القرآن والكتاب المقدس في نور التاريخ والعلم .. الجزء الثاني والعشرون
المطعن
اقتباس
قوة الشفاعة
عندما نقول نحن المسيحيين إن المسيح يشفع في كل مَن يقبل خلاصه، يقول المسلمون: بل إن محمداً هو الشفيع وقد قال لي ناظر مدرسة في تونس إنه لن يبقى مسلم واحد في النار لأن محمداً سيشفع في كل واحد منهم فإن قال المسيحي إن المسيح هو الجدير بالشفاعة لأنه الوحيد الذي لم يخطئ، يردّ المسلم بأن كل الأنبياء معصومون وإن قال المسيحي إن المسيح مات لأجل خطايانا، يرد المسلم بأن الله لن يسمح بموت نبي صالح.
فماذا يقول القرآن عن هذه الأمور؟ لنبدأ بالسؤال الأخير:
هل يسمح الله بقتل نبي صالح؟
هناك ثماني آيات قرآنية تذكر هذا الموضوع، كلها تخاطب اليهود:
ونرى من هذه الآيات الثماني: أن (أ) رجالاً ممن يأمرون بالقسط (العدالة) و(ب) أنبياء الله و(ج) رسلاً من الله، قُتِلوا غالباً بأيدي رؤساء اليهود ومن هؤلاء يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا) ولو أن القرآن لا يورد قصة قتله، لكن الإنجيل ذكرها، كما ذكرها المؤرخ اليهودي يوسيفوس (كتاب 18 ف 5) قال: (لأن هيرودس (ملك اليهود) قتله (المعمدان) وهو رجل صالح أمر اليهود بممارسة الفضائل)
فليس من حق المسلم أن يقول إن موت نبي صالح أمرٌ مستحيل، فالقرآن يقول إن الله القدير سمح بقتل أنبيائه ورسله.
هل كل الأنبياء معصومون من الخطية؟
1. أول الأنبياء (حسب التعليم الإسلامي) هو آدم، ويقول القرآن إنه أُهبِط من الجنة لأنه عصى ربه وغوى جاء في سورة طه 20:120 و121 (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ... وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) ولا تذكر سورة الأعراف 189 و190 آدم وحواء بالاسم، إلا أن الإشارة هناك إليهما، وتقول (هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء) وخطية الشِرك لا غفران لها في الإسلام، وهي أسوأ من المعصية.
ونحن لا نرى في طلبة نوح من أجل ابنه خطية ولا وزراً، فقد عبَّر عن مشاعره الأبوية الطبيعية ولكن القرآن يقول إن الله وبَّخه فاعترف بأنه أخطأ برفضه إرادة الله، وطلب الغفران والرحمة.
3. قال إبراهيم (أبو الأديان الثلاثة) في سورة إبرهيم 14:41 (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) وقال في سورة الشعراء 26:77 و81 و82 (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ... وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) وهنا يسأل إبرهيم الغفران لخطيته هو شخصياً.
4. وعندما نفحص حالة موسى كليم الله، نرى الله يوبخه في سورة القصص 28:15 و16 (من العهد المكي المتأخر) (وَدَخَلَ (موسى) الْمَدِينَةَ... فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
وقال عبد الله يوسف علي في تعليقه على هذه الآيات إنها تلمح إلى ارتكاب داود الزنا مع بثشبع وقتله زوجها ليخفي جريمته (القصة في سفر صموئيل الثاني 11 و12 ومزمور اعترافه بالخطية هو مزمور 51) وقال حميد الله إنها بلا شك تشير إلى هذه الحادثة وأعتقد أنهما قد أصابا لأن ال99 نعجة، والنعجة هما رقما النعاج الواردين في المثل التوراتي، ثم لأن الآية 26 من سورة ص تقول (يَا دَاوُدُ... فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)
ومهما كان الموقف، فهذه الآيات تتكلم عن خطأ داود واستغفاره وركوعه تائباً، وأمر الله له ألّا يتَّبع الهوى.
6. وفي سورة ص 38:35 يقول سليمان (رَبِّ اغْفِرْ لِي) ولو أنه لم يذكر الخطأ الذي يطلب بسببه الغفران ربما كان أنه نسي ذكر الله لانشغاله بالصافنات الجياد!
7. أما النبي يونس (يونان) فقد عصى ربه لما أمره أن يكون مبشراً ونذيراً لنينوى، فسافر بعيداً وتقول سورة الصافات 37:142-144 (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (آتٍ بما يُلام عليه)، فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أما كلمات توبته فموجودة في سورة الأنبياء 21:87 (من العهد المكي الوسيط) ( فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) فهو يعترف أنه ظلم نفسه وغيره، وهو ملامٌ على ما فعل، كما لام الله فرعون (سورة الذاريات 40)
في هذه الآيات تأملنا سبعة من الأنبياء، اثنان منهم من الرسل، وقد دعوا أنفسهم خطاة، أو دعاهم الله كذلك وطلب منهم التوبة ومع أن الخطية المذكورة لكلٍ من نوح وسليمان كانت خطية مواقف فكرية، قد نعتبرها عادية، إلا أنهما طولبا بالتوبة أما آدم فقد (عصى) وجعل لله شركاء، ويونس رفض الطاعة فأصبح ملوماً ويطلب إبرهيم غفران خطيته، ويطلب موسى الغفران للقتل، وداود للزنا وكانت خطية موسى سهواً، أما خطية داود فعمداً وواضح أن الشخص الذي يعرف شرائع الله يُطالَب بأكثر مما يطالب به الإنسان العادي، ولذلك نعتبر وزر خطية الأنبياء والرسل أكبر من وزر خطايا البشر العاديين، ومسئولية النبي أكبر من مسئولية سائر الناس، كما تقول سورة الأحزاب 7 و8 إن الله أخذ من النبيين ميثاقهم، وهو ما لم يفعله مع سائر البشر.
واضح إذاً من القرآن أن للأنبياء أخطاءهم.
8. ويؤدي ما قلناه إلى موضوع حساس قد يؤلم القارئ، ولكن الأمانة تدفعنا إليه، وهو ما يقوله القرآن عن محمد والخطية ولنتأمل الآيات القرآنية بحسب ترتيب نزولها:
سورة المدَّثّر 74:1-6 (وهي من العهد المكي المبكر) (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)
سورة الضحى 93:6 و7 (من العهد المكي المبكر) (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى) وهناك الدعاء في فاتحة القرآن آيتي 6 و7 عن الضالين يقول: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) وهو دعاء يردده كل مسلم في صلواته كل يوم.
سورة الشرح 94:1-7 (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ... فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) ونقارن كلمات هذه الآيات بما جاء في سورة الأنعام 6:31 التي تصف الكافرين في النار (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)
سورة عبس 80:1-11 (من العهد المكي المبكر) (عَبَسَ (محمد) وَتَوَلّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ) وهنا يوبخ القرآن محمداً لأنه كان مجاملاً للغني عابساً في وجه الأعمى الفقير.
سورة غافر 40:55 (من العهد المكي المتأخر) (فَاصْبِرْ (يا محمد) إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)
سورة محمد 47:19 ( عام 1 ه) (فَاعْلَم (يا محمد) أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) ولعل ذنوب المؤمنين والمؤمنات شبيهة بذنوب النبي، لأن الآية تُجمِلها معاً.
سورة النساء 4:105-107 (عام 5-6 ه) (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بِيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً) أما سبب نزول هذه الآيات فإن محمداً أراد أن يقف ضد زيد بن السمين اليهودي البريء وأن يقف في جانب المسلم الذي اتهمه ظلماً (أسباب النزول لجلال الدين السيوطي - الآية)
سورة البقرة 2:255 (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)
4. الشفاعة لمَن شهد بالحق:
أفردتُ هذا القسم لآيةٍ جاءت في سورة الزخرف 43:86 تصف من يستطيع الشفاعة، فتقول (وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)
فمن هو الذي شهد بالحق؟ قال عبد الله يوسف علي وآخرون إنه محمد الذي نادى ببشرى التوحيد ولكن الآية لا تحدد شخصاً بالاسم فهل هو إبرهيم أو موسى أو غيرهما ممن نادوا بالتوحيد ولم يقُل نبي عن نفسه (أنا هو الحق) إلا المسيح ولكن القرآن لا يحدد لنا من شهد بالحق.
أما من يقدر أن يشفع فقد جاء ذكره في ثماني آيات قرآنية، تقول إنه:
أ. لا يقدر أحد أن يشفع، حتى الملائكة، إلا بإذن الله.
وقد تبدو هذه الآيات مؤيدة لفكرة شفاعة محمد، ولكنها لا تتحدث عن دعاء وصلاة في اليوم الآخِر ثم إن القرآن يحدثنا عن أنبياء آخرين كلَّفهم الله بالتكليف نفسه.
صلى لأجل نفسه ولأجل سواه وقال: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) (سورة إبرهيم 14:41) وقال (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ) (سورة الشعراء 26:86)
وقد أُنزِلت بعد ذلك سورة التوبة 9:113 و114 تنهَى إبرهيم ومحمداً والمؤمنين عن الدعاء للمشركين حتى لو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيَّن لهم أنهم أصحاب الجحيم.
وجاء في سورة هود 74 أن إبرهيم دعا الله من أجل أهل نبي آخر هو لوط (فلما ذهب عن إبرهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط)
4. يعقوب:
دعا الله ليغفر خطايا أولاده العشرة فقد جاء في سورة يوسف 12:97 و98 (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
5. موسى:
جاءت قصة العجل الذهبي في سورة الأعراف 7:148-156 وفي آية 155 دعا موسى الله من أجل شعبه وقال (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ)
ما يقوله الكتاب المقدس عن أنبياء
صلّوا من أجل غيرهم
حدثنا الكتاب المقدس عن أنبياء صلوا من أجل الآخرين:
6. وصلى النبي إرميا من أجل شعبه، فأمره الله أن يتوقف عن الصلاة لأجلهم بسبب استمرارهم في الشر، وقال للنبي (وَأَنْتَ فَلَا تُصَلِّ لِأَجْلِ هذَا الشَّعْبِ وَلَا تَرْفَعْ لِأَجْلِهِمْ دُعَاءً وَلَا صَلَاةً، وَلَا تُلِحَّ عَلَيَّ لِأَنِّي لَا أَسْمَعُك أَمَا تَرَى مَاذَا يَعْمَلُونَ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَفِي شَوَارِعِ أُورُشَلِيمَ؟ الْأَبْنَاءُ يَلْتَقِطُونَ حَطَباً، وَالْآبَاءُ يُوقِدُونَ النَّارَ، وَالنِّسَاءُ يَعْجِنَّ الْعَجِينَ، لِيَصْنَعْنَ كَعْكاً لِمَلِكَةِ السَّمَاوَاتِ وَلِسَكْبِ سَكَائِبَ لِآلِهَةٍ أُخْرَى لِيُغِيظُونِي) (إرميا 7:16-18)
ومن هذه الآيات في القرآن والكتاب المقدس نرى النبي يصلي أثناء حياته ووجوده على الأرض من أجل أناس أحياء، له بهم ارتباط ولكن لا يوجد أثر في القرآن لفكرة أن نبياً يشفع في أمته في يوم الدين ولكن ماذا يقول الحديث الإسلامي عن الشفاعة؟
الشفاعة في الحديث
نورد هنا بعض الأحاديث، وكلها صحيحة، وكلها مُسندَة، ولو أنها متناقضة ونترك للقارئ أن يحكم لنفسه:
قال محمد: (يجمع الله المؤمنين يوم القيامة كذلك فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أما ترى الناس؟خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء. شفّع لنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناك، ويذكرهم لهم خطيئته التي أصاب، ولكن ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض. فيأتون نوحاً، فيقول: لست هُناكم، ويذكر خطيته التي أصاب، ولكن أئتوا إبراهيم خليل الرحمن. فيأتون إبراهيم فيقول: لست هُناكم، ويذكر لهم خطاياه التي أصابها، ولكن أئتوا موسى عبداً آتاه الله التوراة وكلمه تكليماً. فيأتون موسى، فيقول لست هُناكم، ويذكر لهم خطيئته التي أصاب، ولكن ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمته وروحه، فيأتون عيسى فيقول: لست هُناكم (ولا يقول الحديث إن المسيح ارتكب خطأً، فهو الكامل الذي بلا خطأ). ولكن ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم عبداً غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فانطلق فاستأذن على ربي فيؤذن لي عليه، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال لي: ارفع محمدُ وقل يُسمع وسل تُعطه واشفع تُشفّع، فأحمد ربي بمحامد علَّمنيها ثم أشفع فيحُدّ لي حداً فأُدخلهم الجنة، ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يُقال: ارفع محمدُ، وقل يُسمع وسل تُعطه واشفع تُشفع، فأحمد ربي بمحامد علمنيها ثم أشفعُ، فيُحدّ لي حداً فأُدخلهم الجنة، ثم أرجع فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يُقال: ارفع محمدُ، قل يُسمع تُعطه واشفع تُشفع، فأحمد ربي بمحامد علمنيها ثم اشفع فيُحدّ لي حداً فأُدخلهم الجنة، ثم أرجع فأقول: يا رب ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود، قال النبي صلى الله عليه وسلم يُخرَج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يُخرَج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن بُرة، ثم يُخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرَّة) (صحيح البخاري طبعة دار الفكر، ج 8 ص 172، 173)
ولكن روى أبو نعيم من حديث أبي الزبير عن جابر قال: سمعتُ رسول الله يقول (لا يُدخِل أحداً منكم الجنةَ عملُهُ، ولا يُجيره من النار، ولا أنا، إلا بتوحيد من الله تعالى) (إسناده على شرط مسلم وأصل الحديث في الصحيح حادي الأرواح لابن قيم الجوزية فصل 19)
وفي حديث عن عائشة قالت: يا رسول الله ما من أحدٍ يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى؟ فقال (ما من أحدٍ يدخل الجنة إلا برحمة الله تعالى) قالها ثلاثاً قلتُ ولا أنت يا رسول الله؟ قال (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) قالها ثلاث مرات (رواه البيهقي في الدعوات الكبيرات - مشكاة المصابيح تحقيق الألباني حديث 1305)
وفي حديث عن ابن زيد الأنصاري أن عثمان بن مظعون، أحد المهاجرين تُوفي، فكفنوه وجاء محمد، فقالت أم العلاء (امرأة كانت قد بايعت محمداً): (رحمة الله عليك أبا السائب (تقصد عثمان) لقد أكرمك الله) فقال لها محمد: (وما يُدريك أن الله أكرمه؟) قالت: (لا أدري) فقال محمد: (إني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يُفعَل به) (صحيح البخاري ج 3 ص 164 باب القرعة في المشكلات)
وفي حديث لأبي هريرة قال: حين أُنزلت (وأنذِر عشيرتك الأقربين) قال رسول الله (يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أُغني عنكم من الله شيئاً يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئاً يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً يا فاطمة بنت محمد، سليني ما شئتِ لا أُغني عنك من الله شيئاً) (عن تفسير الطبري للآية 214 من سورة الشعراء)
فإن كان محمد لا يساعد قبيلته ولا عمته ولا ابنته، فهل يعتقد أحدٌ أنه سيلقَى معونة نبي المسلمين؟ إن هذا يلقي ظلالاً من الشك على صحة الحديث الذي أوردناه من البخاري وفيه يقول محمد (أنا لها أمَّتي أمَّتي) بل إن سورة الإسراء 17:57 تقول إن الأنبياء يطلبون وسيلة التقرُّب إلى الله (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً)
بل إن القرآن يقول إن الله وملائكته يصلون على النبي، كما يأمر المسلمين أن يصلوا عليه (سورة الأحزاب 56)
فعالية الشفاعة
لو أن للشفاعة فعالية، فلماذا قال أبو بكر (لو أن إحدى قدميَّ في الجنة والأخرى خارجها لا آمَنُ مكر ربي) - مع أنه واحد من العشرة الذين بشَّرهم نبي الإسلام بالجنة!
وقرأ أبو ميسرة ما جاء في سورة مريم 19:71 (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا (جهنم) كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً) فكان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه قال (يا ليت أمي لم تلدني) فقيل: ما يُبكيك يا ميسرة؟ قال (أخبرَنا أنّا واردوها ولم يخبرنا أنا صادرون عنها)
وبكى عبد الله بن رواحة في مرضه فبكت امرأته، فسألها: ما يُبكيكِ؟ قالت: رأيتك تبكي فبكيتُ قال ابن رواحة (إني قد علمتُ أني وارد النار فما أدري أناجٍ منها أنا أم لا) وقال قيس بن أبي حازم: كان عبد الله بن رواحة واضعٌ رأسه في حِجر امرأته، فبكى فبكت امرأته قال: ما يُبكيكِ؟ قالت: رأيتك تبكي فبكيت قال: إني ذكرت قول الله (وإن منكم إلا واردها) فلا أدري أنجو منها أم لا (تفسير الطبري على سورة مريم 71)
من سورة الشعراء 26:81 يبدو خليل الله إبرهيم متأكداً من الموت والبعث، فيقول (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) ولكنه غير متأكد من غفران خطيته كما يبدو ذلك من الآية التالية: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين) ويبدو عدم التأكيد هذا واضحاً في قول موسى وهارون لفرعون (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) (سورة الشعراء 26:51)
ويبدو واضحاً عدم تأكد الأبرار الصالحين من غفران خطاياهم من استعمال كلمة (عسى) ففي سورة القصص 28:67 (فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنْ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) وجاء في سورة التحريم 66:8 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) وجاء في سورة التوبة 9:18 (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)
وهذا يعني أن الكافرين مصيرهم النار أما المؤمنون فيقفون أمام الله وحيدين بلا شفيع ولا نصير، عسى أن يكونوا من المفلحين المهتدين.
الـــــــــــــرد :-
إن كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس رسول الله لمدة 23 عاماً .. فلماذا لم يعاقبه معبود الكنيسة ؟
.
المفضلات