التحالف الهندوسي اليهودي
لتحجيم القوى الإسلامية


إتصالاتنا مع الهند تندرج ضمن مثلث العلاقة الإستراتيجية، بالتوافق مع الموقف الأمريكي تجاه الإرهاب

في إطار توسعاته لتعزيز أمنه القومي، يخطط الكيان الإسرائيلي لاختراق منطقة أوراسيا وتعميق تأثيره في أنحائها عبر تقوية العلاقات الثنائية مع الهند. حيث زار رئيس الوزراء الإسرائيلي أريل شارون نيودلهي في وقت مبكر من شهر سبتمبر/أيلول لمقابلة نظيره، رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجباي، وناقشا الإهتمامات المشتركة : محاربة المد الإسلامي والمبيعات من الأسلحة والتقنية.

ومنذ تأسيس الكيان العبري، عملت إسرائيل على تحجيم سلطة الدول الإقليمية، ( سوريا، مصر، إيران والعربية السعودية) في الوقت الذي توسعت فيه إقليميا. والآن وبعد ستين سنة تقريبا، ومع تزودها بالأسلحة النووية يبدو أن المهمة أُنجزت إلى حد كبير. ومع أن التخوف الأمني الأكبر لإسرائيل ظل ولا يزال عمليا ضمن حدودها في الضفة الغربية وغزة إلا أن أبيب قررت تل الآن توفير حماية أكبر لكيانها من خلال استراتيجية التحالف مع الهند. وهذا يحمل أهمية حيوية بالنظر إلى علاقة الهند مع جارها، باكستان، إذ أن البلدين "عدوان لدودان"، وكلاهما مزود بأسلحة نووية، وبينهما حروب وصراعات تاريخية بسبب قضية كشمير، كما أن الهند تتهم بشكل مستمر باكستان بتدريب وإيواء من تسميهم بـ"الإرهابيين"، خاصة مع تصاعد الهجمات ضد مصالح سياسية واقتصادية هندية في السنوات الأخيرة.

وعلى الصعيد العالمي، تلعب باكستان دورا محوريا في محاربة "الإرهاب". ولهذا، فإن اهتمام إسرائيل المتزايد بالهند، يمكن رؤيته أيضا كتحرك لإخافة باكستان ودول أخرى في منطقة آسيا الوسطى، حيث تحاول إضعاف أدوارهم الخاصة في دعم "أعداء الدولة اليهودية" والمصالح الغربية عموما على حد زعم الكيان الإسرائيلي. وباعتبار أن الهند خصم تاريخي لباكستان، فإن له علاقات وثيقة بالعديد من الحكومات في آسيا الوسطى وتستطيع تزويد القيادة الإسرائيلية بمنفذ بديل يمكنها أن تؤثر من خلاله على الدول التي تعتقد تل أبيب أنها تستضيف المنظمات والمجموعات الدينية والسياسية التي اكتسحت أنحاء وسط وجنوب آسيا.

وقد صرح رعنان جيسين الناطق الرسمي لشارون قائلا: "إتصالاتنا مع الهند تندرج ضمن مثلث العلاقة الإستراتيجية، بالتوافق مع الموقف الأمريكي تجاه الإرهاب"، وهذا التعليق يسلط الضوء أكثر على أبعاد التحالف الهندي الإسرائيلي، حيث إن واشنطن قد ترى فيه بشكل غير مباشر تعزيزا للآلة العسكرية والتقنية لنيودلهي ضد "الإرهاب" بما يخدم جدول أعمالها، ويحقق لها "تقدما ميدانيا" يتعذر عليها إنجازه في حربها ضد "الإرهاب"، ولا يؤثر على علاقاتها العميقة مع باكستان في المجال الأمني. ولأن الحفاظ على علاقة ودية مع إسلام آباد هو مفتاح خطط واشنطن الطويلة المدى في المنطقة، فإن إدارة بوش كانت حذرة بشأن الظهور الودي جدا مع نيودلهي. ولعل أوضح مثال على أهمية العلاقات الثنائية بين واشنطن وإسلام آباد، هو قلة الإهتمام الظاهر من إدارة بوش بشأن التقنية النووية التي تزعم واشنطن أنها سُلمت إلى كوريا الشمالية من قبل باكستان. وهناك اعتبار آخر، فمع تقوية الهند، بما يُحدث تحولا في ميزان القوى في جنوب آسيا، فإن هذا يهيئ لـدحر باكستان عندما تصبح بحد ذاتها مستهدفة في "الحرب على الإرهاب". وإذا تمكنت الولايات المتحدة من تعزيز القوة الهندية وتعميق نفوذها في جنوب آسيا بشكل غير مباشر من خلال موافقتها على مبيعات الأسلحة والتقنية الإسرائيلية إلى الهند، فإن واشنطن سيكون عندها حليف إقليمي مجهز بشكل جيد في جنوب آسيا تراهن عليه عندما يتم توسيع مخطط "الحرب على الإرهاب" إلى ما وراء أفغانستان والعراق.

وبالإضافة إلى تأمين الطريق لواشنطن وتل أبيب لاختراق أوراسيا، فإن مثل هذا التحالف الهندي الإسرائيلي العلني من شأنه أن يقوي حكومة نيودلهي، إذ يزود القيادة الهندية بمنفذ للهروب من تناقضات الداخل من خلال تأسيس علاقة عميقة وواسعة بالحليف الأقوى للولايات المتّحدة، وبما أن أمريكا بصدد ترتيب شؤونها كقوّة عظمى وحيدة في العالم، فإنها ستعمل على تأمين حلفائها (ومنها الهند) من التهديدات الخارجية (باكستان، الصين) ومن المخاطر المحلية.


كتبة : فيصل فرحي