أجرى الحوار: طارق طه
الدكتور مايكل ماركس، مدير مشروع الموسوعة القرآنية بألمانيا، درس العلوم الشرقية، واللغات السامية في جامعات باريس وبرلين وطهران، بجانب دراساته عن الشرق الأوسط، كما عمل أستاذًا مساعدًا في جامعة برلين الحرة، إلى أن أصبح يتولى حاليًا إدارة المشروع المشار إليه.
في زيارته للقاهرة، التقاه "لواء الشريعة"؛ للوقوف على طبيعة هذا المشروع، الذي تتبناه أكاديمية العلوم بولاية براند بورك وبرلين في ألمانيا، فهي التي تموله وترعاه لنحو 18 عامًا قادمة، ليصبح بعدها مستقلاً ماليًا.
ويتناول د. ماركس أهداف المشروع وأبعاده، ومدى كونه عودة لدراسات استشراقية جديدة، بالإضافة إلى رصده لموقف الألمان منه، ومدى تأثرهم به، إلى غيرها من التساؤلات المتعلقة حول هذا المشروع، الذي بدأه في أوائل العام 2007، وإلى تفاصيل الحوار:
* ما هي طبيعة مشروع الموسوعة القرآنية بولاية براند بورك وبرلين في ألمانيا ؟
** مشروع الموسوعة القرآنية، أو جامع النصوص المتعلقة بالقرآن الكريم، والتابع لأكاديمية العلوم، وهى جهة مستقلة، ممول من ولاية براند بورك وبرلين؛ لأن مسئولية الثقافة والعلوم، أمر يعتبر مسئولية كل ولاية، وليس في إطار الحكومة المركزي، وذلك لتعدد القوميات عندنا في ألمانيا، عكس الدول العربية.
وكما هو معروف.. فإن في ألمانيا ثماني أكاديميات للعلوم، وهذه الأكاديميات تعمل على تنفيذ مشاريع طويلة الأمد، يأتي من بينها أكاديمية العلوم، لتعني بمشروع الموسوعة الشاملة للقرآن الكريم.
وهذه الأكاديمية تأسست في العام 1700، ولذلك فهي من أعرق المؤسسات التعليمية بألمانيا، ونظرًا لأنه يصعب تمويل مشروع كبير وطويل الأمد كالموسوعة القرآنية، وغيرها من المشاريع في اللسانيات أو العلوم، لذلك فإن الولاية ستتبنى تمويل المشروع لنحو 18 عامًا، يترك بعدها للمشروع الانطلاق بمصادر تمويل ذاتية.
وعمرنا حتى الآن 15 شهرًا، ونحن بحاجة إلى وقت طويل لإنجاز هذا المشروع الكبير.
أهداف المشروع
* وما هي أبرز أهداف هذا المشروع ؟
** أبرز أهداف هذا المشروع: خدمة البيئة الأوروبية التي أصبحت تتوق إلى معرفة الإسلام، والتعرف على القرآن الكريم، خاصة إذا ما عرفنا أن هناك رغبة من الأوروبيين في معرفة ودراسة القرآن الكريم. ولذلك اخترنا هذا المشروع لدراسة القرآن وتاريخه ومنهجه؛ لتلبية الرغبة البحثية والأكاديمية في ألمانيا.
* وما هي الدراسات التي تعتمدون عليها في إصدار المشروع، وهل ستكون عربية أم أجنبية؟
** منهج القرآن الكريم منهج عالمي، ولذلك نحرص على أن تكون عملية التوثيق والتسجيل ودراسة القرآن الكريم، ذات طابع منهجي عالمي، نعتمد فيه على مختلف الدراسات والمراجع الإسلامية والعالمية، ذات المناهج المشتركة.
وحاليًا نقوم بتوثيق النص القرآني في تاريخه الأول، أي منذ نزوله، قبل 1400 عام، وحتى مراحل تدوينه، في عهد الخلفاء والصحابة، وذلك بجمع صور للمصاحف التي كانت تصدر وتدون آنذاك .
وهذا يسمح لنا بالتوصل إلى فكرة عن هذا التراث الكبير، فضلاً عما يعطينا من تصور عن العلوم الإسلامية في علوم القراءات كما هو الحال عند السيوطي، وهو ما نعمل على إبرازه لتعريف الباحثين بقراءات القرآن الكريم.
* في ظل تنوع المناهج والمراجع العربية والإسلامية، كيف تعتمدون على مصادر قد يكون عليها خلاف بين المسلمين أنفسهم؟
** نحن في بداية المشروع نعتمد على جمع المادة المتعلقة بالقرآن الكريم في مراحلها الأولى، دون أن نعلق عليها، أو نؤسس عليها مناقشات.
ونعد حاليًا لموقع إليكتروني للمشروع، ومن الممكن الانتهاء منه في العام 2009، ونحن في هذه الفترة نسعى إلى وصف ابتدائي للمادة، ولا نسعى إلى إصدار كتب أو مؤلفات، لأننا نستهدف أن نكون أكثر شفافية في المناقشة فيما بعد، مع المفكرين المسلمين.
* وما هما الفلسفة والتوجه والأيديولوجية التي تعتمدون عليها في مشروعكم؟
** لا يمكن لمشروع أن يخلو من أيديولوجية، فنحن في ألمانيا، كما هو الحال في دول العالم توجد لدينا جاليات مسلمة، ونريد أن نعرف الأوربيين بطبيعة القرآن الكريم، كما أننا نحتاج إلى معلومات أكثر عن القرآن الكريم، خاصة وأن بعض الأوروبيين لا يزالون يعتبرون الإسلام دين غريب عليهم، في ظل انتشار الحجاب، والموقف الرسمي منه.
ولذلك، فإننا نستهدف بعد جمع المادة الوثائقية للقرآن الكريم، سنعمل على دراسة البيئة التي نزل فيها القرآن الكريم، ومن الممكن أن نلاحظ تعليق القرآن على البيئة المحيطة، وكيف كان النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، يحدِّث أصحابه عن القرآن الكريم، وهو ما يمكن أن يساعد الأوربيين، وخاصة الألمان في التعرف على القرآن الكريم بتاريخه وقراءاته.
كما نود التعرف على كيفية تعامل المسلمين مع القرآن الكريم، بعد وفاة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، خاصة وأنهم وجدوه نصًا مفلحًا لهم، انطلاقًا من مرجعية إسلامية، والدليل على ذلك تأسيسه للأمة الإسلامية.
ولذلك فإنني كغير مسلم أريد أن أفهم كيف تأسست هذه الأمة؟ وكيف كان يتقبل الصحابة القرآن الكريم من نبيهم، صلى الله عليه وسلم، وتأكيدهم على اتخاذ القرار سريعًا، دون أن يلجأوا إلى الغير للتعرف عليه، كما هو الحال مع عبد الله بن مسعود، والذي أسلم في الحال، عندما عرض عليه الرسول، صلى الله عليه وسلم، الإسلام والقرآن الكريم؟
كما نحرص على رصد الجوانب المشتركة بين الإسلام وبين الأديان السماوية المشتركة، ونحن كألمان نود أن نتعرف على هذه الجوانب.
* ولكن قد تبدو هناك مخاوف من جانب العرب والمسلمين من أن تمتد "نظرية المؤامرة" إلى هذه الدراسات، لتصبح غير موضوعية بدعوى "الأيدلوجيا"؟
** إطلاقًا، فنحن لا نؤدي نشاطًا مسلحًا، نتآمر به على المسلمين، بل نعتمد على دراسات موضوعية، وصولاً إلى معرفة حقيقية، ونعمد على أن تكون دراساتنا موضوعية وفق منهج إجمالي حول القرآن الكريم، نسعى إلى أن نقوم به في المشروع الجديد.
* وما هو فريق العمل الذي تعتمدون عليه في إنجاز مشروع دراسات وتوثيق القرآن الكريم بألمانيا؟
** يعمل في المشروع فريق عمل مكون من 12 فرد، 60 % منهم هم من المسلمين، ولدينا مراسلين مسلمين في العديد من دول العالم الإسلامي، يتم اختيارهم على أسس ومعايير علمية.
* وهل يمكن أن تتعاونوا مع المراكز العربية والإسلامية المعنية بأمر المخطوطات والقرآن الكريم؟
** نعم .. نسعى إلى التعاون المشترك مع العديد من المكتبات والمراكز العلمية والبحثية المختصة، فنحن نريد الانفتاح على جميع المراكز؛ لنتواصل معها، والتواصل مع المؤتمرات العلمية، المعنية بأمر القرآن الكريم.
وأقترح أن نعقد مؤتمرًا حول القرآن الكريم ودراساته والمصاحف القديمة التي ظهرت في القرون الأولى، ولتكن لمكتبة الإسكندرية هي مقر لاستضافته.
* وهل يمكن توصيف المشروع بأنه عودة إلى الاستشراف بمفهوم ومنهج جدي؟
** هذا حلمنا أن يقوم المركز بدراسات إستشراقية جديدة، ولكننا في طور النشأة والانطلاق، ونريد أن يكون لدينا مركز للدراسات القرآنية، يشارك فيه الباحثون من الشرق والغرب.
* وما تعليقك على موقف الألمان من مركزكم المعني بدراسة القرآن الكريم ؟
** للأسف، كما ذكرت فهناك اعتقاد سائد لدى الألمان بأن هناك صراع بين الثقافات وخلاف مع الثقافة الإسلامية، وفي المقابل، فإننا استطعنا ـ حتى الآن ـ من استضافة عدد من الصحافيين وكبارهم بألمانيا، ونشروا موضوعات إيجابية حول نشاط المركز، وهو ما يمكن أن يساعد في المستقبل على فهم أكثر للقرآن الكريم.
استشراق جديد
* وهل يمكن أن تتوسعوا في المستقبل لدراسة الأحاديث النبوية وحياة المسلمين العامة؟
** نحن نركز في المشروع؛ ليكون مختصًا بدراسات القرآن الكريم فقط، والقراءات التي صدر بها؛ لأن موضوع القراءات يحتاج إلى مصادر كثيرة، سوف تشغلنا في المستقبل.
كما أن القرآن الكريم، كما هو معلوم و متواتر. أما الأحاديث فقد يكون منها الضعيف، أو ما لم يصل إلى درجة الصحة، وبالتالي نركز على دراسة القرآن الكريم.
* وهل يمكن أن تتجهوا في المستقبل إلى دراسات مقارنة بين القرآن الكريم والأديان السماوية الأخرى؟
** نعم .. نحن حريصون على أن يتضمن المشروع ذلك؛ لرصد جوانب التشابه بين قصصه، وما ورد في الأديان والكتب السماوية الأخرى.
* وهل دراستكم للقرآن الكريم، نابعة من حملات التشويه التي طالت العرب والمسلمين، بعد أحداث سبتمبر، لإبراز حقيقة الدين الإسلامي وتسامحه؟
** نعم ..علينا الاعتراف، أنه بعد أحداث سبتمبر، صارت في أوروبا رغبة في التعرف على الدين الإسلامي، وظهور الجوانب السلبية عن الإسلام والمسلمين في الغرب، عقب هذه الأحداث.
* وهل يمكن أن تكون لديكم مخاوف من اعتناق بعض الألمان للإسلام، بقراءاته للقرآن الكريم، بتأثير من المركز، على غرار الحملات الغربية للدخول في الإسلام، بعد أحدث سبتمبر؟
** إطلاقًا.. هذا الأمر لا يخيفنا ولا نفكر فيه؛ وذلك لأن الألمان، كما يعتنق بعضهم الإسلام، فإن منهم من يعتنق البوذية مثلاً، وفي الوقت نفسه، قد يتنصر بعض المسلمين أنفسهم.
وحقيقةً.. يحزنني تغيير دين الإسلام، حتى لو كان التحول إلى المسيحية نفسها، التي أعتنقها، فالتمسك بالدين أمر كبير وعظيم.
المصدر
http://www.shareah.com/index.php?/records/view/id/1401/
المفضلات