كيف يرتقى الحوار بين الزوجين؟!
لا يختلف اثنان على أهمية الحوار مع الآخر على اختلاف عمره وجنسه وفكره، ومن باب أولى الحوار بين الزوجين وخاصة في أيامهما الأول، إذ كيف يتم التعايش بينهما بدون حوار، بل قد تستحيل الحياة بين زوجين إذا تعثر الحوار، فما بالنا لو انعدم الحوار من أساسه، ونشير بذلك من خلال دراسات وإحصاءات واقعية متعددة نسترشد بها للتأكيد على هذا الأمر، ومنها:
1- ما أعدته "لجنة إصلاح ذات البين" في المحكمة الشرعية السنية في بيروت- لبنان عام 2003: دراسة إحصائية تبين فيها أن انعدام الحوار بين الزوجين هو السبب الرئيسي الثالث المؤدي إلى الطلاق.
2- ما ذكرته الدكتورة "سامية بخاري" وكيلة شؤون الطالبات بجامعة الملك عبدالعزيز رئيسة لجنة التوعية الأستاذة في قسم الدراسات الإسلامية إلى ارتفاع نسب الطلاق في الدول الخليجية إلى 38% بسبب غياب الحوار بين الزوجين.
3- ويذكر أ. "علي محمد أبو داهش " الباحث الاجتماعي في دراسة علمية أعدها، والذي عمل (18) سنة في مكاتب الاجتماع بالرياض والمتخصصة في حل المشكلات الاجتماعية وأهمها الطلاق، تحت إشراف مجموعة من الباحثين الاجتماعيين، أوضح أن أهم أسباب الطلاق المبكر هو عدم النضج، وعدم التفاهم، وصمت الزوج.
كل هذه الدراسات والإحصاءات وغيرها تؤكد لنا على ضرورة إيجاد الحوار البناء بين الزوجين، ويجدر الإشارة بنا أن ننبه على أنه فارق كبير بين إيجاد حوار وفقط وبين إيجاد الحوار البناء بين الزوجين.
الاختلاف سنة كونية
"إن الاختلاف والتعددية سنة كونية وفهمها يذهب الخلافات الزوجية"
هكذا كان تعليق أ.جاسم المطوع لأحد أصدقائه، ليبين لنا حقيقة يغفل الكثيرون عنها أن الله عز وجل وضع الاختلاف بين البشر كسنة كونية وظاهرة صحية كما قال الله عز وجل {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود:119).
وانطلاقا من هذه القاعدة والتي ستكون أساسا لمعالجتنا لهذا الأمر فسنتعرف سويا على غياب التوعية واستيعاب كل طرف لحقيقة الطرف الآخر وخاصة في السنة الأولى من الزواج.
إن ما يحدث في الأيام الأولى من الزواج أن كلا الزوجين يفاجأ باختلاف كبير بينه وبين شريكه، وذلك لأنه لم يتم التعرف بشكل مفصل عن طبيعة كل من الرجل والمرأة قبل ذلك - إلا من رحم ربي - تماما كما وصفه الكاتب الانجليزي "جون جراى" في كتابه "رجال من المريخ ونساء من الزهرة"
هذا هو الوصف الذي أراد به الكاتب أن يوضح أن شخصية الرجل تختلف تماما عن شخصية المرأة ولابد من إدراك ذلك وأن يتم التعامل بينهما باستيعاب هذا الأمر.
أحيانا يدرك الرجل هذا الاختلاف الملحوظ وهو الاختلاف البيولوجي والنفسي؛ فتجد الزوج مثلا يدرك أن زوجته في فترة الطمث تعاني من بعض الآلام والتغيرات النفسية فيكون عونا لها في هذه الفترة، وأيضا يتفهم الزوج أن الأشهر الأولى من الحمل تعاني فيها زوجته من تغيرات هرمونية الأمر الذي يجعل تصرفاتها مريبة وعجيبة إذا ما قورنت بتصرفاتها الطبيعة، ولكن المشكلة تتعدى ذلك كله فكما ذكرنا أن مثل هذه الفروقات كثيرون جدا يدركوها أما الأصعب من ذلك هو ما لا يدركه البعض ويكون هو أساس انقطاع الحوار أو نسفه من الأساس.
لذا نود أن نشير هنا إلى أهم هذه الاختلافات والتي ستساعدنا عند تفهمنا لها على إقامة حوار زوجي بناء ومنها أن الرجل لا يحب الكلام إلا لهدف معيّن، فهو لا يقصد الحوار بذاته أي لأنه يريد أن يتكلم وفقط، إنما يقصد الحوار لتحقيق غاية معيّنة وإذا تكلم تكون طريقة عرضه للموضوع متسمة بالمنهجية والتسلسل المنطقي القائم على التحليل وبعكس ذلك تكون المرأة، فإن الحوار والتواصل بالنسبة للمرأة هي حاجة ضرورية وملّحة، هي حاجة نفسية فإن لم تشبعها يحدث لديها اضطراب، ليس ذلك فقط بل إنها عندما تعرض موضوعا فهي تنتقل من موضوع إلى آخر مختلف، من دون أن تنهي الموضوع الذي بدأت به وقد تستدرك ذلك في آخر حديثها فتعود للموضوع الأول وتنهيه، وهكذا دواليك فكأن الرجل يستخدم طريقة عامودية والمرأة تستخدم طريقة أفقية في الحديث.
ومن أكثر المشاكل الأسرية شيوعا في هذا الأمر عند تعرض الزوج لنوع من الضغوط الخارجية فمنه يفضل أن يدخل كهفه ولا يدخل عليه أحد حتى الانتهاء من التفكير في المشكلة، أما الزوجة فهي مترصدة للزوج ولا تفارقه تريد أن تعلم ما حل به وما هي مشكلته غير مدركة أنها بذلك لا تقيم حوارا بل تتعجل بإنهاء حوار لم يبدأ.
ومن الاختلافات أيضاً، عندما تطلب المرأة شيئا أو تقترحه على زوجها قد يعتبر الرجل أنها تأمره، فالمرأة تقترح ليناقشها الزوج ولا يعني أنها تبت بهذا الموضوع. على عكس الرجل فعندما يطلب أو يقترح فغالبا ما يكون قد أخذ القرار بذلك.
أيضا من الاختلافات التي يجب أن يدركها الأزواج عند الحوار أن الزوجة عندما تسرد له مشكلة فهي لا تبحث عن حل لها ولكنها تبحث عن دعم عاطفي وفقط، فهي عندما تشتكى له أمرا من أمور حياتها سواء كان متعلق بالبيت أو العمل أو غيره فإنه تنتظر منه فقط أن يعطيها جرعة دعم أما الرجل على عكس ذلك فهو عندما تعترضه مشكلة فإنه يبحث عن حل لها ولا يعير هذا الدعم اهتماما كبيرا.
مهلكات الحوار
ليس فقط مراعاة هذه الفوارق قد تؤدى إلى الحفاظ على استمرارية الحوار وجدواه ولكن أيضا لا نغفل قواعد الحوار العامة والتي لا ترتبط فقط بين الزوج وزوجته ونذكر منها على سبيل المثال:
1- الجمل التي تبتر المناقشات كقول "انتهى.. أغلق الموضوع.. لا فائدة من النقاش.. لن يتغير شيء!!".
2- عندما يلقي أحد الطرفين اللوم على الآخر.. عندما لا يعترف بخطئه.. التجاهل.. الصمت.. عدم الموافقة على المناقشة.. استعجال الآخر وإخفاء الحقائق.. نعت الآخر بعدم الفهم.. الشتم.. تجاهل وجود المشكلة أساساً".
3- إعطاء الموضوع أكبر من حجمه.. عدم المبالاة أثناء المناقشة.. تلفظ أحدهما بالألفاظ السيئة..أن يعتبر أحدهما أن هذه المشكلة خاصة به وله فقط حق القرار.. عدم توفر الجو المناسب للمناقشة حيث الهدوء.. إظهار المشكلة للآخرين.
4- الجحود والنكران.. وكثرة تكرار الكلام الذي لا طائل من ورائه.. وعدم الوضوح في التعامل.. واستخدام عبارات التهديد والعبارات الجارحة.
5- رفع الصوت من أهم التصرفات الاستفزازية في النقاشات.
نحو حوار زوجي راق
وبعد هذا الاستعراض لأهم معوقات الحوار نود أن نوضح أن من أهم سمات الحوار الراقي البناء:
1- تذكر النية الصالحة في الحوار وعدم تحويله إلى جدال، فلا ندخل الحوارات على أنها معارك يجب أن ننتصر فيها ولكن للتواص بين الزوجين أو للاتفاق على ما فيه اختلاف في وجهات النظر.
2- عدم تواجد طرف ثالث أياً كان، وعلى الزوجين أن يبقيا دواخل حياتهما سراً لا يطلع عليه أحد حتى أقرب المقربين.
3- تخير الأوقات المناسبة للحوار، فليس من الكياسة مثلا أن تفتح الزوجة حوارا مع زوجه بمجرد وصوله من العمل مجهدا أو العكس عندما تكون الزوجة أنهت يومها في أمور البيت وقد أصابها التعب.
4- اعتماد قاعدة: "اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية"، قد نختلف نعم، لكننا نختلف لأننا نريد مصلحة الأسرة، وما دام في الأمر مصلحة فالود واجب على رغم الاختلاف، ولو استطعنا تأصيل قاعدة: " اختلاف الرأي يزيد الود".
5- الصراحة التامة شرط أساسي في العلاقة بين الزوجين في كل حياتهما وفي الحوار بينهما بشكل خاص.
6- الإصغاء ثم الإصغاء ثم الإصغاء، إن المتحدث المقنع هو المصغي الجيد وكما قال ابن المقفع: "تَعلَّمْ حُسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام
ومن حسن الاستماع: إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه. وقلة التلفت إلى الجواب. والإقبال بالوجه. والنظر إلى المتكلم. والوعي لما يقول".
7- القاعدة القرآنية في الحديث: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَن} (الإسراء: 53) فبذلك يتعين على الزوج والزوجة معا حسن اختيار الألفاظ بل انتقاء أطايب الكلام.
8- الإنسان بشر وجبلت البشرية جمعاء على الخطأ والنسيان فلا يكون أبدا الاعتراف بخطأ أو نسيان انتقاص من قدر الإنسان بل إن هذا الأمر ينقذ الحوار من الجدل للدفاع عن النفس.
9- لا أحد يتصور أنه إذا بدر من الآخر سخرية أو استهزاء في حواره فغنه سيقابل ذلك بصدر رحب لذلك إياك والمقاطعة أو السخرية أو الاستهزاء أو استخدام عبارات الشتم واللوم أثناء الحديث.
10- إذا أخذت بكل هذه الوسائل وحدث لا قدر الله احتدام في المناقشة أو ارتفاع للأصوات فما عليك إلا أن تنهي الحوار وتتفقا سويا على موعد لاحق للمناقشة، وإذا لم يفلح إنهاء الحوار على أحد الطرفين أو كليهما أن يبتعد عن مكان النقاش حتى تهدأ الأمور.
بذلك قد نكون وضعنا تصورا للحوار الهادئ البناء بين الزوجين وخاصة في الأيام الأولى من حياتهما.
منقول للفائدة
المفضلات