اسرار القران (172)

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

نعم ، رب الكنيسة كان له إخوة في الجسد ! » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | جواب عن سؤال : أين إتهمت الأناجيل مريم بالزنا ؟؟؟ » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | ما حقيقة العلاقة التي جمعت أم النور بيوسف النجار ؟؟ » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | منطقيّة القرآن الكريم في تكلّم المسيح عليه السّلام في المهد » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | منطقيّة القرآن الكريم في تكلّم المسيح عليه السّلام في المهد » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | منطقيّة القرآن الكريم في تكلّم المسيح عليه السّلام في المهد » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | إجابة عن سؤال : من نسب لله الصّاحبة و الولد ؟؟ » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | الكاردينال روبيرت سارا يغبط المسلمين على إلتزامهم بأوقات الصلوات » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | قراءة في حديث الملحمة الكبرى » آخر مشاركة: *اسلامي عزي* | == == | لقد وجد هذا العالم المتبحِّر بالمخطوطات أزيدَ من 25000 تعديل وتصحيح أُجريت على المخطوطة السَّيْنائية، خلال مرحلة زمنية تقدَّر بعشَرة قرون، 👈وأثبتت » آخر مشاركة: ابا عبد الله السلفي | == == |

مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

اسرار القران (172)

النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: اسرار القران (172)

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    المشاركات
    1,600
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    29-11-2014
    على الساعة
    05:10 PM

    افتراضي اسرار القران (172)

    في أي صــورة ماشــــاء ركبـــك‏*‏
    هذا النص القرآني المعجز جاء في الثلث الثاني من سورة الانفطار‏,‏ وهي سورة مكية‏,‏ وآياتها‏(19)‏ بعد البسملة‏,‏ وقد سميت بهذا الاسم لاستهلالها بتحذير من الله‏(‏ تعالي‏)‏ بانفطار السماء أي انشقاقها وتصدعها كعلامة من علامات تهدم النظام الكوني قبل البعث‏.‏ والقرآن الكريم مليء بآيات التحذير من أهوال يوم القيامة‏,‏ وفي ذلك قال رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ من سره أن ينظر إلي القيامة رأي العين فليقرأ‏:(‏ إذا الشمس كورت‏),‏ و‏(‏إذا السماء انفطرت‏),‏ و‏(‏إذا السماء انشقت‏).‏

    وتبدأ سورة الانفطار بقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏
    إذا السماء انفطرت‏*‏ وإذا الكواكب انتثرت‏*‏ وإذا البحار فجرت‏*‏ وإذا القبور بعثرت‏*‏ علمت نفس ماقدمت وآخرت
    ‏(‏الانفطار‏:1-5).‏

    و‏(‏انفطار‏)‏ السماء هو انشقاقها وتصدعها لأن أصل‏(‏ الفطر‏)‏ هو الشق طولا‏.‏ يقال‏:(‏ فطر‏)(‏ فطرا‏),‏ و‏(‏أفطر‏)(‏ فطورا‏),‏ و‏(‏انفطر‏)(‏ انفطارا‏),‏ و‏(‏تفطر‏)(‏ تفطرا‏)‏ وكلها بمعني الانشقاق والتصدع لأن‏(‏ الفطور‏)‏ هو الاختلال والضعف‏.‏

    كذلك يقال‏(‏ فطر‏)‏ الشيء أي أبدعه وأوجده لأن‏(‏ الفطر‏)‏ هو الابتداء والإبداع‏,‏ و‏(‏الفطرة‏)‏ هي الخلقة‏.‏

    ومن دقة التعبير العلمي في هذه السورة المباركة وصف نهاية السماء بالانفطار‏,‏ والعلوم المكتسبة تؤكد إمكانية ذلك بزوال القوي الممسكة بأجرام السماء وبمختلف صور المادة والطاقة فيها‏,‏

    ومن هذه الدقة العلمية أيضا وصف نهاية الكواكب بالانتثار لأن‏(‏ انتثار‏)‏ الكواكب يتأتي بانفجارها وتنأثر أشلائها في صفحة السماء وهو ماتؤكده اليوم علوم الفلك‏.‏

    يقال‏:(‏ نثر‏)‏ الشيء‏(‏ ينثره‏)‏ بضم الثاء وكسرها‏(‏ نثرا‏)‏ و‏(‏نثارا‏)‏ أي رماه متفرقا‏(‏ فتناثر‏)‏ و‏(‏انتثر‏)‏ والاسم هو‏(‏ النثار‏)‏ و‏(‏النثار‏)‏ وهو ماتناثر من الشيء‏.‏

    ويوجد في مجموعتنا الشمسية جسيمات متناثرة تدور في أفلاك لها حول الشمس‏,‏ ويتركز أغلبها في مدار محدد بين مداري المريخ والمشتري‏,‏ وتعرف هذه الجسيمات المتناثرة باسم الكويكبات‏(Asteroids),‏ ويعرف مدارها باسم حزام الكويكبات الرئيسي

    ‏.((TheMainAsteroidBelt‏

    ويعرف من الكويكبات في هذا الحزام نحو ستة آلاف كويكب‏,‏ وإن كان المرئي منها هو نحو عشرة آلاف فقط‏,‏ بعضها كروي‏,‏ أغلبها غير منتظم الشكل‏,‏ ومتباين في تركيبه‏.‏ الكيميائي ويقدر عدد الكويكبات في مجموعتنا الشمسية بنحو المائة ألف‏,‏ ويعتقد بعض الفلكيين أن هذه الكتل الصغيرة ناتجة عن انفجار واحد أو أكثر من كواكب المجموعة الشمسية وتناثر أشلائه أو أشلائها في صفحة السماء استنادا إلي أن بعض هذه الكويكبات له تركيب حديدي‏,‏ والحديد لايكون إلا في قلب كوكب من الكواكب الحجرية‏,‏ أو نجم من النجوم العملاقة لحظة انفجاره علي هيئة مستعر أعظم‏,‏ وأن كان بعض الفلكيين يعتقد بأن هذه الكويكبات قد تكونت مع نشأة المجموعة الشمسية‏.‏

    أما قول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ وإذا البحار فجرت فقد فسره ابن عباس‏(‏ رضي الله عنهما‏)‏ بقوله‏:‏ فجر الله بعضها في بعض‏,‏ وقال الحسن‏(‏ رضي الله عنه‏):‏ فجر الله بعضها في بعض فذهب ماؤها‏,‏ وقال الكلبي‏(‏ رحمه الله‏):‏ ملئت‏,‏ وقال قتادة‏(‏ عليه رحمة الله‏):‏ اختلط عذبها بمالحها‏.‏

    وأصل‏(‏ الفجر‏)‏ شق الشيء شقا واسعا‏,‏ يقال‏:(‏ فجرته‏)‏ فـ‏(‏ انفجر‏)‏ أي بجسته فانبجس‏,‏ ويقال‏:(‏ فجرته‏)(‏ فتفجر‏)(‏ تفجيرا‏),‏ ومنه قيل للصبح‏(‏ فجر‏)‏ لأنه‏(‏ يفجر‏)‏ الليل أي يشقه‏,‏ وعلي ذلك فـ‏(‏ الفجور‏)‏ هو شق ستر الديانة‏,‏ والخروج علي أوامرها‏.‏ يقال‏:(‏ فجر‏)(‏ فجورا‏)‏ فهو‏(‏ فاجر‏),‏ وجمعه‏(‏ فجار‏)‏ و‏(‏فجرة‏)‏ أي فسق فسوقا فهو فاسق‏,‏ وجمعه فساق‏,‏ وفسقه‏,‏ وسمي الكاذب‏(‏ فاجرا‏)‏ لكون الكذب بعض‏(‏ الفجور‏).‏

    وعلي ذلك فان المعني الذي نفضله هنا لتفجير البحار هو تفجر قيعانها بمزيد من الصدوع حتي يغور ماؤها إلي نطاق الضعف الأرضي من حيث أخرجه الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ لأول مرة‏.‏

    أما قول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ وإذا القبور بعثرت فمن معانيه‏:‏ إذا شقت وتناثر مافيها وقلب ترابها‏,‏ وأثير‏,‏ بما في ذلك بقايا جسد الانسان من مثل عجب الذنب‏,‏ لأن‏(‏ بعثرة‏)‏ الشيء هو تفريقه‏,‏ وقلب بعضه علي بعض‏,‏ فإذا ظهر عجب الذنب إلي سطح الأرض تلقي ماء السماء فينبت كل مخلوق من عجب ذنبه كما تنبت البقلة من بذرتها‏,‏ وقد أخبر بذلك الصادق المصدوق‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏),‏ فتخرج الأجساد من الأرض وتنبت منها نباتا كما أنبتها الله‏(‏ تعالي‏)‏ أول مرة‏,‏ وذلك استعدادا للحشر‏,‏ وللعرض الأكبر أمام الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ للحساب والجزاء‏,‏ ولذلك أتبعت هذه الآيات بجواب‏(‏ إذا‏)‏ التي جاءت أربع مرات فيها وذلك بقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

    علمت نفس ماقدمت وأخرت
    ‏(‏الانفطار‏:5)‏
    أي ما أسلفت من خير أو شر‏,‏ وما أخرت من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها‏,‏ أو ماعملت مما كلفت به وما لم تعمل‏.‏

    وبعد هذا الاستهلال بالحديث عن الآخرة وأهوالها‏,‏ وعن عدد من الأحداث الجسام التي سوف تتقدمها تنتقل الآيات إلي مخاطبة الإنسان بعتاب رقيق يقول فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

    يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم‏*‏ الذي خلقك فسواك فعدلك‏*‏ في أي صورة ما شاء ركبك‏.(‏ الانفطار‏:6‏ ـ‏8)‏

    يقال‏:(‏ غره‏)(‏ تغره‏)(‏ غرا‏)‏ و‏(‏غرورا‏)‏ أي خدعه يخدعه خداعا وأطمعه بالباطل‏,‏ فـ‏(‏ اغتر‏).‏ ويقال‏:‏ ماغرك؟ أي كيف اجترأت؟ و‏(‏التغرير‏)‏ هو حمل النفس علي‏(‏ الغرر‏)‏ وهو الخداع المجلب للضرر أو الخطر‏,‏ ولذلك نهي رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ عن بيع‏(‏ الغرر‏).‏

    و‏(‏الغرور‏)‏ هو الشيطان‏,‏ أو كل مايغر الإنسان من أمور الدنيا كالمال والجاه والسلطان والشهوات‏.‏

    وفي قول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ للإنسان‏:(‏ ما غرك‏)‏ أي ما الذي خدعك وأطمعك في ربك فجرأك علي عصيان أوامره‏,‏ وتجاوز حدوده‏,‏ وهذا لايليق بكرم الله معك‏,‏ وأفضاله عليك؟ والخطاب هنا موجه إلي كل كافر‏,‏ ومشرك‏,‏ وعاص من بني آدم‏,‏ وهم من الخلق المكلفين‏,‏ أصحاب الإرادة الحرة‏,‏ ولكن غرهم جهلهم وكبرهم والشيطان‏.‏

    وفي ثنايا هذا العتاب الرباني الرقيق وعيد وتهديد لتلك القلوب الغافلة‏,‏ اللاهية من قلوب بني آدم‏,‏ وتذكيرهم بنعم الله‏(‏ تعالي‏)‏ عليهم وهي لاتحصي ولا تعد‏,‏ ومن أولها نعمة خلق الإنسان في أحسن تقويم‏,‏ وفي هيئة سوية معتدلة تميزه عن بقية الخلق‏,‏ والله‏(‏ تعالي‏)‏ قادر علي كل شيء‏,‏ ولذلك اتبعت هذه الآية الكريمة بقول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ الذي خلقك فسواك فعدلك‏.‏

    و‏(‏الخلق‏)‏ هو التقدير المستقيم في إبداع شيء علي غير مثال سابق‏,‏ وقد يستخدم في إيجاد شيء من شئ آخر‏,‏ ولكن‏(‏ الخلق‏)‏ بمعني الابداع من غير مثال سابق لايكون إلا لله‏(‏ تعالي‏)‏ وحده‏,‏ خالق كل شيء‏,‏ وعلي ذلك يطلق لفظ الخلقة علي الفطرة التي فطر الله تعالي الناس عليها‏,‏ كما يطلق لفظا‏(‏ الخليقة‏)‏ و‏(‏الخلائق‏)‏ علي خلق الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏).‏ أما‏(‏ التسوية‏)‏ فهي جعل الشيء‏(‏ سويا‏)‏ أي مهيئا تهيئة كاملة حكيمة لما خلق له بالضبط الذي يصون عن الزيادة أو النقصان قدرا وكيفية‏.‏

    أما عن قوله تعالي‏:(‏ فعدلك‏)‏ فمعناه ضبط أجزاء جسدك‏,‏ و‏(‏عدل‏)‏ بعضها ببعض فـ‏(‏ اعتدلت‏)‏ أي صرفها عن الخلل إلا ما أراد لحكمة عنده‏(‏ سبحانه وتعالي‏),‏ وقرئت الكلمة بالتشديد‏(‏ فعدلك‏)‏ أي قومك لأن أصل‏(‏ التعديل‏)‏ هو التقويم‏,‏ يقال‏:(‏ عدلته‏)(‏ تعديلا‏)‏ فـ‏(‏ اعتدل‏)‏ أي‏(‏ قومته‏)(‏ تقويما‏)(‏ فاستقام‏).‏ ومن معاني‏(‏ عدلك‏)‏ جعلك معتدل الهيئة‏,‏ متناسق الخلقة‏,‏ متوافق الأبعاد‏,‏ منتصب القامة تمشي علي قدمين وغيرك من المخلوقات يمشي علي بطنه أو علي أربع أو يطير بجناحيه‏.‏

    وفي قوله‏(‏ تعالي‏):‏
    في أي صورة ماشاء ركبك‏(‏ الانفطار‏:8)‏
    أي في أي مجموع من الصفات صورك باصطفاء الصفات السائدة من بين مجموع الصفات الموجودة في الشيفرة الوراثية التي خص بها كل فرد من بني آدم فتعلو وتظهر‏,‏ بينما تستتر صفات أخري عديدة لتظهر في نسله من بعده‏,‏ ويكون الإنسان بصفاته الجسدية‏,‏ والعقلية‏,‏ والنفسية هو مجموع الصفات المركبة والسائدة في شيفرته الوراثية‏,‏ والتي حددها له الخالق‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ بعلمه وحكمته وقدرته‏,‏ وركبها تركيبا في شيفرته الوراثية‏.‏

    وبعد ذلك توجه الآيات الخطاب إلي المكذبين بالدين أي بوحي السماء المشتمل علي البيان الإلهي للإنسان في القضايا التي لايستطيع الإنسان أن يضع لنفسه فيها أية ضوابط صحيحة من مثل قضايا العقيدة‏,‏ والعبادة والأخلاق والمعاملات‏,‏ مؤكدة أن الإنسان محصية عليه أقواله وأعماله بواسطة الملائكة‏,‏ الحفظة‏,‏ الكرام‏,‏ البررة‏,‏ فتقول‏:‏

    كلا بل تكذبون بالدين‏*‏ وإن عليكم لحافظين‏*‏ كراما كاتبين‏*‏ يعلمون ماتفعلون‏.‏
    الانفطار‏9‏ ـ‏12‏
    و‏(‏كلا‏)‏ كلمة زجر وردع‏,‏ و‏(‏بل‏)‏ حرف عطف وإضراب عما مضي من حديث‏,‏ والدخول في حديث جديد عن قضية جديدة ألا وهي قضية التكذيب بالدين‏.‏ والمقصود بالدين هنا هو الدين الخاتم الذي بعث به النبي الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ والذي تكاملت فيه كل الرسالات السابقة فتعهد الله‏(‏ تعالي‏)‏ بحفظه‏,‏ فحفظ علي مدي الأربعة عشر قرنا الماضية وسوف يحفظ إلي قيام الساعة إن شاء الله تحقيقا لهذا الوعد الإلهي‏.‏

    ومع التهديد الإلهي بعقاب المكذبين بالدين تؤكد الآيات أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ ـ الذي لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء ـ قد أوكل بكل منا ملكين كريمين كاتبين‏,‏ في صحبة دائمة‏,‏ ومراقبة مستمرة‏,‏ يدونان كل الأقوال والأفعال‏,‏ وهما مطلعان إطلاعا كاملا علي ما يفعل ويتكلم كل منا‏,‏ وإذا علم الإنسان ذلك تأدب في كل مايقول‏,‏ واحتشم في كل مايفعل خشية أن يفضح به يوم العرض الأكبر الذي يصفه الحق‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في مقام آخر بقوله العزيز‏:‏

    يؤمئذ تعرضون لا تخفي منكم خافية‏.‏
    ‏(‏الحاقة‏:18)‏

    واليقين بمراقبة الله لعباده‏,‏ وبمراقبة ملائكته لهم هو من أعظم ضوابط السلوك الإنساني‏,‏ ولذلك اعتبره المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ أعلي مراتب التدين‏,‏ ووصفه بالاحسان‏,‏ وعرفه بقوله الشريف أن تعبد الله كأنك تراه‏,‏ فإن لم تكن تراه فإنه يراك‏.‏

    وبعد هذا التحذير الإلهي من أن جميع أقوال وأفعال الإنسان مدونة عليه تتتابع الآيات بتقرير مصائر كل من الأبرار والفجار في يوم الدين فتقول‏:‏
    إن الأبرار لفي نعيم‏*‏ وإن الفجار لفي جحيم‏*‏ يصلونها يوم الدين‏.‏ وماهم عنها بغائبين‏*‏ وما أدراك ما يوم الدين‏*‏ ثم ما أدراك مايوم الدين‏*‏ يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله‏.‏
    ‏(‏الانفطار‏:13‏ ـ‏19).‏

    و‏(‏الأبرار‏)‏ هم المؤمنون الصادقون الذين‏(‏ بروا‏)‏ إيمانهم بالله‏(‏ تعالي‏)‏ فصدقوا في التزام أوامره واجتناب نواهيه‏,‏ و‏(‏الأبرار‏)‏ جمع‏(‏ بر‏)‏ وهو الصالح المتصف بالخير‏,‏ و‏(‏البر‏)‏ نقيض العقوق‏,‏ و أعمال‏(‏ البر‏)‏ هي جميع أعمال الخير علي الاطلاق‏.‏ و‏(‏الفجار‏)‏ هم نقائض الأبرار‏,‏ وهم منكرو الدين جملة وتفصيلا‏,‏ أو منكرو أجزاء منه‏,‏ ومقترفو الفواحش ماظهر منها ومابطن‏,‏ والظالمون المتجبرون علي الخلق بغير الحق‏,‏ والآكلون حقوق الغير بالباطل‏.‏

    وسورة الانفطار تتحدث عن جزاء كل من الأبرار والفجار‏,‏ وهو مصير مؤكد‏,‏ وعاقبة محتومة‏,‏ أقرها ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏)‏ في عشرات الآيات القرآنية التي منها هذه الآيات المباركات في ختام سورة فاطر والتي تؤكد خلود الأبرار في النعيم‏,‏ كما تؤكد خلود الكفار في نار جهنم التي يصلونها يوم الدين‏,‏ ولا يغيبون عن عذابها أبدا‏,‏ لأنهم لا يستطيعون الفرار منها‏,‏ ولا الخلاص بعد الوقوع فيها‏,‏ ولا يخفف عنهم العذاب ولو للحظة واحدة‏.‏

    ولما كان يوم الدين هو موضع تكذيب الفجار فإن السياق القرآني يعود إليه في ختام سورة الانفطار بسؤال موجه الي خاتم الأنبياء والمرسلين‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ والي كل مؤمن برسالته من بعده يقول فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ وما أدراك ما يوم الدين‏*‏ ثم ما أدراك ما يوم الدين‏.‏ وهو سؤال يوحي بأن الأمر أعظم وأخطر من أن يحيط به إدراك الناس‏,‏ لأنه فوق كل تصور‏,‏ وتوقع‏,‏ واحتمال بشري‏,‏ وفوق كل مألوف عندهم‏,‏ والسؤال يقصد منه تعظيم أهوال يوم القيامة‏,‏ وتكرار السؤال فيه مزيد من هذا التأكيد علي ضخامة تلك الأهوال التي لا يقوي خيال البشر علي تصورها‏.‏ وبعد ذلك يأتي بيان صفة من صفات هذا اليوم يقول فيه ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏ يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله‏.‏

    أي يوم لا يقدر أحد علي نفع أحد أو خلاصه مما هو فيه إلا أن يأذن الله لمن يشاء ويرضي‏,‏ فكل نفس مشغولة عن غيرها بهمها‏,‏ والأمر كله بيد الله‏(‏ تعالي‏)‏ وحده‏,‏ وهو‏(‏ سبحانه‏)‏ المتفرد بالأمر في الدنيا والآخرة‏,‏ وتتجلي هذه الحقيقة في يوم الدين أمام أعين الجميع خاصة المغرورين الغافلين الذين لم يستطيعوا إدراك ذلك في الدنيا فسوف يرونها في الآخرة رأي العين بلا لبس ولا غموض‏.‏

    ولذلك يروي عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قوله الشريف‏:‏ يابني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار‏,‏ لا أملك لكم من الله شيئا‏.‏ وبذلك يلتقي مطلع سورة الانفطار بما فيه من أهوال التدمير الكوني في اليوم الآخر مع خاتمتها وما فيها من المشاهد الحسية والنفسية التي يعانيها الكفار والمشركون والغافلون المقصرون‏,‏ والظلمة المتجبرون من أهوال ذلك اليوم‏,‏ والعجز البشري الكامل فيه‏,‏ حتي يدرك الإنسان تمام الإدراك حقيقة أنه لا ملجأ ولا منجي من الله‏(‏ تعالي‏)‏ إلا إليه‏.‏
    من ركائز العقيدة في سورة الانفطار

    ‏1‏ـ الإيمان بحقيقة الآخرة‏,‏ وبما فيها من تدمير للنظام الكوني الحالي من تصدع للسماء وانشقاقها‏,‏ وانفجار للكواكب وتناثر أشلائها‏,‏ وتفجير للبحار‏,‏ وغور مائها‏,‏ وتشقق للقبور وبعثرة محتواها‏,‏ وما يتبع ذلك من بعث وحساب وخلود في الآخرة إما في الجنة أبدا أو في النار أبدا‏.‏

    ‏2‏ـ اليقين بأن الإنسان سوف تعرض عليه أعماله الدنيوية كاملة يوم القيامة‏,‏ وأنه سوف ينبأ بما قدم في دنياه واخر‏.‏

    ‏3‏ـ التسليم بحقيقة الخلق‏,‏ وبأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو خالق كل شيء‏,‏ وقد توج خلقه بخلق الانسان في أحسن تقويم‏,‏ وتسوية جنينه أفضل تسوية‏,‏ وتعديل خلقته‏,‏ وتركيبها في أجمل صورة مما يستحق الشكر لله الكريم علي هذه النعمة وعلي غيرها من النعم الجليلة‏,‏ لأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي يركب كل فرد من أفراد خلقه في الصورة التي يشاء‏.‏

    ‏4‏ـ الايمان بالدين الخاتم الذي بعث به الرسول الخاتم‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ والتحذير من التكذيب به‏,‏ أو التدين بدين سواه‏,‏ لأن الله‏(‏ تعالي‏)‏ لا يقبل من عباده أن يدينوا أنفسهم له بدين غيره‏.‏

    ‏5‏ـ اليقين بأن كل إنسان موكل به ملكان كريمان يحفظانه بأمر الله‏,‏ ويحفظان عنه كل أقواله وأفعاله ويكتبانها حتي تكون حجة عليه في يوم الحساب‏,‏ ويعلمان مايفعله العبد الموكلان به‏.‏

    ‏6‏ـ التصديق بأن الأبرار سوف يخلدون في جنات النعيم‏,‏ وأن الفجار سوف يخلدون في نار الجحيم التي يصلونها يوم الدين‏,‏ ولا يستطيعون فرارا عنها ولا خروجا منها ولو للحظة واحدة‏.‏

    ‏7‏ـ التسليم بأن أهوال يوم الدين أكبر من كل تخيل‏,‏ وأخطر من كل تصور‏,‏ ويكفي في تصوير خطورتها أن نفسا لا تملك لنفس شيئا في هذا اليوم الرهيب‏,‏ وأن الأمر كله لله‏(‏ تعالي‏),‏ والله‏(‏ سبحانه‏)‏ هو صاحب الأمر في الدنيا والآخرة‏,‏ ولكنه أعطي لكل فرد من المكلفين من عباده في الدنيا هامشا من الارادة الحرة ليثبت بحسن استخدامها جدارته بالجنة‏,‏ أو يثبت بسوء استخدامها استحقاقه للنار‏,‏ أما في الآخرة فالأمر كله لله‏(‏ سبحانه وتعالي‏).‏

    من الإشارات العلمية في سورة الانفطار
    ‏1‏ـ الاشارة الي أن نهاية السماء في تصدعها وانشقاقها‏,‏ وعلوم الفلك تؤكد امكانية ذلك بانهيار القوي الممسكة بجميع صور المادة والطاقة فيها‏(‏ الجاذبية‏,‏ القوة الكهرومغناطسية‏,‏ القوة النووية الشديدة‏,‏ القوة النووية الضعيفة‏).‏

    ‏2‏ـ ذكر أن نهاية الكواكب تأتي بانفجارها‏,‏ وانتثار أشلائها‏,‏ ووجود الكويكبات يشير الي إمكانية تحقيق ذلك‏.‏

    ‏3‏ـ التأكيد علي أن نهاية البحار في تفجرها‏,‏ وحقيقة أن جميع محيطات الأرض واعدادا من بحارها قيعانها متصدعة بشبكة هائلة من الصدوع‏,‏ وأن الثورات البركانية العنيفة تندفع عبر تلك الصدوع مما يشير الي إمكان تحقق ذلك بمزيد من التصدع والخسف فيؤدي الي غور مياه البحار الي نطاق الضعف الأرضي التي أخرجها الله‏(‏ تعالي‏)‏ منه في أول الأمر‏.‏

    ‏4‏ـ الاشارة الي بعثرة القبور في يوم البعث أي شقها‏,‏ وتناثر محتوياتها حتي ينكشف ماتحويه من البقية البشرية التي لا تبلي‏(‏ عجب الذنب‏)‏ فيطولها ماء ينزله الله‏(‏ تعالي‏)‏ من السماء فينبت به كل مخلوق من عجب ذنبه كما تنبت البقلة من بذرتها‏,‏ تصديقا لحديث رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الذي قال فيه‏:‏ مابين النفختين أربعون‏..‏ ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل‏,‏ ليس من الانسان شيء إلا يبلي الا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة‏.‏

    ‏5‏ـ التأكيد علي خلق الانسان‏,‏ وتسويته‏,‏ وتعديله‏,‏ وتركيبه في صورة محددة حددها الله‏(‏ تعالي‏)‏ لكل فرد من أفراد بني آدم‏.‏

    وكل قضية من هذه القضايا تحتاج الي معالجة خاصة بها‏,‏ ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي ماجاء في النقطة الخامسة من القائمة السابقة من قول ربنا‏(‏ تبارك وتعالي‏):‏

    ‏..‏ في أي صورة ماشاء ركبك‏.‏ ‏(‏الانفطار‏:8).‏
    من الدلالات العلمية للآية الكريمة
    جاء ذكر تصوير الجنين البشري في خمس آيات قرآنية كريمة علي النحو التالي‏:‏
    ‏(1)‏ هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم‏.‏
    ‏(‏آل عمران‏:6)‏

    ‏(2)‏ ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين‏.‏
    ‏(‏الأعراف‏:11)‏

    ‏(3)‏ الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين‏.‏
    ‏(‏غافر‏:64)‏

    ‏(4)‏ خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير‏.‏
    ‏(‏التغابن‏:3)‏

    ‏(5)‏ الذي خلقك فسواك فعدلك‏*‏ في أي صورة ماشاء ركبك‏.‏
    ‏(‏الانفطار‏:8,7)‏
    ومن أسماء الله الحسني‏(‏ المصور‏)‏ كما جاء في قوله تعالي‏:‏
    هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسني يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم‏.‏
    ‏(‏الحشر‏:24)‏

    وجاء ذكر تصوير الجنين البشري في أحاديث رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ وذلك من مثل قوله الشريف‏:‏ إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله ملكا فصورها‏,‏ وخلق سمعها وبصرها‏,‏ وجلدها ولحمها وعظامها‏,‏ ثم قال‏:‏ يارب‏:‏ ذكر أم أنثي؟ فيقضي ربك ما يشاء ويكتبه الملك‏.‏
    ‏(‏أخرجه الإمام مسلم‏)‏

    وواضح من هذا الحديث الشريف أن عملية تصوير الجنين تتم بعد نهاية الأسبوع السادس من عمره‏(‏ أي بعد الليلة الثانية والأربعين‏),‏ وهي لحظة الانتقال من طور المضغة إلي طور الغضاريف والعظام‏,‏ فتبدأ الغضاريف في الانتشار في جسم الجنين مع بداية الأسبوع السابع من عمره‏,‏ وسرعان ما يتكلس أغلبها علي هيئة العظام في الأسبوع الثامن من عمر الجنين‏(‏ من الليلة الخمسين إلي السادسة والخمسين‏),‏ وبنهاية الأسبوع الثامن تكتمل مرحلة الجنين‏(Embryo),‏ وتبدأ مرحلة الحميل‏(FetusorFoetus)‏ التي سماها القرآن الكريم باسم مرحلة النشأة‏,‏ وتبدأ هذه المرحلة من الليلة السابعة والخمسين بعد الإخصاب وتستمر إلي نهاية فترة الحمل وأقلها ستة شهور قمرية‏(‏ أي‏177‏ ليلة‏),‏ وأكملها تسعة شهور قمرية‏(‏ أي‏266‏ ليلة تقريبا‏).‏

    وفي خلال مرحلة النشأة يبدأ الحميل في اكتساب الملامح البشرية التي بدأها بنهاية الأسبوع السادس بعد نفخة الروح مباشرة‏,‏ وذلك بالتدريج بعد أن تكون جميع الأعضاء والأجهزة الداخلية قد اتخذت مواضعها المحددة أو كادت‏.‏

    وأبرز سمات هذه المرحلة هو النمو المتصل والمتسارع حتي يصل نمو الحميل إلي اكتماله‏,‏ ويزداد حجمه بازدياد نموه وبزيادة سمك الطبقة الدهنية تحت الجلد‏,‏ ويتغطي جسده بطبقة دهنية متجبنة بعد أن يكون قد كتب علي جبينه قدره‏,‏ وقد سوي بنان أصابع يديه ورجليه‏,‏ وفي ذلك يقول المصطفي‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ في حديث طويل رواه البزار عن ابن عمر‏(‏ رضي الله عنهما‏):‏ إذا خلق الله النسمة قال ملك الأرحام‏:‏ أي رب‏:‏ ذكر أم أنثي؟ قال‏:‏ فيقضي الله أمره‏..‏ ثم يقول‏:‏ أي رب‏:‏ شقي أم سعيد؟ فيقضي الله أمره‏,‏ ثم يكتب بين عينيه ماهو لاق حتي النكبة ينكبها‏.‏

    وقال‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏):‏ النطفة إذا استقرت في الرحم جاءها ملك فأخذها بكفه فقال‏:‏ أي رب‏:‏ مخلقة أم غير مخلقة؟ فإن قيل‏:‏ غير مخلقة‏,‏ لم تكن نسمة وقذفتها الأرحام دما‏,‏ وإن قيل مخلقة‏,‏ قال‏:‏ أي رب‏:‏ ذكر أم أنثي؟ شقي أم سعيد؟ ما الأجل؟ وما الأثر؟ وبأي أرض تموت؟ قال‏:‏ فيقال للنطفة‏:‏ من ربك؟ فتقول‏:‏ الله‏,‏ فيقال‏:‏ من رازقك؟ فتقول‏:‏ الله‏.‏ فيقال‏:‏ اذهب إلي أم الكتاب فإنك تجد فيه قصة هذه النطفة‏.‏ قال‏:‏ فتخلق‏,‏ فتعيش في أجلها‏,‏ وتأكل في رزقها‏,‏ وتطأ في أثرها حتي إذا جاء أجلها ماتت فدفنت في ذلك‏.‏
    ‏(‏أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن مسعود‏).‏

    وقد ثبت علميا أنه لا يتشابه فردان من بني الإنسان تشابها كاملا أبدا‏,‏ ففي حالات التوائم الصحيحة يتشابه التوأمان في صفاتهما الشكلية‏,‏ ولكن يبقي لكل واحد منهما صفاته الذاتية‏,‏ ونوازعه النفسية‏,‏ وميوله ورغباته ومهاراته وقدراته الخاصة به‏.‏

    وعلي ذلك فإن عملية خلق وتسوية وتعديل وتركيب كل فرد هي عملية خاصة به‏,‏ تعطيه بصمة وراثية محددة‏,‏ وبصمة إبهام مميزة لشخصه‏,‏ وبصمة بصرية وجبهية كذلك‏,‏ ولا يقدر علي ذلك إلا الله الخالق البارئ المصور‏,‏ الذي له الأسماء الحسني‏,‏ والصفات العلا‏,‏ لا إله إلا هو‏.‏

    فالمخزون الوراثي للبشر أجمعين من لدن أبينا آدم‏(‏ عليه السلام‏)‏ وحتي قيام الساعة خلقه الله‏(‏ تعالي‏)‏ وأودعه صلب أبينا آدم لحظة خلقه‏,‏ ثم أعطيت أمنا حواء شطرا من هذا المخزون الوراثي‏,‏ الذي أخذ في الانفراد بالتزاوج بين الذكور والإناث مع الزمن ليعطي البلايين من البشر إلي قيام الساعة‏,‏ مع الاحتفاظ لكل فرد منهم بصفات محددة تميزه عن غيره‏,‏ يقررها الله‏(‏ تعالي‏)‏ بعلمه وحكمته وقدرته‏,‏ وتتضح في نصيبه من المخزون الوراثي الذي جمعه الله‏(‏ تعالي‏)‏ في صلب أبينا آدم‏(‏ عليه السلام‏)‏ وقدره في اللوح المحفوظ لكل فرد من بني البشر‏.‏ وفي ذلك يروي عن رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ قوله الشريف‏:‏ إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله‏(‏ تعالي‏)‏ كل نسب بينها وبين آدم‏.(‏ أخرجه كل من الإمامين ابن جرير وابن أبي حاتم‏).‏
    ولعل هذا هو المقصود بالتركيب الذي ذكره الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ في قوله العزيز‏:‏ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم‏,‏ الذي خلقك فسواك فعدلك‏*‏ في أي صورة ما شاء ركبك‏.‏
    ‏(‏الانفطار‏:6‏ ـ‏8).‏

    ومن المعلوم اليوم أن الدفقة الواحدة من ماء الرجل تحمل ما بين مائتي مليون وألف مليون نطفة‏,‏ ولكن لا يصل إلي البييضة من هذا العدد الهائل من النطف أكثر من خمسمائة نطفة‏,‏ وأن البييضة لا تسمح إلا لنطفة واحدة بإخصابها‏,‏ وهذه النطفة مختارة بواسطة العناية الإلهية لتحقيق صفات محددة لا تتكرر‏.‏

    وإذا علمنا أن للأنثي وهي جنين في بطن أمها ما بين أربعمائة ألف بييضة وستة ملايين بييضة في مراحل تكوينها الأولي‏,‏ ولكنها عند البلوغ لا يبقي في غدتيها التناسليتين سوي بضعة عشرات الآلاف من البييضات‏,‏ تنمو منها واحدة كل شهر طوال فترة خصوبتها المقدرة بحوالي الثلاثة والثلاثين سنة في المتوسط‏,‏ فإن مجموع ما يفرزه جسم المرأة البالغة من بييضات لا يتعدي الأربعمائة طوال مدة خصوبتها ويهلك أغلب هذا العدد قبل الزواج‏,‏ وفي الفترات التي لا يتم حمل خلالها بعد الزواج‏.‏

    وعلي ذلك فإن القدرة الإلهية هي التي تختار نطفة ذكرية محددة من بين ملايين الملايين من النطف التي يهبها الله‏(‏ تعالي‏)‏ لرجل محدد‏,‏ ليلتقي مع بييضة محددة من امرأة محددة اختارها الله‏(‏ تعالي‏)‏ له في مكان وزمان محددين ليخرج مولودا بصفات وراثية‏(‏ شكلية ونفسية‏)‏ محددة‏.‏

    وتذكر الدراسات الطبية أنه في مقابل كل نطفة أنثوية‏(‏ بييضة‏)‏ تفرزها الزوجة فإن الزوج يفرز بليون نطفة ذكرية علي الأقل‏,‏ وتصطفي القدرة الإلهية المبدعة من هذا الكم الهائل من النطف نطفة مؤنثة محددة تحمل شيفرة وراثية محددة لتلتقي بنطفة مذكرة معينة تحمل شيفرة وراثية محددة في زمان ومكان محددين ليتخلق جنين بصفات وراثية قدرها الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ سلفا في علمه الأزلي‏.‏

    وإذا علمنا أن كلا من النطفتين الذكرية والأنثوية يحمل‏23‏ جسيما صبغيا‏,‏ وأن كل صبغي يحمل حوالي‏35‏ ألف مورث‏(‏ جين‏),‏ وأن التقاء الجسيمات الصبغية الستة والأربعين في النطفة الأمشاج يعطي مجالا هائلا لاصطفاء صفات الجنين الظاهرة عليه‏,‏ والمستترة كي تظهر أو لا تظهر في نسله من بعده‏,‏ بحيث يحدد لكل جنين بصمته الوراثية المحددة وصفاته التشريحية والشكلية المميزة‏.‏ وقد عرف من هذه المورثات ما يتحكم بأمر الله‏(‏ تعالي‏)‏ في شكل الجنين‏,‏ ومنها ما خصص للتحكم في تسوية اعضائه حتي تصل الي شكلها الكامل وما يتحكم في غير ذلك من الصفات الشكلية من مثل لون كل من البشرة‏,‏ والشعر‏,‏ والعينين‏,‏ ومن مثل طول القامة‏,‏ ونحافة القد أو ضخامته‏,‏ وفي غير ذلك من الصفات‏.‏

    وهذه المورثات هي من خلق الله‏(‏ سبحانه وتعالي‏)‏ ومن اختياره‏,‏ وهي التي تتحكم بإذن الله الخالق البارئ المصور في تحديد كل صفات الجنين التي تميزه عن غيره من المخلوقين‏,‏ ولذلك قال‏(‏ تعالي‏)‏ معاتبا الكفار والمشركين والعصاة المتجاوزين حدود الله من بني آدم‏,‏ وهم من خلقه المكلف صاحب الإرادة الحرة‏,‏ يعاتبهم ربهم علي كفرهم أو شركهم أو عصيانهم فيقول‏:‏

    يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم‏*‏ الذي خلقك فسواك فعدلك‏*‏ في أي صورة ماشاء ركبك‏*).‏
    ‏(‏الانفطار‏:6‏ ـ‏8)‏

    وقوانين الوراثة التي تتحكم في تركيب مجموع صفات الحميل هي من العلوم المستحدثة التي لم تكن معروفة في زمن الوحي‏,‏ ولا لقرون متطاولة من بعده‏.‏ وإفصاح القرآن الكريم عن أن الله‏(‏ تعالي‏)‏ هو الذي يخلق‏,‏ ويسوي الخلقة‏,‏ ويعدلها‏,‏ ويركبها في الصورة التي اختارها لها هو سبق علمي واضح يشهد للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية‏,‏ بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله‏,‏ وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية ـ ولم يقطعه لرسالة أخري أبدا فيما نعلم ـ وحفظه في نفس لغة وحيه‏(‏ اللغة العربية‏)‏ وحفظه حفظا كاملا علي مدي الأربعة عشر قرنا الماضية وتعهد‏(‏ سبحانه‏)‏ بذلك إلي قيام الساعة‏,‏ حتي يبقي شاهدا علي الناس جميعا بأنه كلام الله الخالق ـ في صفاته الربانية وإشراقاته النورانية وصدقه في كل ما أخبر به ـ في وقت تعرضت كل صور الوحي السابقة للضياع‏,‏ ويبقي القرآن الكريم شاهدا علي ذك‏,‏ وشاهدا أيضا للرسول الخاتم الذي تلقاه بالنبوة وبالرسالة‏,‏ وبأنه كان موصولا بالوحي‏,‏ ومعلما من قبل خالق السموات والأرض‏.‏

    فالحمد لله علي نعمة الإسلام‏,‏ والحمد لله علي نعمة القرآن‏,‏ والحمد لله علي نعمة البعثة المحمدية الشريفة‏,‏ وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين‏,‏ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‏.‏
    صفحة الأحاديث النبوية

    http://www.facebook.com/pages/الاحاد...01747446575326

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jul 2011
    المشاركات
    12
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    15-02-2012
    على الساعة
    06:00 PM

    افتراضي اجندة الدكتور

    بسم الله الرحمن الرحيم
    لمعرفة اخبارالدكتور زغلول النجار وجدوله اليومي والاسبوعي والشهري يدخل على الرابط ده
    أجندة الدكتور
    في انتظار زيارتكم

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jul 2012
    المشاركات
    1
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    10-07-2012
    على الساعة
    11:47 PM

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    2,285
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    23-11-2014
    على الساعة
    07:18 PM

    افتراضي

    م
    اقتباس
    ن الإشارات العلمية في سورة الانفطار
    ‏1‏ـ الاشارة الي أن نهاية السماء في تصدعها وانشقاقها‏,‏ وعلوم الفلك تؤكد امكانية ذلك بانهيار القوي الممسكة بجميع صور المادة والطاقة فيها‏(‏ الجاذبية‏,‏ القوة الكهرومغناطسية‏,‏ القوة النووية الشديدة‏,‏ القوة النووية الضعيفة‏).‏

    ‏2‏ـ ذكر أن نهاية الكواكب تأتي بانفجارها‏,‏ وانتثار أشلائها‏,‏ ووجود الكويكبات يشير الي إمكانية تحقيق ذلك‏.‏

    ‏3‏ـ التأكيد علي أن نهاية البحار في تفجرها‏,‏ وحقيقة أن جميع محيطات الأرض واعدادا من بحارها قيعانها متصدعة بشبكة هائلة من الصدوع‏,‏ وأن الثورات البركانية العنيفة تندفع عبر تلك الصدوع مما يشير الي إمكان تحقق ذلك بمزيد من التصدع والخسف فيؤدي الي غور مياه البحار الي نطاق الضعف الأرضي التي أخرجها الله‏(‏ تعالي‏)‏ منه في أول الأمر‏.‏

    ‏4‏ـ الاشارة الي بعثرة القبور في يوم البعث أي شقها‏,‏ وتناثر محتوياتها حتي ينكشف ماتحويه من البقية البشرية التي لا تبلي‏(‏ عجب الذنب‏)‏ فيطولها ماء ينزله الله‏(‏ تعالي‏)‏ من السماء فينبت به كل مخلوق من عجب ذنبه كما تنبت البقلة من بذرتها‏,‏ تصديقا لحديث رسول الله‏(‏ صلي الله عليه وسلم‏)‏ الذي قال فيه‏:‏ مابين النفختين أربعون‏..‏ ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل‏,‏ ليس من الانسان شيء إلا يبلي الا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة‏.‏
    جزاك الله خيراً أخى الكريم طالب عفو ربي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    May 2006
    المشاركات
    8,993
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    26-02-2024
    على الساعة
    09:13 AM

    افتراضي

    جزاك الله خيرا اخي
    اللهم اجعلنا من حملت القرآن الكريم
    اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    10
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    12-02-2015
    على الساعة
    12:54 AM

    افتراضي

    جزاكم الله خير

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    المشاركات
    4
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    29-09-2017
    على الساعة
    06:24 PM

    افتراضي

    بارك الله فيكم

اسرار القران (172)

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. اسرار القران (138)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:11 PM
  2. اسرار القران(137)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:10 PM
  3. اسرار القران (136)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:08 PM
  4. اسرار القران (135)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:07 PM
  5. اسرار القران (119)
    بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 20-12-2009, 10:48 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

اسرار القران (172)

اسرار القران (172)