معجـــزات الأنبيــــاء

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

نعم ، رب الكنيسة كان له إخوة في الجسد ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | جواب عن سؤال : أين إتهمت الأناجيل مريم بالزنا ؟؟؟ » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | ما حقيقة العلاقة التي جمعت أم النور بيوسف النجار ؟؟ » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | منطقيّة القرآن الكريم في تكلّم المسيح عليه السّلام في المهد » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | منطقيّة القرآن الكريم في تكلّم المسيح عليه السّلام في المهد » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | منطقيّة القرآن الكريم في تكلّم المسيح عليه السّلام في المهد » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | إجابة عن سؤال : من نسب لله الصّاحبة و الولد ؟؟ » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الكاردينال روبيرت سارا يغبط المسلمين على إلتزامهم بأوقات الصلوات » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | قراءة في حديث الملحمة الكبرى » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | لقد وجد هذا العالم المتبحِّر بالمخطوطات أزيدَ من 25000 تعديل وتصحيح أُجريت على المخطوطة السَّيْنائية، خلال مرحلة زمنية تقدَّر بعشَرة قرون، 👈وأثبتت » آخر مشاركة: ابا عبد الله السلفي | == == |

مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

معجـــزات الأنبيــــاء

صفحة 1 من 6 1 2 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 52

الموضوع: معجـــزات الأنبيــــاء

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Mar 2005
    المشاركات
    3,275
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    04-12-2012
    على الساعة
    11:58 PM

    افتراضي معجـــزات الأنبيــــاء

    الســلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بسم الله والحمد دلله والصلاة والسلام على رسول الله نبى المعجـزات وعلى صحبه من الأنبياء والمرسبين جميعــا ً .

    المعجزة : هى خرق لقوانين الكون ، يؤيد الله سبحانه وتعالى بها رسله .

    وقد يخلط الناس يين المعجزة والكرامه ، ولكن هناك فرقا ً بينهما ، فرغم ان كلا ً منهما امر خارق للعاده ، الا ان المعجزة يـظهرها الله على ايدى الأنبياء والمرسلين ، اما الكرامة فهى امر يظهره الله على ايدى بشر غير الأنبياء

    وفى المعجزات عبر وايمان وعقيده خالصة ، اسأل الله ان يوفقنا فى عرضها بلا مخالفات او اخطاء .

    فاحبائى ارجو منكم ان تجعلوا عينكم وقلوبكم معنا

    صححونا ان اخطأنا واضيفوا لأثراء المواضيع

    ان شاء الله نبدأ قريبا ً

    فاستعدوا بتحضير مواضيع تشــاركون بها ؟




    دعـــــــوة عامـــــة للأستعداد والتحضير ولمشـــــاركة
    التعديل الأخير تم بواسطة نسيبة بنت كعب ; 08-04-2005 الساعة 01:31 PM

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2005
    المشاركات
    14,298
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-06-2019
    على الساعة
    06:45 PM

    افتراضي

    يأتي إنسان ويقول إنه رسول من عند الله جاء ليبلغ بمنهجه .. أفنصدقه ؟ أم أننا نطالبه بإثبات ما يقول ؟

    إذا كان لا بد أن تجئ مع كل رسول معجزة تثبت صدقه في رسالته وفى بلاغه عن الله وأن تكون المعجزة تثبت صدقه في رسالته وفى بلاغه عن الله وأن تكون المعجزة مما لا يستطيع أحد أن يأتي به ، وأن تكون مما نبغ فيه قومه .. لماذا ؟ .. حتى لا يقال إن الرسول قد تحدى قومه بأمر لا يعرفونه ولا موهبة لهم فيه .. فالتحدي يجب أن يكون في أمر نبغ فيه القوم حتى يكون للتحدي قيمة .. ولذلك نلاحظ في معجزة كل رسول أنها جاءت فيما نبغ فيه قومه .. وإنها جاءت لتهدم من يتخذونه إلها من دون الله..
    إن كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس رسول الله لمدة 23 عاماً .. فلماذا لم يعاقبه معبود الكنيسة ؟
    .
    والنَّبيُّ (الكاذب) والكاهنُ وكُلُّ مَنْ يقولُ: هذا وَحيُ الرّبِّ، أُعاقِبُهُ هوَ وأهلُ بَيتِهِ *
    وأُلْحِقُ بِكُم عارًا أبديُا وخزْيًا دائِمًا لن يُنْسى
    (ارميا 23:-40-34)
    وأيُّ نبيٍّ تكلَّمَ باَسْمي كلامًا زائدًا لم آمُرْهُ بهِ، أو تكلَّمَ باَسْمِ آلهةٍ أُخرى، فجزاؤُهُ القَتْلُ(تث 18:20)
    .
    .
    الموسوعة المسيحية العربية *** من كتب هذه الأسفار *** موسوعة رد الشبهات ***

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2005
    المشاركات
    3,275
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    04-12-2012
    على الساعة
    11:58 PM

    افتراضي

    نـــــوح....و فــار التنور

    قال تعالى:

    :start-ico فأوحينا اليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فاذا جاء أمرنا وفار التنّور فاسلك فيها من كلّ زوجين اثنين وأهلك الا من سبق عليه القول منهم, ولا تخاطبني في الذين ظلموا, انهم مغرقون . المؤمنون 27.

    1. الى من أرسل نوح

    كل نبي أرسل لأمة, فموسى لبني اسرائيل, ومحمد لقريش وللعالمين, وصالح لقوم ثمود, وهود الى قوم عاد, وهكذا. وأما نوح فلمن أرسل من القوم؟ أرسل الى أولاد قابيل بن آدم ومن تابعهم من ولد شيت بن آدم (العرائس للثعلبي) وقد تحدث المفسرون عن ذلك فقالوا: كان لآدم نسلان من أولاده أو قبيلتان احداهما تسكن السهل والوادي الأخضر والآخرى تسكن الجبل. وكان للرجال في القبيلة التي تسكن الجبل جمال وروعة أما نساؤهم فكنّ ذوات دمامة وقبح. فالرجال أجمل من النساء كثيرا, أما القبيلة التي تسكن السهل والوادي فكانت نساؤها رائعة الجمال لا يستطيع الرجل أن يمعن النظر فيهن لشدة جمالهن, أما الرجال فكانوا على عكس ذلك فقد كانوا من القبح والدمامة بمكان فلا تطيق أن تعيش معهم من الدمامة والقبح.

    واستغل ابليس هذه المفارقة العجيبة وأراد أن يخلطهما ببعض حتى تشيع الفاحشة بينهم, فنزل على رجل من أهل السهل, وجاءه على هيئة غلام ليعمل في بستانه وزرعه, فاستأجره وجعله خادما له, فجاء لبليس بمزمار يحدث صوتا مثل مزامير الرعاة للغنم, وبدأ يحدث به صوتا عاليا ليسمع قبيلة الجبل صوتا غريبا فجاؤوا على هذا الصوت, وأقاموا حفلا جعلوه عيدا كل عام يأتون اليه وبدأت نساء السهل تخرجن متبرّجات وهن على قدر من الجمال_ فرآهن الرجال, وهرع رجل من الجبل الى أصحابه يحكي لهم عن الخبر فتحولوا اليهم ونزلوا معهم وظهرت الفاحشة الكبرى وحقق ابليس ما كان يريده, فلقد أقسم في السماء ليغوينهم أجمعين الا الصالحين منهم والمؤمنين بالله عز وجل.

    وكثر بنو قابيل وظهرت المعصية, وأكثروا الفساد_ وأصبح ابليس وأبنائه بينهم يفعلون بهم ما يريدون ويدعوهم الى المعصية فيستجيبون.

    وقد كانت الفترة ما بين وفاة آدم ونوح عليهما السلام حافلة بالايمان والفساد وممن آمنوا وكانوا صالحين: ودّا ويغوث, ويعوق, وسواع, ونسر كانوا قوما صالحين وكان لهم أتباع يقتدون بهم.( تفسير ابن كثير سورة نوح).

    وتذكر أن آدم عليه السلام له أربعون ولدا عشرون غلاما وعشرون جارية فكان ممن عاش منهم هابيل وقابيل, وود, كان ود يقال له: شيث ويقال له هبة الله, وقد جعله اخوته رئيسا وسيدا عليهم, وولد له سواع ويغوث ويعوق ونسر.

    كان "ود" رجلا صالحا كما ذكرنا, وكان محببا في قومه, فلما مات عكفوا على الجلوس حول قبره في أرض بابل وحزنوا عليه حزنا شديدا وأصبحوا يزورون قبره بصفة دائمة, ورأى ابليس حالهم هذا وجزعهم عليه فأراد أن يستثمر هذا الضعف فيهم فتشبّه بصورة انسان ثم قال لهم: اني أرى جزعكم على هذا الرجل, فهل لكم أن أصوّر لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه به؟.

    فقالوا: نعم.

    فصنع ابليس صنما مثل "ود" فوضعوه في ناديهم فجعلوا يقدّسون الصنم ويذكرونه صباح مساء.

    فلما رأى ابليس ذلك منهم واطمأن الى غيّهم قال لهم في خطوة جعلته يتمكن من عقيدتهم ويفسدهم_قال: هل أجعل لكم في منزل كل منكم تمثالا مثله ليكون له في بيته فتذكرونه, وتعبدونه؟

    قالوا: نعم.

    فصنع لكل أهل بيت تمثالا مثله, فأقبلوا على هذه التماثيل الأصنام التي حملت اسم الرجل "ود" ولما جاء أبناؤهم أدركوا ما يفعله الآباء, جعلوا يقلّدونهم فيما يصنعون بهذ التماثيل من عبادة وتأليه, وتواليت بعد ذلك أجيالهم وأحفادهم في عبادة الأصنام, ونسوا "ود" الرجل الصالح وجعلوه صنما يعبد من دون الله وبذلك استطاع ابليس أن يحول اسم الرجل الصالح الى رمز للوثنيّة والكفر, فكان "ود" أول ما عبد غير الله, وكان أول صنم يعبد من غير الله اسمه "ود". (قصص الأنبياء لابن كثير).

    وقد أضل بهذ الأصنام كثيرا من الأمم فقد استمرّت في عبادتها هذه الأمم قرونا عديدة حتى الى زمان جاهلية العرب قبل الاسلام وقد قال المفسرون (ابن عباس في تفسير ابن كثير): صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد ذلك. فمثلا "ود" كان صنما لبني كلاب بن الجندل, وأما سواع فكانت لهزيل, وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف _عند سبأ_ وأما "يعوق" فكانت لهمدان وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي كلاع وكلها قبائل عربية قديمة _ وهي أسماء قديمة لرجال صالحين عاشوا في زمن قبل نوح عليه السلام ما بين آدم ونوح.

    وقد كان بين نوح وآدم عليهم السلام عشرة قرون, كلهم على شريعة من الحق, فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين, وقد جاء القرآ، بقوله تعالى:{ وما كان الناس الا أمّة واحدة فاختلفوا} البقرة 213, كانوا على الهدر جميعا فاختلفوا, وزيّن لهم الشيطان عبادة الأصنام, فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين, فكان أول نبي بعث نوح عليه السلام. تاريخ الطبري.

    2. مئات السنين:

    ان الله تبارك وتعالى لما أجمع القوم على العمل بما يعصيه سبحانه عز وجل ويكرهه من خلقه من ركوب الفواحش وشرب الخمور والاشتغال بالملاهي عن طاعته عز وجل. لما رأى منهم كل ذلك أرسل نوحا اليهم وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة, وقيل أربعمائة وثمانين سنة, ثم عاش بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين, وقيل انه دعاهم في نبوته مائة وعشرين سنة. وركب السفينة وهو ابن ستمائة سنة, ثم مكث بعد ذلك ثلاثمئة وخمسين سنة. تاريخ الطبري.

    لبث نوح عليه السلام في قومه ألف سنة الا خمسين عاما كما قال الله عز وجل يدعوهم الى الله سرا وجهرا, فيمضي قرن (مئة سنة) بعد قرن, فلا يستجيبون له حتى مضى على ذلك ثلاثة قرون وهو يدعوهم جهارا نهارا _ وهم من دعوته على حالهم, لا يسمعون له ولا يستجيبون. كان كلما دعاهم هجموا عليه وخنقوه حتى يغشى عليه, ويسقط على الأرض مغشيا عليه, فاذا أفاق قال: اللهم اغفر لقومي فانهم لايعلمون, وكان هذا العمل يتكرر دوما سنوات وسنوات وقيل أن نوحا كان يضرب من قومه حتى الوهن والضعف والمرض ويلف في ثياب كأنه مات, ويظن أنه قد مات, ثم يخرج فيدعوهم مرّة أخرى. (العرائس للثعلبي ص 47).

    كان يخرج مرّة أخرى ومرات يدعوهم, حتى كان الآباء يقولون للأبناء: قد كان نوح مع آبائنا وأجدادنا, وأجداد أجدادنا _ انه رجل مجنون لم يقبلوا منه دعوة دعاها ونحن لن نقبل دعوة يدعوها.

    وذات يوم جاء رجل ومعه ابنا يتوكأ على عصا مما أصابه من الشيخوخة, فقال العجوز لابنه وهو يشير الى نوح:

    أنظر يا بني الى هذا الشيخ ايّاك أن يغرّك.

    فقال الابن لأبيه: يا أبت أعطني العصا التي تتوكأ عليها.

    فأعطاه أبوه الشيخ العجوز العصا التي كان يتوكأ عليها وجلس على الأرض, فمشى الابن الى نوح عليه السلام, فضربه عدّة ضربات ولكن نوح عليه السلام لم ييأس وظلّ يدعو قومه عشرات ومئات السنين ولكن دون جدوى.( قصص الأنبياء لابن كثير ص 65).

    دعا نوح قومه الى افراد العبادة لله وحده لا شريك له, وألا يعبدوا معه صنما ولا تمثالا ولا طاغوتا وأن يعترفوا بوحدانيّته, وأنه لا اله غيره ولا رب سواه. وقال لهم نوح:

    {اعبدوا الله ما لكم من اله غيره, اني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم}.

    وقال:{ أن لا تعبدوا الا الله, اني أخاف عليكم عذاب يوم أليم}.

    وقال لهم نوح:{ ياقوم اني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون}.

    ترى بماذا أجابوا نوح بعد أن دعهم الى الله عز وجل بكل أنواع الدعوة في الليل والنهار, والسر والعلانية, بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى, فلم ينجح كل هذا, واستمر أكثرهم على الضلالة والطغيان وعبادة الأصنام, ونصبوا لنوح العداوة في كل وقت وأوان, وتنقصوه وسخروا منه.

    وقالوا له:{ انا لنراك في ضلال مبين}.

    وقال لهم نوح:{ ياقوم ليس بي ضلالة ولكنّي رسول من ربّ العالمين} أي انني لست كما تزعمون من أني ضال, بل على الهدى المستقيم رسول من رب العالمين, أي الذي يقول للشيء كن فيكون.

    ثم قال نوح:{ أبلّغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون}.

    هكذا أجابهم نوح في بلاغ وذكاء وكلام مقنع لا جدال فيه.

    فقالوا له:{ ما نراك الا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك الا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنّكم كاذبين}.

    تعجب القوم أن يكون نوح بشرا رسولا, وتنقصوا ممن اتبعه وقالوا: انهم أراذلنا أي: الضعفاء منا, والأقل مكانة ومستوى منا, فنحن أفضل منهم مالا وحسبا ونسبا ولأنهم كذلك يا نوح: ضعفاء فقراء أراذل فقد استجابوا بمجرد ما دعوتهم اليه من غير نظر ولا رويّة ولا تمحيص.

    ونسي هؤلاء الكفار أن الحق ظاهر لا يحتاج الى رويّة ولا فكر ولا نظر.

    وظلوا يعترضون ويجادلون نوحا ومن آمن معه, فقالوا:

    { وما نرى لكم علينا من فضل} أي: لم يظهر لكم أمر بعد اتصافكم بالايمان ولا ميّزة علينا.

    واتهموه وقومه بالكذب وقالوا:{ بل نظنّكم كاذبين}.

    عند هذا الحد تحدث نوح عليه السلام بأنه صادق ولن يلزمهم أو يكرههم على شيء وأنه لا يريد منهم أجرا على دعوته اياهم, وان طلبت أجرا فاني سأطلبه من الله الذي ثوابه وأجره أفضل مما عندكم وخير مما تعطونني, ولن أطرد هؤلاء ولن أبعدهم عني فقد آمنوا بربهم مهما عرضتم من اغراءات.

    قال لهم نوح:{ أرأيتم ان كنت على بيّنة من ربي وءاتاني رحمة من عنده فعمّيت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون} هود 29.

    وقال نوح:{ وما أنا بطارد الذين ءامنوا, انهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون}. هود 29.

    وقد تطاول الجدال والزمان بينهم وبين نوح عليه السلام, وكان كلما انقرض جيل منهم وصّ من بعده بعدم الايمان بدعوة نوح ومحاربته ومخالفته, وكان الوالد اذا بلغ ولده وعقل جلس اليه ووصاه فيما بينه وبينه, ألا يؤمن بنوح أبدا ما عاش وما بقي.

    وقالوا:{ يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا}. هود 32.

    ثم طلبوا معجزات ظنوا أن نوح لن يقدر عليها بأمر الله فقالوا:{ فأتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين{ هود 32.

    وجاء ردّه الأخير:{ ولا ينفعكم نصحي ان أردت أن أنصح لكم ان كان الله يريد أن يغويكم, هو ربّكم واليه ترجعون} هود 34.

    وجاء التأكيد من الله عز وجل أنه لا فائدةمن هؤلاء فلن يؤمن منهم أحد الا من آمن. وقال الله عز وجلّ لنوح:

    { وأوحى الى نوح أنه لن يؤمن من قومك الا من قد ءامن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} هود36.

    وبدأ نوح عليه السلام ينتظر أوامر أخرى من ربّه.

    3. بدء المعجزة الكبرى:

    بدأت المعجزة الكبرى لنوح عليه السلام بحوار جميل بينه وبين ربّه وكان بمثابة تقرير كامل عما كلفه الله به من عمل جاء في هذا الحوار الكريم:

    { قال رب اني دعوت قومي ليلا ونهارا* فلم يزدهم دعائي الا فرارا * واني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في ءاذانهم واستغشوا ثيابهم وأصرّوا واستكبروا استكبارا * ثمّ اني دعوتهم جهارا * ثم اني أعلنت لهم وأسررت لهم اسرارا * فقلت استغفروا ربّكم انه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا} نوح 5-11.

    وظلّ نوح عليه السلام يذكر لقومه ما دعاهم اليه, ويصوّر لهم عظمة الله في خلقه, ويبيّن لهم نعم الله عليهم _ ولم يكن لهذا اجابة أو سبيل_ فقد ضلوا ضلالا شديدا, وزاد فسادهم وخبثهم مع كثرة جدالهم واحساسهم بأنهم الأكثر فهما وعلما من نوح وهنا قدّم نوح عليه السلام نتائج عمله طوال مئات السنين وصبره على أجيال وأجيال منهم, فدعا ربه أن يهلكهم حتى لا يفسدوا في الأرض ويضلوا غيرهم ضلالا بعيدا وقال:

    { وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا * انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا} نوح 26-27.

    وجاء الأمر الكريم الذي حمل في طيّاته معجزات عظيمة.

    قال الله تعالى لنوح عليه السلام:

    { واصنع الفلك بأعيننا ووحينا} هود 37.

    ولربما قال نوح: يا رب وما الفلك؟

    فقال له: بيت من خشب يجري على وجه الماء حتى أغرق أهل المعصية وأريح أرضي منهم.

    ربما سأل نوح عن الماء, وهو يعلم أن الله على كل شيء قدير.

    وقيل ان نوحا سأل عن الخشب, فأمره ربّه بغرس شجر الساج كثير الخشب عظيم الأصول والفروع, فأمره الله تعالى بذلك وظلّ يغرس ويغرس وانتظر أربعين عاما حتى أصبح الشجر غابات هائلة. وفي هذه السنوات توقف نوح عن دعوة قومه الى عبادة الله فلم يدعهم فأعقم الله تعالى أرحام نسائهم فلم يولد لهم ولد, فلما كبر الشجر أمره ربه أن يقطع الشجر فقطعه وجففه ثم قال: يا رب كيف أتخذ هذا البيت أي كيف أصنع هذه السفينة؟ فقال له: اجعله مائلا على ثلاث صور رأسه كرأس الديك وجوفه كجوف الطير وذنبه كذنب الديك مائلا واجعلها متطابقة واجعل أبوابها في جنبيها واجعلها ثلاث طبقات واجعل طولها ثمانين ذراعا وارتفاعها في السماء ثلاثين ذراعا. أورد هذا الثعلبي في العرائس وقال أن هذا قول أهل الكتاب .ص 47-48.

    هذا المجنون يتخذ بيتا يسير به على الماء_ يقصدون السفينة_ ثم يضحكون.

    وقد جاءت صورة هذا المشهد في القرآن الكريم في قوله تعالى: { ويصنع الفلك وكلما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه} هود 39. أي يستهزئون به وقد استبعدوا أن يحدث ما توعّدهم به.

    فيجيب عليهم نوح قائلا: { قال ان تسخروا منّا فانّا نسخر منكم كما تسخرون}. هود 39.

    ثم أضاف موضحا ما توعّدهم بأنه وقومه سوف يسخر منهم ويتعجب منهم من استمرارهم على كفرهم وعنادهم الذي سوف يقتضي وقوع العذاب بهم وحلوله عليهم لاحقا (قصص الأنبياء لابن كثير ص 180), مؤكدا وقوع ذلك بقوله:{ فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم} هود 39.

    وأوحى الله الى نوح عليه السلام أن عجّل صنعة الفلك, وانته من صناعة السفينة, فقد اشتد غضبا على من عصاه _ عند ذلك استأجر نوح أجراء وعمّال يعملون معه في صنع السفينة وأولاده سام وحام ويافث ينحتون معه السفينة فجعلها ستمائة وستين ذراعا للطول وعرضها ثلاثمائة وثلاثين ذراعا وطولها في السماء ثلاثة وثلاثين ذراعا وطلاها بالقار داخلها وخارجها بعد أن فجر الله له عين القار بجوار السفينة تغلي غليانا وشدّها بالمسامير الحديد وطلاها كلها بالقار, وجاء في قوله عن المسامير الحديد:{ وحملناه على ذات ألواح ودسر}.

    وقد كان عيسى بن مريم يحيي الموتى بأمر الله, فقال له الحواريون: لو بعثت لنا رجلا من قبره يكون قد رأى سفينة نوح فيحدثنا عنها! فانطلق عيسى عليه السلام والحواريون خلفه حتى وصل الى كثيب من تراب, فأخذ حفنة من التراب وقال: أتدرون ما هذا التراب؟

    قالوا: الله ورسوله أعلم!!

    قال عليه السلام: هذا قبر حام بن نوح, فضرب التراب بعصاه وقال: قم باذن الله, فاذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه, وقد شاب شعره وأصبح شيخا عجوزا, فقال له عيسى عليه السلام: أهكذا مت وهلكت؟

    فقال حام بن نوح: لا, ولكني مت وأنا شاب؛ ولكني ظننت أنه الساعة (يوم القيامة) فشبت من الخوف.

    فقال عيسى عليه السلام: حدّثنا عن سفينة نوح.

    قال: كان طولها ألف ذراه ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع وكانت ثلاث طبقات: فطبقة فيها الدواب والوحوش, وطبقة فيها الانس, وطبقة فيها الطير.

    فلما كثر ارواث الدواب أوحى الله الى نوح أن اغمز ذنب الفيل, فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة, فأقبلا على روث الحيوانات. رواية الطبري في تاريخه عن ابن عباس ج 1 ص 181 طبعة احياء التراث.

    4. فار التنور

    نعود الى نوح عليه السلام.

    انتهى نوح من السفينة فبناها, وأعدها كما يجب, وما بقي الا ايجاد البحر الذي ستبحر عليه وتتطهر الأرض بمائه من دنس الكفار.

    حدّد الله مكان وزمان البداية بأمر عظيم وكريم, فجعل خروج الماء من التنور وفورانه هو بداية المعجزة الكبرى التي هزت الدنيا بأسرها, وقد كانت كلمة السر أو علامة السر هي فوران التنور, وقد قالوا عن فوران التنور عدة أقوال أولها: أنه طلوع الفجر وبزوغ الصباح.

    وأشهر ما قيل في التنور أنه مكان صناعة الخبز, وكان فرنا أو تنورا من حجارة, وكان لآدم ثم انتقل الى نوح فقيل له: اذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك. فنبع الماء من التنور فعلمت به امرأته فأخبرته وقالت له: لقد فار الماء من التنور.

    وقيل ان التنور فار في الكوفة, وقيل بالشام في موضع اسمه عين الورق, وقيل انه بالهند. تاريخ الطبري ج1 ص 182 والعرائس للثعلبي ص 48.

    فلما رأى نوح فوران التنور علم أنها البداية, بداية هلاك قومه.

    كان فوران الماء علما واخبارا لنوح عليه السلام ببداية معجزته كنبي ودليلا على هلاك قومه_ كان الأمر الرباني من جزئين:

    الجزء الأول: اشارة البدء المتفق عليها والموصى بها لنوح عليه السلام وهي فوران التنور.

    أما الجزء الثاني قكان كما ذكرت الآية الكريمة:{ قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك الا من سبق عليه القول ومن ءامن, وما ءامن معه الا قليل} هود 40.

    وقد قال المفسرون: ان الله أرسل المطر أربعين يوما وليلة فأقبلت الوحوش والطير والدواب الى نوح حين أصابها المطر, وسخرت له, فحمل كل منها كما أمره الله عز وجل:{ من كل زوجين اثنين} وبدأ في اذخال الحيوانات والطيور وكان آخر ما حمل الحمار فلما دخل الحمار بصدره تعلق ابليس بذنبه أو ذيله فلم تستقل رجلاه فجعل نوح يقول ادخل فينهض فلا يستطيع _ حتى قيل ان نوح قال: ويحك ادخل وان كان الشيطان معك _ كلمة زلّ بها لسان نوح فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان معه. فقال له نوح: ما أدخلك يا عدو الله _ فقال الشيطان: ألم تقل أدخل ولو كان الشيطان معك؟ّ!

    قال نوح: أخرج يا عدو الله..

    فقال: ما أخرج _ وزعم المؤرخون أنه أي الشيطان كان في الفلك. عرائس المجالس ص 49.

    وقيل ان الحيّة والعقرب أتيا نوح فقالا: احملنا فقال: انكما سبب الضرر والبلايا فلا أحملكما.

    قالا: احملنا ونحن نضمن لك أن لا نضر أحدا ذكرك, فمن قرأ حين يخاف مضرتهما ( الحية والعقرب) من قرأ:{ سلام على نوح من العالمين * انا كذلك نجزي المحسنين * انه من عبادنا المؤمنين} لم يضراه أو يصيبه أذى أبدا.

    وقيل ان نوح عليه السلام قال: يا رب كيف أصنع بالأسد والبقر, وكيف أصنع بالعناق والذئاب, وكيف أصنع بالحمام والقط؟

    قال الله تعالى لنوح: من ألقى بينهم العداوة يا نوح؟

    قال نوح عليه السلام: أنت يا رب العالمين.

    فقال عز وجلّ لنوح: فأنا الذي أؤلف بينهم حتى لا يتضاروا ولا يضرّ بعضهم بعضا.

    فحمل نوح عليه السلام السباع والدواب في الطبقة الأولى.

    فألقى الله على الأسد الحمى وشغله بنفسه عن الدواب والبقر.

    وجعل الوحوش في الطابق الثاني من السفينة, وركب هو ومن معه من أولاد آدم في الطبقة العليا.

    وهبط جبريل هليه السلام الى الأرض.. وحمل الى نوح عليه السلام في السفينة من كل حيوان وطير ووحش زوجين اثنين, بقرة وثورا, فيلا وفيلة, عصفورا وعصفورة, نمرا ونمرة, قطا وقطة.. الى آخر المخلوقات.

    كان نوح عليه السلام قد صنع أقفاصها للوحوش وهو يصنع السفينة.. وساق جبريل عليه السلام أمامه من كل زوجين اثنين, لضمان بقاء نوع الحيوان والطير على الأرض.

    وهذ دليل على أن الطوفان أغرق الأرض كلها, فلولا ذلك ما كان معنى لحمل كل هذه الأنواع من المخلوقات حيوان وطير_ أليف وغير أليف صعدت كل هذه الحيوانات والوحوش والطيور كما ذكرنا, وصعد الذين آمنوا مع نوح, قيل انهم كانوا ثمانين انسانا. ابن عباس , العرائس ص49.

    كان عدد المؤمنين قليلا.

    فقد جاء تأكيد ذلك في الآية الكريمة: { وأهلك الا من سبق عليه القول ومن ءامن, وما ءامن معه الا قليل}. هود40.

    انتهى كل هذا وأصبحت السفينة جاهزة على الأرض. وانتظر نوح ومن معه أمر الله سبحانه عز وجلّ, وقد جعل الله فوران التنّور آية بينه وبين نوح وعهد الله اليه فقال: اذا رأيت التنور قد فار فاركب أنت ومن معك على الفلك واحمل فيها من كل زوجين اثنين كما قال الله تعالى:{ حتى اذا جاء أمرنا وفار التنور}.

    جاء أمر الله هنا أي: جاء عذابه وهو الطوفان الهادر.

    لم تكن زوجة نوح مؤمنة به فلم تصعد الى السفينة وهي أم أولاده كلهم وهم: حام وسام ويافث ويام, ويسميه أهل الكتاب كنعان, وهو الذي قد غرق في الظوفان, فقد ماتت قبل الطوفان وقيل انها غرقت مع من غرق, وكانت ممن سبق عليها القول لكفرها. وقد نزلت فيها الآية الكريمة في سورة التحريم في قوله تعالى: { ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأة لوط, كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين}.

    وبدأ الطوفن الهادر.. وما أدراك ما الطوفان الهادر..

    جاء وصف الطوفان في القرآن _ حينما جاء أمر الله_ وفار التور في الفرن الكائن في بيت نوح عليه اليلام.

    قال القرآن الكريم عن الطوفان الذي سبقه دعاء نوح, قال نوح: { فدعا ربه أني مغلوب فانتصر}.

    ماذا حدث بعد هذا الدعاء؟ بدأ الطوفان الهادر بأمر من الله, اذ يقول الله عز وجل: { ففتحناأبواب السماء بماء منهمر}, { وفجرنا الأرض عيونا}.

    أرسل الله من السماء مطرا لم تعهده الأرض قبله ولا تمطره بعده, وكانن كأفواه القرب, وأمر الله الأرض فنبعت م جميع أرجائها.. آبارا وعيونا تضخ بالماء.

    ارتفع الماء الى أعلى جبل في الأرض خمسة عشر ذراعا وهو الذي قاله أهل الكتاب وقيل ثمانين ذراعا. وعمّ جميع الأرض طولها والعرض سهلها وحزنها, وجبالها وقفارها ورمالها, ولم يبق على وجه الأرض ممن كان بها من الأحياء عين تطرف ولا صغير ولا كبير, وكان أهل ذلك الزمان قد ملؤوا السهل والجبل, فلم تكن بقعة على الأرض الا ولها ملك وصاحب وحائز. قصص الأنبياء لابن كثير ص 73.

    ارتفعت المياه من فتحات الأرض, لم تبق هناك فتحة في الأرض الا وخرج منها الماء انهمرت من السماء أمطارا غزيرة بكميّات لم تر مثلها الأرض, ومضت ساعات وساعات وانفجرت حركة غير عادية, ارتفعت قيعان المحيطات ارتفاعات مفاجئة, واندفع موج البحار يكتسح الجزء اليابس من الأرض.

    وغرقت الكرة الأرضية للمرة الأولى في المياه.

    لم تعد كرة أرضية, با أصبحت كرة مائية, لأن الطوفان أغرقها جميعا بالماء ولم يبق فيها أرض يابسة أبدا.

    وقد ذكر أن الطوفان حدث في شهر أغسطس, في الثالث عشر منه. تاريخ الطبري ج 1 ص 189 ط المعارف.

    وقد طغى الماء وارتفع الموج ارتفاعا هائلا, وقال عز وجلّ:{ انا لمّا طغا الماء حملناكم في الجارية* لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية} الحاقة 11-12.

    كان كنعان بن نوح عليه السلام كافرا, ولم يكن نوح يعرف هذا عنه حتى جاءت لحظة الطوفان, وكان يتصوّر أنه مؤمن عنيد, اختار النجاة باللجوء الى الجبل, وكان ارتفاع الموج قد أنهى حوارهما قبل أن يعرف نوح أنه مؤمن وقد جاء هذا الحوار في القرآن الكريم:

    { وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين * قال سآوي الى جبل يعصمني من الماء, قال لا عاصم اليوم من أمر الله الا من رحم, وحال بينهما الكوج فكان من المغرقين}.

    وعندما حال الموج بين موح عليه السلام وبين ابنه, ولم يكن نوح قد تأكذ من ايمان ابنه, ولم يعلم أنه من الكافرين. لجأ نوح عليه السلام الى ربه ترى ماذا قال نوح عليه السلام لربه
    في شأن ابنه. ذلك ما ترويه الآية المباركة فتقول:

    ونادى نوح ربه فقال: { ونادى نوح ربه فقال رب ان ابني من أهلي وانّ وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين} هود45.

    أراد نوح أن يقول لربه, أن ابنه من أهله, وقد وعده الله بنجاة كل أهله المؤمنين. فجاء الرد من الله عز وجلّ لنوح عليه السلام, ليكشف حقيقة هذا الابن الغريق.

    قال تعالى:{ قال يانوح انه ليس من أهلك, انه عمل غير صالح, فلا تسئلن ما ليس لك به علم, اني أعظك أن تكون من الجاهلين} هود 46.

    غرق الابن, وغرق أهل الكفر والطغيان, وبدأت رحلة العودة, الوعدة للأرض الطاهرة التي خلت تماما من الكفر والكفار.

    جاء الأمر من الله:{ وقيل يا أرض ابلعي ماءك} فتوقف الماء الذ كان يتدفق من العيون.

    { وياسماء أقلعي} فتوقف الماء المنهمر من السماء.

    { وغيض الماء} بمعنى أنه نقص, وانصرف عائدا الى باطن الأرض.

    ورست سفينة نوح عليه السلام على الأرض, وهلك الظالمون, وقال رب العزة لنوح:{ اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك, وأمم سنمتعهم ثم يمسّهم منا عذاب أليم}.

    ورست السفينة, وهبط نوح عليه السلام, وأطلق سراح الطيور والوحوش فتفرّقت في الأرض جميعا, وعلم نوح عليه السلام أن الأرض قد جفت ويبست من الماء عندما بعث غرابا يأتيه بالخبر, فوجد "جيفة" فظلّ يأكل منها واشتغل عنه بالأكل ولم يرجع اليه فدعا عليه بالخوف ولذلك الغراب لا يألف البيوت. العرائس ص 51.

    ثم بعث الحمامة فطارت وجاءت عائدة بغصن زيتون بمنقارها وطين برجليها فعلم أن البلاد قد جفت وطوقها بالخضرة التي نجدها في عنق الحمام أحيانا ودعا لها أن تكون في أنس وأمان فمن ثم تألف البيوت, ويربيها الناس فلا تخاف وتطير مسافات وتعود الى أصحابها.

    هذه هي معجزة نوح , لم تكن معجزة التنور الذي فار منه الماء وحده وانما حياة نوح ألف سنة الاخمسين معجزة.

    وبناء السفينة وما احتاجه من زراعة الشجر وانتظار خشبه عشرات السنين معجزة.

    وركوب السفينة مع الحيوانات على اختلاف أنواعها معجزة.

    والطوفان الهادر معجزة, والهبوط معجزة.

    انها معجزات النبي نوح عليه السلام وليست قصة حياته.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2005
    المشاركات
    3,275
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    04-12-2012
    على الساعة
    11:58 PM

    افتراضي

    صالح
    رغت الناقة وصاح جبريل



    قال تعالى:

    :start-ico انا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر * ونبّئهم أن الماء قسمة بينهم, كلّ شرب محتضر * فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر * فكيف كان عذابي ونذر * انّا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتضر القمر 27-31.

    1.المعجزة:

    ان الله سبحانه وتعالى عندما يؤيد رسله وأنبياءه بالمعجزات فانه لا يتحدى بها فردا واحدا, ولكنه يتحدى أمة بأكملها, انه يطلب منهم أن يستعين بعضهم ببعض ان استطاعوا, ولن يستطيعوا.

    وحتى لا يقول الكفار: لقد جاء نبي يدعو الرسالة بشيء لم نتقنه ونبغ فيه, ولو تعلمناه لجئنا بمثل هذه المهجزة, جاءهم بشيء تعلموه بل ونبغوا فيه واشتهروا بفعله, ثم بعد ذلك تحداهم به, لكنهم يعجزون!!

    ومعنى التحدي هو اثارة حماس القوى المعارضة لتفعل والقوى المعارضة هي الكفار, أو غير المؤمنين.

    لقد تحدّاهم علنا, لتهيج نفوسهم أمام الناس, ويحاولوا قدر طاقاتهم أن يأتوا بمثل المعجزة ويحشدوا لها طاقاتهم, بل ويجنّدوا لها للرد عليها, ولكنهم مع كل ذلك, ورغم كل ذلك يعجزون.

    واذا كان صالح عليه السلام قد احتاج من الله عز وجلّ معجزة, كي يعزز دعوته ورسالته بالحجة التي لا ترد فاننا يجب أن نعرف معنى المعجزة وما هي المعجزة؟

    (ومعنى المعجزة أن يأتي الله سبحانه وتعالى على يد رسول من البشر بأمر خارق ليثبت بها صدق بلاغ هذا الرسول عن الله عز وجل, فكان الرسول يقول: أنا لم أعرف بينكم بما نبغتم فيه, ولكني أتيت بشيء لا تقدرون عليه. وأنا أتحداكم أن تجتمعوا جميعا وتستعينوا بعضكم ببعض.. ولن تقدروا على الاتيان بهذ المعجزة. وهذ دليل صدقي في التبليغ عن الله.. ان أعوزكم الدليل, وكنتم في شك مما أقول). معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم للشيخ محمد متولي الشعراوي.

    نعود الى صالح عليه السلام الذي أرسله الله تعالى الى قوم ثمود, وثمود قبيلة كبيرة كانت تعبد الأصنام, فأرسل الله سيدنا صالحا اليهم, وقال صالح لقومه:

    { يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره}.هود61.

    قال لهم صالح نفس الكلمة التي يقولها كل نبي لقومه, هي هي لا تتغيّر ولا تتبدّل {اعبدوا الله ما لكم من اله غيره}, وكانت دعوة صالح عليه السلام مفاجأة لهم, لأنه يتهم آلهتهم ويقول أنها بلا قيمة, وهو ينهاهم عن عبادتها ويأمرهم بعبادة الله وحده, وأحدثت دعوته هزة كبيرة في مجتمعهم وكان صالح معروفا بينهم بالحكمة والنقاء والخير, فكان يحظى باحترامهم جميعا قبل أن يوحي الله اليه ويرسله بالدعوة اليهم. ولذلك فانهم توجهوا اليه بالحديث فقالوا:

    { قالوا ياصالح قد كنت فينا مرجوّا قبل هذا, أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا واننا لفي شك مما تدعونا اليه مريب}. هود 62.

    لقد استنكروا على صالح أن يقول هذا, وقالوا: هذا الرجل الذي كان لنا رجاء حسنا فيه لعلمه وعقله وصدقه وحسن تدبيره, يصدر منه مثل هذا الكلام, أيعقل هذا؟ لقد خاب رجاؤنا فيك يا صالح.. أتنهانا أ، نعبد ما يعبد آباؤنا؟ وظلوا يستنكرون ما هو حق وواجب, ويدهشون أن يدعوهم أخوهم صالح الى عبادة الله وحده.

    لم تكن لديهم حجج ولا براهين في الرد على صالح, سوى هذا التفكير وهذه الكلمات, فقط هم غاضبون ومندهشون لأن الآلهة التي يريد أن يبعدهم عنها صالح كان آباؤهم وأجدادهم يعبدونها!!

    حطم صالح عليه السلام جدار الجهل الذي يستظلون به وحطم العادات المهلكة والتقاليد البالية التي سيطرت على عقولهم عن التفكير نهائيا فما ان أثار صالح عليه السلام حركة هذه العقول لتفكر, وتتدبر أمرا بّينا واضحا, ما ان فعل هذا حتى استشاط غضبهم, واختلطت الحيرة بالغضب واليأس والطيش, فصاروا لا يدركون ما يقولون, لأنهم أمام خيارين اما تتفتح عقولهم وتقبل ما يقوله صالح عليه السلام أو يتركوا هذه العقول تتحجر وتقف عند أفكار السابقين وخرافاتهم, وأوهام العادات والتقاليد المستقرّة في رؤوسهم حتى أنه تمكّنت لدرجة الجهل المطبق.

    وكانت دعوة صالح لهم واضحة وضوح الشمس, فهي دعوة التوحيد في صميمها, وهي اعلان مباشر بحرية العقل وحرية التفكير وحرية الاختيار فهذه الحجج بين أيديهم الله واحد, خالق كل شيء, لا شريك له وهو النافع وهو الرازق وهو الرحيم_ أمام حجر لا ينفع ولا يضر من صنع من يعبدونه, وهو من خلق الله سبحانه عز وجلّ.

    وقد ساق صالح عليه السلام حججا يعيشونها فقال لهم:{ اعبدوا الله ما لكم من اله غيره}.

    ثم ذكرهم بالنعم فقال: { واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوّأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا}.

    وذكّرهم بنعم الله فقال:{فاذكروا ءالاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.

    أي انما جعلكم الله خلفاء من بعد قوم عاد لتعتبروا بما كان من أمرهم, وتعملوا بخلاف ما عملوا, وأباح لكم الأرض تبنون من سهولها قصورا, وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين أي متميّزين وحاذقين في صنعها واتقانها واحكامها, فقابلوا نعمة الله بالشكر والعمل الصالح, والعبادة له وحده لا شريك له, وايّاكم ومخالفته والعدول عن طاعته, فان عاقبة ذلك وخيمة. قصص الأنبياء لابن كثير 100-102.

    ولهذا وعظهم صالح بقوله:{ أتتركون في ما ههنا آمنين* في جنّات وعيون * وزروع ونخل طلعها هضيم}.

    أي متراكم كثير حسن بهيّ ناضج.

    ولما عارضوه وقالوا: انك كنت فينا عاقلا وحكيما الى آخر هذه الحجج الضعيفة التي يردون هم عليها دون أن يشعرون, لما قالوا ذلك تلطف صالح في رده عليهم وألان لهم الجانب, فقال لهم:{ يا قوم أرأيتم ان كنت على بيّنة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله ان عصيته فما تزيدوني غير تخسير}.


    قال لهم: فما ظنكم ان كان الأمر كما أقول لكم وأدعوكم اليه؟ ماذا يكون عذركم عند الله؟ وماذا يخلصكم بين يديه وأنتم تطلبون مني أن أترك دعاءكم الى طاعته؟ وأنا لا يمكنني هذا لأنه واجب عليّ لو تركته لما قدر أحد منكم ولا من غيركم أن يجيرني منه ولا ينصرني, فأنا لا أزال أدعوكم الى الله وحده لا شريك له, حتى يحكم الله بيني وبينكم. المصدر السابق.

    ولكنهم بعد ذلك اتهموا صالح بأن له سحرا, أو أنه مسحور لا يدري ما يقول في دعائه لهم الى افراد العبادة لله وحده, وترك ما سواه من الأصنام والأنداد.

    ظلوا يقولون له هكذا ويعارضونه يمينا ويسارا وصالح عليه السلام يدعو ليل نهار, ويأتي بالحجج من هنا والأخرى من هناك, لعلهم يرجعون عما هم فيه.

    طلب منهم أن يستغفروا الله عسى الله أن يغفر لهم ذنوبهم, وطلب منهم أن يتوبوا اليه, ويقلعوا عما هم فيه ويقبلوا على عبادته, فان فعلوا ذلك, فانه عز وجل يقبل منهم ويتجاوز عنهم وقال لهم:{ انّ ربّي قريب مجيب}.

    ولكن كل هذا دون جدوى, وأحس صالح عليه السلام أن الأمر قد صعب تماما, وأن الأمور تسير الى الاتجاه الأسوأ فكلما دعا هؤلاء تمرّدوا وتملّصوا وجادلوا في أمر من أمور جاهليّتهم في جدال لا ينقطع ولا تفع معه الحجة والوضوح لأن الطرف الآخر الذي هو شريك في هذا الحوار طمس الله على عقولهم, ولم يعودوا يتفكّرون في أمر أو يتدبّرون شيئا أبدا كان لا بد لهم من معجزة تعجزهم وتخرس ألسنتهم, تكون خارقة فلا تتحرّك ألسنتهم بجدل أبدا, وجاء الحل على لسانهم فقالوا لصالح عليه السلام:

    {فأت بآية ان كنت من الصادقين}.

    طلبوا منه أن يأتيهم بخارق يدلّ على صدق ما جاءهم به.

    2.الناقة المعجزة

    وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوما في ناديهم, فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم الى الله, وذكّرهو وحذرهم ووعظهم وأمرهم, فقالوا له: ان أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة, وأشاروا الى صخرة هناك_ ان أنت أخرجت لنا منها ناقة_ من صفاتها كذا وكذا وذكروا أوصافا فأسموها ونعتوها وتفننوا فيها, وأن تكون عشراء طويلة.( قصص الأنبياء لابن كثير).

    فقال لهم صالح عليه السلام وهو يعرفهم ويعرف طباعهم: أرايتم ان أجبتكم الى ما سألتم على الوجه الذي طلبتم, أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقون ما أرسلت به؟

    كان شرط صالح عليه السلام واضحا لاجدال فيه, فهم يطلبون ناقة تخرج من صخرة أمامهم, عشراء طويلة, بكل الأوصاف التي طلبوها, وهذ الأمر في حدود تفكير البشر مستحيل, وقد طلبوه خصيصا لأنه مستحيل وظنوا أنهم بطلبهم المستحيل هذا يعجزون صالح.

    هكذا وصلت حدود البشر ولا حدود لهم تتجاوز هذا الأمر.

    أمّا صالح عليه السلام فقد استوثق منهم العهد ووضع الشرط وهو على يقين دائم بأن الله سبحانه عز وجل لن يخذله أبدا, ولم يتطرّق الى تفكيره أن ما يطلبونه مستحيل بل هو يسير على الله عز وجل فليطلب من ربه المعجزة اليسيرة على الله سبحانه, المستحيلة في ظنهم.

    وانتظر القوم, وجهزوا سخريتهم عندما يعجز صالح عن الاتيان بناقة تخرج من هذه الصخرة التي أشاروا اليها وهذا مستحيل في ظنّهم وعرفهم ويقينهم.

    اتجه صالح عليه السلام الى ربه, وقام الى مصلاه فصلى لله عز وجلّ ما قدّر له أن يصلي, واتجه في خشوع وايمان الى ربه بالدعاء, فطلب من ربه أن يجيبهم الى ما طلبوا, فكان منه الدعاء ومن الله الاستجابة.

    استجاب الله عز وجل فأمر سبحانه جلّ شأنه تلك الصخرة التي أشاروا اليها أن تنفطر عن ناقة عظيمة عشراء على الوجه والشروط التي وضعوها, أو على الصفة التي نعتوا.

    كانت الناقة آية ومعجزة من معجزات الله, لأن الآية هي المعجزة, ويقال أن الناقة كانت معجزة لأن صخرة في الجبل انشقت يوما وخرجت منها الناقة وخرج وراءها وليدها الصغير, وولدت من غير الطريق المعروف للولادة, ويقال أنها كانت معجزة لأنها تشرب المياه الموجودة في الآبار في يوم فلا تقترب بقية الحيوانات من المياه في هذا اليوم, وقيل انها كانت معجزة لأنها كانت تدر لبنا يكفي الناس جميعا في اليوم الذي تشرب فيه الماء فلا يبغي الناس منه شبعا.

    كانت هذه الناقة معجزة, ووصفها الله سبحانه وتعالى بقوله:{ ناقة الله}. هود 64.

    لقد أضافها الله لنفسه سبحانه عز وجل بمعنى أنها ليست ناقة عادية وانما هي معجزة من الله.

    نعود الى صالح عليه السلام بعد أم بيّنا كيف كانت الناقة آية ومعجزة.

    انفطرت الصخرة عن الناقة, وظهرت لهم مع وليدها. فلما عاينوها كذلك رأوا أمرا عظيما, ومنظرا هائلا, وقدرة باهرة, ودليلا قاطعا, وبرهانا ساطعا فآمن كثير منهم, واستمرّ أكثرهم على كفرهم وضلالهم وعنادهم.

    قال لهم صالح عليه السلام: { ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسّوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب}.

    وأصدر الله أمره الى صالح أن يأمر قومه بعدم المساس بالناقة أو ايذائها أو قتلها, أمرهم أ، يتركوها أن تأكل من أرض الله, وألا يمسوها بسوء, وحذرهم أنهم اذا مدّوا أيديهم بالأذى للناقة فسوف يأخذهم عذاب قريب.

    وقد أدهشت الناقة قوم ثمود في البداية, فقد كانت ناقة مباركة.. كان لبنها يكفي آلاف الرجال والنساء والأطفال, وكانت اذا نامت في موضع هجرته كل الحيوانات الأخرى, كان واضحا أنها ليست مجرّد ناقة عاديّة, وانما هي آية من آيات الله.

    وعاشت الناقة بينهم, فآمن منهم من آمن وبقي أغلبهم على الكفر والعناد.

    وكان رئيس الذين آمنوا رجل يقال له: جندع بن عمرو بن محلاة وكان من رؤسائهم وأشرافهم. قصص الأنبياء لابن كثير.

    وهمّ بقيّة الأشراف بالدخول في دين صالح الا أن رجلا يقال له ذؤاب بن عمر ورجل آخر اسمه الحباب كان صاحب أصنامهم نهياهم عن ذلك.

    ولما حذرهم صالح عليه السلام من أن هذه ناقة الله فلا يمسوها بسوء أبدا, تحسّروا على أن تبقى بين أظهرهم, ترعى حيث شاءت من أرضهم وترد الماء يوما بعد يوم, وكانت اذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك, فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم المخصص لهم ليشربوها في اليوم التالي يوم الناقة, ويقال أنهم كانوا يشربون من لبنها كفايتهم, ولهذا قال:{ لها شرب ولكم شرب يوم معلوم}.

    وكانت الناقة فتنة لهم واختبارا عظيما لايمانهم ليرى ا]ؤمنون بها أم يكفرون؟ والله أ‘لم بما يفعلون.

    وقد قال الله عز وجل لصالح:{ فارتقبهم} أي انتظر ما يكون من أمرهم { واصطبر} على أذاهم فسيأتيك الخبر على جليّة. وقال له عز وجل:
    { ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر}.

    ورغم أنه كان واضحا أنهاليست مجرد ناقة عادية, وانما هي آية ومعجزة من معجزات الله, رغم ذلك تحوّلت الكراهية عن سيدنا صالح الى الناقة المباركة!! تركزت عليها الكراهية, وبدأت المؤامرة تنسج خيوطها ضد الناقة.. كره الكافرون هذه الناقة العظيمة, وهذه الآية المعجزة, كرهوا ناقة الله وآية الله العظيمة, ودبّروا في أنفسهم أمرا.

    وقد كان طبيعيّا أن يجيء التدبير السيء من رؤساء القوم.

    وقد ذكر المؤرخون وعلماء التفسير(الطبري في تاريخه): أن امرأتين من ثمود اسم احداها "صدوقة" ابنة المحيا بن زهير المختار, وكانت ذات حسب ومال, وكانت تحت رجل مسلم آمن بصالح ففارقته وتركته, فدعت ابن عم لها يقال له "مصرع" بن مهرج بن المحيا, وعرضت عليه نفسها ان هو عقر الناقة, واسم الأخرى "عنيزة" بنت غنيم بن مجلز, وتكنّى أم غنمة أو أم عثمان وكانت عجوزا كافرة لها بنات من زوجها ذؤاب بن عمرو أحد الؤساء فعرضت بناتها الأربع على قدار بن سالف, ان هو عقر الناقة فله أي بناتها شاء, أي واحدة منهن يرغبها.

    فابتدر وانتدب هذان الشابان لعقرها وسعيا في قومهم بذلك, فاستجاب لهما سبعة آخرون فصاروا تسعة. وهم المذكورون في قوله تعالى:

    { وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون}.

    وسعوا في بقيّة القبيلة قبيلة ثمود وحسّنوا لهم قتل الناقة وكان لهم مجلس كبير.

    فلما سقط الليل على مدينة ثمود. وانتصبت الجبال شامخة تحتضن البيوت المنحوتة فيها, وبدا واضحا للكافرين أن أحدا لا يمكن أن ينالهم بسوء.

    وفي داخل أحد القصور أضيئت المشاعل, وجلس الكفار وقد دارت عليهم كؤوس الشراب وهم شبه دائرة. كل رؤساء القوم حضروا هذه الجلسة الخطيرة. انعقدت الجلسة ودار بينهم حوار طويل.

    قال أحد الكافرين:{ أبشرا منّا واحدا نتبعه انا اذا لفي ضلال وسعر} القمر 24.

    وقال آخر:{ أءلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر}. القمر 25.

    وعادت الكؤوس تدور وانتقل الحوار من صالح الى ناقة الله.

    قال أحد الكافرين: اذا جاء الصيف جاءت الناقة الى طل الوادي البارد فتهرب منه المواشي الى الحر.

    وقال كافر آخر: واذا جاء الشتاء بحثت الناقة عن أدفأ مكان واستراحت فيه فتهرب مواشينا الى البرد وتتعرض للمرض.

    وأصبح الجميع في سكر كامل وكؤوس الشراب تدور وهي تهتز في أيدي الشاربين, وأمر أحد الجالسين أن تكف المغنية عن الغناء حتى يستطيع أن يفكّر.. وصمت الجميع.

    ثم قطع هذا الرجل السكّير صمت الحاضرين بقوله: ليس هناك غير حل واحد.

    قالوا وما هو؟

    قال: نقتل الناقة, ثم بعدها نقتل صالحا.

    وبدأ الحاضرون في الحديث عن صالح بقول السوء فقال أحدهم: كم نتشاءم منه ونتطيّر, ومن ناقته ومن كل الذين أمنوا معه.

    انه حل واحد نقتل الناقة, ثم نثني عليه, طرح اسم القاتل, انه رجل جبار من جبابرة المدينة, رجل يعبث في الأرض فسادا ولا يكف عن شرب الخمر والويل لمن يعترضه وهو مخمور, وله أعوان يساعدونه على القتل. ويستطيعون أن يكونوا أداة للجريمة ويختاروا مكان التنفيذ بأنفسهم.

    3.ليلة المأساة

    وجاءت ليلة الغدر, كانت الناقة المباركة تنام وهي تضم لصدرها طفلها الصغير الذي استدفأ بها, واستعدّ المجرمون التسعة لجريمتهم وعلى رأسهم قدار بن سالف. لعنه الله, وخرجوا من جوف الظلام وفي نفوسهم الخيانة, وكان زعيمهم قدار بن سالف قد شري كثيرا من الخمر, حتى لم يعد يرى ما أمامه وهجم الرجال التسعة على الناقة فنهضت واقفة ونهض طفلها فزعا, وامتدت الأيدي القاتلة اليها للقضاء عليها, وكان أوّل من سطا على الناقة هو قدار بن سالف, فعرقبها أي ضربها في عرقوبها فسقطت على الأرض, ثم ابتدروها بأسيافهم يقطعونها فلما رأى ذلك طفلها, شرد عنهم فعلا الى الجبل هناك ورغا ثلاث مرات.

    ولما علم صالح عليه السلام بما حدث خرج غاضبا على قومه, وقال لهم: ألم أحذركم أن تمسوا الناقة.

    قالوا: قتلناها فائتنا بالعذاب واستعجله لنا ألم تقل لنا أنك من المرسلين؟

    فقال لهم صالح عليه السلام:{ تمتعوا في دياركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب} هود 65, أي غير يومهم ذلك.

    فلم يصدقوه أيضا في هذا الوعد الأكيد, بل انهم لما أمسوا هموا بقتله وأرادوا, فيما يزعمون أن يلحقوه بالناقة, فأقسموا أن يهجموا عليه في داره فيقتلوه ولكن الله حمى نبيّه صالحا عليه السلام منه ونجاه.

    وقال الله عز وجل:{ قالوا تقاسموا بالله لنبيّتنّه وأهله ثم لنقولنّ لوليه ما شهدنا مهلك أهله وانّا لصادقون}. النمل 49.

    وأصبحت ثمود اليوم الأوّل من أيّام النظرة الثلاثة _ التي أنظرهم بها صالح_ ووجوههم مصفرّة, فلما أمسوا قالوا: ألا قد مضى يوم من الأجل ثم أصبحوا في اليوم الثاني من أيّام التأجيل, ووجوههم محمرّة وفي الثالث من أيّام المتاع اسودّت وجوههم. فلما أمسوا قالوا: ألا قد مضى الأجل. وليس هناك شيء من العذاب.

    وفي فجر اليوم الرابع انشقت السماء عن صيحة جبارة, انقضّت الصيحة على الجبال فهلك فيها كل شيء حي, وارتجفت الأرض رجفة جبّارة فهلك فوقها كل شيء.

    هلكوا جميعا في صرخة واحدة, أما الذين آمنوا بسيّدنا صالح فكانوا قد غادروا المكان مع النبي صالح عليه السلام ونجّاهم الله
    .

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Mar 2005
    المشاركات
    3,275
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    04-12-2012
    على الساعة
    11:58 PM

    افتراضي

    موسى
    القتيل ولحم البقر


    قال تعالى:

    :start-ico واذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة, قالوا أتتخذنا هزوا, قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين* قالوا ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي, قال انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر ولاعوان بين ذلك, فافعلوا ما تؤمرون البقرة 67,68.

    1.آزر وراحيل

    أعدّت راحيل الفراش لزوجها آزر بن حيلوت ليستريح من عناء التعب وراحت تسأله عن مغيبة بالأمس, وقد انتظرته طويلا في كوخهما فقال آزر: لقد أحسست ثقلا ووجعا, فقضيت الليلة عند أحد أصدقائي لعلي أصيب شيئا من الراحة, ولكني أصبحت أشد تعبا.

    فقالت راحيل: عما قليل ستشعر بالراحة تماما وما عليك الا أن تستريح وتحكي لنا ما صادفك في رحلة السوق هذه المرّة.

    فقال آزر: لا شيء يا زوجتي سوى التعب والشعور بمقدمات المرض, ولم أبع شيئا أو أشتر غير عجلة صغيرة عجفاء هزيلة قد يبلغ عمرها ثلاثة أشهر أو أربعة.. اشتريتها لولدي الياب.

    راحيل: وأين هي؟.. وما قصتها؟

    آزر: هي بقرة صغيرة ات لون أصفر جميل يعمّ بدنها كلها, وقد وقع قلبي أن أشتريها.. وما ان اشتريتها حتى أقبلت تأكل ما قدّمت لها من الكلأ اليابس.. وهي الآن ترعى في الغيضة القريبة منا.. ثم سكت قليلا وقال: وأنت كيف أخبارك؟ وكيف حال ولدنا الياب؟ أين هو؟

    راحيل: يلعب مع صبيان القرية وهو بخير.., وقد مرّ بنا نبي الله موسى عليه السلام وهو عائد من جبل المناجاة وقد دعا لولدنا الياب فقبّله.. ومسح على رأسه ودعا له بخير _ ولكنه لم ينتظر كعادته_.

    آزر اذا كان لم ينتظر كعادته فلا بدّ أن بني اسرائيل أحدثوا حدثا في غيبته, فأخبره الله به, فرجع على هذه الحالة التي ذكرتها من الحزن والغضب.

    راحيل: سمعت أنه ترك بني اسرائيل يعبدون عجلا من ذهب صنعه لهم ساحر منهم اسمه السامري.. فكلمت نبي الله موسى حين جاء في ذلك فلم يجبني بجواب.

    آزر: هذا هو السبب, فما أشد ما يلقى نبي الله موسى من بني اسرائيل.

    قالت راحيل لزوجها آزر: ألا تقوم معي لتريني العجلة التي اشتريتها لولدنا الياب.

    قام الرجل يتوكأ على عصاه وسار هو وزوجته حتى بلغا مكان العجلة, فنظرت اليها راحيل, فاذا لونها الأصفر الجميل يتألق كأنه ينبعث منه شعاع الشمس, فسرّت بمنظرها سرورا عظيما, وأحسّت كأنما تطالعها بفأل حسن, وأخذت تمر بيدها على جسمها وتمسح لها رأسها وفمها.. والتفتت الى آزر وقالت:

    انظر يا آزر فانني أراها مقبلة على عشب الغيضة ولن تمضي عليها بضعة أيام ختى تمتلئ لحما.

    وبعد قليل استدار الزوجان عائدين الى الكوخ..

    قال آزر: انها حقا بقرة جميلة, وان قلبي يحدثني أن ستكون خير المال أتركه لولدي الياب..

    فاستاءت راحيل من اشارة آزر الى الموت وقالت: ولكنها تحتاج الى جهد ورعاية حتى تثمر ويجني ثمرها. فهي ضعيفة عجفاء كما ترى.

    فقال آزر: اعلمي أنني لا أورث ابني الياب سوى تقوى الله عز وجل, وهو سبحانه يتولى الصالحين وسيتولاني في ولدي الياب, وسيبارك له في مالي أو في كنزي الذي تتهكمين به.. فاذا أنا فارقتكم فالتفتي لولدك, وعلميه قواعد الايمان وما ورثناه عن آبائنا: ابراهيم واسحاق ويعقوب ويوسف وما تلقيناه عن نبي الله موسى ولا تهتمي بأمر العجلة.. لا تحرثي عليها أرضا, ولا تسقي بها زرعا, ولا تركبي لها ظهرا, ولا تحلبي لها لبنا.. ذريها واتركيها مسلّمة في الغيضة ولا تفكري فيها فانها ستكون بعين الله. ومتى كبر الياب فاذكري له شأنها.

    عاد الزوجان بعد هذه الرحلة الى الكوخ, فدخل آزر الى فراشه وقد أحسّ بالتعب يعاوده من جديد, وتحدث مع زوجته في أمور كثيرة تحدث معها عن خوفه من الموت وكرر لها الوصية بولده الياب والكنز الثمين وهو العجلة الصفراء العجفاء التي سيتركها له.

    وقال لها: لقد كان حقا علينا أن نتحدث عن الحياة لا عن الموت والفرح لا الحزن, نعم هذا الصبح سوف أحدثك عن الحياة والفرح وأقول لك انني أحب أن يتزوج ولدي الياب رفقة بنت شمعون فان أباها من صلحاء شيوخ بني اسرائيل..

    وكان شمعون بن نفتالي هذا رجلا غنيا يملك الكثير من الغنم والبقر ويملك الذهب والفضة, وصاحب وصديق نبي الله موسى عليه السلام الذي لا يكاد يفارقه, وهو شيخ من العبّاد, وكثيرا ما كان يقول لآزر: لقد سميّت ابنتي الوحيدة رفقة تيمّنا باسم رفقة زوجة أبينا اسحاق نبي الله, وأتمنى على الله أن يكتب لها الزواج من شاب صالح.. ثم يقول: حبذا لو كان هذا الشاب هو غلامك الصغير الياب فانه يكبرها بعامين.

    سعدت راحيل بهذا الكلام, وقالت: حبذا لو كان ذلك ان رفقة طفلة جميلة وستكون أجمل اذا ما كبرت..

    وسعدت راحيل أيضا بحديث زوجها المتفائل عن الزواج والفرح ولكن المرض اشتد على الرجل, ولم يمهله وقتا طويلا فتوفي بعد عدة أيام.

    2.زواج لم يتم

    جاء رجل يقال له منسى بن اليشع الى صديقه شمعون بن نفتالي الرجل الغني الصالح, وقال له: ان ناداب ابن أخيك صوغر قد أوفدني اليك لأرجوك أن تزوجه ابنتك رفقة, وأرى أن تجيب رجاءه رعاية لقرابته ورحمه.

    فقال شمعون على الفور وقد أشاح بوجهه: تكلم فيغير هذا يا منسى, ولا تخاطبني في هذا الماجن الذي قطع علاقته بربه.

    وليكن في علمك يا منسى أن ناداب لا يريد الزواج برفقة؛ انما يريد أن يرثني.. ويريد أن تؤول تركتي اليه مع رفقة.. ولست أول من جاء ليخطب له ابنتي ومحال أن يكون ذلك.

    فقال منسى: لك الحق يا شمعون, واني أٌقرّك وأوافقك على كل كلمة قلتها, وما حملني على أن أكون رسوله اليك الا ما رأيته في عينيه من الشر, فاني أخشى أن يقتلك ويؤذي ابنتك من بعدك.

    فقال شمعون: هذا ما أشعر به يا منسى, وذلك ما أتوقعه من هذا الشرير, ومع ذلك فلن أزوّجها له, وليفعل ما يشاء.

    صمت منسى لحظة ثم قال: ولكن عليك أن تدبر أمر ابنتك من الآن, وتختار لها بنفسك الشاب الذي تراه كفءا لصلاحها وعقلها.

    قال شمعون: اخترت لها الياب ابن صديقي آزر رحمه الله. ولكني لا أعرف أين يقيم, وأنا دائم البحث عنه, فاذا عثرت به زوجته اياها, انه الآن في الثامنةعشر من عمره, وقد ورث كل ما نعرف لأبيه من خلال وصفات, لقد ورث الشرف والصدق, وصدق الايمان بالله.

    3.قتيل بني اسرائيل

    استيقظ بنو اسرائيل في صبيحة يوم من أيام الله وقد وجدوا جثة شمعون بن نفتالي ملوّثة بالدماء وملقاة قرب محلة بعيدة عن المكان الذي فيه منزلته وعشيرته.

    وقد دوى خبر مقتله دويا هائلا في بني اسرائيل وأثار ضجة كبيرة فيما بينهم لما كان له من حسن الخلق وجودة الرأي ووفرة الغنى وكثرة البر والصدقة.

    وصار هياج بين الناس, وحزن الفقراء واليتامى والضعفاء, وقامت عشيرته بل بلدته كلها تطالب بدمه وتلقي وزر الجريمة على سكان المكان الذي وجدت فيه جثة شمعون بن نفتالي, وكان أشد الجميع مطالبة بدم شمعون هو "ناداب بن صوغر" ابن أخ شمعون, مظهرا الحزن والجزع لما أصاب عمه العزيز!

    وكان أهل المحلة التي وجدت جثة القتيل قربها من أشد الناس حزنا عليه ولكن عشيرة "شمعون" القتيل وعلى رأسهم "ناداب بن صوغر" ظلوا مصرّين على أنه قتل بيد من فئة من أهل هذه المحلة واشتدوا في المطالبة بدم قتيلهم.

    وعلا الضجيج, وكثر اللغط, واشتد الجدل بين الفريقين, وأوشكوا أن يقتتلوا, فاجتمع شيوخ بني اسرائيل ومن حولهم الغوغاء والعامة الى نبي الله موسى عليه السلام ليفصل بين الفريقين في قضيّة دم القتيل.

    واجتمع الناس في مجلس يشبه مجلس القضاء أو المحاكمة وكان الاجتماع في ساحة واسعة امتلأت عن آخرها شيبا وشبابا, ورجالا ونساءا, وجاء أهل القتيل " شمعون" وجاء أهل البلدة المتهمة, وتكلم ناداب بن صوغر في جزع وحزن مثبتا التهمة على القرية الظالمة وأدلى بما لديه من حجج, وأنكرت القرية تهمة القتل وأوّلت ذلك بما تكن للقتيل من حب ومعزة واحترام.

    وانتظر الناس كلمة نبي الله موسى عليه السلام, فهي الفاصلة بينهم, فأنصت الجميع وأرهفت الآذان وتطاولت اليه الأعناق, واذا به يقول: ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة.

    وسمع القريبون من موسى الكلام فدهشوا لها وعجبوا, وظهرت الحيرة على وجوههم وفي نظراتهم, أما البعيدون عن المجلس فلم يسمعوا غير أنهم رأوا الدهشة والحيرة على وجوه غيرهم فتصايحوا يريدون معرفة حكم نبي الله موسى.. وارتفعت الأصوات.

    فوقف أحد الناس على مكان مرتفع وصاح بأعلى صوته وقال:

    ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة.

    وعندما سمع الناس قوله هاجوا وأحدثوا شغبا, وساد الهرج والمرج, واختلطت أصوات ساخرة بأصوات مستنكرة هذا الطلب وهذا الأمر. فهذا يقول: ما دخل معرفة القاتل بذبح البقرة؟

    وآخر يقول: ان نبي الله يمزح.

    وثالث ينادي بأعلى صوته قائلا: وها هذا وقت المزاح؟

    وقال ناداب بن صوغر: ان موسى يهزأ بنا. انه يتخذنا هزوا.

    وسادت الفوضى فانسحب موسى من المجلس, وانفضّ الناس وهم يتندّرون بالبقرة التي يريد نبي الله ذبحها.

    أما المؤمنون الأتقياء فقد طلبوا من الناس أن يكفوا عن السخرية والشغب وقالوا لهم: ان نبي الله موسى لم يقل شيئا من عنده, بل هو كلام الله الذي كلمه به, فهو يقول لكم:{ ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} فكيف يكون هذا مزاحا؟

    عليكم أن تتلقوا أمر الله بالطاعة والتسليم لا بالسخرية والشغب والتندر والمعصية.

    وفي اليوم التالي جاء موسى عليه السلام الى مجلس القضاء وجلس بين المؤمنين الأتقياء, وتقدّمت اليه عشيرة القتيل وقالوا له: يا نبي الله أتتخذنا هزوا؟!!!

    قال موسى: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.

    وهنا وقف شيخ كبير صالح وقال: يا بني اسرائيل لقد رضيت عشيرة القتيل, وعرفت أن نبي الله لا يتخذها هزوا وخصوصا أن القتيل كان من صالحي خلصائه وأصحابه.

    وبعد نقاش وحوار حول من يدفع ثمن البقرة قال أحد الشيوخ العقلاء: أرى أن يشترك في ثمن البقرة كل رجال بني اسراشيل, فالقتيل قتيلنا جميعا, وسلام الشعب لا يهم طائفة دون طائفة بل يهم الجميع.

    سكت الناس ورضوا بهذا الحكم, ونظر الجميع الى نبي الله موسى.

    فقال موسى: اذن فاجمعوا المال واشتروا البقرة واذبحوها طاعة لأمر ربكم.

    وتلكأ القوم وقالوا: أي بقرة نذبح؟ ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي.

    وسطت موسى وأصغى لنداء الله في قلبه ثم قال لهم: { انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون}. البقرة 68.

    وسألوا وجادلوا عن لونها, وقالوا: لا بد أن نعرف لونها.

    فتوجه موسى الى الله يسألأه فسمع الاجابة في صدره بأنها:{ بقرة صفراء فاقع لونها تسرّ الناظرين}..

    ولكن القوم جادلوا وأكثروا الجدال وقالوا لموسى:{ ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي ان البقر تشابه علينا وانا ان شاء الله لنهتدون}. البقرة 70.

    وظل بنو اسرائيل في شكهم فمنهم من يؤيّد ومنهم من يستنكر حتى أنهم قضوا عدّة أيّام يتجادلون, ثم ذهب صلحاء القوم وعقلاؤهم الى موسى يقولون له: انك مطالب بالفصل في قضيّة دم القتيل شمعون فلا يشغلك عناد قومك عن هذه القضيّة فاسأل ربك عما يريدون.

    فسأل موسى ربه, ثم اجتمع القوم ليسمعوا الاجابة:

    {قال انه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها, قالوا الآن جئت بالحق, فذبحوها وما كادوا يفعلون}. البقرة 71.

    أي أن هذه البقرة معفاة من الخدمة فهي غير مذللة لحرث الأرض أو سقيها, وليس في جسمها بقعة أو علامة من لون يخالف لون جسمها الأصفر الصافي الفاقع.

    اقتنع القوم وقالوا:{ الآن جئت بالحق}.

    وأخذوا يبحثون عن بقرة: لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك صفراء فاقع لونها, تسر الناظرين لا ذلول, تثير الأرض, ولا تسقي الحرث, لا شية فيها, فلم يعثروا عليها عند أحد من أهل القرى التي حولهم.

    كانوا اذا وجدوا بقرة صفراء ردّوها لأن فيها شيئا من لون يخالف لونها الأصفر, فاذا وجدوها صفراء خالصة ردوها لأنها بكر أو فارض وليست عوانا بين ذلك, وهكذا دقق بنو اسرائيل في البحث عن البقرة التي تتكامل فيها الأوصاف المطلوبة, وقسموا أنفسهم مجموعات وفرق للبحث عن البقرة المطلوبة في أنحاء شبه جزيرة سيناء الواسعة, وانتشروا في الشمال والجنوب.

    4.بقرة الياب الصفراء

    بلغ الياب الثامنة عشرة من عمره وأصبح فتى يافعا وجاءت أمه لتقول له: يا بنيّ لقد كبرت وبلغت سن الثامنة عشرة وصار لزاما على أن أدلك على الكنز الذي تركه لك أبوك.

    دهش الياب وقال لأمه: كنز؟! ان أبي كان فقيرا فكيف يترك لي كنزا؟

    قالت الأم راحيل: لقد ترك لك عجلة صغيرة منذ تسع سنوات وأوصى أن اتركها في أرض الله لا أذللها بحرث أو سقي ولا أتعدها بحراسة فهي في حراسة الله. وقال: اذا كبر الياب فادفعيها اليه.

    فقال الياب لأمه: وفي أي مكان تركها؟

    قالت راحيل: لا أدري ولكنه قال: انها في الغيضة الواسعة المجاورة لنا, فاذهب اليها وابحث عنها وسوف لا يطول بحثك لأن الله سيقبل بها عليك.

    فقال الياب: ولكن ما لونها أو علامتها التي أعرفها بها؟

    قالت راحيل: انها صفراء فاقع لونها تسر الناظرين كأن شعاع الشمس ينبعث من جلدها, ليس فيها لون آخر غير هذا اللون الأصفر حتى ولا لون قرنيها وأظلافها.

    خرج الياب للبحث عنها, وما هي الا ساعة واحدة حتى عاد بالبقرة الصفراء الجميلة وقد كبرت بعد أن كانت صغيرة وامتلأ جسمها باللحم بعد أن كانت هزيلة.

    قال الياب: يا لها من كنز مبارك يا أمي..

    قالت راحيل: ان ثمنها لا يزيد على ثلاثة دنانير, ولكن المال الحلال الصالح لا يقدّر بعدد, بل يقدّر بما فيه من بركة, وبرّ وتقوى الله والنيّة الصالحة. من أجل هذا سمّاها أبوك الكنز.

    فقال الياب: والمال الحلال الصالح يا أمي ينميه الله ببركة التقوى فيعد بالمئات والألوف. وما يدرينا لعل هذه البقرة ذات الدنانير الثلاثة تباع بالألوف التي لا تخطر لنا ببال!

    5.البقرة المعجزة

    ومضت أيّام, وبينما كان الياب جالسا مرّ به أعرابي يقول له: ان جماعة من بني اسرائيل يبحثون في لهفة شديدة عن بقرة تشبه بقرتك وقد دللتهم عليك واني لأرى أنك لو رفعت ثمنها عليهم لأعطوك ما تريد ولو طلبت ملء جلدها ذهبا لأعطوك.

    جاء القوم من بني اسرائيل وقالوا لالياب: لقد جئنا من عند نبي الله موسى فبعنا هذه البقرة ولا تزد في سعرها.

    قال الياب: ان كانت البقرة لنبي الله موسى فله من غير ثمن.

    فقال قوم: ان شعب اسرائيل فقراء وقد أنهكتهم الصحراء فاقبل منا ما بأيدينا وليبارك الله لك فيه.

    قال الياب: ان شعب اسرائيل ليس فقيرا, لقد صنع عجلا من الذهب ليعبده من دون الله فليس من الكثير عليه أن يدفع لي ما أريد.

    استأذن أمه للذهاب مع القوم ليلقى نبي الله موسى وليتقاضى ثمن البقرة, وقال انه لن يطيل الغياب.

    6.معجزة الحق والعدل

    اجتمع بنو اسرائيل لما سمعوا أنهم وجدوا البقرة, وجاؤوا يهرولون ويقولون: لقد وجدنا البقرة.. لقد وجدنا البقرة.

    فلما سمع ناداب هذا الكلام وجاءته هذه الأخبار انعقد لسانه عن الكلام واصفرّ وجهه, ووجد نفسه يقوم من مكانه مع أصحابه الى حيث يهرول الناس, فلما بلغوا ساحة القضاء وجدوه مكتظة عن آخرها بالناس ورأوا البقرة قائمة أمام نبي الله موسى, وأنه عليه السلام يقبّل الياب صاحب البقرة لما عرف أنه ابن الرجل الصالح آزر ويربّت على كتفيه ويقول له: لقد صرت رجلا والحمد لله, لقد مررت بك وأنت غلام صغير فمسحت على رأسك ودعوت لك بالخير.

    وكان بالقرب منه منسى بن اليشع الرجل الذي جاء يخطب رفقة بنت شمعون القتيل لناداب ابن أخيه, وتذكر في رغبة شمعون في زواج الياب بن آزر منها, فدنا منه ورحّب به, وانحنى الى أذن موسى وأسرّ اليه كلاما لم يسمعه أحد, ثم ترك الجميع وهرول الى بيت رفقة ليخبرها أن فتاها الياب هو صاحب البقرة وقد حضر معها, أما نبي الله موسى فقد أمر بذبح البقرة, فذبحوها, فلما انتهوا قال: اقطعوا عضوا منها, فقطعوه.

    فقال عليه السلام: فليحمل هذا العضو الياب فانه غريب وان كان اسرائيليا.

    فحمل الياب العضو.

    وقال موسى: هيا بنا الى قبر شمعون .

    فذهبت الجموع تتدافع الى القبر في زحام شديد, وكثرة هائلة وهم لا يدرون ماذا يريد نبي الله بهذا كله.

    قال موسى: افتحوا القبر واخرجوا جثة القتيل, ونادى: يا الياب! اضرب القتيل بالعضو الذي بيدك.

    وكانت الدهشة والعجب حين رأى الناس القتيل يعود الى الحياة, ويقف بين الناس بشرا سويّا.

    فقال موسى: يا شمعون نسألك بحق الذي ردّ اليك الحياة أن تذكر لنا سم الذي قتلك.

    فقال شمعون: الذي قتلني هو ناداب بن صوغر.

    وفي وسط ذهول الناس لهذه المعجزة, عاد شمعون الى الموت وأقبلت الجموع ثائرة على ناداب تريد أن تفتك به, ولكن موسى قال: القصاص حكم الله.. فلنقم عليه حد القتل جزاء ما فعل.

    وشهد الناس مشهدا عجيبا: شهدوا الياب يزف الى رفقة في بيت أبيها. وشهدوا ناداب يندب حظه وهو يساق الى الموت.

    تلك هي معجزة القتيل الذي ردّه الله الى الحياة ليشهد على قاتله.

    ويقول الله عز وجل عن هذه المعجزة:{ فقلنا اضربوه ببعضها, كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلّكم تعقلون} البقرة 73.

    سبحان الله خالق المعجزات والآيات..


    يتبع ....موسى والخضــــر ان شاء الله
    التعديل الأخير تم بواسطة نسيبة بنت كعب ; 24-04-2005 الساعة 09:53 PM

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Mar 2005
    المشاركات
    14,298
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    07-06-2019
    على الساعة
    06:45 PM

    افتراضي

    التعديل الأخير تم بواسطة السيف البتار ; 24-04-2005 الساعة 08:53 PM

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Mar 2005
    المشاركات
    3,275
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    04-12-2012
    على الساعة
    11:58 PM

    افتراضي

    بارك الله فيك

    وشكرا على التشجيع اخى العزيز السيف البتار

    واتمنى ان يقرأ هذه المعلومات كل الأعضاء

    فمنها نذب جميعا عن الأنبياء فى منتدى الذب عن الأنبياء

    والرسل على منتدى الرد على الأفتراءات


    ونكمـل ان شاء الله مع موسى والخضر عليهما الســـلام


    موسى والخضر والبحر


    قال تعالى: :start-ico فلما بلغ مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا* فلما جاوزاه قال لقتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا* قال أرأيت اذ أوينا الى الصخرة فاني نسيت الحوت وما أنسانيه الا الشيطان أن أذكره, واتخذ سبيله في البحر عجبا* قال ذلك ما كنا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصا* فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما الكهف 61-65.

    اختص الله عز وجل موسى بنعم كثيرة, وكذلك اختص قومه بهذه النعم التي أنعم بها عليه, ولذلك فقد ظل موسى عليه السلام يشكر الله على نعمه.

    وكان موسى يصلي لله شكرا على ما أعطاه من نعم, يتعبّده حمدا على ما وهب له, ويبتهل اليه أن يديم عليه رضاه وكرمه. وذات يوم سأل ربّه: يا رب؛ أأنا الآن الوحيد على وجه الأرض الذي حبوتني بالعلم, وخصصتني بالمعرفة؟!

    فأجابه ربه: يا موسى انك لا تعلم الا ما شئنا نحن أن تعلمه, ولا تعرف الا ما أردنا لك أن تعرفه.

    قال موسى متسائلا: يا رب, أيوجد من هو أعلم مني؟!

    فأجابه ربه: لي عبد صالح يعلم ما لا تعلم. ويعرف ما لا تعرف.

    قال موسى: يا رب, أين أجد عبدك الصالح هذا؟ لقد اشتاقت نفسي الى معرفته.

    قال عز وجل: يقيم الآن عند مجمع البحرين.

    قال موسى: يا رب؛ أريد أن أذهب لأراه, فأرشدني اليه, ووفقني للقائه.

    قال عز وجل: اذهب وسأجعل لك من عندي آية تدلك وعلامة بيّنة ترشدك.

    1.البحث عن العبد الصالح
    تهيأ موسى عليه السلام للذهاب لمقابلة العبد الصالح, الذي أرشده الله عز جل اليه, فنادى يوشع بن نون فتاه المخلص وقال له: يا يوشع, اني عزمت على القيام برحلة, لا أدري: أتطول هي أم تقصر؟!! فهل لك في أن تصحبني في تلك الرحلة التي لا يعلم الا الله مداها؟!

    وكان يوشع بن نون هو الفتى الذي أحبّ موسى عليه السلام, وآمن به وأخلص له, ووهبه قلبه, وصحبه في غدوّه ورواحه, ينهل من حكمة موسى عليه السلام, ويغترف من علمه, ويأخذ من معرفته.

    قال يوشع: اني لك يا سيدي الصاحب الوفي والرفيق المطيع الأمين.

    قال موسى عليه السلام: اذن, فلنتهيأ لرحلتنا من فورنا, ولنسر على بركة الله, فهو مرشدنا وهادينا الى سواء السبيل. وتهيأ موسى وفتاه للسفر وتزوّدا بزاد مما يتزود به عادة المسافرون, الذين يقطعون الصحارى, ويجتازون الفيافي والقفار, مثل الخبز الجف, والتمر اليابس, واللحم المقدد.

    ولما جهزا جهازهما؛ سأل يوشع بن نون موسى: يا سيدي أي المطايا تركب؟ وأي القوافل تصحب؟ وأي الطرق تسلك؟!

    قال موسى: يا بني, ستكون مطيتنا أرجلنا, وسيكون البحر صاحبنا, وسيكون شاطئه مسلكنا.

    سأل يوشع متعجبا: وال أين نقصد؟!

    قال موسى: نقصد مجمع البحرين, لأقابل رجلا من عباد الله الصالحين, أرشدني الله اليه.

    قال الفتى: وهل تعرف مجمع البحرين؟!

    أجاب موسى: سيعرّفني الله مجمع البحرين ويهديني اليه.

    2.رحلة البحث
    مضى موسى عليه السلام ومعه فتاه يوشع على شاطئ البحر, أياما وليالي, لا يكلان ولا يملان ولا يتأففان من طول سير, أو وعورة طريق؛ ولا يتوقفان الا لتناول غذاء, أو لأخذ قسط من النوم. ومرّ عليهما وهما على هذه الحالة وقت من الزمن, وموسى لا يزال كأول عهده بالرحلة: نشيطا, متشوقا الى مقابلة عبدالله الصالح, ولم تفتر همته, ولم يدركه سأم, ولم يتطرّق الى نفسه ملل.

    وسألأ يوشع موسى يوما: يا ترى!! ألأ يزال أمامنا مرحلة طويلة حتى نصل الى مجمع البحرين؟

    قال موسى: لا أدري !! ولكنني لا أ[رح حتى أبلغ مجمع البحرين, أو أمضي حقبا.

    واستمر موسى عليه السلام وفتاه يوشع يغذان السير في البر, وهما على روح الثبات والنشاط حتى نفد طعامهما, فاصطاد يوشع حوتا من البحر حمله معه, ليتزودا من لحمه, ووصلا الى صخرة عظيمة فجلسا يستجمان بجوارها, ويستظلان بظلها, ويصيبان قسطا من الراحة والنوم. فلما نالا قسطا من النوم قاما يسيران ويسعيان, فما كاد ينصرم نهارهما هذا, ويمسي عليهما المساء حتى شعر موسى بتعب وفتور لم يعهده من منذ بدأ رحلته, وأحس أن قدميه لا تستطيعان حمله أكثر مما حملتاه, أحس كذلك أن أعضاءه قد وهنت وضعفت, فجلس على الأرض, وقال لفتاه:{ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} عسى أن يمدّنا الله ببعض القوة التي تعيننا بلوغ غايتنا.

    حينئذ ضرب الفتى يوشع جبينه بيده, وصرخ صرخة مكتومة وقال لموسى:{أرأيت اذ أوينا الى الصخرة فاني نسيت الحوت وما أنسانيه الا الشيطان أن أذكره}.

    قال موسى عليه السلام مستفسرا: وما بال الحوت؟!

    أجاب يوشع قائلا: لقد تسرّب الحوت, واتخذ سبيله في البحر عجبا.

    لقد هرب الحوت من السلة, ومضى في طريق محدد الاتجاه الى البحر. تعجب موسى عليه السلام من كلام فتاه يوشع, وسأله وقد دبّت في نفسه فرحة أمل, وابتسامة تفاؤل فقال: أفصح يا يوشع, ماذا حدث للحوت وما الذي حدث منه؟!!

    قال يوشع: حدث وأنت نائم, ان أفقت أنا من نومي على صوت السلة التي بها الحوت, وكانت بجانبي, ففتحت عيني, فوجدته ينزلق متدحرجا بين الصخور, فأسرعت خلفه لأعيده الى مكانه؛ ولكني رأيت عجبا, ورأيت ما أدهشني.

    قال موسى فرحا مستبشرا: ماذا رأيت؟ عجّل بالقول!!

    قال الفتى في أسف وحسرة: رأيت الحوت قد غمره الماء, وخيّل اليّ أنه يتحرّك, ويتقلّب, كأن الحياة قد ردّت اليه, يضطرب في سرب بين الصخور, خرج منه الى البحر, دون أن أدركه, أو أستطيع اللحاق به.

    فلم يدهش موسى, ولم يتعجب, فقد لمس في آيات الله له كل مقدرة, ورأى في بيّناته له كل عجب. ولكنه سرّ وفرح, فقد أدرك أن بعث الحوت الميّت, وردّه حيا, هو آية الله التي وعده بها ليرشده الى مجمع البحرين, وعرف أن الطريق الذي تسرب فيه الحوت هو الطريق الذي يؤدي الى عبد الله الصالح الذي ينشد لقاءه, فنهض نشيطا فرحا, وهو يقول لفتاه:{ ذلك ما كنا نبغ} فهيا بنا نعود الى الصخرة.

    هذه الحالة في حد ذاتها بداية معجزات موسى عليه السلام التي وهبها الله له في هذه القصة الجميلة.

    وسنرى المعجزات العجاب حين يلتقي بالعبد الصالح.

    فما أشرق الصباح حتى ارتدّ موسى عليه السلام وصاحبه فتاه يوشع يقصّان ويبحثان عن آثارهما وطريقهما الذي جاءا منه, حتى لا يضلا عن الصخرة التي نزلا بجانبها من قبل, وما زالا سائرين يتحسسان طريقهما الأول, حتى وصلا اليها؛ فقال موسى عليه السلام لفتاه يوشع:

    يا يوشع أرني المكان الذي تسرّب منه الحوت ونفذ الى البحر.

    فأشار يوشع لموسى الى سرب بين الصخور, وقال له:

    هذا هو الطريق الذي سلكه الحوت.

    فنظر موسى عليه السلام الى حيث أشار يوشع, فوجده سربا بين الصخور يفضي الى البحر من ناحيته الأخرى, فنفذ منه ومن ورائه فتاه, فخرجا الى البحر من الناحية الأخرى للصخرة, ونظر موسى حوله, فرأى ما وعده الله حقا!! رأى ما حجبته الصخرة عن رؤيته بعظم رمها! رأى ماء البحر العذب يلتقي بماء البحر المالح.

    ورأى بجانب الصخرة بساطا أخضر نضيرا من عشب أخضر, وقد جلس عليه شيخ جميل وضيء مهيب الطلعة, أبيض اللحية, وقد تربّع في جلسته.

    عندئذ عرف موسى عليه السلام أنه أمام العبد الصالح الذي وعده ربه بلقائه, وهو الرجل الذي علمه الله سبحانه وتعالى أشياء من علم الغيب الذي استأثر به.

    وكانت هذه الثانية خطوة على طريق المعجزات في هذه القصة المباركة, ترى بعد هذا اللقاء ماذا فعل موسى عليه السلام مع العبد الصالح؟ لنرى ذلك.

    وتقدّم موسى من العبد الصالح وقال له:

    السلام عليك يا حبيب الله.

    فنظر الشيخ اليه, وقد أشرق وجهه, وردّ عليه السلام قائلا: وعليك السلام يا نبيّ الله.

    ثم دعاه الى الجلوس بجانبه, فجلس موسى عليه السلام وهو يسأله دهشا مستعجبا: أوتعرفني؟!

    قال الشيخ: نعم, أولست موسى نبي اسرائيل؟

    قال موسى وقد ازداد عجبه: من أعلمك عني؟! ومن عرّفك بي؟!

    أجاب الشيخ أعلمني عنك الذي أعلمك عني, وعرّفني بك الذي عرّفك بمكاني.

    فامتلأ قلب موسى هيبة من الشيخ, وايمانا به, وعلم أنه حقا في حضرة رجل صالح قد اصطفاه ربه, واتخذه وليّا وآتاه رحمة من عنده وعلما من لدنه. فقال يسأله في تلطف وتودد:

    { هل أتبعك على أن تعلمنﹺ مما علّمت رشداْ}.

    فابتسم الشيخ لموسى عليه السلام وقال له:

    {انك لن تستطيع معي صبرا}.

    قال موسى: سأصبر على كل ما تعلمني اياه, وترشدني اليه.

    فهز الشيخ رأسه باسما, وقال:{ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا}.

    يا موسى ان علمي الذي أعلمه غير علمك الذي تعلمه, لن تستطيع أن تصبر على ما يصدر من علمي, ولا تقدر أن تطيق ما تراه مني.

    قال موسى:{ ستجدني ان شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقد صح عزمي على أن أكون تابعك لتعلمني مما علمك الله وترشدني الى ما أرشدك اليه.

    حينئذ حط عصفور على حجر في الماء, فنقر نقرة في الماء ثم طار, فقال الشيخ:

    أرأيت يا موسى ما أخذ العصفور في منقاره من الماء؟!

    والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله الا كما أخذ هذا الطير بمنقاره من البحر. ثم قال:

    {فان اتبعتني فلا تسئلني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} وأفسر لك ما خفي عليك تفسيره.

    قال موسى على الفور: لك عليّ ذلك.

    وبدأت قصّة المعجزة, بل المعجزات في هذه القصة في ثلاثة مشاهد عجيبة, سيفسر أسبابها العبد الصالح في النهاية فتكون معجزة حضها موسى عليه السلام وتعلّم منها أنها معجزات علم الغيب.

    3.القصة الأولى
    اصطحب العبد الصالح النبي موسى عليه السلام الى شاطىء البحر وكان يتبعهما يوشع, وعند الشاطىء لاحت لهما سفينة سائرة في عرض البحر, فأشار لها الشيخ بيده فاقتربت من الساحل وأطلّ رجالها منها يستفسرون الشيخ وموسى عما يريدان, فعرفوا الشيخ لأنهم يرونه دائما جالسا يتعبّد على ساحل البحر؛ وقال لهم الشيخ:

    -نريد منكم أن تحملونا معكم الى حيث تقصدون وليس معنا ما ننقدكم اياه أو نقدمه لكم أجرا على ذلك.

    فقال رجال السفينة: مرحبا بالرجل الصالح...

    وركب الشيخ وموسى ويوشع السفينة, ورحّب بهم أهلها أجمل ترحيب وأكرمه, وتسابقوا الى خدمتهم.

    ومضت السفينة في طريقها سائرة بهم حتى قاربت أن ترسو على ميناء احدى المدن؛ حينئذ رأى كوسى من الشيخ أمرا عجيبا! رآه قد أخذ فأسا من السفينة, واقترب من جدارها, وما زال يعالج بها لوحا من ألواحها حتى كسره, وخرقها.

    فلم يملك موسى نفسه, وغضب لفعل الشيخ بالسفينة, لأنه رأى في ذلك اساءة لأصحاب السفينة, وتعريضا لهم جميعا لخطر الغرق؛ فقال له والغضب بدا على وجهه:

    ماذا فعلت؟

    قوم حملونا بغير أجر وأكرمونا غاية الاكرام, عمدت الى سفينتهم فخرقتها, لتغرقها وتغرق أهلها؟!{ لقد جئت شيئا امرا}.

    قال الشيخ:{ ألم أقل لك انك لن تستطيع معي صبرا}.

    تذكّر موسى على الفور وعده للشيخ ألا يسأله عما يرى منه, وعجب لما فعله الشيخ, وعما يربط هذا الفعل القبيح بالعلم الذي يعلمه, ولكنه لم يسمعه الا أنه قال للشيخ أسفا:

    { لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}.

    وما لبثت السفينة أن رست بجانب المدينة التي تقصدها, فنزل منها الشيخ وموسى, وأخذا يسيران في المدينة. وقد بدا أن الشيخ يستعدّ لموقف آخر أكثر عجبا من الموقف الأول وموسى عليه السلام لا يعلم شيئا عمّا يجري ويخشى المناقشة حتى لا يتهم بعدم الصبر أو ينقض شرط الرجل الصالح, الذي قال له:{ فلا تسئلني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فصمت موسى عليه السلام.

    4.القصة الثانية
    مضى موسى والعبد الصالح يتجوّل في المدينة مع موسى عليه السلام ويدخل هنا وهناك, ويتردد بين شوارعها وطرقاتها ومسالكها.

    ولكن موسى عليه السلام عجب أشد العجب وجزع أشد الجزع, عندما أتى العبد الصالح أمرا عجبا وفعلا نكرا.. ترى ماذا فعل الشيخ العبد الصالح؟

    لقد اقترب من غلام كان يلعب في الطريق, فجذبه بيده, ثم أمسك بعنقه بكلتا يديه, وما زال يضغط عليه حتى قتله.

    أصبح الأمر لا يحتمل بالنسبة لموسى عليه السلام فهو يرى جريمة قتل مروّعة أمامه, فنظر الى ما فعل العبد الصالح متعجبا ثم ذاهلا, ثم خرج من عجبه, وأفاق من ذهوله, ساخطا مستنكرا غضبا, وصرخ في الشيخ قائلا:

    يا رجل ما فعل هذا الغلام حتى تقتله؟! {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا} فقال الشيخ في هدوء:{ ألم أقل انك لن تستطيع معي صبرا}.

    هدأ موسى عليه السلام, وسكّن من غضبه, وتحيّر في أمر هذا الرجل الصالح الذي اتبعه لهدف واحد وهو أن يستزيد من علمه, فلم يجد عنده حتى الآن شيئا من ذلك, بل انه يأتي أفعالا منكرة لا يرضاها علم, ولا تقرّها شريعة, ولكنه لم يسعه الا أن قال للشيخ:{ ان سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرا} يحق لك به ترك مرافقتي, والانصراف عن صحبتي.

    5.القصة الثالثة
    خرج الرجل الصالح وموسى من تلك المدينة, وضربا في الأرض حتى وصلا الى مدينة أخرى, وكانا قد جاعا وتعبا, فسألا أهل المدينة ضيافة وطعاما, فلم يجبهما أحد الى ذلك, وكان كل من سألاه ضيافة يقول لهما: اننا لا نضيف الغرباء الا بأجر. وكل من يسألأاه طعاما يقول لهما: اننا لا نعطي طعاما بغير ثمن.

    ولما نال من موسى التعب مبلغه, جلس هو وفتاه يستريحان في ظل جدار منزل.

    ودعا موسى الشيخ الى الجلوس معهما ليستريح من عناء السير, ولكنّ موسى رأى شيا عجيبا يثير الدهشة.

    ترى ما هذا الشيء؟

    لقد رأى الشيخ يتقدم من الجدار الذي بالقرب منهما_ وكان جدارا قديما يوشك أن ينقض, فيفكك أحجاره المتخلخلة, ثم يجمع من الطريق ترابا, ويعجنه بالماء, ويصنه منه طينا يعيد به تثبيت الأحجار في أماكنها, حتى أعاد اقامة الجدار متينا ثابتا من غير أن يطلب منه ذلك أحد.

    فدار بخلد موسى أن الشيخ يفعل ذلك لينال عليه أجرا يمكنه أن يشتري به طعاما من أهل المدينة التي لا تضيف غريبا الا بأمر, ولا تطعم جائعا الا بثمن.

    وما ان انتهى الشيخ من عمله, حتى طلب من موسى أن يتبعه ثم انصرف عائدا ولم يطلب من أحدا شيء أبدا!!

    فقال له موسى بدهشة: ولم اذن أقمت الجدار؟!

    لقد كان جدارا مهدما فأصلحته, ومائلا فأقمته, فلم لا تطلب من أصحابه أجر ما فعلت؟! {لو شئت لتّخذت عليه أجرا}.

    عند ذلك نظر الشيخ الى موسى, وقال له: { هذا فراق بيني وبينك}.

    انتبه موسى, وأدرك أنه تجاوز الشرط المبرم بينه وبين الشيخ ألا يسأله عن شيء حتى يذكره هو له, وأدرك موسى أنه قد حق عليه فعلا فراق الشيخ, لأنه لم يستطع أن يضبط نفسه من السؤال, ولا أن يكف لسانه عن الكلام, وكان ذلك نزولا على حكم الشرط الذي اشترطه للشيخ على نفسه.

    فقال موسى للشيخ أسفا: حقا لقد عذرت معي, فما استطعت أن أكبح نفسي عن السؤال, ولا أن أردّ لساني عن الكلام, ولا أن أصبر على ما رأيته يصدر منك من الفعال.

    فقال الشيخ ملاطفا:

    لا تأسف ولا تحزن, سأنبئك يتأويل ما لم تستطع عليه صبرا.

    فقال موسى فرحا متشوّقا: هات حديثك فاني متشوّق اليه.

    فقال الشيخ: هيا بنا نتخيّر مكانا نجلس فيه, لأفسّر لك ما خفي عنك, وأشرح ما غمض عليك.

    وعندما يكشف العبد الصالح سر المواقف الثلاثة: خرق السفينة, وقتل الغلام, وبناء الجدار في قرية بخيلة لا تطعم ولا تسقي, سنرى المعجزات التي كشف لموسى عنها, وليعلم أن ما عنده من علم فهو قليل.

    6.معجزات علم الغيب
    بادر موسى على الفور العبد الصالح بالسؤال فقال له:

    ما أمر السفينة؟

    فأجاب العبد الصالح:

    _أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر, وهم شركاء فيها, وهم شركاء كذلك فيما تحمل من تجارة قليلة ضئيلة, يبادلونها بتجارة ثانية, ويتقاضون بها سلعا أخرى فيما يمرون به من البلاد, ويرسون عليه من المدن.

    قال موسى: ولم اذن خرقتها وحال أصحابها على ما تصف من الفقر والضعف, وقد أكرمونا وأحسنوا الينا, وأجهدوا أنفسهم في ضيافتنا؟!

    قال الشيخ: أردت أن أعيبها, فان المدينة التيرست عليها بها ملك ظالم جبار يرسل أتباعه يفحصون السفن التي ترسو بمدينته, ويختبرونها, فالسفن التي على حالة جيّدة يأخذها من أصحابها غصبا, ويسلبها قوة واقتدارا, أما السفن المعطوبة التي بها عيب, أو التي أصابها تلف فانه لا يأخذها.

    فاتضحت الحقيقة, وظهرت المعجزة أمام عيني موسى عليه السلام, معجزة علم رآه يفوق حتى خياله.

    وقال للشيخ ضاحكا: لذا خرقت أنت السفينة فعبتها حتى لا يأخذها من أصحابها المساكين هذا الملك الظالم؟

    قال العبد الصالح: نعم فعلت ذلك, لكي يتركها الملك الظالم, فيستطيع أصحابها بعد ذلك أ، يصلحوها ويرتزقوا منها.

    فتخيّل موسى عليه السلام أصحاب السفينة, وهم غاضبون ساخطون حين يكشفون عن العطب الذي أصابها, ولكنهم لو علموا ما كان مخبأ لهم, كما عرفه موسى من العبد الصالح لفرحوا وحمدوا ربهم على ذلك فربّ مصيبة فيها الفرج.

    ثم قال موسى للشيخ: وما سبب قتلك الغلام؟!
    أجاب الشيخ: أما الغلام فكان أبواه مؤمنين, وكان هو كافرا طاغيا ضالا, {فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا} يؤذيهما اذا عصياه ببذاءته وفساده, ويؤذيهما اذا اتبعاه بكفره وضلاله.

    قال موسى: لقد أراح الله منه أبويه, وجنبهما شرّ السقوط في معصيته ولكنهما لا يشعران بنعمة موت هذا الابن الضال, ولا يحسان الا بشدّة وقع وفاته, وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.

    قال الشيخ معقبا على هذا الكلام: نعم, فسيبدلهما ربهما خيرا منه زكاة, وأصلح منه دينا وأحسن منه خلقا, وأقرب رحما.

    قال موسى: ان الله على كل شيء قدير, يشمل برحمته من يشاء.

    أجاب الشيخ: أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة, وكان تحته كنز لهما, خبأه لهما أبوهما قبل أن يموت, وكان أبوهما صالحا مؤمنا تقيا, فأراد ربّك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك.

    قال موسى متسائلا: فأقمت الجدار خوفا من ضياع الكنز؟

    أجاب الشيخ: نعم ليبقى الكنز مصونا من أيدي العابثين, حتى يشب الغلامان فيستطيعا أن ينتفعا به في حياتهما ومعاشهما.

    عند ذلك ظهرت المعجزات وحقائق العلم الخفي الذي يعلمه العبد الصالح لموسى, وأدرك أن ما خفي عليه كان علما ظاهرا لهذا الرجل (العبد الصالح) وأن ما استتر عنه كان معرفة واضحة أمام الشيخ, فاختصّ موسى حين أراد أن يعلمه ربه بهذه المعجزات العظيمة
    .



    يتبــع ان شاء الله ...........
    التعديل الأخير تم بواسطة نسيبة بنت كعب ; 24-04-2005 الساعة 10:01 PM
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Mar 2005
    المشاركات
    3,275
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    04-12-2012
    على الساعة
    11:58 PM

    افتراضي



    معجزات البحر وعيون الماء


    البحر ينشق نصفين !

    قال تعالى:{ فأحينا الى موسى أن اضرب بعصاك البحر, فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم* وأزلفنا ثم الآخرين* وأنجينا موسى ومن معه أجمعين* ثم أغرقنا الآخرين* ان في ذلك لآية, وما كان أكثرهم مؤمنين}. الشعراء 63-67.

    تعدّد ت معجزات موسى عليه السلام مع البحر والنهر وعيون الماء وقد وهب الله موسى هذه المعجزات كي يمكّن المؤمنين من دعوته وينصر موسى عليه السلام على أعدائه, ولكي تكون هذه المعجزات عبرا ايمانية ودروسا تستجيب أمامها العقول المتحجرة, ولو نظرنا لموسى عليه السلام, نجد أ، حياته بدأت بصندوق حمله في نهر النيل الى أن وصل الى قصر فرعون, فحملته آسية امرأة فرعون وتربّى موسى عليه السلام في قصر فرعون على ضفاف النيل.

    ومعجزة موسى مع البحر بدأ بغباء فرعون وقومه, فأرسل الله عليهم آيات العذاب كالجراد والضفادع, ثم وقعت آخر آيات العذاب الدنيوي, وهي آية الدم.

    لقد تحوّلت مياه النيل الى دم لا يستطيع أن يسيغه أحد وكانت آية جديدة على قوم فرعون اذ أن الآيات السابقة كانت من النوع المعروف في البيئة الزراعية, التي تقوم حياتها على النهر, سواء أفاض النهر أم أمسك عن فيضانه.

    أما آخر الآيات التي عذب بها قوم فرعون فهي الدم, وهذا لون جديد لم تألفه البيئة المصرية, لقد تحولت مياه النيل الى دم, وتمّ هذا التحوّل الى المصريين من أتباع فرعون, فكان موسى وقومه يشربون مياها عاديّة, وكان أي مصري يملأ كأسه ليشرب, يكتشف أن كأسه مملوء بالدم.

    كانت هذه الآية من آيات العذاب بمثابة صدمة اهتز لها المصريون وقصر فرعون, انها آية رهيبة وكارثة ضخمة.

    ولم يجدوا أمامهم ملاذا يتوسّلون اليه ليتخلصوا من عذاب هذه الآية الرهيبة سوى موسى عليه السلام فذهبوا يتوسلون اليه ويرجونه أن يدعو ربه, وقالوا انهم مقابل ذلك سوف سطلقون سراح بي اسرائيل هذه المرّة بعد أن رفضوا خروجهم ومنعوهم قبل ذلك مرّات ومرّات.

    استجاب موسى عليه السلام لتوسلاتهم التي طالما كرروها في مواقف عدة ولم يوفوا بعهودهم أبدا, ودعا موسى ربه فانكشف عنهم العذاب, وعاد الماء صافيا, فشربوا منه وارتووا, ولما حان تنفيذ وعدهم والوفاء بعهدهم الذي عاهدوه موسى عليه السلام رفضوا, ورفض فرعون أ، يسمح لموسى باصطحاب قومه من بني اسرائيل والرحيل بهم وزاد الأمر تعقيدا, أن فرعون تشدد أكثر في كفره, واشتد في الهجوم على موسى, وأعلن بين قومه أنه اله, وقال: اليس لي ملك مصر, وهذه الأنهار التي تجري من تحتي؟ وأعلن فرعون أن موسى ساحر كذاب, وأنه رجل فقير لا يملكمالا ولا يملك أسورة واحدة من الذهب.

    وقد قصّ القرآ، كل هذا المشهد المثير فقال عز وجل:

    { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا الى فرعون وملئه فقال اني رسول رب العالمين* فلما جاءهم بآياتنا اذا هم منها يضحكون* وما نريهم من آية الا هي أكبر من أختها, وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون* وقالوا يا أيّه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك اننا لمهتدون* فلما كشفنا عنهم العذاب اذا هم ينكثون* ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون* أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين* فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين* فاستخف قومه فأطاعوه, انهم كانوا قوما فاسقين*}. الزخرف 46-54.

    هكذا بدا فرعون متجبرا مغرورا, وبدا واضحا لموسى عليه السلام أن هذا الفرعون وقومه لن يؤمنوا مهما أعطوا من عهود, وأن فرعون لن يكف عن تعذيب بني اسرائيل, والاستخفاف بهم. شعر موسى عليه السلام أنه لا فائدة من هؤلاء, ومن كبيرهم الفرعون. لقد أغلقوا عقولهم في وجه الايمان, وأغمضوا عيونهم لكي لا ترى جمال الخالق وعبرة خلقه الماثلة أمامهم.

    وجاء الدعاء من موسى عليه السلام, جاء هذه المرّة غاضبا ساحقا لا رجعة عنه, وقف مع أخيه هارون وقد شاركه هذا الاحساس بأنه لا فائدة من هؤلاء, رفع موسى يده الى السماء ورفع هارونيده الى السماء ودعا كل منهما ربه فقال: وقال موسى:{ يارب ان هؤلاء قوم لا يؤمنون * فاصفح عنهم وقل سلام, فسوف يعلمون}الزخرف 88-89.

    وقد استجاب الله عز وجل لهذ الدعاء, وخاطب موسى وهارون فقال لهما:

    قال:{ لقد أجيبت دعوتكما فاستقيما لي ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} يونس 89.

    ترى ما هي الخطوة القادمة؟ ماذا عليه أن يفعل موسى؟

    لقد أمر أن يخرج من مصر, وأذن له بالخروج من مصر واصطحاب قومه معه.

    والغريب أن بعض قوم موسى كانوا لم يؤمنوا به بعد وقد ذكرهم الله في آياته فقال عز وجل:

    { فما آمن لموسى الا ذريّة من قومه على خوف من فرعون وملاءيهم أن يفتنهم, وان فرعون لعال في الأرض وانه لمن المسرفين} يونس 83.

    لقد انتهى أمر فرعون, وانصرفت مشيئة الله عز وجل أن يوضع حد لجرائم هذا الكافر اللعين, بعد أن استنفدت معه كافة الطرق وخرج من رحمة ربه, صدر الأمر لموسى بالخروج من مصر, واستأذن بنو اسرائيل فرعون في الخروج الى عيد لهم, فأذن لهم وهو كاره, وتجهزوا للخروج وتأهبوا وحملوا معهم حليهم واستعاروا من حلي المصريين شيئا كثيرا.

    ومع دخول الليل خرج بنو اسرائيل يتقدمهم موسى عليه السلام وسار بهم نحو البحر الأحمر قاصدا بلاد الشام.

    وما هي الا لحظات حتى التقطت وسائل التجسس الخاصة بفرعون واستخباراته, التقطت أخبار خروج موسى مصطحبا قومه الى بلاد الشام وأنه خرج ليلا.

    ثار فرعون ثورة عارمة, وأمر أن يحشد جيش عظيم, من كل المملكة, وقال في سياق أوامره الثائرة الغاضبة أن موسى غاظه, فقال:{وانهم لنا لغائظون} الشعراء 55, لقد غاظني موسى, ولا بد من قتاله والقضاء عليه وعلى بني اسرائيل.. وأعلن ذلك صراحةأمام الناس.

    وفي وقت قصير جمع فرعون جيشا ضخما, جاء لمطاردة موسى والقضاء عليه, وخرج جيش فرعون مسرعا, كان المشهد مخيفا مهيبا لكثرة عدد الجند وكثافة السلاح الذي يحملونه في ذلك الوقت, بينما حمل بنو اسرائيل جزءا من متاعهم وخرجوا خائفين.

    بدأت المطاردة العنيفة, فجيش فرعون يجري بأقصى سرعة, ويطوي الطريق طيّا, في حين أن موسى وبني اسرائيل لم يكونوا بهذه السرعة, لكثرة ما حملوا على ظهورهم وأكتافهم من متاع أحبوا أن يحتفظوا بها لأنفسهم, واقترب جيش فرعون من موسى وقومه, وكلما نظر القوم خلفهم هالهمهذا الجيش الضخم.

    ومن بعيد.. ثار غبار يدل على أن جيش الفرعون يقترب, واقترب فعلا وظهرت أعلام الجيش, وامتلأ قوم موسى بالرعب.. لقد كان الموقف حرجا وخطيرا جدا, لقد وجدوا البحر أمامهم والعدو الظالم خلفهم يلاحقهم كي يقضي عليهم وليست أمامهم فرصة واحدة للدفاع عن أنفسهم, انهم مجموعة من النساء والأطفال والرجال غير المسلحين.

    لو لحق بهم فرعون فسيذبحهم جميعا, ولن يبقى منهم أحدا.

    بدأت الناس تبكي خوفا, ونادت أصوات تقول:

    سيدركنا يا موسى.. سيدركنا فرعون.

    فقال لهم موسى عليه السلام بهدوء واطمئنان شديد:

    كلا.. ان معي ربي سيهدين.

    لجأ موسى عليه السلام في هذه الللحظات الى ربه, اذ لا ملجأ الا اليه سبحانه عز وجل, فتلقى أمرا صريحا ووحيا كاملا بأن يضرب بعصاه البحر.

    جاء ذلك في القرآن الكريم فقال عز وجل:

    {فأتبعوهم مشرقين* فلما تراآ الجمعان قال أصحاب موسى انا لمدركون* قال كلا ان معي ربي سيهدين * فأوحينا الى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم}

    نفذ موسى عليه السلام أمر به, ضرب البحر بعصاه فانفلق البحر نصفين, وكانت معجزة هائلة من المعجزات التي منّ الله بها على موسى عليه السلام.

    انشق طريق صلب يابس في وسط البحر وأصبح الموج كالجبل الراسخ عن اليمين وعن اليسار, وتقدّم موسى وقومه في وسط هذه المعجزة المدهشة, التي كان يجب أن تتعظ بها جيوش الباطل التي تلاحقهم وتطاردهم.

    تقدّم موسى وسار بهم عبر البحر, كانت المعجزة هائلة بكل المقاييس. طريق يابس, وسط أمواج من البحر تموج عن يمين وتموج عن شمال ولا تغرق هذا الطريق الذي انشق في وسطها, والغريب أن جيش فرعون سوف يتابع المسير خلفهم دون النظر أو الدهشة أو التمعن والاعتبار, كل هذا لم يرد على عقول مغلقة, أغلقها الكفر, فخسرت نور الايمان.

    لقد كانت الأمواج تعلو وتهبط وتتصارع فيما بينها ولكنها ما ان تصل الى الطريق المشقوق
    وسط البحر حتى تبدو وكأن يدا خفيّة تمنعها من أن تغرق هذا الطريق أو حتى تبلله.

    وصل فرعون البى البحر, وشاهد هذه المعجزة, شاهد البحر وقد انشق نصفين, ووجد فيه طريقا يابسا. أحسّ في البداية بالخوف, ولكنه زاد في عناده ونسي كل تأمّل وعبرة, وأمر عربته أن تنطلق في هذا الطريق العجيب, فتقدمت عربته مسرعة تقطع الطريق, ولحقه جيشه القوي الجرّار في الطريق, واشتدّت المطاردة هنا وهناك, وأصبح الفريقان على مرمى البصر من بعضهما, ولكن موسى وقومه كانوا قد عبروا البحر, قبل فرعون, وعند خروج آخر فرد من بني اسرائيل من طريق البحر ووقوفه على الضفة الأخرى, التفت موسى عليه السلام الى البحر وأراد أن يضربه بعصاه ليعود كما كان, ولكن الله عز وجل أوحى الى موسى أن يترك البحر على حاله كما هو.

    كان موسى يريد أن يفصل البحر بينه وبين فرعون لينجو بقومه من بطش فرعون, مخافة أن يلحق بهم ويبطش بهم ويعذبهم, ولو أنه ضرب البحر ربما لتغيّرت أحوال لاندري ما هي ولكنّ الله عز وجل قال له: {واترك البحر رهوا انهم جند مغرقون} الدخان 24.

    هكذا شاءت ارادة الله, لقد أراد الله اغراق الفرعون, ولهذا أمرموسى أن يترك البحر على حاله.

    ووصل فرعون بجيشه الى منتصف البحر, وتجاوز منتصفه وكاد يصل الى الضفة الأخرى.. وأصدر الله عز وجل أمرا الى جبريل فحرّك الموج, فانطبقت الأمواج على فرعون وجيشه.

    وغرق الفرعون وجيشه, غرق مع كفره وعناده "لقد غرق الكفر ونجا الايمان", وعندما غرق فرعون رأى مقعده في النار وهو يغرق, لذلك أدرك وقد انكشف عنه الحجاب, أدرك أن موسى عليه السلام كان صادقا أمينا, ولم يكن ساحرا أو كاذبا كما ادّعى عليه أمام جموع الكفار من قومه, أدرك أنه عبد ذليل, ولن يكون في يوم من الأيام ربّا كما زعم أمام الناس.

    دخل فرعون في سكرات الموت, وأدرك أيضا أنه كان مخطئا عندما حارب موسى عليه السلام وطارده وعاداه وقرّر أن يؤمن في هذه اللحظة, جاءت هذه اللحظة في القرآن الكريم في الآية الكريمة التي تقول:

    { حتى اذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا اله الا الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين} يونس 90.

    هل قبلت توبة فرعون؟ لا لم تفبل توبته, لأنها جاءت بعد أن أدركه العذاب والموت, وقد قال له جبريل عليه السلام:{ آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} يونس 91.

    انتهى الوقت المحدد للتوبة, توبة فرعون, وانتهى الأمر ولا نجاة من الغرق والموت, سينجو جسدك وحده, ستموت وتقذف الأمواج جثتك الى الشاطئ, لتكون آية وعبرة لمن بعدك.

    قال عز وجل:{ فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية, وان كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون}. يونس 92.

    هذه معجزة البحر مع موسى عليه السلام, انها واحدة من المعجزات العظيمة التي أفاء الله بها على عبده موسى عليه السلام. وما أكثر المعجزات..



    يتبع ان شاء الله ...........


    للتعليق الرجاء اضغط هنــــــــــــا


    https://www.ebnmaryam.com/vb/showthread.php?t=400
    التعديل الأخير تم بواسطة نسيبة بنت كعب ; 26-04-2005 الساعة 07:28 PM
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Mar 2005
    المشاركات
    3,275
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    04-12-2012
    على الساعة
    11:58 PM

    افتراضي

    موسى والخضر والبحر


    قال تعالى:{ فلما بلغ مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا* فلما جاوزاه قال لقتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا* قال أرأيت اذ أوينا الى الصخرة فاني نسيت الحوت وما أنسانيه الا الشيطان أن أذكره, واتخذ سبيله في البحر عجبا* قال ذلك ما كنا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصا* فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} الكهف 61-65.

    اختص الله عز وجل موسى بنعم كثيرة, وكذلك اختص قومه بهذه النعم التي أنعم بها عليه, ولذلك فقد ظل موسى عليه السلام يشكر الله على نعمه.

    وكان موسى يصلي لله شكرا على ما أعطاه من نعم, يتعبّده حمدا على ما وهب له, ويبتهل اليه أن يديم عليه رضاه وكرمه. وذات يوم سأل ربّه: يا رب؛ أأنا الآن الوحيد على وجه الأرض الذي حبوتني بالعلم, وخصصتني بالمعرفة؟!

    فأجابه ربه: يا موسى انك لا تعلم الا ما شئنا نحن أن تعلمه, ولا تعرف الا ما أردنا لك أن تعرفه.

    قال موسى متسائلا: يا رب, أيوجد من هو أعلم مني؟!

    فأجابه ربه: لي عبد صالح يعلم ما لا تعلم. ويعرف ما لا تعرف.

    قال موسى: يا رب, أين أجد عبدك الصالح هذا؟ لقد اشتاقت نفسي الى معرفته.

    قال عز وجل: يقيم الآن عند مجمع البحرين.

    قال موسى: يا رب؛ أريد أن أذهب لأراه, فأرشدني اليه, ووفقني للقائه.

    قال عز وجل: اذهب وسأجعل لك من عندي آية تدلك وعلامة بيّنة ترشدك.

    1. البحث عن العبد الصالح
    تهيأ موسى عليه السلام للذهاب لمقابلة العبد الصالح, الذي أرشده الله عز جل اليه, فنادى يوشع بن نون فتاه المخلص وقال له: يا يوشع, اني عزمت على القيام برحلة, لا أدري: أتطول هي أم تقصر؟!! فهل لك في أن تصحبني في تلك الرحلة التي لا يعلم الا الله مداها؟!

    وكان يوشع بن نون هو الفتى الذي أحبّ موسى عليه السلام, وآمن به وأخلص له, ووهبه قلبه, وصحبه في غدوّه ورواحه, ينهل من حكمة موسى عليه السلام, ويغترف من علمه, ويأخذ من معرفته.

    قال يوشع: اني لك يا سيدي الصاحب الوفي والرفيق المطيع الأمين.

    قال موسى عليه السلام: اذن, فلنتهيأ لرحلتنا من فورنا, ولنسر على بركة الله, فهو مرشدنا وهادينا الى سواء السبيل. وتهيأ موسى وفتاه للسفر وتزوّدا بزاد مما يتزود به عادة المسافرون, الذين يقطعون الصحارى, ويجتازون الفيافي والقفار, مثل الخبز الجف, والتمر اليابس, واللحم المقدد.

    ولما جهزا جهازهما؛ سأل يوشع بن نون موسى: يا سيدي أي المطايا تركب؟ وأي القوافل تصحب؟ وأي الطرق تسلك؟!

    قال موسى: يا بني, ستكون مطيتنا أرجلنا, وسيكون البحر صاحبنا, وسيكون شاطئه مسلكنا.

    سأل يوشع متعجبا: وال أين نقصد؟!

    قال موسى: نقصد مجمع البحرين, لأقابل رجلا من عباد الله الصالحين, أرشدني الله اليه.

    قال الفتى: وهل تعرف مجمع البحرين؟!

    أجاب موسى: سيعرّفني الله مجمع البحرين ويهديني اليه.

    2. رحلة البحث

    مضى موسى عليه السلام ومعه فتاه يوشع على شاطئ البحر, أياما وليالي, لا يكلان ولا يملان ولا يتأففان من طول سير, أو وعورة طريق؛ ولا يتوقفان الا لتناول غذاء, أو لأخذ قسط من النوم. ومرّ عليهما وهما على هذه الحالة وقت من الزمن, وموسى لا يزال كأول عهده بالرحلة: نشيطا, متشوقا الى مقابلة عبدالله الصالح, ولم تفتر همته, ولم يدركه سأم, ولم يتطرّق الى نفسه ملل.

    وسألأ يوشع موسى يوما: يا ترى!! ألأ يزال أمامنا مرحلة طويلة حتى نصل الى مجمع البحرين؟

    قال موسى: لا أدري !! ولكنني لا أ[رح حتى أبلغ مجمع البحرين, أو أمضي حقبا.

    واستمر موسى عليه السلام وفتاه يوشع يغذان السير في البر, وهما على روح الثبات والنشاط حتى نفد طعامهما, فاصطاد يوشع حوتا من البحر حمله معه, ليتزودا من لحمه, ووصلا الى صخرة عظيمة فجلسا يستجمان بجوارها, ويستظلان بظلها, ويصيبان قسطا من الراحة والنوم. فلما نالا قسطا من النوم قاما يسيران ويسعيان, فما كاد ينصرم نهارهما هذا, ويمسي عليهما المساء حتى شعر موسى بتعب وفتور لم يعهده من منذ بدأ رحلته, وأحس أن قدميه لا تستطيعان حمله أكثر مما حملتاه, أحس كذلك أن أعضاءه قد وهنت وضعفت, فجلس على الأرض, وقال لفتاه:{ آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} عسى أن يمدّنا الله ببعض القوة التي تعيننا بلوغ غايتنا.

    حينئذ ضرب الفتى يوشع جبينه بيده, وصرخ صرخة مكتومة وقال لموسى:{أرأيت اذ أوينا الى الصخرة فاني نسيت الحوت وما أنسانيه الا الشيطان أن أذكره}.

    قال موسى عليه السلام مستفسرا: وما بال الحوت؟!

    أجاب يوشع قائلا: لقد تسرّب الحوت, واتخذ سبيله في البحر عجبا.

    لقد هرب الحوت من السلة, ومضى في طريق محدد الاتجاه الى البحر. تعجب موسى عليه السلام من كلام فتاه يوشع, وسأله وقد دبّت في نفسه فرحة أمل, وابتسامة تفاؤل فقال: أفصح يا يوشع, ماذا حدث للحوت وما الذي حدث منه؟!!

    قال يوشع: حدث وأنت نائم, ان أفقت أنا من نومي على صوت السلة التي بها الحوت, وكانت بجانبي, ففتحت عيني, فوجدته ينزلق متدحرجا بين الصخور, فأسرعت خلفه لأعيده الى مكانه؛ ولكني رأيت عجبا, ورأيت ما أدهشني.

    قال موسى فرحا مستبشرا: ماذا رأيت؟ عجّل بالقول!!

    قال الفتى في أسف وحسرة: رأيت الحوت قد غمره الماء, وخيّل اليّ أنه يتحرّك, ويتقلّب, كأن الحياة قد ردّت اليه, يضطرب في سرب بين الصخور, خرج منه الى البحر, دون أن أدركه, أو أستطيع اللحاق به.

    فلم يدهش موسى, ولم يتعجب, فقد لمس في آيات الله له كل مقدرة, ورأى في بيّناته له كل عجب. ولكنه سرّ وفرح, فقد أدرك أن بعث الحوت الميّت, وردّه حيا, هو آية الله التي وعده بها ليرشده الى مجمع البحرين, وعرف أن الطريق الذي تسرب فيه الحوت هو الطريق الذي يؤدي الى عبد الله الصالح الذي ينشد لقاءه, فنهض نشيطا فرحا, وهو يقول لفتاه:{ ذلك ما كنا نبغ} فهيا بنا نعود الى الصخرة.

    هذه الحالة في حد ذاتها بداية معجزات موسى عليه السلام التي وهبها الله له في هذه القصة الجميلة.

    وسنرى المعجزات العجاب حين يلتقي بالعبد الصالح.

    فما أشرق الصباح حتى ارتدّ موسى عليه السلام وصاحبه فتاه يوشع يقصّان ويبحثان عن آثارهما وطريقهما الذي جاءا منه, حتى لا يضلا عن الصخرة التي نزلا بجانبها من قبل, وما زالا سائرين يتحسسان طريقهما الأول, حتى وصلا اليها؛ فقال موسى عليه السلام لفتاه يوشع:

    يا يوشع أرني المكان الذي تسرّب منه الحوت ونفذ الى البحر.

    فأشار يوشع لموسى الى سرب بين الصخور, وقال له:

    هذا هو الطريق الذي سلكه الحوت.

    فنظر موسى عليه السلام الى حيث أشار يوشع, فوجده سربا بين الصخور يفضي الى البحر من ناحيته الأخرى, فنفذ منه ومن ورائه فتاه, فخرجا الى البحر من الناحية الأخرى للصخرة, ونظر موسى حوله, فرأى ما وعده الله حقا!! رأى ما حجبته الصخرة عن رؤيته بعظم رمها! رأى ماء البحر العذب يلتقي بماء البحر المالح.

    ورأى بجانب الصخرة بساطا أخضر نضيرا من عشب أخضر, وقد جلس عليه شيخ جميل وضيء مهيب الطلعة, أبيض اللحية, وقد تربّع في جلسته.

    عندئذ عرف موسى عليه السلام أنه أمام العبد الصالح الذي وعده ربه بلقائه, وهو الرجل الذي علمه الله سبحانه وتعالى أشياء من علم الغيب الذي استأثر به.

    وكانت هذه الثانية خطوة على طريق المعجزات في هذه القصة المباركة, ترى بعد هذا اللقاء ماذا فعل موسى عليه السلام مع العبد الصالح؟ لنرى ذلك.

    وتقدّم موسى من العبد الصالح وقال له:

    السلام عليك يا حبيب الله.

    فنظر الشيخ اليه, وقد أشرق وجهه, وردّ عليه السلام قائلا: وعليك السلام يا نبيّ الله.

    ثم دعاه الى الجلوس بجانبه, فجلس موسى عليه السلام وهو يسأله دهشا مستعجبا: أوتعرفني؟!

    قال الشيخ: نعم, أولست موسى نبي اسرائيل؟

    قال موسى وقد ازداد عجبه: من أعلمك عني؟! ومن عرّفك بي؟!

    أجاب الشيخ أعلمني عنك الذي أعلمك عني, وعرّفني بك الذي عرّفك بمكاني.

    فامتلأ قلب موسى هيبة من الشيخ, وايمانا به, وعلم أنه حقا في حضرة رجل صالح قد اصطفاه ربه, واتخذه وليّا وآتاه رحمة من عنده وعلما من لدنه. فقال يسأله في تلطف وتودد:

    { هل أتبعك على أن تعلمنﹺ مما علّمت رشداْ}.

    فابتسم الشيخ لموسى عليه السلام وقال له:

    {انك لن تستطيع معي صبرا}.

    قال موسى: سأصبر على كل ما تعلمني اياه, وترشدني اليه.

    فهز الشيخ رأسه باسما, وقال:{ وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا}.

    يا موسى ان علمي الذي أعلمه غير علمك الذي تعلمه, لن تستطيع أن تصبر على ما يصدر من علمي, ولا تقدر أن تطيق ما تراه مني.

    قال موسى:{ ستجدني ان شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقد صح عزمي على أن أكون تابعك لتعلمني مما علمك الله وترشدني الى ما أرشدك اليه.

    حينئذ حط عصفور على حجر في الماء, فنقر نقرة في الماء ثم طار, فقال الشيخ:

    أرأيت يا موسى ما أخذ العصفور في منقاره من الماء؟!

    والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله الا كما أخذ هذا الطير بمنقاره من البحر. ثم قال:

    {فان اتبعتني فلا تسئلني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} وأفسر لك ما خفي عليك تفسيره.

    قال موسى على الفور: لك عليّ ذلك.

    وبدأت قصّة المعجزة, بل المعجزات في هذه القصة في ثلاثة مشاهد عجيبة, سيفسر أسبابها العبد الصالح في النهاية فتكون معجزة حضها موسى عليه السلام وتعلّم منها أنها معجزات علم الغيب.

    3. القصة الأولى

    اصطحب العبد الصالح النبي موسى عليه السلام الى شاطىء البحر وكان يتبعهما يوشع, وعند الشاطىء لاحت لهما سفينة سائرة في عرض البحر, فأشار لها الشيخ بيده فاقتربت من الساحل وأطلّ رجالها منها يستفسرون الشيخ وموسى عما يريدان, فعرفوا الشيخ لأنهم يرونه دائما جالسا يتعبّد على ساحل البحر؛ وقال لهم الشيخ:

    - نريد منكم أن تحملونا معكم الى حيث تقصدون وليس معنا ما ننقدكم اياه أو نقدمه لكم أجرا على ذلك.

    فقال رجال السفينة: مرحبا بالرجل الصالح...

    وركب الشيخ وموسى ويوشع السفينة, ورحّب بهم أهلها أجمل ترحيب وأكرمه, وتسابقوا الى خدمتهم.

    ومضت السفينة في طريقها سائرة بهم حتى قاربت أن ترسو على ميناء احدى المدن؛ حينئذ رأى كوسى من الشيخ أمرا عجيبا! رآه قد أخذ فأسا من السفينة, واقترب من جدارها, وما زال يعالج بها لوحا من ألواحها حتى كسره, وخرقها.

    فلم يملك موسى نفسه, وغضب لفعل الشيخ بالسفينة, لأنه رأى في ذلك اساءة لأصحاب السفينة, وتعريضا لهم جميعا لخطر الغرق؛ فقال له والغضب بدا على وجهه:

    ماذا فعلت؟

    قوم حملونا بغير أجر وأكرمونا غاية الاكرام, عمدت الى سفينتهم فخرقتها, لتغرقها وتغرق أهلها؟!{ لقد جئت شيئا امرا}.

    قال الشيخ:{ ألم أقل لك انك لن تستطيع معي صبرا}.

    تذكّر موسى على الفور وعده للشيخ ألا يسأله عما يرى منه, وعجب لما فعله الشيخ, وعما يربط هذا الفعل القبيح بالعلم الذي يعلمه, ولكنه لم يسمعه الا أنه قال للشيخ أسفا:

    { لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}.

    وما لبثت السفينة أن رست بجانب المدينة التي تقصدها, فنزل منها الشيخ وموسى, وأخذا يسيران في المدينة. وقد بدا أن الشيخ يستعدّ لموقف آخر أكثر عجبا من الموقف الأول وموسى عليه السلام لا يعلم شيئا عمّا يجري ويخشى المناقشة حتى لا يتهم بعدم الصبر أو ينقض شرط الرجل الصالح, الذي قال له:{ فلا تسئلني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فصمت موسى عليه السلام.

    4. القصة الثانية

    مضى موسى والعبد الصالح يتجوّل في المدينة مع موسى عليه السلام ويدخل هنا وهناك, ويتردد بين شوارعها وطرقاتها ومسالكها.

    ولكن موسى عليه السلام عجب أشد العجب وجزع أشد الجزع, عندما أتى العبد الصالح أمرا عجبا وفعلا نكرا.. ترى ماذا فعل الشيخ العبد الصالح؟

    لقد اقترب من غلام كان يلعب في الطريق, فجذبه بيده, ثم أمسك بعنقه بكلتا يديه, وما زال يضغط عليه حتى قتله.

    أصبح الأمر لا يحتمل بالنسبة لموسى عليه السلام فهو يرى جريمة قتل مروّعة أمامه, فنظر الى ما فعل العبد الصالح متعجبا ثم ذاهلا, ثم خرج من عجبه, وأفاق من ذهوله, ساخطا مستنكرا غضبا, وصرخ في الشيخ قائلا:

    يا رجل ما فعل هذا الغلام حتى تقتله؟! {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا} فقال الشيخ في هدوء:{ ألم أقل انك لن تستطيع معي صبرا}.

    هدأ موسى عليه السلام, وسكّن من غضبه, وتحيّر في أمر هذا الرجل الصالح الذي اتبعه لهدف واحد وهو أن يستزيد من علمه, فلم يجد عنده حتى الآن شيئا من ذلك, بل انه يأتي أفعالا منكرة لا يرضاها علم, ولا تقرّها شريعة, ولكنه لم يسعه الا أن قال للشيخ:{ ان سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرا} يحق لك به ترك مرافقتي, والانصراف عن صحبتي.

    5. القصة الثالثة

    خرج الرجل الصالح وموسى من تلك المدينة, وضربا في الأرض حتى وصلا الى مدينة أخرى, وكانا قد جاعا وتعبا, فسألا أهل المدينة ضيافة وطعاما, فلم يجبهما أحد الى ذلك, وكان كل من سألاه ضيافة يقول لهما: اننا لا نضيف الغرباء الا بأجر. وكل من يسألأاه طعاما يقول لهما: اننا لا نعطي طعاما بغير ثمن.

    ولما نال من موسى التعب مبلغه, جلس هو وفتاه يستريحان في ظل جدار منزل.

    ودعا موسى الشيخ الى الجلوس معهما ليستريح من عناء السير, ولكنّ موسى رأى شيا عجيبا يثير الدهشة.

    ترى ما هذا الشيء؟

    لقد رأى الشيخ يتقدم من الجدار الذي بالقرب منهما_ وكان جدارا قديما يوشك أن ينقض, فيفكك أحجاره المتخلخلة, ثم يجمع من الطريق ترابا, ويعجنه بالماء, ويصنه منه طينا يعيد به تثبيت الأحجار في أماكنها, حتى أعاد اقامة الجدار متينا ثابتا من غير أن يطلب منه ذلك أحد.

    فدار بخلد موسى أن الشيخ يفعل ذلك لينال عليه أجرا يمكنه أن يشتري به طعاما من أهل المدينة التي لا تضيف غريبا الا بأمر, ولا تطعم جائعا الا بثمن.

    وما ان انتهى الشيخ من عمله, حتى طلب من موسى أن يتبعه ثم انصرف عائدا ولم يطلب من أحدا شيء أبدا!!

    فقال له موسى بدهشة: ولم اذن أقمت الجدار؟!

    لقد كان جدارا مهدما فأصلحته, ومائلا فأقمته, فلم لا تطلب من أصحابه أجر ما فعلت؟! {لو شئت لتّخذت عليه أجرا}.

    عند ذلك نظر الشيخ الى موسى, وقال له: { هذا فراق بيني وبينك}.

    انتبه موسى, وأدرك أنه تجاوز الشرط المبرم بينه وبين الشيخ ألا يسأله عن شيء حتى يذكره هو له, وأدرك موسى أنه قد حق عليه فعلا فراق الشيخ, لأنه لم يستطع أن يضبط نفسه من السؤال, ولا أن يكف لسانه عن الكلام, وكان ذلك نزولا على حكم الشرط الذي اشترطه للشيخ على نفسه.

    فقال موسى للشيخ أسفا: حقا لقد عذرت معي, فما استطعت أن أكبح نفسي عن السؤال, ولا أن أردّ لساني عن الكلام, ولا أن أصبر على ما رأيته يصدر منك من الفعال.

    فقال الشيخ ملاطفا:

    لا تأسف ولا تحزن, سأنبئك يتأويل ما لم تستطع عليه صبرا.

    فقال موسى فرحا متشوّقا: هات حديثك فاني متشوّق اليه.

    فقال الشيخ: هيا بنا نتخيّر مكانا نجلس فيه, لأفسّر لك ما خفي عنك, وأشرح ما غمض عليك.

    وعندما يكشف العبد الصالح سر المواقف الثلاثة: خرق السفينة, وقتل الغلام, وبناء الجدار في قرية بخيلة لا تطعم ولا تسقي, سنرى المعجزات التي كشف لموسى عنها, وليعلم أن ما عنده من علم فهو قليل.

    6. معجزات علم الغيب

    بادر موسى على الفور العبد الصالح بالسؤال فقال له:

    ما أمر السفينة؟

    فأجاب العبد الصالح:

    _أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر, وهم شركاء فيها, وهم شركاء كذلك فيما تحمل من تجارة قليلة ضئيلة, يبادلونها بتجارة ثانية, ويتقاضون بها سلعا أخرى فيما يمرون به من البلاد, ويرسون عليه من المدن.

    قال موسى: ولم اذن خرقتها وحال أصحابها على ما تصف من الفقر والضعف, وقد أكرمونا وأحسنوا الينا, وأجهدوا أنفسهم في ضيافتنا؟!

    قال الشيخ: أردت أن أعيبها, فان المدينة التيرست عليها بها ملك ظالم جبار يرسل أتباعه يفحصون السفن التي ترسو بمدينته, ويختبرونها, فالسفن التي على حالة جيّدة يأخذها من أصحابها غصبا, ويسلبها قوة واقتدارا, أما السفن المعطوبة التي بها عيب, أو التي أصابها تلف فانه لا يأخذها.

    فاتضحت الحقيقة, وظهرت المعجزة أمام عيني موسى عليه السلام, معجزة علم رآه يفوق حتى خياله.

    وقال للشيخ ضاحكا: لذا خرقت أنت السفينة فعبتها حتى لا يأخذها من أصحابها المساكين هذا الملك الظالم؟

    قال العبد الصالح: نعم فعلت ذلك, لكي يتركها الملك الظالم, فيستطيع أصحابها بعد ذلك أ، يصلحوها ويرتزقوا منها.

    فتخيّل موسى عليه السلام أصحاب السفينة, وهم غاضبون ساخطون حين يكشفون عن العطب الذي أصابها, ولكنهم لو علموا ما كان مخبأ لهم, كما عرفه موسى من العبد الصالح لفرحوا وحمدوا ربهم على ذلك فربّ مصيبة فيها الفرج.

    ثم قال موسى للشيخ: وما سبب قتلك الغلام؟!
    أجاب الشيخ: أما الغلام فكان أبواه مؤمنين, وكان هو كافرا طاغيا ضالا, {فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا} يؤذيهما اذا عصياه ببذاءته وفساده, ويؤذيهما اذا اتبعاه بكفره وضلاله.

    قال موسى: لقد أراح الله منه أبويه, وجنبهما شرّ السقوط في معصيته ولكنهما لا يشعران بنعمة موت هذا الابن الضال, ولا يحسان الا بشدّة وقع وفاته, وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.

    قال الشيخ معقبا على هذا الكلام: نعم, فسيبدلهما ربهما خيرا منه زكاة, وأصلح منه دينا وأحسن منه خلقا, وأقرب رحما.

    قال موسى: ان الله على كل شيء قدير, يشمل برحمته من يشاء.

    أجاب الشيخ: أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة, وكان تحته كنز لهما, خبأه لهما أبوهما قبل أن يموت, وكان أبوهما صالحا مؤمنا تقيا, فأراد ربّك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك.

    قال موسى متسائلا: فأقمت الجدار خوفا من ضياع الكنز؟

    أجاب الشيخ: نعم ليبقى الكنز مصونا من أيدي العابثين, حتى يشب الغلامان فيستطيعا أن ينتفعا به في حياتهما ومعاشهما.

    عند ذلك ظهرت المعجزات وحقائق العلم الخفي الذي يعلمه العبد الصالح لموسى, وأدرك أن ما خفي عليه كان علما ظاهرا لهذا الرجل (العبد الصالح) وأن ما استتر عنه كان معرفة واضحة أمام الشيخ, فاختصّ موسى حين أراد أن يعلمه ربه بهذه المعجزات العظيمة
    التعديل الأخير تم بواسطة نسيبة بنت كعب ; 05-05-2005 الساعة 04:55 PM

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Mar 2005
    المشاركات
    3,275
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    04-12-2012
    على الساعة
    11:58 PM

    افتراضي

    معجزات البحر وعيون الماء




    البحر ينشق نصفين

    قال تعالى:{ فأحينا الى موسى أن اضرب بعصاك البحر, فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم* وأزلفنا ثم الآخرين* وأنجينا موسى ومن معه أجمعين* ثم أغرقنا الآخرين* ان في ذلك لآية, وما كان أكثرهم مؤمنين}. الشعراء 63-67.

    تعدّد ت معجزات موسى عليه السلام مع البحر والنهر وعيون الماء وقد وهب الله موسى هذه المعجزات كي يمكّن المؤمنين من دعوته وينصر موسى عليه السلام على أعدائه, ولكي تكون هذه المعجزات عبرا ايمانية ودروسا تستجيب أمامها العقول المتحجرة, ولو نظرنا لموسى عليه السلام, نجد أ، حياته بدأت بصندوق حمله في نهر النيل الى أن وصل الى قصر فرعون, فحملته آسية امرأة فرعون وتربّى موسى عليه السلام في قصر فرعون على ضفاف النيل.

    ومعجزة موسى مع البحر بدأ بغباء فرعون وقومه, فأرسل الله عليهم آيات العذاب كالجراد والضفادع, ثم وقعت آخر آيات العذاب الدنيوي, وهي آية الدم.

    لقد تحوّلت مياه النيل الى دم لا يستطيع أن يسيغه أحد وكانت آية جديدة على قوم فرعون اذ أن الآيات السابقة كانت من النوع المعروف في البيئة الزراعية, التي تقوم حياتها على النهر, سواء أفاض النهر أم أمسك عن فيضانه.

    أما آخر الآيات التي عذب بها قوم فرعون فهي الدم, وهذا لون جديد لم تألفه البيئة المصرية, لقد تحولت مياه النيل الى دم, وتمّ هذا التحوّل الى المصريين من أتباع فرعون, فكان موسى وقومه يشربون مياها عاديّة, وكان أي مصري يملأ كأسه ليشرب, يكتشف أن كأسه مملوء بالدم.

    كانت هذه الآية من آيات العذاب بمثابة صدمة اهتز لها المصريون وقصر فرعون, انها آية رهيبة وكارثة ضخمة.

    ولم يجدوا أمامهم ملاذا يتوسّلون اليه ليتخلصوا من عذاب هذه الآية الرهيبة سوى موسى عليه السلام فذهبوا يتوسلون اليه ويرجونه أن يدعو ربه, وقالوا انهم مقابل ذلك سوف سطلقون سراح بي اسرائيل هذه المرّة بعد أن رفضوا خروجهم ومنعوهم قبل ذلك مرّات ومرّات.

    استجاب موسى عليه السلام لتوسلاتهم التي طالما كرروها في مواقف عدة ولم يوفوا بعهودهم أبدا, ودعا موسى ربه فانكشف عنهم العذاب, وعاد الماء صافيا, فشربوا منه وارتووا, ولما حان تنفيذ وعدهم والوفاء بعهدهم الذي عاهدوه موسى عليه السلام رفضوا, ورفض فرعون أ، يسمح لموسى باصطحاب قومه من بني اسرائيل والرحيل بهم وزاد الأمر تعقيدا, أن فرعون تشدد أكثر في كفره, واشتد في الهجوم على موسى, وأعلن بين قومه أنه اله, وقال: اليس لي ملك مصر, وهذه الأنهار التي تجري من تحتي؟ وأعلن فرعون أن موسى ساحر كذاب, وأنه رجل فقير لا يملكمالا ولا يملك أسورة واحدة من الذهب.

    وقد قصّ القرآ، كل هذا المشهد المثير فقال عز وجل:

    { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا الى فرعون وملئه فقال اني رسول رب العالمين* فلما جاءهم بآياتنا اذا هم منها يضحكون* وما نريهم من آية الا هي أكبر من أختها, وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون* وقالوا يا أيّه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك اننا لمهتدون* فلما كشفنا عنهم العذاب اذا هم ينكثون* ونادى فرعون في قومه قال ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون* أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين* فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين* فاستخف قومه فأطاعوه, انهم كانوا قوما فاسقين*}. الزخرف 46-54.

    هكذا بدا فرعون متجبرا مغرورا, وبدا واضحا لموسى عليه السلام أن هذا الفرعون وقومه لن يؤمنوا مهما أعطوا من عهود, وأن فرعون لن يكف عن تعذيب بني اسرائيل, والاستخفاف بهم. شعر موسى عليه السلام أنه لا فائدة من هؤلاء, ومن كبيرهم الفرعون. لقد أغلقوا عقولهم في وجه الايمان, وأغمضوا عيونهم لكي لا ترى جمال الخالق وعبرة خلقه الماثلة أمامهم.

    وجاء الدعاء من موسى عليه السلام, جاء هذه المرّة غاضبا ساحقا لا رجعة عنه, وقف مع أخيه هارون وقد شاركه هذا الاحساس بأنه لا فائدة من هؤلاء, رفع موسى يده الى السماء ورفع هارونيده الى السماء ودعا كل منهما ربه فقال: وقال موسى:{ يارب ان هؤلاء قوم لا يؤمنون * فاصفح عنهم وقل سلام, فسوف يعلمون}الزخرف 88-89.

    وقد استجاب الله عز وجل لهذ الدعاء, وخاطب موسى وهارون فقال لهما:

    قال:{ لقد أجيبت دعوتكما فاستقيما لي ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون} يونس 89.

    ترى ما هي الخطوة القادمة؟ ماذا عليه أن يفعل موسى؟

    لقد أمر أن يخرج من مصر, وأذن له بالخروج من مصر واصطحاب قومه معه.

    والغريب أن بعض قوم موسى كانوا لم يؤمنوا به بعد وقد ذكرهم الله في آياته فقال عز وجل:

    { فما آمن لموسى الا ذريّة من قومه على خوف من فرعون وملاءيهم أن يفتنهم, وان فرعون لعال في الأرض وانه لمن المسرفين} يونس 83.

    لقد انتهى أمر فرعون, وانصرفت مشيئة الله عز وجل أن يوضع حد لجرائم هذا الكافر اللعين, بعد أن استنفدت معه كافة الطرق وخرج من رحمة ربه, صدر الأمر لموسى بالخروج من مصر, واستأذن بنو اسرائيل فرعون في الخروج الى عيد لهم, فأذن لهم وهو كاره, وتجهزوا للخروج وتأهبوا وحملوا معهم حليهم واستعاروا من حلي المصريين شيئا كثيرا.

    ومع دخول الليل خرج بنو اسرائيل يتقدمهم موسى عليه السلام وسار بهم نحو البحر الأحمر قاصدا بلاد الشام.

    وما هي الا لحظات حتى التقطت وسائل التجسس الخاصة بفرعون واستخباراته, التقطت أخبار خروج موسى مصطحبا قومه الى بلاد الشام وأنه خرج ليلا.

    ثار فرعون ثورة عارمة, وأمر أن يحشد جيش عظيم, من كل المملكة, وقال في سياق أوامره الثائرة الغاضبة أن موسى غاظه, فقال:{وانهم لنا لغائظون} الشعراء 55, لقد غاظني موسى, ولا بد من قتاله والقضاء عليه وعلى بني اسرائيل.. وأعلن ذلك صراحةأمام الناس.

    وفي وقت قصير جمع فرعون جيشا ضخما, جاء لمطاردة موسى والقضاء عليه, وخرج جيش فرعون مسرعا, كان المشهد مخيفا مهيبا لكثرة عدد الجند وكثافة السلاح الذي يحملونه في ذلك الوقت, بينما حمل بنو اسرائيل جزءا من متاعهم وخرجوا خائفين.

    بدأت المطاردة العنيفة, فجيش فرعون يجري بأقصى سرعة, ويطوي الطريق طيّا, في حين أن موسى وبني اسرائيل لم يكونوا بهذه السرعة, لكثرة ما حملوا على ظهورهم وأكتافهم من متاع أحبوا أن يحتفظوا بها لأنفسهم, واقترب جيش فرعون من موسى وقومه, وكلما نظر القوم خلفهم هالهمهذا الجيش الضخم.

    ومن بعيد.. ثار غبار يدل على أن جيش الفرعون يقترب, واقترب فعلا وظهرت أعلام الجيش, وامتلأ قوم موسى بالرعب.. لقد كان الموقف حرجا وخطيرا جدا, لقد وجدوا البحر أمامهم والعدو الظالم خلفهم يلاحقهم كي يقضي عليهم وليست أمامهم فرصة واحدة للدفاع عن أنفسهم, انهم مجموعة من النساء والأطفال والرجال غير المسلحين.

    لو لحق بهم فرعون فسيذبحهم جميعا, ولن يبقى منهم أحدا.

    بدأت الناس تبكي خوفا, ونادت أصوات تقول:

    سيدركنا يا موسى.. سيدركنا فرعون.

    فقال لهم موسى عليه السلام بهدوء واطمئنان شديد:

    كلا.. ان معي ربي سيهدين.

    لجأ موسى عليه السلام في هذه الللحظات الى ربه, اذ لا ملجأ الا اليه سبحانه عز وجل, فتلقى أمرا صريحا ووحيا كاملا بأن يضرب بعصاه البحر.

    جاء ذلك في القرآن الكريم فقال عز وجل:

    {فأتبعوهم مشرقين* فلما تراآ الجمعان قال أصحاب موسى انا لمدركون* قال كلا ان معي ربي سيهدين * فأوحينا الى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم}

    نفذ موسى عليه السلام أمر به, ضرب البحر بعصاه فانفلق البحر نصفين, وكانت معجزة هائلة من المعجزات التي منّ الله بها على موسى عليه السلام.

    انشق طريق صلب يابس في وسط البحر وأصبح الموج كالجبل الراسخ عن اليمين وعن اليسار, وتقدّم موسى وقومه في وسط هذه المعجزة المدهشة, التي كان يجب أن تتعظ بها جيوش الباطل التي تلاحقهم وتطاردهم.

    تقدّم موسى وسار بهم عبر البحر, كانت المعجزة هائلة بكل المقاييس. طريق يابس, وسط أمواج من البحر تموج عن يمين وتموج عن شمال ولا تغرق هذا الطريق الذي انشق في وسطها, والغريب أن جيش فرعون سوف يتابع المسير خلفهم دون النظر أو الدهشة أو التمعن والاعتبار, كل هذا لم يرد على عقول مغلقة, أغلقها الكفر, فخسرت نور الايمان.

    لقد كانت الأمواج تعلو وتهبط وتتصارع فيما بينها ولكنها ما ان تصل الى الطريق المشقوق
    وسط البحر حتى تبدو وكأن يدا خفيّة تمنعها من أن تغرق هذا الطريق أو حتى تبلله.

    وصل فرعون البى البحر, وشاهد هذه المعجزة, شاهد البحر وقد انشق نصفين, ووجد فيه طريقا يابسا. أحسّ في البداية بالخوف, ولكنه زاد في عناده ونسي كل تأمّل وعبرة, وأمر عربته أن تنطلق في هذا الطريق العجيب, فتقدمت عربته مسرعة تقطع الطريق, ولحقه جيشه القوي الجرّار في الطريق, واشتدّت المطاردة هنا وهناك, وأصبح الفريقان على مرمى البصر من بعضهما, ولكن موسى وقومه كانوا قد عبروا البحر, قبل فرعون, وعند خروج آخر فرد من بني اسرائيل من طريق البحر ووقوفه على الضفة الأخرى, التفت موسى عليه السلام الى البحر وأراد أن يضربه بعصاه ليعود كما كان, ولكن الله عز وجل أوحى الى موسى أن يترك البحر على حاله كما هو.

    كان موسى يريد أن يفصل البحر بينه وبين فرعون لينجو بقومه من بطش فرعون, مخافة أن يلحق بهم ويبطش بهم ويعذبهم, ولو أنه ضرب البحر ربما لتغيّرت أحوال لاندري ما هي ولكنّ الله عز وجل قال له: {واترك البحر رهوا انهم جند مغرقون} الدخان 24.

    هكذا شاءت ارادة الله, لقد أراد الله اغراق الفرعون, ولهذا أمرموسى أن يترك البحر على حاله.

    ووصل فرعون بجيشه الى منتصف البحر, وتجاوز منتصفه وكاد يصل الى الضفة الأخرى.. وأصدر الله عز وجل أمرا الى جبريل فحرّك الموج, فانطبقت الأمواج على فرعون وجيشه.

    وغرق الفرعون وجيشه, غرق مع كفره وعناده "لقد غرق الكفر ونجا الايمان", وعندما غرق فرعون رأى مقعده في النار وهو يغرق, لذلك أدرك وقد انكشف عنه الحجاب, أدرك أن موسى عليه السلام كان صادقا أمينا, ولم يكن ساحرا أو كاذبا كما ادّعى عليه أمام جموع الكفار من قومه, أدرك أنه عبد ذليل, ولن يكون في يوم من الأيام ربّا كما زعم أمام الناس.

    دخل فرعون في سكرات الموت, وأدرك أيضا أنه كان مخطئا عندما حارب موسى عليه السلام وطارده وعاداه وقرّر أن يؤمن في هذه اللحظة, جاءت هذه اللحظة في القرآن الكريم في الآية الكريمة التي تقول:

    { حتى اذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا اله الا الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين} يونس 90.

    هل قبلت توبة فرعون؟ لا لم تفبل توبته, لأنها جاءت بعد أن أدركه العذاب والموت, وقد قال له جبريل عليه السلام:{ آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} يونس 91.

    انتهى الوقت المحدد للتوبة, توبة فرعون, وانتهى الأمر ولا نجاة من الغرق والموت, سينجو جسدك وحده, ستموت وتقذف الأمواج جثتك الى الشاطئ, لتكون آية وعبرة لمن بعدك.

    قال عز وجل:{ فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية, وان كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون}. يونس 92.

    هذه معجزة البحر مع موسى عليه السلام, انها واحدة من المعجزات العظيمة التي أفاء الله بها على عبده موسى عليه السلام. وما أكثر المعجزات..

صفحة 1 من 6 1 2 ... الأخيرةالأخيرة

معجـــزات الأنبيــــاء

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

معجـــزات الأنبيــــاء

معجـــزات الأنبيــــاء