن حبان الماضية، وكذا ثبوت المثل مرفوعا فى رواية ابن عباس وعمار بن ياسر أيضا.
قوله: (ألا إن حمى الله فى أرضه محارمه) سقط " فى أرضه"من رواية المستملى، وثبتت الواو فى قوله:"ألا وإن حمى الله"فى رواية غير أبى ذر، والمراد بالمحارم فعل المنهى المحرم أو ترك المأمور الواجب، ولهذا وقع فى رواية أبى فروة التعبير بالمعاصى بدل المحارم.
وقوله:"ألا"للتنبيه على صحة ما بعدها، وفى إعادتها وتكريرها دليل على عظم شأن مدلولها. قوله: (مضغة) أى: قدر ما يمضغ، وعبر بها هنا عن مقدار القلب فى الرؤية، وسمى القلب قلبا لتقلبه فى الأمور، أو لأنه خالص ما فى البدن، وخالص كل شيء قلبه، أو لأنه وضع فى الجسد مقلوبا.
وقوله:"إذا صلحت"و"إذا فسدت " هو بفتح عينهما وتضم فى المضارع، وحكى الفراء الضم فى ماضى صلح، وهو يضم وفاقا إذا صار له الصلاح هيئة لازمة لشرف ونحوه، والتعبير بإذا لتحقق الوقوع غالبا، وقد تأتى بمعنى إن كما هنا.
وخص القلب بذلك لأنه أمير البدن، وبصلاح الأمير تصلح الرعية، وبفساده تفسد.
وفيه تنبيه على تعظيم قدر القلب، والحث على صلاحه، والإشارة إلى أن لطيب الكسب أثرا فيه.(1/ 129) والمراد المتعلق به: من الفهم الذى ركبه الله فيه.
ويستدل به على أن العقل فى القلب، ومنه قوله تعالى: (فتكون لهم قلوب يعقلون بها) .
وقوله تعالى: (إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب).
قال المفسرون:
أى عقل.
وعبر عنه بالقلب لأنه محل استقراره.
(فائدة): لم تقع هذه الزيادة التى أولها " ألا وإن فى الجسد مضغة"إلا فى رواية الشعبى، ولا هى فى أكثر الروايات عن الشعبى، إنما تفرد بها فى الصحيحين زكريا المذكور عنه، وتابعه مجاهد عند أحمد، ومغيرة وغيره عند الطبرانى.
وعبر فى بعض رواياته عن الصلاح والفساد بالصحة والسقم، ومناسبتها لما قبلها بالنظر إلى أن الأصل فى الاتقاء والوقوع هو ما كان بالقلب، لأنه عماد البدن.
وقد عظم العلماء أمر هذا الحديث فعدوه رابع أربعة تدور عليها الأحكام كما نقل عن أبى داود، وفيه البيتان المشهوران وهما : عمدة الدين عنـدنا كلمات * مسندات من قول خير البرية اترك المشبهات وازهد ودع ما * ليس يعنيك واعملن بنية والمعروف عن أبى داود عد"ما نهيتكم عنه فاجتنبوه..
الحديث"بدل"ازهد فيما فى أيدى الناس " وجعله بعضهم ثالث ثلاثة حذف الثانى، وأشار ابن العربى إلى أنه يمكن أن ينتزع منه وحده جميع الأحكام، قال القرطبى: لأنه اشتمل على التفصيل بين الحلال وغيره، وعلى تعلق جميع الأعمال بالقلب، فمن هنا يمكن أن ترد جميع الأحكام إليه.
والله المستعان.
المفضلات