الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين
من أسباب طرق هذا الموضوع
1. جراءة كثيرة من غير المختصين على الخوض في مسائل الشريعة .
2. كون عامة الناس وجمهور الأمة أصبحوا لا يميزون عمن يأخذون دينهم...
لماذا يستمع كثير من الناس لكل واحد يتكلم في الشرع وأما في مسائل الدنيوية لا يرجعون إلا إلى المختصين دون غيرهم .
فإذا كان عند أحدهم مريض فإنه لا يذهب به إلى البقال ليعطيه وصفة العلاج بل يذهب به إلى الأخصائي أو الاستشاري في ذلك المرض . هذا في شئون دنيا الناس ، لكنهم في شئون دينهم أصبح الكثير منهم يستمع إلى كل من هب ودب .
إذًا عن من تأخذ ؟
ومن هو الذي يحق له أن يتكلم في مسائل الشرع ؟
ومن هو الذي يجب عليه أن يسكت ؟
يجب أن تأخذ من العلماء وأهل العلم .
والذي يحق له أن يتكلم في مسائل الشرع هو العالم به .
والذي يجب عليه أن يسكت من ليس عنده علم بمسائل الشريعة .
أخي : إن الذي يفتى أو يتكلم في مسائل الشرع إنما يوقع عن الله رب العالمين . فهو بمثابة الوزير الذي يجعله الحاكم يوقع عنه .
ومن هذا المنطلق قال الإمام ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين : (( إذا كـــان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله ، ولا يجهل قدره ، وهو من أعلى المراتب في الدنيا ، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسماوات )) .
ولذلك كان السلف يدرون الفتيا عن أنفسهم ما استطاعوا ، ويحاولون أن يتخلصوا منها ويُسندوها إلى غيرهم ، ومن ذلك ما ذكره الإمام الدارمي في سننه حيث قال : (( باب من هاب الفتيا )) نقل في ذلك نصوصاً كثيرة أذكر منها نصين :
1. عن عبد الرحمن بن أبى ليلي وهو من التابعين الثقات المعروفين – قال "لقد أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يسأل عن فتيا إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا " .
مائة وعشرون من خيرة أصحاب محمد صلي الله عليه وسليم ومن كبارهم وممن طالت أعمارهم فحصلوا علماً كثيراً غزيراً ، ومع ذلك يتدافعون الفتيا وكل واحد يتمنى أن أخاه يكفيه الفتيا ونحن نجلس في بعض المجالس فتطرح موضعات فى الطب فلا تجد إلا الأطباء يتكلمون وإذا تحدثوا في الأدب فلا تجد إلا الأدباء هم الذين يتحدثون ، وأما إذا طرحت مسألة دينية إذا بك تفاجأ بأنك تجالس بين هيئة كبار العلماء فإذا سألت عن مسألة فقهية وجدت كل واحد منهم يذكر رأيه والآخر وجهة نظره وإذا سألت عن صحة حديث وجدت نفسك تجالس مع أئمة الحديث كالإمام أحمد والحافظ بن حجر فهذا يصحح الحديث والآخر يضعف الحديث والله المستعان .
2. نقل الإمام الدارمي أن الشعبي رحمه الله سئل " كيف كنتم تصنعون إذا سئلتم " قال على خبير وقعت، كان إذا سئل الرجل قال لصاحبه أفتهم ، فلا يزال حتى يرجع إلى الأول" وما كان ذلك إلا بعلمهم بخطورة الفتيا والقول على الله بغير علم ، وأن ذلك من أعظم الذنوب .
قال تعالي : { وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ }
إن القول على الله بغير علم من أعظم الذنوب على الإطلاق ? لذلك كان حرياً وجديراً بالمسلم ان يحذر كل الحذر من القول على الله تعالى بغير علم .
إن الذي يتجرأ على الفتوي إنما يقتحم النار وهو لا يعلم .
وإذا اعترضت على ذلك الذي يفتى بغير علم . قال : لك يا أخي ? لا تحجر واسعاً ... أليس الرسول صلي الله عليه وسلم يقول في الحديث المتفق عليه « إذا أجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ? وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد » فيقول " أنا لا أعدم من هذا الفضل أما أجراً واحداً ? أو أجرين فلماذا أنت منزعج ? ولم تعترض علي في كوني أتكلم وأفتى بحسب علمي في مسائل الشرع .
والواقع أن هذا الحديث « إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ... » إنما يكون لمن توفرت فيه الشروط :
1. أن يكون حافظاً للكتاب و مستظهر غالب السنة الصحيحة .
2. عالم بالناسخ والمنسوخ من الشريعة .
3. أن يبحث جميع أقوال العلماء في المسألة ثم يجتهد فيها .
إذن من تكلم بغير علم بحجة هذا الحديث فهو آثم حتى لو أصاب ? فإن أصابته لو وقعت كانت على سبيل الصدفة وليست بمقتضى الطريقة الشرعية ? ولذلك فهو آثم في الحالين كما جاء في الحديث الحسن لغيره « من قال في القرآن برأيه وإن أصاب فقد أثم »
وعند الإمام ابن ماجه بإسناد صحيح أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : « من أفتى بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه » إذن هذا المفتى الذي تكلم بدون علم ولا ثبت ولا دليل شرعي يحمل وزره ووزر من أضلّه بغير علم .
وبعض الناس يخوضون في بعض مسائل الشريعة بحجة أنها سهلة وأن القضية يسيرة ولا تحتاج إلى كبير عناء .
ولله در الإمام مالك رضي الله عنه – حينما سأله رجل عن مسألة فقال : " لا أدري " قال له " إنها قضية يسيرة سهلة !! فغضب الإمام مالك وقال له : ليس في العلم شيء ضعيف أما سمعت قوله الله تعالي { إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً }
وبعض الناس يقولون لك إذا نصحتهم بأن لا يتكلم في الشرع إلا بعلم قالوا « استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك » هكذا قال الرسول صلي الله عليه وسلم أقول لهم أعلمتم لمن وجه هذا الخطاب بارك الله فيكم .
أنه قد وجه إلى وابصة بن معبد رضي الله عنه . فعند النسائي والترمذي بإسناد صحيح عن وابصة بن معبد قال « أتيت النبي صلي الله عليه وسلم أسأله عن البر فقال جئت تسأل عن البر قلت نعم قال البر ما أطمئن إليه القلب واطمأنت إليه النفس والآثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس . استفتي قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك »
أقول لك أخي إذا كانت مثل وابصة بن معبد في العبادة والزهد فاستفت قـلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك .
في الجزء العشر من تهذيب التهذيب يذكر الحافظ بن حجر ترجمة لوابصة بن معبد فينقل عن أحد التابعين أنه ما دخل عيه إلا وجد القرآن مفتوحاً بين يديه والدموع ينحدر على خديه . ثم يقول كان عابداً زاهداً ورعاً من فقهاء الصحابة
أخي : إن محمد بن الإندلسي جاء من بلاد المغرب إلى المدينة حتى يسأل الإمام مالكا في اثنين وثلاثين مسألة . قطع الآلاف كيلوا مترات حتى يسأل عن دينه .
نحن لا نريدك أن تقطع الآلف الكيلوا مترات إنما نريد منكم أن تتصل بكبار العلماء عبر الهاتف أو تذهب إليهم في بلدك .
وأخيراً ليس كل إمام مسجد عالما وليس كل خطيب أو واعظ عالما وليس كل من عليه علامات الصلاح والتقوى من أهل العلم .
يجب علينا أن نأخــــــذ ديننا من العلماء وأهل العلم ولا نخوض في شــــرع الله بغير علم وبصيرة .
قال ابن سرين رحمه الله : إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم .
اللهم اجعل جميع أعمالنا ظاهرها و باطنها خالصة لوجهك الكريم موافقة لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم .
و السلام عليكم و رحمة الله بركاته .
منقول
المفضلات