هذه الدراسة مستلة من بحثنا حول علاقة سورة يوسف بحادث الهجرة النبوية الشريفة، رأيت أن أشارك بها منفصلة عندما رأيت كثرة الحديث عن(حقوق المرأة في الإسلام)، وكافة الدراسات حول المرأة خصوصاً على صفحة المنتدى، ولما رأيت أن امرأة العزيز كانت قد ظلمت من خلال الدعاة والدارسين والقراء لسورة يوسف، فهم لا يذكرون لها إلا المراودة ويروح القراء يعيدون ويزيدون بالقراءات العشر في آية المراودة ويختمون القراءة عند قول يوسف عليه السلام [ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ ]. ولا يذكرون لها توبتها النصوح وثمن هذه التوبة حينما تجاهر بها في الاجتماع الملكي، وينسون لها توحيدها لله جل علاه ، وشجاعتها الفائقة في مواجهة الباطل وإظهارها لكلمة الحق ، حينما وجه الملك سؤاله مباشرة إلي النسوة:
[ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ]
ماذا حدث؟ وماذا فعلتن مع يوسف؟. فتيقظ فجأة الوجدان النائم في نفوسهن, وأجبنه جميعا بكلام واحد متفق على طهارته و[ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ].
إنه لم يسألهن رأيهن في يوسف حتى يجبنه بتلك الإجابة المعروفة لديه مسبقاً وإنما سألهن سؤالا محدداً: [ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ].
فلم يجبنه، وفضلن الصمت فأزواجهن كانوا حضورا بالمجلس وهم الذين دبروا دخول يوسف للسجن بعدما ثبتت براءته عندهم، ولم يشملهم ـ أي السادة الوزراء ـ يوسف عليه السلام بكلامه وكذلك لم يرد ذكر من كانت السبب وراء هذا كله في حديثه.
أما امرأة العزيز التي كانت حاضرة أيضا, وكانت تصغي بدقة إلى حديث الملك ونسوة مصر, فلم تجد في نفسها القدرة على السكوت , ودون أن تسال أحست بان الوقت قد حان لان تنزه يوسف وان تعوض عن تبكيت وجدانها وحيائها وذنبها بشهادتها القاطعة في حقه , وخاصة أنها رأت كرم يوسف المنقطع الـنظير من خلال رسالته إلى الملك ,إذ لم يعرض فيها بالطعن في شخصيتها وكان كلامه عاما ومغلقا تحت عنوان نسوة مصر.
فكأنما حدث انفجار في داخلها فجأة وصرخت و: [ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ. ] ..[الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ]..
وكانت من قبل قد اعترفت أمام النسوة، يوسف 32:[ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ].
أي ظهر الحق وعلاماته للجميع ولا أستطيع أن أخفيه أكثر من هذا، قالت: [ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ]
قالت هذا حتى تعلن براءة يوسف عليه السلام وأنها لم تنتهز فرصة غيابه في السجن وتنتقم منه لأنه لم يستجب لمراودتها له، ولم تنسج له أثناء غيابه المؤامرات، والدسائس، والمكائد.
وبعد أن اعترفت امرأة العزيز بما فعلت عرفناها موحدة ومؤمنة بالله..
قالت:[ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ] أي أنها أقرت بأنه سبحانه وتعالى لا ينفذ كيد الخاطئين ولا يوصله إلى غايته وتواصل امرأة العزيز فتقول :[ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ] هذا القول من تمام كلام امرأة العزيز وكأنها توضح سبب حضورها لهذا المجلس ؛ فهي لم تحضر لتبرئ نفسها بل لتبرئة يوسف من كل اتهام.
بهذه الكلمات عاشت امرأة العزيز في سعادة نفسية وطمأنينة روحانية هانت معها كل أمور الدنيا، وأدركت أن حياة المعصية حياة لا قيمة لها،لأن الحياة الحقيقية هي حياة الطمأنينة بالاستقامة والطاعة والإيمان.
فامرأة العزيز وان ابتليت في عملها بأشد الهزائم, لكن هذه الهزيمة في مسير الذنب كانت سببا لان تنتبه ويتيقظ وجدانها النائم, وان تندم على ما فات من عملها.. والتفتت إلى ساحة اللّه .
سيدتي امرأة العزيز...عذراً
المهندس
زهدي جمال الدين محمد
المفضلات