هل همَّ يوسفُ بزوجةِ العزيزِ؟!

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

هل همَّ يوسفُ بزوجةِ العزيزِ؟!

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: هل همَّ يوسفُ بزوجةِ العزيزِ؟!

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    المشاركات
    626
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    31-08-2024
    على الساعة
    02:47 PM

    افتراضي هل همَّ يوسفُ بزوجةِ العزيزِ؟!



    مِنَ الشبهاتِ القديمةِ التي وردَت في شأنْ يوسفَ أنّهم قالوا: القرآنُ الكريمُ ذكرَ أنّ يوسفَ همّ بامرأةِ العزيزِ بعد أنّ همّت بِه، فحلَّ ملابسَه وكادَ أنْ يجامعَها لولا أنْ رأى صورةَ أبيه يعقوبَ وهو يحذّرُه مِنَ الزنا...

    فكيف يقولُ المسلمون: إنّ الأنبياءَ معصومون، وهذا نبيُّ اللهِ يوسفُ أرادَ الزنا...؟!
    استشهدوا على ذلك بما جاءَ في بعضِ كتبِ التفاسيرِ لقولِه : وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنّه مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ(24) (يوسف). فمِن هذه التفاسيرِ ما يلي:

    1- تفسيرُ الدرِّ المنثورِ في التفسيرِ بالمأثورِ(للسيوطي): أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، وَالْفِرْيَابِيُّ ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، وَابْنُ جَرِيرٍ ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ ، وَأَبُو الشَّيْخِ ، وَالْحَاكِمُ ، وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : لَمَّا هَمَّتْ بِهِ تَزَيَّنَتْ ، ثُمَّ اسْتَلْقَتْ عَلَى فِرَاشِهَا ، وَهَمَّ بِهَا جَلَسَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا يَحُلُّ تَبَّانَهُ نُودِيَ مِنَ السَّمَاءِ " يَا ابْنَ يَعْقُوبَ ، لَا تَكُنْ كَطَائِرٍ يُنْتَفُ رِيشُهُ فَيَبْقَى لَا رِيشَ لَهُ " فَلَمْ يَتَّعِظْ عَلَى النِّدَاءِ شَيْئًا ، حَتَّى رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ : جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي صُورَةِ يَعْقُوبَ عَاضًّا عَلَى أُصْبُعَيْهِ ، فَفَزِعَ فَخَرَجَتْ شَهْوَتُهُ مِنْ أَنَامِلِهِ ، فَوَثَبَ إِلَى الْبَابِ فَوَجَدَهُ مُغْلَقًا ، فَرَفَعَ يُوسُفُ رِجْلَهُ فَضَرَبَ بِهَا الْبَابَ الْأَدْنَى فَانْفَرَجَ لَهُ ، وَاتَّبَعَتْهُ فَأَدْرَكَتْهُ ، فَوَضَعَتْ يَدَيْهَا فِي قَمِيصِهِ فَشَقَّتْهُ حَتَّى بَلَغَتْ عَضَلَةَ سَاقِهِ ، فَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ. اهـ

    2- تفسير ابن جريرٍ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : ذُكِرَ أَنَّ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ لَمَّا هَمَّتْ بِيُوسُفَ وَأَرَادَتْ مُرَاوَدَتَهُ ، جَعَلَتْ تَذْكُرُ لَهُ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ ، وَتُشَوِّقُهُ إِلَى نَفْسِهَا ، كَمَا : -
    19013 - حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ ، عَنِ السُّدِّيِّ : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ) قَالَ : قَالَتْ لَهُ : يَا يُوسُفُ ، مَا أَحْسَنَ شَعْرَكَ! [ ص: 34 ] قَالَ : هُوَ أَوَّلُ مَا يَنْتَثِرُ مِنْ جَسَدِي . قَالَتْ : يَا يُوسُفُ ، مَا أَحْسَنَ وَجْهَكَ ! قَالَ : هُوَ لِلتُّرَابِ يَأْكُلُهُ . فَلَمْ تَزَلْ حَتَّى أَطْمَعَتْهُ ، فَهَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ، فَدَخَلَا الْبَيْتَ ، وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ ، وَذَهَبَ لِيَحِلَّ سَرَاوِيلَهُ ، فَإِذَا هُوَ بِصُورَةِ يَعْقُوبَ قَائِمًا فِي الْبَيْتِ ، قَدْ عَضَّ عَلَى إِصْبَعِهِ ، يَقُولُ : " يَا يُوسُفُ لَا تُوَاقِعْهَا فَإِنَّمَا مَثَلُكَ مَا لَمْ تُوَاقِعْهَا مَثَلُ الطَّيْرِ فِي جَوِّ السَّمَاءِ لَا يُطَاقُ ، وَمَثَلُكَ إِذَا وَاقَعْتَهَا مَثَلُهُ إِذَا مَاتَ وَوَقَعَ إِلَى الْأَرْضِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ . وَمَثَلُكَ مَا لَمْ تُوَاقِعْهَا مَثَلُ الثَّوْرِ الصَّعْبِ الَّذِي لَا يُعْمَلُ عَلَيْهِ ، وَمَثَلُكَ إِنْ وَاقَعْتَهَا مَثَلُ الثَّوْرِ حِينَ يَمُوتُ فَيَدْخُلُ النَّمْلُ فِي أَصْلِ قَرْنَيْهِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ " ، فَرَبَطَ سَرَاوِيلَهُ ، وَذَهَبَ لِيَخْرُجَ يَشْتَدُّ ، فَأَدْرَكَتْهُ ، فَأَخَذَتْ بِمُؤَخَّرِ قَمِيصِهِ مِنْ خَلْفِهِ فَخَرَقَتْهُ ، حَتَّى أَخْرَجَتْهُ مِنْهُ وَسَقَطَ ، وَطَرَحَهُ يُوسُفُ وَاشْتَدَّ نَحْوَ الْبَابِ....

    فأمّا ما كان من هم يوسف بالمرأة وهمها به، فإنّ أهل العلم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره، وذلك ما:-
    19015 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ ، وَسَهْلُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، سُئِلَ عَنْ هَمِّ يُوسُفَ مَا بَلَغَ؟ قَالَ : حَلَّ الْهِمْيَانَ ، وَجَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الْخَاتِنِ = لَفْظُ الْحَدِيثِ لِأَبِي كُرَيْبٍ .
    19016 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، وَابْنُ وَكِيعٍ ، قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، قَالَ : سَمِعَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ) قَالَ : جَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الْخَاتِنِ ، وَحَلَّ الْهِمْيَانَ .
    19017 - حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَّانِيُّ ، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، وَالْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ : مَا بَلَغَ مِنْ هَمِّ يُوسُفَ؟ قَالَ : حَلَّ الْهِمْيَانَ ، وَجَلَسَ مِنْهَا مَجْلِسَ الْخَاتِنِ.
    19018 - حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ : مَا بَلَغَ مِنْ هَمِّ يُوسُفَ؟ قَالَ : اسْتَلْقَتْ لَهُ ، وَجَلَسَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا .
    19019 - حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ) قَالَ : اسْتَلْقَتْ لَهُ ، وَحَلَّ ثِيَابَهُ .
    19020 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ) ، [ ص: 36 ] مَا بَلَغَ؟ قَالَ : اسْتَلْقَتْ لَهُ وَجَلَسَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا ، وَحَلَّ ثِيَابَهُ أَوْ ثِيَابَهَا .
    19021 - حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ مَا بَلَغَ مِنْ هَمِّ يُوسُفَ؟ قَالَ : اسْتَلْقَتْ عَلَى قَفَاهَا ، وَقَعَدَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا لِيَنْزَعَ ثِيَابَهُ .
    19022 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، قَالَ : سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، عَنْ قَوْلِهِ : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا ) مَا بَلَغَ مِنْ هَمِّ يُوسُفَ؟ قَالَ : حَلَّ الْهِمْيَانَ يَعْنِي السَّرَاوِيلَ .... اهـ

    الردُّ على الشبهةِ

    أولًا: إنّ هذه الرواياتِ التي استشهدَ بها المعترضون رواياتٌ باطلةٌ مأخوذةٌ مِن أباطيلِ الإسرائيليّاتِ؛ أخذَها ابنُ عباسٍ- رضيَ اللهُ عنهما- وغيرُه عن مَن يأخذون مِنَ الإسرائيليّاتِ، مثلُ: وَهْبٍ بنِ مُنَبّهٍ ، وكعبِ الأحبارِ...

    ولو أنَ ابنَ عباسٍ- رضيَ اللهُ عنهما- اجتهدَ، وقال هذا من تفسيرِه واجتهادِه فتفسيرُه ليس مقبولًا وله أجرُ المجتهدِ، وذلك لعدّةِ أَوْجِهٍ هامّةٍ منها:

    أولًا: أنّ ما أتى به ليس ظاهرًا مِن كتابِ الله .

    ثانيًا: أنّ ما أتى به لم يردْ قطّ عن نبيِّنا r.

    ثالثًا: أنّ ما أتى به أنكرَه جمهورُ علماءِ المسلمين؛ فهو يُخالفُ عِصمةَ الأنبياءِ التي يعتقدُ بها المسلمون؛ هذا إنْ صحَّ الخبرُ عنِ ابنِ عباسٍ - رضيَ اللهُ عنهما-...

    وعليه: فإنّ هذه الرواياتِ باطلةٌ لا يُعتدُّ بها عند المسلمين، فلا يوجدُ دليلٌ صحيحٌ واحدٌ يدلُّ على صحتِها؛ بل هي تخالفُ التفسيرَ الصحيحَ الذي سيتقدّمُ معنا - إنْ شاءَ اللهُ -.

    ثانيًا: إنّ المفسّرين اختلفوا في تأويلِ الآيةِ الكريمةِ، وبالتالي فإنّ جَزْمَ المعترضين بتفسيرِ ابنِ جريرٍ، وتفسيرِ الدرِّ المنثورِ، وأخذَهم بالرواياتِ المذكورةِ باطلٌ كما أسلفتُ فكان لَزْمًا عليهم أنْ يذكروا بقيّةَ أقوالِ المفسّرين مِن بابِ الأمانةِ العلميةِ في البحثِ العلميّ المُنصفِ؛ بل ثّبُتَ أنّ الهدفَ هو إلقاءُ الشبهاتِ والافتراءاتِ جُزافًا كما فعلوا...

    فعلى سبيلِ المثالِ أكتفي بما جاءَ في تفسيرِ ابنِ كثيرٍ - رحمَه اللهُ- لمّا قال: اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ النَّاسِ وَعِبَارَاتُهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَطَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
    وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْمُرَادُ بِهَمِّهِ بِهَا هَمُّ خَطَرَاتِ حَدِيثِ النَّفْسِ . حَكَاهُ الْبَغَوِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ التَّحْقِيقِ ، ثُمَّ أَوْرَدَ الْبَغَوِيُّ هَاهُنَا حَدِيثَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ هَمَّامٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : إِذَا هَمَّ عَبْدِي بِحَسَنَةٍ فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً ، فَإِنَّ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا حَسَنَةً ، فَإِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّائِي ، فَإِنْ عَمَلِهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا " .
    وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخْرَجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَهُ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ ، هَذَا مِنْهَا .
    وَقِيلَ : هَمَّ بِضَرْبِهَا . وَقِيلَ : تَمَنَّاهَا زَوْجَةً . وَقِيلَ : ( وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ) أَيْ : فَلَمْ يَهِمَّ بِهَا .
    وَفِي هَذَا الْقَوْلِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةِ ، ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ .
    وَأَمَّا الْبُرْهَانُ الَّذِي رَآهُ فَفِيهِ أَقْوَالٌ أَيْضًا : فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، وَالْحَسَنِ ، وَقَتَادَةَ ، وَأَبِي صَالِحٍ ، وَالضَّحَّاكِ ، وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، وَغَيْرِهِمْ : رَأَى صُورَةَ أَبِيهِ يَعْقُوبَ عَاضًّا عَلَى أُصْبُعِهِ بِفَمِهِ .

    وَقِيلَ عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ : فَضَرَبَ فِي صَدْرِ يُوسُفَ.
    وَقَالَ الْعَوْفِيُّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : رَأَى خَيَالَ الْمَلِكِ ، يَعْنِي : سَيِّدَهُ ، وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، [ ص: 382 ] فِيمَا حَكَاهُ عَنْ بَعْضِهِمْ : إِنَّمَا هُوَ خَيَالُ إِطْفِيرَ سَيِّدِهِ ، حِينَ دَنَا مِنَ الْبَابِ .

    وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ أَبِي مَوْدُودٍ سَمِعْتُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ : رَفَعَ يُوسُفُ رَأْسَهُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ ، فَإِذَا كِتَابٌ فِي حَائِطِ الْبَيْتِ : ( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 32 ]
    وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو مَعْشَرٍ الْمَدَنِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ .
    وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي صَخْرٍ قَالَ : سَمِعْتُ الْقُرَظِيَّ يَقُولُ فِي : " الْبُرْهَانِ " الَّذِي رَأَى يُوسُفُ : ثَلَاثُ آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ( إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ) الْآيَةَ [ الِانْفِطَارِ : 10 ] ، وَقَوْلُهُ : ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ ) الْآيَةَ : [ يُونُسَ : 61 ] ، وَقَوْلُهُ : ( أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) [ الرَّعْدِ : 33 ] قَالَ نَافِعٌ : سَمِعْتُ أَبَا هِلَالٍ يَقُولُ مِثْلَ قَوْلِ الْقُرَظِيِّ ، وَزَادَ آيَةً رَابِعَةً ( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ) [ الْإِسْرَاءِ : 32 ]
    وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ : رَأَى آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فِي الْجِدَارِ تَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ .
    قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ : وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ رَأَى مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَا زَجَرَهُ عَمَّا كَانَ هَمَّ بِهِ ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ صُورَةَ يَعْقُوبَ ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ [ صُورَةَ ] الْمَلِكِ ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَا رَآهُ مَكْتُوبًا مِنَ الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ . وَلَا حُجَّةَ قَاطِعَةٌ عَلَى تَعْيِينِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، فَالصَّوَابُ أَنْ يُطْلَقَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى. اهـ

    يبقى السؤالُ الذي يطرحُ نفسَه هو: هل هذه هي الأمانةُ العلميّةُ عند المعترضين...؟!
    إنّهم يقتطِفون مِنَ التفاسيرِ ما يشاؤون ولا يُظهرون للقارئِ إلا الشبهاتِ والافتراءاتِ...!

    ثالثًا: إنّ التفسيرَ الصحيحَ لهذه الآيةِ وهو ما أُدينُ به للهِ يكونُ مِنْ خلالِ فَهْمِ كلمةٍ واحدةٍ فقط هي:(لولا) أداةُ امتناعٍ لوجودٍ، أيْ: امتناعُ الجوابِ لوجودِ الشرطِ، فيكونُ الهَمُّ مُمتنعًا لوجودِ البرهان الذي ذكرَه اللهُ .

    وبالمثالِ يتّضح المقالُ؛ أقولُ: " شربتُ الشايَ لولا أنِ انْكسرَ الكوبُ ".
    فهل المعنى أنّي شربتُ الشايَ؟

    الجوابُ: لا؛ بلِ المعنى لولا أنِ انكسرَ الكوبُ لشربتُ الشايَ.

    مثالٌ آخرٌ: كنتُ أسيرُ في الطريقِ فوقعْتُ لولا أنْ ساندَني أحمدُ.
    فهلِ المعنى أنّي وقعْتُ على الطريقِ؟
    الجوابُ: لا؛ بلِ المعنى: لولا أنْ سنادَني أحمدُ لَوقعْتُ على الطريقِ.

    إذًا: هذا هو المقصودُ مِن قَولِه : وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ.
    أيْ: لولا أنْ رأى برهانَ ربِّه لهم بها...


    وعليه: فإنّ الآيةَ تنفى وقوعَ الهمِّ مِن يوسفَ أصلًا...
    فالآية كقولِه : إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا [ القصص 10 ] فما قبلَ { لَوْلاَ } دليلٌ الجوابُ؛ أيْ: لولا أنْ ربطْنا على قلبِها لكادَت تُبْدي به.
    وقد يُقبلُ التفسيرُ الذي يقولُ: همَّت هي بالطلبِ وهمَّ هو بالهربِ ودفعِها عنه...


    فإنّ قيلَ: ما هو البرهانُ الذي رآه يوسفُ ؟

    قلتُ: لم يردْ إلَيْنا ماهيّةُ البرهانِ في حديثٍ صحيحٍ قطّ؛ فلم تَتبقّى لنا إلا اجتهاداتٌ ذكرَها المفسّرون كما أسلفْتُ ذكرَها، وعليْه فإنّنا لا نستطيعُ أنْ نجزمَ في ما هو البرهانُ الذي رآه يوسفُ ...

    فإنّ قيلَ: إنّ هذا المؤلّفَ(أكرمَ بنَ حسنٍ) يُفسّرُ تفسيرًا من تلقاءِ نفسِه، لم يفسرْ به أحدٌ مِن قبلُ؟!
    قلتُ: إنّ التفسيرَ مشهورٌ في كتبِ التفاسيرِ، وفي كتبِ اللغةِ... أكتفي بما جاءَ في تفسيرِ الشنقيطي - رحمَه اللهُ - وذلك لمّا قال:

    وأمّا تأويلُهم همُّ يوسفَ بأنّه قاربَ الهمَّ ولم يهمّْ بالفعلِ، كقولِ العربِ: قَتَلْتُهُ لو لم أَخَفِ اللهَ، أيْ: قاربْتُ أنْ أقتُلَه، كما قاله الزمخشريُّ.
    وتأويلُ الهمِّ بأنّه همَّ بضربِها، أو همَّ بدفعِها عن نفسِه، فكلُّ ذلك غيرُ ظاهرٍ، بل بعيدٌ مِنَ الظاهرِ ولا دليلَ عليه.

    والجوابُ الثاني - وهو اختيارُ أبي حيّانٍ: أنّ يوسفَ لم يقعْ منه همٌّ أصلًا، بل هو مَنْفيٌّ عنه لوجودِ البرهانِ.
    قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.
    وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ : فَمَعْنَى الْآيَةِ ، وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ، أَيْ لَوْلَا أَنْ رَآهُ هَمَّ بِهَا ، فَمَا قَبْلَ لَوْلَا هُوَ دَلِيلُ الْجَوَابِ الْمَحْذُوفِ ، كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الْقُرْآنِ وَاللُّغَةِ .
    وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لولا أَن رَّبَطْنَا على قَلْبِهَا } [ القصص 10 ] ، فَمَا قَبْلَ لَوْلَا دَلِيلُ الْجَوَابِ ، أَيْ : لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لَكَادَتْ تُبْدِي بِهِ .
    وَاعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ أَجَازُوا تَقْدِيمَ جَوَابِ {لَوْلَا}، وَتَقْدِيمَ الْجَوَابِ فِي سَائِرِ الشُّرُوطِ ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ جَوَابُ {لَوْلَا} فِي قَوْلِهِ : {لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ}، هُوَ مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ : {وَهَمَّ بِهَا}.
    وَإِلَى جَوَازِ التَّقْدِيمِ الْمَذْكُورِ ذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ ، وَمِنْ أَعْلَامِ الْبَصْرِيِّينَ : أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ ، وَأَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ.
    وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ فِي " الْبَحْرِ الْمُحِيطِ " مَا نَصُّهُ : وَالَّذِي أَخْتَارُهُ أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ هَمٌّ بِهَا الْبَتَّةَ ، بَلْ هُوَ مَنْفِيٌّ لِوُجُودِ رُؤْيَةِ الْبُرْهَانِ ، كَمَا تَقُولُ : لَقَدْ قَارَفْتَ لَوْلَا أَنْ عَصَمَكَ اللَّهُ ، وَلَا نَقُولُ : إِنَّ جَوَابَ لَوْلَا مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ لَا يَقُومُ دَلِيلٌ عَلَى امْتِنَاعِ ذَلِكَ ، بَلْ صَرِيحُ أَدَوَاتِ الشُّرُوطِ الْعَامِلَةِ مُخْتَلَفٌ فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ أَجْوِبَتِهَا عَلَيْهَا ، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْكُوفِيُّونَ ، وَمِنْ أَعْلَامِ الْبَصْرِيِّينَ : أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ ، وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ .
    بَلْ نَقُولُ : إِنَّ جَوَابَ لَوْلَا مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ ، كَمَا يَقُولُ جُمْهُورُ الْبَصْرِيِّينَ فِي قَوْلِ الْعَرَبِ : أَنْتَ ظَالِمٌ إِنْ فَعَلْتَ . فَيُقَدِّرُونَهُ إِنْ فَعَلْتَ فَأَنْتَ ظَالِمٌ ، وَلَا يَدُلُّ قَوْلُهُ أَنْتَ ظَالِمٌ عَلَى ثُبُوتِ الظُّلْمِ ، بَلْ هُوَ مُثْبَتٌ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْفِعْلِ ، وَكَذَلِكَ هُنَا التَّقْدِيرُ : لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِهَا ، فَكَانَ وُجُودُ الْهَمِّ عَلَى تَقْدِيرِ انْتِفَاءِ رُؤْيَةِ الْبُرْهَانِ ، لَكِنَّهُ وَجَدَ رُؤْيَةَ الْبُرْهَانِ فَانْتَفَى الْهَمُّ ، وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى قَوْلِ الزَّجَّاجِ . وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ : وَلَهَمَّ بِهَا ، كَانَ بَعِيدًا ، فَكَيْفَ مَعَ سُقُوطِ اللَّامِ ؟ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ قَوْلَهُ : وَهَمَّ بِهَا هُوَ جَوَابُ لَوْلَا وَنَحْنُ لَمْ نَقُلْ بِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلُ الْجَوَابِ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ الْجَوَابِ فَاللَّامُ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ ، لِجَوَازِ أَنْ يَأْتِيَ جَوَابُ لَوْلَا إِذَا كَانَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي [ ص: 210 ] بِاللَّامِ ، وَبِغَيْرِ لَامٍ ، تَقُولُ : لَوْلَا زَيْدٌ لَأَكْرَمْتُكَ ، وَلَوْلَا زَيْدٌ أَكْرَمْتُكَ ، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ : هَمَّ بِهَا نَفْسُ الْجَوَابِ لَمْ يَبْعُدْ ، وَلَا الْتِفَاتَ لِقَوْلِ ابْنِ عَطِيَّةَ : إِنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ : إِنَّ الْكَلَامَ قَدْ تَمَّ فِي قَوْلِهِ : وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَإِنَّ جَوَابَ لَوْلَا فِي قَوْلِهِ : وَهَمَّ بِهَا وَإِنَّ الْمَعْنَى : لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِهَا ، فَلَمْ يَهِمَّ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
    قَالَ : وَهَذَا قَوْلٌ يَرُدُّهُ لِسَانُ الْعَرَبِ وَأَقْوَالُ السَّلَفِ اهـ .
    أَمَّا قَوْلُهُ : يَرُدُّهُ لِسَانُ الْعَرَبِ فَلَيْسَ كَمَا ذَكَرَ ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ بِوُجُودِهِ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ \ [ 28 \ 10 ] 30 فَقَوْلُهُ : إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ إِمَّا أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى أَنَّ الْجَوَابَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْقَائِلُ ، وَإِمَّا أَنْ يَتَخَرَّجَ عَلَى مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ دَلِيلُ الْجَوَابِ ، وَالتَّقْدِيرُ : لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لَكَادَتْ تُبْدِي بِهِ .
    وَأَمَّا أَقْوَالُ السَّلَفِ : فَنَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهَا أَقْوَالٌ مُتَكَاذِبَةٌ يُنَاقِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، مَعَ كَوْنِهَا قَادِحَةً فِي بَعْضِ فُسَّاقِ الْمُسْلِمِينَ فَضْلًا عَنِ الْمَقْطُوعِ لَهُمْ بِالْعِصْمَةِ . وَالَّذِي رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ لَا يُسَاعِدُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْعَرَبِ ; لِأَنَّهُمْ قَدَّرُوا جَوَابَ لَوْلَا مَحْذُوفًا وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَدِّرُوا الْهَمَّ بِهَا وَلَا يَدُلُ كَلَامُ الْعَرَبِ إِلَّا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ مِنْ مَعْنَى مَا قَبْلَ الشَّرْطِ ; لِأَنَّ مَا قَبْلَ الشَّرْطِ دَلِيلٌ عَلَيْهِ اهـ . مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْ كَلَامِ أَبِي حَيَّانَ بِلَفْظِهِ . وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ أَجْرَى الْأَقْوَالِ عَلَى لُغَةِ الْعَرَبِ ، وَإِنْ زَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خِلَافَ ذَلِكَ . فَبِهَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ تَعْلَمُ أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَرِيءٌ مِنَ الْوُقُوعِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي ، وَأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ أَصْلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْهَمَّ مُعَلَّقٌ بِأَدَاةِ الِامْتِنَاعِ الَّتِي هِيَ لَوْلَا عَلَى انْتِفَاءِ رُؤْيَةِ الْبُرْهَانِ ، وَقَدْ رَأَى الْبُرْهَانَ فَانْتَفَى الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ ، وَبِانْتِفَائِهِ يَنْتَفِي الْمُعَلَّقُ الَّذِي هُوَ هَمُّهُ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي كَلَامِ أَبِي حَيَّانَ .
    وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ هَمُّهُ خَاطِرًا قَلْبِيًّا صَرَفَ عَنْهُ وَازِعَ التَّقْوَى ، أَوْ هُوَ الشَّهْوَةُ وَالْمَيْلُ الْغَرِيزِيُّ الْمَزْمُومُ بِالتَّقْوَى كَمَا أَوْضَحْنَاهُ ، فَبِهَذَا يَتَّضِحُ لَكَ أَنَّ قَوْلَهُ : وَهَمَّ بِهَا لَا يُعَارِضُ مَا قَدَّمْنَا مِنَ الْآيَاتِ عَلَى بَرَاءَةِ يُوسُفَ مِنَ الْوُقُوعِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي ... اهـ


    رابعًا: بعد أنّ بيّنْتُ التفسيرَ الصحيحَ للآيةِ الكريمةِ جاءَ الدور لبيانِ أدلّةِ براءةِ يوسفَ مِن تهمةِ المعترضين الغاشمين... من هذه الأدلةِ ما يلي:

    1- شهادةُ ربِّنا عن يوسفَ لمّا قال : إنّه مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ(24) (يوسف).

    2- شهادةُ نبيِّنا r؛ ثبتَ في صحيحِ البخاريِّ كتاب(أحاديثِ الأنبياءِ) باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:(لَقَدْ كَانَ في يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ) برقمِ 3138 عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضيَ اللهُ عنهما - عنِ النَّبِيِّ r قَالَ:" الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمِ السَّلاَمُ – ".

    وتبقى أسئلةٌ تطرحُ نفسَها هي:

    1- كيف يقولُ اللهُ عن يوسفَ إنّه مِنْ عِبَادِنا المُخْلَصِينَ لشخصٍ أرادَ أنْ يزنيَ بامرأةٍ، ولم يمنعْه عنِ الزنا إلا صورةُ أبيه أو... فأين تقواهُ للهِ ، وأين الإخلاصُ له...؟!

    2- كيف يقولُ نبيُّنا r عنه: الكريمُ ابنُ الكريمِ ابنِ الكريمِ... بعدَ هذه الفِعْلةِ التي نُسِبَتْ إليه زورًا وبهتانا؟!

    تبَقَّت لنا أدلّةُ البراءةِ كاملةً أذكرُها نقلًا عن تفسيرِ الإمامِ الشنقيطي - رحمَه اللهُ- قال:
    الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ بَيَّنَ بَرَاءَتَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الْوُقُوعِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي حَيْثُ بَيَّنَ شَهَادَةَ كُلِّ مَنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَسْأَلَةِ بِبَرَاءَتِهِ ، وَشَهَادَةَ اللَّهِ لَهُ بِذَلِكَ وَاعْتِرَافَ إِبْلِيسَ بِهِ .
    أَمَّا الَّذِينَ لَهُمْ تَعَلُّقٌ بِتِلْكَ الْوَاقِعَةِ فَهُمْ : يُوسُفُ ، وَالْمَرْأَةُ ، وَزَوْجُهَا ، وَالنِّسْوَةُ ، [ ص: 206 ] وَالشُّهُودُ .
    أَمَّا جَزْمُ يُوسُفَ بِأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ فَذَكَرَهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ : هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي [ 12 \ 26 ] ، وَقَوْلِهِ : قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ .
    وَأَمَّا اعْتِرَافُ الْمَرْأَةِ بِذَلِكَ فَفِي قَوْلِهَا لِلنِّسْوَةِ : وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ [ 12 \ 32 ] ، وَقَوْلِهَا : الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [ 12 \ 51 ] .
    وَأَمَّا اعْتِرَافُ زَوْجِ الْمَرْأَةِ فَفِي قَوْلِهِ : قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ [ 12 \ 28 ، 29 ] .
    وَأَمَّا اعْتِرَافُ الشُّهُودِ بِذَلِكَ فَفِي قَوْلِهِ : وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ الْآيَةَ [ 12 \ 26 ] .
    وَأَمَّا شَهَادَةُ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا بِبَرَاءَتِهِ فَفِي قَوْلِهِ : كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [ 12 \ 24 ] .
    قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي " تَفْسِيرِهِ " : قَدْ شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى طَهَارَتِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ :
    أَوَّلُهَا : لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ ، وَاللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ .
    وَالثَّانِي قَوْلُهُ : وَالْفَحْشَاءَ ، أَيْ : وَكَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ الْفَحْشَاءَ .
    وَالثَّالِثُ قَوْلُهُ : إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ، مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [ 25 \ 63 ] .
    وَالرَّابِعُ قَوْلُهُ : الْمُخْلَصِينَ ، وَفِيهِ قِرَاءَتَانِ : قِرَاءَةٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ ، وَأُخْرَى بِاسْمِ الْمَفْعُولِ .
    فَوُرُودُهُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ آتِيًا بِالطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ مَعَ صِفَةِ الْإِخْلَاصِ .
    وَوُرُودُهُ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَخْلَصَهُ لِنَفْسِهِ ، وَاصْطَفَاهُ لِحَضْرَتِهِ .
    وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ : فَإِنَّهُ مِنْ أَدَلِّ الْأَلْفَاظِ عَلَى كَوْنِهِ مُنَزَّهًا عَمَّا أَضَافُوهُ إِلَيْهِ . اهـ مِنْ تَفْسِيرِ الرَّازِيِّ.
    وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [ 12 \ 23 ] .
    [ ص: 207 ] وَأَمَّا إِقْرَارُ إِبْلِيسَ بِطَهَارَةِ يُوسُفَ وَنَزَاهَتِهِ فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى : قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ 38 \ 82 ، 83 ] ، فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إِغْوَاءُ الْمُخْلَصِينَ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ يُوسُفَ مِنَ الْمُخْلَصِينَ ، كَمَا صَرَّحَ تَعَالَى بِهِ فِي قَوْلِهِ : إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ، فَظَهَرَتْ دَلَالَةُ الْقُرْآنِ مِنْ جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي .
    وَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا نَصُّهُ : وَعِنْدَ هَذَا نَقُولُ : هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ الَّذِينَ نَسَبُوا إِلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذِهِ الْفَضِيحَةَ ، إِنْ كَانُوا مِنْ أَتْبَاعِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَلْيَقْبَلُوا شَهَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَهَارَتِهِ ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَتْبَاعِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ فَلْيَقْبَلُوا شَهَادَةَ إِبْلِيسَ عَلَى طَهَارَتِهِ ، وَلَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ : كُنَّا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ تَلَامِذَةَ إِبْلِيسَ ، إِلَى أَنْ تَخَرَّجْنَا عَلَيْهِ فَزِدْنَا فِي السَّفَاهَةِ عَلَيْهِ ، كَمَا قَالَ الْخَوَارِزْمِيُّ :

    وَكُنْتُ امْرَأً مِنْ جُنْدِ إِبْلِيسَ فَارْتَقَى ... بِي الدَّهْرُ حَتَّى صَارَ إِبْلِيسُ مِنْ جُنْدِي
    فَلَـوْ مَاتَ قَبْلِي كُنْتُ أُحْـسِنُ بَعـْدَهُ ... طَـرَائِقَ فِسـْقٍ لَيـْسَ يُحْسِنُهَا بَــعْـدِي
    فَثَبَتَ بِهَذِهِ الدَّلَائِلِ : أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَرِيءٌ مِمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ. اهـ كَلَامُ الرَّازِيِّ .
    وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ الْأَدَبِ مَعَ مَنْ قَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَعُلَمَاءِ السَّلَفِ الصَّالِحِ ، وَعُذْرُ الرَّازِيِّ فِي ذَلِكَ هُوَ اعْتِقَادُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ. اهـ

    خامسًا: إنّ القارئَ للكتابِ المقدّسِ يجدُه قد ذكرَ تلك الواقعةَ بصورةٍ جيّدةٍ تتّفقُ مع القرآنِ الكريمِ، وتُبرّئُ نبيَّ اللهِ يوسفَ ممّا نُسِب إليه؛ فقد ذكرَ أنّ المرأةَ همَّت للطلَبِ وهمَّ هو بالهربِ ودفعَها عنه...
    جاءَت القصّةُ في سفرِ التكوينِ أفضلَ بكثيرٍ مِن أقوالٍ كثيرةٍ سبقَ ذكرُها؛ جاءَ ذلك في سفرِ التكوينِ إصحاح 39 عدد 7 " وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ امْرَأَةَ سَيِّدِهِ رَفَعَتْ عَيْنَيْهَا إِلَى يُوسُفَ وَقَالَتِ: «اضْطَجعْ مَعِي». 8فَأَبَى وَقَالَ لامْرَأَةِ سَيِّدِهِ: «هُوَذَا سَيِّدِي لاَ يَعْرِفُ مَعِي مَا فِي الْبَيْتِ، وَكُلُّ مَا لَهُ قَدْ دَفَعَهُ إِلَى يَدِي. 9لَيْسَ هُوَ فِي هذَا الْبَيْتِ أَعْظَمَ مِنِّي. وَلَمْ يُمْسِكْ عَنِّي شَيْئًا غَيْرَكِ، لأَنَّكِ امْرَأَتُهُ. فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إلى اللهِ؟». 10وَكَانَ إِذْ كَلَّمَتْ يُوسُفَ يَوْمًا فَيَوْمًا أنّه لَمْ يَسْمَعْ لَهَا أنْ يضْطَجعَ بِجَانِبِهَا لِيَكُونَ مَعَهَا. 11ثُمَّ حَدَثَ نَحْوَ هذَا الْوَقْتِ أنّه دَخَلَ الْبَيْتَ لِيَعْمَلَ عَمَلَهُ، وَلم يكنْ إِنْسَانٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ هُنَاكَ فِي الْبَيْتِ. 12فَأَمْسَكَتْهُ بِثَوْبِهِ قَائِلَةً: «اضْطَجعْ مَعِي!». فَتَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ وَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ. 13وَكَانَ لَمَّا رَأَتْ أنّه تَرَكَ ثَوْبَهُ فِي يَدِهَا وَهَرَبَ إِلَى خَارِجٍ، 14أنّها نَادَتْ أَهْلَ بَيْتِهَا، وَكَلَّمَتهُمْ قَائِلةً: «انْظُرُوا! قَدْ جاءَ إِلَيْنَا بِرَجُل عِبْرَانِيٍّ لِيُدَاعِبَنَا! دَخَلَ إِلَيَّ لِيَضْطَجعَ مَعِي، فَصَرَخْتُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ. 15وَكَانَ لَمَّا سَمِعَ أنّي رَفَعْتُ صَوْتِي وَصَرَخْتُ، أنّه تَرَكَ ثَوْبَهُ بِجَانِبِي وَهَرَبَ وَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ».16فَوَضَعَتْ ثَوْبَهُ بِجَانِبِهَا حَتَّى جاءَ سَيِّدُهُ إِلَى بَيْتِهِ. 17فَكَلَّمَتْهُ بِمِثْلِ هذَا الْكَلاَمِ قَائِلَةً: «دَخَلَ إِلَيَّ الْعَبْدُ الْعِبْرَانِيُّ الَّذِي جِئْتَ بِهِ إِلَيْنَا لِيُدَاعِبَنِي. 18وَكَانَ لَمَّا رَفَعْتُ صَوْتِي وَصَرَخْتُ، أنّه تَرَكَ ثَوْبَهُ بِجَانِبِي وَهَرَبَ إِلَى خَارِجٍ»".

    كما أنّ المتأمّلَ في الكتابِ المقدّسِ يجدُه قد ذكرَ نبيَّ الله يوسفَ في أكملِ صورةٍ، ولم يُنسبْ له أفعالًا مشينةً كما نُسِبَت لأغلبِ أنبياءِ الكتابِ المقدّسِ مِن زنا، وقتلٍ، وكذبٍ...
    غيرَ أنّني وجدْتُ نصًّا في سفرِ التكوينِ يُنسبُ لنبيٍّ اللهِ يوسفَ أنّه حلفَ بغيرِ اللهِ ؛ حلفَ بحياةِ فرعونَ !

    واتسآءلُ: كيف لنبيٍّ مِن عندِ اللهِ أنْ يحلفَ بغيرِ اللهِ ، وقد نهى المسيحُ عن هذا الحلفِ؟
    جاءَ ذلك في سفرِ التكوينِ إصحاح عدد 14" فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: «ذلِكَ مَا كَلَّمْتُكُمْ بِهِ قَائِلًا: جَوَاسِيسُ أَنْتُمْ! 15بِهذَا تُمْتَحَنُونَ. وَحَيَاةِ فِرْعَوْنَ لاَ تَخْرُجُونَ مِنْ هُنَا إِلاَّ بِمَجِيءِ أَخِيكُمُ الصَّغِيرِ إِلَى هُنَا. 16أَرْسِلُوا مِنْكُمْ وَاحِدًا لِيَجِيءَ بِأَخِيكُمْ، وَأَنْتُمْ تُحْبَسُونَ، فَيُمْتَحَنَ كَلاَمُكُمْ هَلْ عِنْدَكُمْ صِدْقٌ. وَإِلاَّ فَوَحَيَاةِ فِرْعَوْنَ إِنَّكُمْ لَجَوَاسِيسُ!" ".
    وأمّا عن نهيِ يسوعَ المسيحِ فلقد جاءَ في إنجيلِ متّى إصحاح 5 عدد 33 " أَيْضًا سَمِعْتُمْ أنّه قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَحْنَثْ، بَلْ أَوْفِ لِلرَّبِّ أَقْسَامَكَ. 34وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَحْلِفُوا الْبَتَّةَ، لاَ بِالسَّمَاءِ لأنّها كُرْسِيُّ اللهِ، 35وَلاَ بِالأَرْضِ لأنّها مَوْطِئُ قَدَمَيْهِ، وَلاَ بِأُورُشَلِيمَ لأنّها مَدِينَةُ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ. 36وَلاَ تَحْلِفْ بِرَأْسِكَ، لأَنَّكَ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ شَعْرَةً وَاحِدَةً بَيْضَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ. 37بَلْ لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ: نَعَمْ نَعَمْ، لاَ لاَ. وَمَا زَادَ عَلَى ذلِكَ فَهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ".

    قد يُقال: إنّ الحلفَ كان جائزًا في العهدِ القديمِ.
    قلتُ: لم يكنِ الحلفُ جائزًا؛ فقد جاءَ في سفرِ هوشعَ إصحاح 4 عدد 15" إِنْ كُنْتَ أَنْتَ زَانِيًا يَا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَأْثَمُ يَهُوذَا. وَلاَ تَأْتُوا إِلَى الْجِلْجَالِ وَلاَ تَصْعَدُوا إِلَى بَيْتِ آوَنَ وَلاَ تَحْلِفُوا: حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ ".

    كتبه / أكرم حسن مرسي






    إلغاء إعجابي





  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    1,986
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    ذكر
    آخر نشاط
    06-05-2024
    على الساعة
    03:46 PM

    افتراضي

    جزاكم الله خيرا أيها الأخ الكريم
    ولكن
    من وجهة نظري
    هذا الموضوع لا يستحق مثل هذا الجهد لأن الآية الكريمة واضحة وضوح الشمس وتنفي عنه الهم

    ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)

    هي همت به بكل تأكيد
    أما هو فلم يهم بها
    قطعا فقد صرف الله عنه السوء والفحشاء
    فالآية الكريمة فيها التقديم والتأخير وهذا من بلاغة القرآن وعظمته
    أي
    لولا أنه رأى برهان ربه لهم بها كما أن نهاية الآية تأكد ذلك
    فما رآه من برهان كان مانعا له من الهم بها
    أما ما جاء على لسان إبن عباس فلا يعول عليه فقد كثر الإفتراء عليه
    رضي الله عنه
    وكل عام وأنتم بخير



    التعديل الأخير تم بواسطة ابو طارق ; 21-07-2014 الساعة 03:55 PM

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2013
    المشاركات
    626
    الدين
    الإسلام
    آخر نشاط
    31-08-2024
    على الساعة
    02:47 PM

هل همَّ يوسفُ بزوجةِ العزيزِ؟!

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

هل همَّ يوسفُ بزوجةِ العزيزِ؟!

هل همَّ يوسفُ بزوجةِ العزيزِ؟!