الـعـقـيـدة .. والشـريـعـة .. والـمـجـتمــع

آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


مـواقـع شـقــيـقـة
شبكة الفرقان الإسلامية شبكة سبيل الإسلام شبكة كلمة سواء الدعوية منتديات حراس العقيدة
البشارة الإسلامية منتديات طريق الإيمان منتدى التوحيد مكتبة المهتدون
موقع الشيخ احمد ديدات تليفزيون الحقيقة شبكة برسوميات شبكة المسيح كلمة الله
غرفة الحوار الإسلامي المسيحي مكافح الشبهات شبكة الحقيقة الإسلامية موقع بشارة المسيح
شبكة البهائية فى الميزان شبكة الأحمدية فى الميزان مركز براهين شبكة ضد الإلحاد

يرجى عدم تناول موضوعات سياسية حتى لا تتعرض العضوية للحظر

 

       

         

 

 

 

    

 

الـعـقـيـدة .. والشـريـعـة .. والـمـجـتمــع

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الـعـقـيـدة .. والشـريـعـة .. والـمـجـتمــع

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,738
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    08-09-2024
    على الساعة
    03:34 PM

    افتراضي الـعـقـيـدة .. والشـريـعـة .. والـمـجـتمــع

    بسم الله الرحمن الرحيم

    ( 1 )

    فضلاً عن أن الإسلام ، مارس أدقّ هندسة وأحكمها، لتحقيق الوفاق بين الإنسان وذاته، وبينه، وبين المجتمع، والعالم، والكون، فإنه جعل كل موقف، يستند إلى أكثر من خط، أو ضمان، لكي يتحقق، ويتأكد، ويتمكن، من الاستمرار لصالح الإنسان.

    إنه - ابتداءً - يعتمد خطين أساسين: الذات، والموضوع، فيغذّي الخط الأول بالتوجيه، ويتعامل مع الخط الثاني بالتشريع.. يمنح الخط الأول عمقًا عقيديًّا، ويمنح الخط الثاني، شبكة من المعطيات التشريعية. ثم هو فضلاً عن هذا وذاك، يعيد صياغة البيئة العامة، والعلاقات الاجتماعية، بما يعين على أداء المهمة، ويمنح الممارسة المطلوبة، المزيد من الضمانات.

    لكأننا إزاء مثلث، أحكمت أضلاعه، تتعاضد فيه، وتتكامل أطراف المساحة كافة، ما بين الفردي، والجماعي، والتنظيمي، لكي تؤدي جميعًا مهمتها في تيسير الحياة، على هدي الإسلام ، وتمكينها من مجابهة المعضلات والتحديات، بأكبر قدر من التماسك والمرونة في الوقت نفسه.

    وعبر عصر الرسالة، شهدت عملية بناء الحياة الإسلامية ، مرحلتين أساسيتين، تمثلت أولاهما، بالعصر المكي، وتمثلت أخراهما بالعصر المدني. ففي العصر الأول الذي استغرق زهاء الثلاثة عشر عامًا، كان الجهد، ينصب على بناء الإنسان، المسلم بالعقيدة، وتوجيهه وفق مطالبها ومفرداتها.. بينما مضى الجهد في العصر المدني، الذي استغرق زهاء السنوات العشر، إلى بناء المجتمع والدولة، بالتشريع، مع استمرار الخط الأول، لكي ما يلبث البنيان، أن ينهض قائمًا، واضحًا، متميزًا، متماسكًا، قديرًا على الاستمرار، بتجذّره في العقيدة، وتلقيه تشريعات السماء، وشروح وإضافات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .

    ومع البنيان العقيدي، والتشريعي، كانت تجري عملية بناء اجتماعي شامل، أو بعبارة أدق: عملية تشكيل جديد، للبيئة العامة، التي تحميها الدولة، ويتحرك فيها الإنسان المسلم.

    ولقد انعكس هذا التركيب الثلاثي، على جل الممارسات الحيوية في الحياة الإسلامية، بحيث إن أية ممارسة، كانت تجد ضماناتها، ومقوماتها، في السياقات الثلاثة، الأمر الذي يجعلها قديرة، على التحقق بأكبر قدر من "الإسلامية"، و "التوازن"، و "العطاء".

    إن البعد التوجيهي، يجذّر الممارسة في المنظور العقيدي، ويربطها بالله سبحانه، الأمر الذي يمنحها قدرة أشدّ، على الديمومة والفاعلية، في إطار الإسلامية. ذلك أن أية مخالفة عنها، أي ميل، أو تزوير في تفاصيلها، وجزئياتها، سيؤول إلى غضب الله سبحانه، وإلى عقابه، الذي يخشاه المسلم الجاد.. وفي المقابل، فإن التزام مطالبها، والتحقق بها، والإحسان في تنفيذها، سيؤول إلى رضى الله، الذي يطمح إليه المؤمن الجاد، كهدف عزيز، لكل ما يقوم به، وينفّذه في واقع الحياة..

    والبعد التشريعي ينظم الممارسة، ويضع ضوابطها، ويرسم مسالكها، بالعلم الإلهي، الذي لا يخفى عليه شيء، في الأرض ولا في السماء، والذي تجيء معطياته التنظيمية، وهي تنطوي على كل إيجابيات الجهد التشريعي، توازنًا، وتكاملاً، ومرونة، ودقة، وإحكامًا، وانسجامًا مع مطالب الإنسان، وتوافقًا مع السنن والنواميس.

    والبعد الاجتماعي، يتكفل بتهيئة البيئة، أو المناخ المناسب، للممارسة بأكبر قدر من الإسلامية ، عن طريق رسم وتصميم العلاقات الموزونة المرنة، بين كافة أطراف الحياة الاجتماعية، وسائر مفرداتها ومقوماتها.

    بعد ذلك سيجد المسلم نفسه، يتحرك لأداء هذه الممارسة، أو تلك، والتعامل مع مطالبها، وقد تهيأت له كافة الضمانات، والدفوع والروادع والقدرات والمحفزات، ما بين توجيه بقوة العقيدة، المتجذرة في الأعماق، وتنظيم، بقوة التشريع القادم من السماء، وتيسير للبيئة، أو المناخ العام، الذي يجعل الممارسة أكثر قدرة على التحقق في واقع الحياة اليومية، دون أن تفقد شيئًا من مطالبها الإيمانية، أو نبضها الإسلامي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,738
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    08-09-2024
    على الساعة
    03:34 PM

    افتراضي

    ( 2 )

    إذا ضربنا مثلاً بالمطالب الحيوية الأساسية للإنسان: الجنس، والطعام، والملبس، والمسكن.. فإننا سنجد بوضوح، كيف تتعاضد هذه الأبعاد الثلاثة، وتتناسق، وتعمل مجتمعة، من أجل التحقق بأكبر قدر من المقاربة، للمطالب الإسلامية.

    في التجربة الجنسية، يشكل الإسلام منظوره المتميز، منطلقًا من رؤيته الإيمانية الشاملة، التي تنفسح آفاقها، لكي تتجاوز الضرورة، بعد تطمينها، إلى ما وراءها، حيث يصير الإنسان ، قديرًا بقوة الإيمان، على التعفف والاستعلاء، على المقاومة، ورفض الالتصاق بالأرض، وعلى تصعيد التجربة إلى مستويات عليا.. وهو يربط هذه المقاومة الصعبة.. هذا التجاوز لشدّ الضرورات.. هذا التعفف الذي يتحصن به المؤمن، عندما تقفل أمام حاجته الأبواب المشروعة.. هذه القدرة العجيبة على التصعيد والتحويل.. يربط هذا كله بتقوى الله، ويمنحه بعدًا عقيديًّا، يتجذر هناك في الثواب والعقاب.

    إنها قوة التوجيه، التي يملكها هذا الدين، والتي تضع أتباعه في حالة تطوّع، غير قسري، لمقاومة إغراءات السقوط، أو الاندفاع في المزالق.. أو - حتى - وضع الخطوات الأولى، على أعتاب الاستجابة الخاطئة.

    والذي يمنح هذا التوجيه قدرته على الفاعلية، ذلك الارتباط الوثيق، الذي ألمحنا إليه بين الممارسة والعقيدة.. ذلك التجذر بالتقوى، والإحسان، وهما محطتان معروفتان جيدًا، لكل مؤمن جاد، يتوخى رضا الله، ويتقي غضبه، ما وسعه الجهد، وما أعانته القدرة، في طبقاتها جميعًا.

    ويعين التوجيه - كذلك - ويحضه، ويمنحه القدرة على الفعل، والتجاوز والتصعيد، خطان آخران من الضمان، هما التشريع، والمناخ العام. ففي أولهما ترتب الأولويات، وتحدد المفردات، وترسم خطوات التنفيذ، ويمنح التعامل مع التجربة، أكبر قدر من التنظيم، والضبط، والمرونة.. فلا إفراط، ولا تفريط، وإنما هو الحد الوسط، الذي يلبي مطالب الحاجة، دونما أي قدر من الكبت، والقسر، ولكنه لا يدعها تنفلت، وتتسيب، بأية صيغة من الصيغ، التي تذهب بالطاقة، الجنسية هدرًا، وتزيد التفكك العام، الذي يلحق بالمجتمع صنوفًا من السوء، فكأننا والحالة هذه، إزاء حماية للطاقة الفردية، والاجتماعية، على السواء، وإزاء تصريف للطاقة الجنسية، في قنواتها الطبيعية المحددة، دونما زيادة أو نقصان.

    وكلنا يعرف الكبت المدمر، الذي مارسته النصرانية المحرفة، وعدد من الأديان الأخرى، تجاه هذه المسألة، ويعرف كذلك، "الميل العظيم"، الذي نفّذته الوضعيات الجانحة، وأرباب الأهواء والشهوات.. وفي كلتا الحالتين كان الإنسان يضيع، ويضيع أيضًا المجتمع على مداه، بما يلحق بالطرفين من دمار نفسي، وجسدي، وفكري، وبالتالي من شلل، أو عجز في الفاعلية الحضارية، يكون مصيرها الضمور، والتدهور، والسقوط.

    إن التشريع الإسلامي للمسألة الجنسية، يقف عند نقطة التوازن، لا ينحرف ولا يتفلّت ولا يميل.. لا يكبت ولا يهدر.. وهو يلاحق كل حالة، ويعالج كل مفردة، دون أن يغفل، أن ينسى، واحدة منها، مهما ضؤلت. إن تشريعات الزواج، والطلاق، والتعدد، وتنظيم الأسرة.. إلى آخره.. تلك التي لقيت من قبل الخصوم، من أصحاب المصالح والأهواء، نقدًا وهجومًا، استمرا فترات متطاولة من الزمن، ونعق بها الناعقون، من عبيد الحضارة الغربية، في الشرق الإسلامي، هذه التشريعات، ما لبثت بمرور الوقت، وضغوط التجربة البشرية، وتراكم الخبرة، أن أثبتت مصداقيتها، وتفردها في مجابهة المعضلات، قبالة كل صنوف الفشل والإحباط، التي آلت إليها التشريعات الوضعية، والدينية المحرفة. واليوم نسمع من الغربيين أنفسهم، من مفكريهم، ومشرعيهم، والمعنيين بقضاياهم الاجتماعية، أن التشريع الإسلامي، لقضايا الجنس، والمرأة، والأسرة، والطفولة.. هو وحده التشريع القدير على الديمومة، لأنه -وحده- الذي يناسب حجم التجربة، ويستجيب - بإعجاز باهر موزون- لمطالب الإنسان!

    وثمة خط الضمان الثالث، الذي يحمي الطاقة الجنسية من الكبت والدمار، أو التبدد، والهدر، والضياع، ويعيق الخطين السابقين، على أداء المهمة، بأكبر قدر من التوازن، والنظافة، والإشباع.

    إنه "البيئة" أو "المناخ العام" الذي يشكله الإسلام، عبر نسيج الحياة الاجتماعية، حيث تجتث كل صنوف الإثارة والإغراء، وتقفل كل المسالك والأبواب، إلى ظلمات الخطيئة، وسراديب الانحراف، وحيث تصير الوقاية، قاعدة الحياة اليومية، وحيث تسود العلاقات الاجتماعية، بين سائر الأطراف، مفردات العفّة، والتطهر، والنظافة، والاعتدال، وحيث يتشكل، ما يمكن تسميته بالذوق العام، الذي يمارس نوعًا من الرقابة العفوية، والاحتقار الجماعي، لكل انحراف، مهما دق وخفي.. ودونما همز ولمز، و دونما فضح، وتشهير، أو تجاوز لأمن الآخرين وحرياتهم.. ويكافئ، في مقابل هذا وذاك، وبعفوية أيضًا، كل المتطهرين، الذين يتجاوزون الدنس، ويعينون من هم أقل منهم قدرة على الاجتياز..
    إنه المناخ النظيف، الذي لا يؤزّم، ولا يدفع إلى حافات الانهيار والسقوط، والذي يعين المسلم، على اجتياز رحلة الحياة اليومية، بأقل قدر ممكن من الإثارة والاحتكاك، والاحتراق، وبأكبر قدر ممكن، من الحث على التعفف، والتجاوز والتصعيد.

    إن العلاقات العامة، والأنشطة الوظيفية، والممارسات التربوية والتعليمية، والمعطيات الإعلامية، ومفردات الحياة البيتية، تساهم جميعًا في تشكيل هذا المناخ العام، وحمايته، وتصعيده، من أجل تمكين الإنسان المسلم، من التحقق بأقصى درجات الطهر، والاعتدال. وإننا بمجرد أن نتذكر ما الذي يجري اليوم في شوارعنا، ومؤسساتنا، ودوائرنا، وممارساتنا التعليمية، وأنشطتنا الإعلامية، بل في بيوتنا، وأزقتنا، وأحيائنا، بسبب من ثأثرنا، وإعجابنا، وتبعيتنا للحياة الغربية المنحلة، من إثارة متجددة، لحوافز الجنس، تتميز بالحدة والامتداد ، إلى كل خلايا الحياة الاجتماعية، وما يترتب على هذا ، من تلف في أعصاب المسلمين، الذين يتأبّون على الانجراف، ومن دمار، وتفكك، لأولئك الذين تكتسحهم الموجة.. والخسارة البالغة للحياة والمستقبل الإسلامي، في كلتا الحالتين.. ونقارن هذا كله بالمناخ العام، للمجتمع الإسلامي الملتزم.. المناخ المتعفف، المتطهر، النظيف، أدركنا، بما تكاد الأيدي، أن تلمسه، كيف تصير ضمانات هذا المناخ في الحياة الإسلامية، فرصة فريدة، لكي يجتاز الإنسان المسلم، رحلته اليومية متوازنًا، مطمئنًا، سعيدًا.. قديرًا على الفعل والإنجاز، غير مشتت ولا معقد، ولا متمزق ولا مكبوت.

    ومرة أخرى، فإن الإسلام بتعامله الثلاثي هذا، مع المسألة الجنسية، أو أي من المطالب الحيوية: توجيهًا، وتشريعًا، وعلاقات عامة، إنما يضع المسألة في مكانها الصحيح تمامًا، ويمكن الإنسان من التعامل معها، بحجمها تمامًا، دونما إفراط أو تفريط.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2008
    المشاركات
    11,738
    الدين
    الإسلام
    الجنس
    أنثى
    آخر نشاط
    08-09-2024
    على الساعة
    03:34 PM

    افتراضي

    ( 3 )

    ولنا الآن أن نؤشر على المسألة الحيوية الأخرى: الطعام، والمسكن، والملبس بالإيجاز، الذي تتطلبه صفحات كهذه.

    إن ضمانات التوجيه الأساسية، تنبثق ها هنا أيضًا من المنظور الرؤيوي للإسلام، وتتجذّر في العقيدة.. في أوامر قادمة من عند الله.. في الحلال والحرام، والمباح، والمندوب، والمكروه..

    لقد أريد للحياة البشرية ها هنا أيضًا، أن تتجاوز شفافية الملائكة الأطهار، وانكباب السوائم على الطعام، والتصاقها بعفن الأرض ولزوجته.. إنه الحدّ الوسط، الذي يليق بكرامة الإنسان، ويستجيب في الوقت نفسه، لمطلبه الأساس هذا، في الإشباع والسكن، وأن التوجيه الإسلامي ، بصيغته المتوازنة هذه ليتأكد في حشود، يصعب حصرها من الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، وإننا بمجرد أن نتابع مفردات، تتعلق بالمسألة، كالحلال، والحرام، والزينة، والإسراف، والمتاع، والطعام، والشراب، والطيّبات، والنعم.. إلى آخره، فإننا سنجد، كيف أن كتاب الله سبحانه، وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم ، ما انفكا يذكّران المسلم، لحظة بعد أخرى، بهذا التوجيه الأساس، وهو يتعامل مع المسكن، والملبس، والطعام.

    لا إفراط ولا تفريط، ها هنا أيضًا.. لا تزهّد، يجافي الضرورات الحيوية، ولا إسراف، يبلغ حد البذر، والهدر، والكبر، والخيلاء.. لا كبت، أو قسر، ولا تسيب، أو انفلات..

    إن هذا التوجيه، يحمي الحياة الإسلامية، من أي ميل باتجاه اثنتين، طالما تناوشتا الجماعات الأخرى: الانسحاب من الحياة، أو الإقبال النهم، على متاعها، كما تفعل البهائم والأنعام. وبقدر ما يمنع توجيه كهذا، من الانحدار، باتجاه المتعة الصرفة، أو الإشباع المسرف، الخالي من أي ضابط، أو منظم، والمجافي لكل مطالب الاعتدال، فإنه يمنح المسلم في الوقت نفسه، ضمانات مؤكدة، باتجاه الإشباع الذي لا يصير في المنظور الإسلامي إثمًا، أو خطيئة أو حرامًا، وإنما حقًا مباحًا مشروعًا، بل هو - فوق هذا - ممارسة إيمانية تمنح صاحبها - إذا أحسن التعامل معها - أجرًا مضافًا.

    أكثر من هذا، أننا نجد، كيف أن الحلال، هو القاعدة في هذا الدين، وكيف أن الحرام هو الاستثناء، ونجد كذلك كيف شنّ القرآن الكريم، حملة في غاية الشدّة، والسخرية، من الكهنة،والوضّاعين، ومحرّفي الأديان، اليهود والنصارى وغيرهم، بسبب من تحريمهم ما أحل الله، وكيف، أن هذا الدين، جاء لكي يحرر الإنسان من الكوابت، ويمنحه الإشباع المطلوب، ويضع عنه إصره، والأغلال التي كانت عليه: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويُحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم )(الأعراف:157)، (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نُفصل الآيات لقومٍ يعلمون )(الأعراف:32) (كل الطعام كان حلاًّ لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين )(آل عمران:93)، (قل لا أجد في ما أُوحى إلي مُحرَمًا على طاعمٍ يطعمه إلا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزير فإنه رجسٌ أو فِسقًا أُهِلَّ لغير الله به فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فإن ربك غفور رحيم )(الأنعام:145).

    بل إن التوجيه الإسلامي، يمضي إلى أبعد من هذا، فيعتبر الإشباع، مطلبًا يكاد يبلغ حد القدسية، ويحض المسلم على أن يرفع سيفه - إذا اقتضى الأمر - فيقاتل من أجله.

    وكلنا يذكر مقولات الإمام علي رضي الله عنه بهذا المعنى، ويذكر مقولتي عمر رضي الله عنه ، اللتين يحذر فيهما من الإفقار والتجويع: (لا تجيعوهم فتكفروهم).. و(كاد الفقر أن يكون كفرًا).ومع التوجيه، وبموازاته، يجيء خط الضمان الثاني: التشريع، لكي يرسم ويخطط، ويقنن، ويوزع المفردات، على هذه المساحة، أو تلك، ويمنح السلطة أو الدولة، ومؤسساتهما، صلاحية تنفيذ هذا كله، في نسيج الحياة الاجتماعية، من أجل التحقق، بأكبر قدر من الإشباع.

    إن تعاليم مفردات تشريعية، كالزكاة، والأعطيات، والصدقات.. ورعاية مال اليتامى، والأرامل، والقاصرين.. وحماية المال العام، من كل يد تمتد إليه بسوء.. والحجر على أموال السفهاء.. وتنظيم حقوق سائر الأطراف، المشاركة في بنيان الأسرة.. وإن مبادئ فقهية، كالمصالح المرسلة، وسد الذرائع.. فضلاً عن سوابق الخلفاء الراشدين (رضي الله عنهم)، وغيرهم ممن اتبعهم بإحسان، وبخاصة (عمر بن عبد العزيز)، و (نور الدين محمود).. وقبل هذا وذاك: ذلك الحشد من التعاليم القيمة، التي انطوت عليها سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في سياق المسألة الاجتماعية، لتعبر - مجتمعة - عن غنى هذا الخط التشريعي، في الإسلام، وخصبه، وقدرته على العطاء، من أجل تحقيق الضمان المطلوب، لكل العراة، والجوعى، والذين لا يجدون، ما يأوون إليه .

    ولقد تميز هذا الخط التشريعي، بقدر كبير من المرونة، من أجل تحقيق أكبر نسبة من مفردات العدل الاجتماعي، ومن أجل أن يتلاءم في روحه وجوهره، مع مطالب هذا العدل.

    والوقائع كثيرة، والأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى، ويكفي ، أن نحيل القارئ إلى بعض التجارب التي شهدها التاريخ الإسلامي، بدءًا من عصر الرسالة، ومرورًا بالقرون التالية، متمثلة في تجارب أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وعمر بن عبد العزيز، ونور الدين محمود، بن عماد الدين زنكي، لكي يلمس مرونة التشريع الإسلامي، في مسألة المطالب الأساسية، وجوهره الأصيل، الذي يستهدف إشباع الحاجات الأساسية للإنسان.

    ويكفي أن نتذكر هنا - كذلك، ومن بين حشود الشواهد - تلك الرواية التي تحكي، كيف أن غلمانًا لابن حاطب بن أبي بلتعة، سرقوا ناقة لرجل من مزينة، فأتى بهم عمر (رضي الله عنه ) فأقروا، فأمر كثير بن الصلت، بقطع أيديهم، فلما ولى ردّه. ثم قال: أما والله، لو لا أني أعلم أنكم تستعملونهم، وتجيعونهم، حتى أن أحدهم، لو أكل ما حرم الله عليه لحل له، لقطعت أيديهم. ثم وجه القول، لابن حاطب بن أبي بلتعة، قائلاً: وأيمن الله، إذ لم أفعل ذلك، لأغر منك غرامة توجعك! ثم قال: يا مزني، بكم أريدت منك ناقتك؟ قال: بأربعمائة. قال عمر لابن حاطب: اذهب فأعطه ثمانمائة!

    وثمة -أخيرًا- خط الضمان الثالث، متمثلاً بالمناخ العام، الذي يشكله الإسلام، فيمنح الحياة الإسلامية، وسطيتها، واعتدالها، وإشباعها في الوقت نفسه. فها هنا أيضًا، نجد أنفسنا، قبالة حياة اجتماعية، يسودها إحساس شامل باحتقار التبذير والإسراف. بالاستعلاء على البطر، والكبر، والخيلاء، وباحترام التعفف والاعتدال، في المأكل، والمسكن، والملبس.. ها هنا أيضًا، نجد عزلاً اجتماعيًا لكل قادر، على أن يعطي، فيمتنع، أنانية وشحًّا.. وقبولاً اجتماعيًا، لكل من يلاحق العري، والجوع، والتسكع، لكي يعين على الستر، والإشباع، والإيواء. ها هنا أيضًا نجد حالة من التكافل الاجتماعي، يلتقي عليها المؤمنون كافة، لكي لا يبيت أحدهم شبعانًا، وجاره جائع، آمنًا وجاره خائف، متدثرًا، وجاره يتآكله العري والبرد.

    لقد ضربت المجتمعات الإسلامية، على ما تضمنته من أخطاء وتجاوزات على مطالب الإسلام، أكثر الأمثلة في التاريخ البشري، خصوبة وغنى، وعطاءً.. على ما يمكن لمبدأ التكافل الاجتماعي هذا، أن يفعله في مواجهة حالات العري والتشرد، والجوع. ولقد ساعدت العبادات، كالزكاة، والصلاة، والصيام، على تعزيز وتعميق، ملامح "المناخ العام" للمجتمع الإسلامي.

    ويكفي أن يرجع المرء إلى مصادرنا التاريخية، وبالذات إلى نمطين معروفين منها، وهما: كتب التراجم، وكتب الجغرافيا والرحلات، لكي يرى بأم عينيه حشود الوقائع، والممارسات، التي شهدتها الأرض الإسلامية، وتعامل معها المجتمع المسلم، عبر الزمن والمكان، فما يمسك نفسه عن الدهشة والإعجاب، بهذا المناخ العام، الذي تشكله الممارسات الاجتماعية، وبتلك النماذج البشرية المتألقة، التي كانت تطارد سرًّا وعلانية، أشباح العري، والتشرد، والجوع، وتكافح من أجل إلباس العراة، وإشباع الجوعى، وإيواء المشردين. ومع هذا وذاك، فإن بمقدور المرء، أن يتابع أنشطة "الوقف"، تلك المؤسسة الطوعية، التي انبثقت عن مطالب هذا الدين، وتشكلت وسط مبادئ وتقاليد، هذا المناخ العام، والتي مارست دورًا لم تشهده أية بيئة أخرى، خارج عالم الإسلام ، في قدرتها على الامتداد، والتغطية، والعطاء.

    ومرة أخرى، فلقد ساعدت العبادات الإسلامية، كالزكاة، والصلاة، والصيام، على تعزيز، وتعميق، ملامح المناخ العام هذا، للمجتمع الإسلامي، فإن الزكاة تضمن، بانبثاقها عن قاعدتها التعبدية، حق الفقراء والمعدمين، وهي تمارس هذا الضمان الاجتماعي، حتى في حالات غياب السلطة، وتوقف التشريع عن العمل، فتنفذ تغطية فعالة لحالات الفقر، والمسغبة، والتشرد، والجوع.. وكلنا يعرف ما كان يفعله أبناء هذا الدين، وهم يجوسون الأزقة والأحياء، ويجتازون الدروب في الليالي المظلمة الباردة، لكي يوصلوا إلى بيوت المعدمين، ما تحتاجه من مال، وملبس، وطعام.. وكلنا يعرف - كذلك - أن نسبة الاثنين والنصف بالمائة، هذه، لو أحسن جمعها، ونفّذ كما يريده الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن بمقدوره أن يفعل الأعاجيب، في الإعانة على التحقق بالكفاية، وفي ملاحقة البؤر المنخفضة في سطح المجتمع الإسلامي، من أجل رفعها إلى المستوى المطلوب، وتزداد قدرة هذه (الفريضة) المالية أكثر فأكثر بمرور الزمن، وبتزايد مصادر المال العام، وارتفاع الدخول، حيث إن بمقدور مدينة واحدة، وفق إحصائية قام بها أحد الدارسين، أن تجمع استنادًا إلى النسبة المفروضة، عشرين مليونًا من الدنانير، كواحد من المعدلات الوسطية، للعديد من مدن عالم الإسلام. ولنا أن نتصور ما يمكن أن يفعله مبلغ كبير كهذا، في تحقيق الكفاية والعدل.

    والصلاة تعمل فيما تعمل على تمتين الأواصر الاجتماعية، وتعميق التعارف بين أبناء الحي الواحد، حيث يصير بمقدور الواجدين، أن يلبّوا - بشكل أو بآخر - حاجات المعدمين.

    والصيام، يكوي بجمر الجوع الطوعي، أحاسيس الذين شبعوا طويلاً، وآن لهم، عبر هذه التجربة الملزمة، أن يذوقوا مسّ الحرمان، فإذا أرادوا - وهم يلبّون أمر الله، فيصومون نزولاً عنده - أن يكسبوا رضاه حقًّا، فإن لهم أن يتعلموا من التجربة، ويمضوا بها إلى نهاية الطريق، هنالك حيث يعرفون، أن الجزاء لن يستكمل أسبابه، وأن الجهد التعبدي، لن يتحقق بأهدافه كاملة، ما لم يتعلم منه الإنسان المسلم، وما لم يسع - في الوقت نفسه - إلى تحويل التعاليم، إلى وقائع وممارسات.

    المصدر : كتاب رؤية إسلامية في قضايا معاصرة للدكتور عماد الدين خليل
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تحمَّلتُ وحديَ مـا لا أُطيـقْ من الإغترابِ وهَـمِّ الطريـقْ
    اللهم اني اسالك في هذه الساعة ان كانت جوليان في سرور فزدها في سرورها ومن نعيمك عليها . وان كانت جوليان في عذاب فنجها من عذابك وانت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين

الـعـقـيـدة .. والشـريـعـة .. والـمـجـتمــع

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  

الـعـقـيـدة .. والشـريـعـة .. والـمـجـتمــع

الـعـقـيـدة .. والشـريـعـة .. والـمـجـتمــع