بقلم: الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذ الحضارة الفرنسية
قبل أن نتناول الموضوع الرئيسى ، الذى هو نص خطاب البابا بنديكت 16 ، بمناسبة إفتتاح المؤتمر الإفريقى للمدنيين الكاثوليك ، المقام فى مدينة ياوندى بالكامرون ، من 4 إلى 9 سبتمبر 2012 ، نشير إلى المعنى المقصود إعتمادا على الشارتين الإعلانيتان بعاليه ، أن المعنى شديد الوضوح وهو : تنصير إفريقيا ، الذى يقوده الفاتيكان بإصرار أكمه. وإن كانت الشارة الخاصة بمؤتمر بنين العام الماضى شديدة الوضوح ، فهى تمثل قارة إفريقيا وقد رسم عليها الصليب بطول القارة ، فإن الشارة الثانية ، وإن كانت منقولة من شارة الإتحاد الأوروبى ، فهى تحمل رسالة ضمنية تذكّرنا بتعليق البابا السابق يوحنا بولس الثانى ، عندما سأله أحد الصحفيين عن رأيه فى العدد المزعج لكل الذين يغادرون الكنيسة ، فأجاب عن دراية : "يكفينى عدد الذين يتنصرون فى إفريقيا !" .. لذلك أسند بنديكت 16 إلى المدنيين مهمة أن يجعلوا من إفريقيا "قارة الآمال" ، آمال تعوّض الكنيسة عن ضياع أوروبا التى الحدت وتباعدت ، إذ ينتقدها بصورة مريرة فى خطابه قائلا :
"ومن جهة أخرى ، فإن نفس القيم التراثية الأكثر قيمة فى الثقافة الإفريقية مهددة اليوم بالعلمانية التى تصيب بالتخبط ، وتمزق النسيج الشخصى والإجتماعى ، وتؤدى إلى الصراعات القبائلية والعنف ، وإفساد الحياة العامة ، وإهانة وإستغلال النساء والأطفال ، وتزيد البؤس والجوع. ويضاف إلى ذلك أيضا ظلال الإرهاب الأصولى الذى استهدف حديثا الجماعات المسيحية فى بعض البلدان الإفريقية (...) فلا تتركوا أبدا العقلية التهميشية والعدمية التى تمس أجزاء مختلفة من عالمنا تفتح ثغرة فى واقعكم".
ونشير على الهامش ، إلى تلك العبارة المساقة عرضيا والتى يواصل فيها البابا حربه الصليبية الإنتقامية ضد الإسلام والمسلمين ، الذين يتهمهم عمدا وصراحة بالإرهاب منذ خطابه التحريفى الذى القاه فى راتسبون (2006) ، ويقوم حاليا بالإعداد لهم بحملة هجومية جديدة ، إذ أنه يعتبر هذا المؤتمر الإفريقى للمدنيين "لحظة فارقة لها مغزاها فى الإعداد لحدثين كنسيين عالميين هما : سينودس الأساقفة من أجل التبشير الجديد، و"عام الإيمان" ، اللذان سيبدآن فى شهر أكتوبر القادم (2012).. فمن يقول عبارة : "تبشير إنسان" يعنى فى نفس الوقت إقتلاعه من عقيدته الأساس ..
وهذا المؤتمر الإفريقى العام قام بتنظيمه المجلس البابوى للمدنيين ، ويرجع تكوينه إلى مجمع الفاتيكان الثانى وقراراته حول استخدام المدنيين فى عمليات التبشير. وقد أعلن البابا بولس السادس آنذاك عن إنشائه فى 6 يناير 1967 . وبعد عشر سنوات أدرجه نفس البابا بين الإدارات الدينية الدائمة للفاتيكان ، بما أن مساهمة كل المدنيين ، أى كافة المسيحيين وكل الكنائس المحلية فى العالم عليها المساهمة فى عمليات التبشير. وتلك هى بعض أهم قرارات مجمع الفاتيكان الثانى.
ولمن لا يعرف بعد أن هذا المجمع المسكونى الفاتيكانى الثانى هو الذى برأ اليهود من دم المسيح ، رغم كل الإتهامات التى لا تزال موجودة وتدينهم صراحة فى الأناجيل ، وقام بفرض ذنب مقتله على كل المسيحيين القدامى منهم والحداث ! وهو أيضا نفس المجمع الذى قرر تنصير العالم ..
ولكى نفهم عمق تعليق بنديكت 16 ، فيما يتعلق بثروات إفريقيا ومواردها الطابيعية والروحية الضخمة ، يجب أن نعود إلى الجمعية الخاصة بإفريقيا ، المقام فلا الفاتيكان من 4 إلى 25 اكتوبر 2009 ، تحت عنوان : "الكنيسة فى إفريقيا فى خدمة المصالحة والسلام". وقد حضره حوالى 250 أسقفا وقساً ليتداولوا فى مشاكل إحدى أكثر القارات المعرضة للحروب والبؤس المفروض ، وتبعات الإحتلال وما بعد الإحتلال.. لكن اللافت للنظر أنه فى يوم 27 أكتوبر 2009 ، بعد إنتهاء أعمال الجمعية الخاصة قام الآباء المجتمعون بتأدية "صلاة شكر لله على وفرة الموارد الطبيعية فى إفريقيا" !!
ولا نفهم ما دخل الموارد الطبيعية هنا فى مثل هذا المجال الدينى ؟
وياله من شكر كاشف ، بما أن السبب الإقتصادى السياسى لهذه الجمعية الخاصة قد إجتمعت من أجله ، ما نطالعه فى أحد البحاث المقدمة ، : "أن موارد المناجم الإفريقية تسلوى 46,200 مليار دولار" ، وأنه بنسبة 12% من هذه الثروة يمكن لإفريقيا أن تموّل البنية التحتية على المستوى الأوروبى".. أنها ثروة قومية تكفى لتحويل قارة إفريقيا إلى إحدى القوى العالمية الأولى.. وفى مداخلة أخرى من مداخلات هذه الجمعية نطالع : "وفقا لدراسة قامت بها إحدى الجمعيات افستشارية المتخصصة فى الإستثمار فى إفريقيا ، يوجد فى القارى الإفريقية عشرة ملايين منجما للموارد الأولية فى الأرض أو فى البحر ، وإن مائة الف منجما فقط هى المستغلة ، وتسعة ملايين وتسعمائة منجما أى 90% من مجموع المناجم لم تستغل بعد، بل والأكثر من ذلك أن جميعها معروفة ومفهرسة فى أحد بنوك المعلومات التى تستخدم التكنيات الحديثة والأقمار الصناعية الأكثر تقدما"..
وبالتالى فليس من المستغرب أن نطالع فى ختام تلك الجمعية :"أن الكنيسة ستبحث عن إقامة نظام إعداد إدارة الموارد الطبيعية فى مختلف بلدان القارة" .. وهو ما يعنى بوضوح : مزيد من التدخل من أجل الإستحواذ على هذه الموارد الدسمة ! (راجع مقالنا "تنصير إفرقيا" 5 نوفمبر 2009).
وتبقى الإشارة إلى خطأ لاهوتى فاضح فى رسالة البابا بنديكت 16 للمؤتمر الإفريقى العام ، وهو خطأ يمس السلطة القانونية العليا للبابا ، الذى يصفه مجمع الفاتيكان الأول (1869ـ1870)بأنه "معصوم من الخطأ" وبمثابة "العالِم الأعظم بالحقيقة".. وهو خطأ فادح من قداسته أن يخطئ فى عقيدة إيمان الكنيسة التى يترأسها!
فعند حديثه عن القديسة السودانية جوزفين بخيتا ، كرر مرتين فى نفس الفقرة عبارة : "اللقاء مع إله يسوع المسيح" ..ترى ألهذا الحد يجهل البابا عقيدة إيمان الكنيسة التى يترأسها ، أم أن هناك شئ آخر ؟!
ومن المفترض أن كل مسيحى يعرف ويمكنه تكرار عقيدة الإيمان بعد قول إيمانه بإله واحد يضيف "ونؤمن برب واحد يسوع المسيح ، الإبن الوحيد لله ، المولود للأب قبل كل العصور ، نور من نور ، إله حقيقى من الإله الحقيقى" .. وعقيدة الثالوث ، التى لا يفهمها أى عقل ، تضع الله ويسوع والروح القدس على قدم المساواة ، اله واحد فى ثلاثة اقانيم.. فكيف إذن يمكن لقداسة البابا أن يكرر مرتين : "إله يسوع المسيح" ، محددا بذلك فرق أساسى و حاسم بين الإثنين ؟
إن التفسير المنطقى الوحيد لهذا الخطأ من جانب هذا العالم اللاهوتى الكبير ، هو أن نقول بلا إزدراء ، أنها عبارة عن تلاعب بالألفاظ يكشف عن وجهين فى التعامل .. فللضرورة أحكام : إن معرفته بأن الغالبية العظمى للأفارقة هم مسلمون ، وأن تأليه يسوع بالنسبة لهم حاجز لا يمكن إجتيازه أو التحايل عليه ، فراح قداسة البابا يقدم لهم يسوع على أنه ليس بإله وأقل شأنا من الله ، بحيث يمكنهم تقبل أو إبتلاع عملية التبشير بلا مقاومة تذكر ..
ويا لها من أمانة !!
7 سبتمبر 2012
المفضلات