أرسلت في 17-2-1425 هـ من قِبَل admin
نطرح هنا مجموعة شاملة من الشبهات أوردها القس الجاهل منيس عبد النور في كتابه (شبهات وهمية) و نرد عليه لنفضح جهله بإذن الله تعالى
قال القس المبجل:
قال المعترض: ورد في تكوين 6: 6 و7 فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض، وتأسف في قلبه, فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته، الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء، لأني حزنت أني عملتهم , وورد في مزمور 106: 44 و45 : ((فنظر إلى ضيقهم إذ سمع صراخهم، وذكر لهم عهده، وندم حسب كثرة رحمته , وورد في 1صموئيل11:15 (( ندمت على أني جعلت شاول ملكاً لأنه رجع من ورائي ولم يُقم كلامي )) , وفي آية 35 أن الرب ندم, فهل يندم الله؟! علماً بأن هذا يناقض ما جاء في سفر العدد 23:19(( ليس الله ابن إنسان فيندم ))
وللرد نقول بنعمة الله : كتاب الله ناطق من أوله إلى آخره أن الله منزّه عن الندم والحزن والأسف وغيرها, ورد في عدد 23: 19 ليس الله إنساناً فيكذب، ولا ابن إنسان فيندم, هل يقول ولا يفعل، أو يتكلم ولا يفي؟ وفي 1 صموئيل 15: 29 (( نصيح إسرائيل لا يكذب ولا يندم، لأنه ليس إنساناً ليندم )) وفي يعقوب 1: 17 (( كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبي الأنوار ، الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران )) وفي إشعياء 46: 9 و10 (( لأني أنا الله وليس آخر، الإله وليس مثلي, مخبرٌ منذ البدء بالأخير، ومنذ القديم بما لم يُفعَل, قائلًا: رأيي يقوم وأفعل كل مسرتي )) وفي ملاخي 3: 6 (( لأني أنا الرب، لا أتغيّر )) .
بعد الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله: كما هو واضح للعيان فإن القس المحترم يشعر بالخزى مما يحويه كتابه المقدس من نصوص تتطاول على الله تعالى و يحاول تارةً تحريفها و تارةً تبريرها فكلما وجد نصاً ينتقص من الله العظيم سارع إلى نصوص مضادة يستنجد بها , و نحن نذكر ثانيةً بأننا نعلم أن كتابه مكتظ بمثل هذه التناقضات و نعلنها صراحة, كما أنّنا نؤمن بأن كتاب الله من أوله إلى أخره ينزه الله عن كل نقص سبحانه, و لكن أي كتاب يقصد؟ إن كان يقصد التوراة و الإنجيل و القرآن الذين أنزلهم الله تعالى على قلوب أنبياءه فلن نختلف , أما إن كان يقصد كتابه المقدس الحالي فقد اختلفنا لأن ذلك الكتاب فيه حق جميل و فيه أيضاً باطل قبيح و من بطلانه ذلك النص الذي يقول أن الله حزن لأنه صنع الإنسان و تأسف في قلبه و كذلك نصوص أخر كقوله " الرب ندم لأنه ملك شاول على إسرائيل " صموئيل الأول 35:15, و أيضاً " فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه " خروج 14:32 ، فكيف يزعم عبد النور أن كتابه اللا مقدس ينزه الله و هذه النصوص تصرخ بالانتقاص منه سبحانه؟!
ثم قال الدكتور الملهم: ندم الله لا يعني تغييره, إن الله لا يتغيَّر، فهو يكره الخطية ويعاقبها, فلو غيَّر إنسان موقفه من الخطية بالتوبة، فهل يبقى الله بدون تغيير في معاقبته للإنسان المخطئ التائب؟ والله يبارك المؤمن المطيع , فلو غيَّر مؤمن موقفه من الله وعصى، فهل يستمر الله يباركه ؟ إن الله لا يتغيّر، لكن معاملته للإنسان تتغيَّر بتغيير موقف الإنسان من وصايا الله, لقد سُرَّ الله بالإنسان لما خلقه، ثم حزن وتأسف وندم لما سلك الإنسان سبيل الشر ويقولون: يا حسرةً على العباد (يس 36: 30) والحسرة هي الندم, فالله في محبته يطيل أناته على العباد والكافرين ليتوبوا، ويرزق الصالحين والطالحين لينتبهوا إليه, فإذا لم يندموا ويتحسروا على خطاياهم يتحسر هو ويندم على سوء أفعالهم .
و هنا يزعم القس أن ندم الله لا يعنى تغيره , ثم لجأ للف و الدوران بالكلام الإنشائي ليخبرنا أن الله يكره الخطيئة و يعاقب عليها و لكن إذا ما تاب الإنسان فهل يُعاقب ؟! و هو كما نرى يخلط بين غضب الله تعالى و رحمته من ناحية و بين صفة الندم من ناحية أخرى , فلا شك أن الله تعالى يغضب على العاصي و يعاقبه كما أنه تعالى يتوب على من تاب و يفرح بتوبته و يرحمه و لكن هذه الصفات كلها لا تشتمل على انتقاص من الله تعالى بل هي تعكس عدله و حكمته سبحانه كما أن الإيمان بها له أكبر الأثر على العبد الذي يستحضر مراقبة ربه له و يعلم أن مكانته عند الله و مصيره يتوقفان على ما تقدمه يداه فيخشى عذابه و يرجوا رحمته أما صفة الندم فهي صفة نقص محض إذ الندم نتاج الخطأ أو العجز أو الجهل فلا يوصف به الله سبحانه أبداً لأنه يتنافى مع كماله و حكمته جل و علا .
و قد حاول القس بائساً تمرير تجديفات الكتاب المقدس على الله باستشهاد باطل بآيات القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه فزعم أن قوله تعالى (( يا حسرةً على العباد )) تعنى تحسر الله و ندمه ( تعالى الله عما يقولون ) , و قد وضع عبد النور نفسه في ورطة فالقرآن الكريم لم ينسب لله تعالى صفة الندم قط, و قوله سبحانه "يا حسرة على العباد" لم يفسرها أحد من سلف الأمة و علماءها بأنها ندم الله , و لم تقل الآية " يا حسرتي " أو " يا حسرة الله " بل جاء اللفظ مطلق له محامله الصحيحة , و لو توقف الفقراء الخابطين في أمر اللغة أمثال عبد النور عن الحديث فيما يجهلون لأراحوا و استراحوا , فعن ابن عباس قال : يا حسرة على العباد أي يا ويل العباد , و قال قتادة : أي يا حسرة العباد على أنفسهم على ما ضيعت من أمر الله و فرطت في جنب الله , و عن مجاهد : كان حسرة عليهم استهزاؤهم بالرسل , و قال الإمام ابن كثير : و معنى هذا يا حسرتهم و ندامتهم يوم القيامة إذ عاينوا العذاب كيف كذبوا رسل الله و خالفوا أمره ,و قال ابن جرير مثله و نقل عن بعض أهل العربية قولهم : معنى ذلك يا لها من حسرة على العباد بذنبهم , و جاز أن يكون ذلك من باب الإضافة إلى الفاعل فيكون العباد فاعلين فهو كقول " يا قيام زيد " . ويظهر ذلك المعنى بوضوح في سائر آيات القرآن العظيم كقوله تعالى (( كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم و ما هم بخارجين من النار )) و قوله سبحانه (( إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله, فسينفقونها ثم تكون (عليهم حسرةً) ثم يُغلبون, و الذين كفروا إلى جهنم يحشرون )) و يقول تعالى عن القرآن (( و انه لحسرة على الكافرين)) , و يقول عن يوم القيامة (( و أنذرهم يوم الحسرة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين )) و كقوله تعالى (( أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله و إن كنت لمن الساخرين )) , و كذلك في قوله تعالى (( فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ )) فالأسف محرك يستعمل في لغة العرب بمعنى شدة الحزن و بمعنى شدة الغضب و هو المراد في الآية و الانتقام مكافأة بالعقوبة فيكون المعنى ( فلما أسخطونا بأعمالهم السيئة عاقبهم الله تعالى) .
قال الإمام ابن كثير : (( عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: آسَفُونَا أَسْخَطُونَا ، وَقَالَ الضَّحَّاك عَنْهُ :أَغْضَبُونَا وَهَكَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَمُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَغَيْرهمْ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ )) و عَنْ طَارِق بْن شِهَاب قَال َ "كُنْت عِنْد عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَذُكِرَ عِنْده مَوْت الْفَجْأَة فَقَالَ تَخْفِيف عَلَى الْمُؤْمِن وَحَسْرَة عَلَى الْكَافِر ثُمَّ قَرَأَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ( فَلَمَّا آسَفُونَا اِنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ) ، وَقَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز رَضِيَ اللَّه عَنْهُ "وَجَدْت النِّقْمَة مَعَ الْغَفْلَة يَعْنِي قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى ( فَلَمَّا آسَفُونَا اِنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ) .
و قد أمر الله تعالى نبيه الكريم (صلى الله عليه و سلم) بعدم التحسر أو التأسف على الكافرين و ما ينتظرهم من مصير و جعل عمدة ذلك العلم و الإيمان بأسماء الله و صفاته , فيطمئن بأنه لن يهلك هالك إلا عن بينة و أن الله تعالى لا يظلم مثقال ذرة و لكن الناس أنفسهم يظلمون ,وأنه سبحانه علام الغيوب يضل الفاسقين بحق و يهدى إليه من أناب و هو الحكيم العليم فقال عز و جل (( فلا تذهب نفسك عليهم حسراتٍ إن الله عليم بما يصنعون )) , و المتأمل في الآيات الحكيمات من سورة البقرة يدرك أن علم الله و حكمته الأزليان أكبر و أعظم من إدراك المخلوقات فقال تعالى (( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة , قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك, قال إني أعلم ما لا تعلمون )) فالله لا يتحسر و لا يكون شيئاً إلا بعلمه و إذنه تعالى فيجب على من يقدم على تفسير آيات الله أن يعود للقرآن و السنة و قول سلف الأمة لا أن يقول بأهوائه و جهالاته .
ثم قال: ندم الرب أو حزن معناه الشفقة والرقة والرحمة عند الرب, فلو أن أباً محباً أدّب ابنه لمخالفته إياه، فلما رأى ما حل به توجع لوجعه وتألم لألمه وتأسف وحزن وندم، مع أن الأب عمل الواجب في تقويم ابنه وتأديبه وخيره، فوضع كل شيء في محله, إنما أسفه وندمه وحزنه كله ناشئ من الشفقة والرحمة, ولا يجوز أن نقول في مثل هذا المقام إن أباه رحمه أو شفق عليه، بل نقول إن أباه ندم، وإن كان المراد بذلك الرحمة والشفقة, فعلى هذا القياس قال النبي إن الله ندم، والمراد به إعلان شفقة الله ورحمته وجوده وكرمه, ولا يمكن أن يؤتى بلفظة غيرها للتعبير عن رحمة الله في هذا المقام، فلا يجوز أن نقول: رحمهم بعد عقابه لهم , بل نقول ندم بعد العقاب والعذاب دلالة على رحمته, والدليل على ذلك أن النبي داود قال: وندم حسب كثرة رحمته .
طبعاً قوله بأن الندم يعنى الشفقة هو تحريف مثير للشفقة , و أي شفقة هذه التي يهلك الله بسببها الإنسان و الحيوان و كل المخلوقات ؟
فهذا الموضع لا ينطبق عليه معاني الشفقة و الرحمة التي يتحدث عنها عبد النور, و ماذا عساه يقول في النصوص المتواطئة على انتقاص الله تعالى بهذا المعنى و منها للمثال لا الحصر (( إلى الوراء سرت فأمد يدي عليك و أهلكك . مللت من الندامة )) ارمياء 6:15 , فالندامة بكل صورها ينسبها الكتاب اللا مقدس لله العظيم .
ثم قال القس المحترم: كأن المعترض لم يعرف أن استعمال مثل هذه الألفاظ البشرية في جانب الله جائز، ليقرّب لعقولنا الأمور المعنوية، فإن الله لا يخاطبنا بلغة الملائكة بل بلغتنا واصطلاحاتنا لندرك حقائق الأمور, وعلى هذا فهو يقول لنا إن الله ندم، بمعنى أنه غيَّر قضاءه بسبب تغيير الشروط التي سبق ووضعها, ولو أن هذا الندم يختلف عن ندم الإنسان، فالإنسان يندم بسبب عدم معرفته لما سيحدث, وهذا لا ينطبق على الله، الذي ليس عنده ماضٍ ولا مستقبل، بل الكل عنده حاضر, فعندما نقول إن الله يحب ويكره ويتحسَّر ويندم، لا نقصد أن له حواس مثل حواسنا، وإنما نقصد أنها مواقف لله إزاء ما يفعله البشر . و هنا يزعم عبد النور أن استعمال مصطلحات مثل الندم (جائز) من قبل الله ليقرب لنا الصورة محاولاً العزف على وتر إثبات بلا تشبيه , و قد سقط بهذا التعدي المريع فهناك صفات لا يجوز إثباتها لله ابتداءً بأي حال من الأحوال بصرف النظر عن كيفها لأنها نقص محض كصفة الندم و التعب و النوم و البكاء و العجز و النسيان و التجسد (و كلها قد نسبها الكتاب المقدس لله تعالى) , و لا حجة للنصارى في القول أن الصفات ليست على حقيقتها فنحن نثبت الصفة لله تعالى بلا تشبيه ,و لكن هناك قطعاً قدراً مشتركاً نعقله بقلوبنا و لا يوجد في الخارج مشتركاً إذ المعنى المشترك لا يوجد إلا في الأذهان و لا يوجد فى الخارج إلا معيناً مختصاً فنثبت الصفة لله بما يليق بجلاله و نثبت الصفة للمخلوق بما يليق به , و القول بغير ذلك سيدخلنا في دوامة سوفسطائية عقيمة فهل يجوز أن نقول بأن الله سبحانه و تعال (يتوجع أو يمرض أو يقضى الحاجة) بحجة أن الصفة ليس على أصلها أو أنها تقريبية؟! (أستغفر الله العظيم)
و أخيراً أخرج القس الدكتور كل ما في جعبته من جهلٍ مركبٍ بأسماء الله الحسنى و صفاته العلا في محاولة للدفاع عما حواه كتابه من تطاول على رب العالمين فقال: نسب القرآن لله النسيان والمكر والكيد وغيره , ورد في التوبة 9: 67 : نسوا الله فنسيهم , وورد في السجدة 32: 14 : فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنّا نسيناكم ، ونسب القرآن إلى الله المكر، فورد في الرعد 13: 42 : فلله المكر جميعاً , وفي آل عمران 3: 54 : ومكر الله، والله خير الماكرين , قال المفسرون: أقواهم مكر الله وأحذرهم على إيصال الضرر من حيث لا يحتسب , وفي الأعراف 7 : 99 أفأمنوا مكر الله , وفي الأنفال 8: 30 ويمكرون ويمكر الله , وفي النحل 27: 50 ومكرنا مكراً , ونسب القرآن إلى الله الكيد، فورد في الأعراف 7: 183 : إن كيدي متين , قال المفسرون إن أخذي شديد، وإنما سماه كيداً لأن ظاهره إحسان وباطنه خذلان, وفي القلم 68: 45 إن كيدي متين , وفي الطارق 86: 16 : وأكيد كيداً , ونسب إليه صفة العجب: بل عجبتُ (الصافات 12) وقوله: إن تعجب فعجبٌ قولهم (الرعد: 5) وصفة الرحمة كثيرة الورود في القرآن, وقال علماء المسلمين: كل صفة يستحيل حقيقتها على الله تُفسَّر بلازمها , قال الإمام فخر الدين الرازي: جميع الأعراض النفسانية ، أعني الرحمة والفرح والسرور والغضب والحياء والمكر والاستهزاء، لها أوائل ولها غايات, مثاله الغضب، فإن أوله غليان دم القلب، وغايته إرادة إيصال الضرر إلى المغضوب, فلفظ الغضب في حق الله لا يحمل على أوله الذي هو غليان دم القلب، بل على غرضه الذي هو إرادة الإضرار, وكذلك الحياء له أول وهو انكسار يحصل في النفس، وله غرض وهو ترك الفعل، فلفظ الحياء في حق الله يُحمَل على ترك الفعل لا على انكسار النفس , وقال الشيخ محيي الدين ابن العربي في الباب الثالث من الفتوحات: جميع ما وصف الحق تعالى به نفسه من خلق وإحياء وإماتة ومنع وإعطاء ومكر واستهزاء وكيد وفرح وغضب ورضا وضحك و تبشيش وقدم ويد ويدين وأيد وعين وأعين، وغير ذلك كله نعت صحيح لربنا، ولكن على حد ما تقبله ذاته وما يليق بجلاله .
و نجيب بإذن الله تعالى على أطروحات عبد النور بما يلي:
أما زعمه الباطل أن القرآن نسب صفة النسيان لله تعالى و أن ذلك في قوله سبحانه (( فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم)) فإن أي إنسان يملك الحد الأدنى من العلم والأمانة العلمية يفهم أن النسيان يأتي في اللغة بمعنيين : معنى ضد التذكر و هو صفة نقص قطعاً , كما يأتي بمعنى الإعراض و الترك و هذا هو المراد في الآية الكريمة و نزاهة الله الحي القيوم عن صفة النسيان المذموم معلومة لكل مسلم إذ يقول تعالى (( لا يضل ربى و لا ينسى)), و نحن معشر المسلمين لا نلجأ إلى أساليب النصارى في لي أعناق النصوص , فحسبنا هنا أن نذكر بعض الآيات التي توضح المعنى بكل نقاء لا يدع مجالاً للشك , يقول تعالى ((نسوا الله فنسيهم)) فهل يقول أحد بأن الله ضعفت ذاكرته فنسيهم لأنهم نسوه ؟!
إن نسيانهم هنا كان بالإعراض عن الإيمان و هجر إتباع الشريعة فعاقبهم الله بالإعراض عنهم و تركهم في العذاب يوم القيامة و ذلك كقوله تعالى (( إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم ))" البقرة "و من أظهر الآيات في ذلك المعنى قوله تعالى (( و من أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً و نحشره يوم القيامة أعمى, قال رب لم حشرتني أعمى و قد كنت بصيراً, قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها و كذلك اليوم تنسى, و كذلك نجزى من أسرف و لم يؤمن بآيات ربه, و لعذاب الآخرة أشد و أبقى )) " طه " , فبين الله تعالى أن نسيان العاصي كان بالإعراض عن ذكر ربه سبحانه و عبادته, فعاقبه بأن بضنك العيش و حشره أعمى يوم القيامة , و حين سأل ربه: لما حشرتني أعمى و قد كنت مبصراً في الدنيا؟ أجابه تعالى : بأن ذلك جزاء من أعرض عن ذكره في الدنيا فإن الله يعرض عنه في الآخرة و يذله و يتركه في العذاب المهين, و هذا دليل أن الله تعالى لا تخفى عليه خافية و لا يغفل سبحانه عن خلقه أبداً و يحشر كل إنسان على الحال الذي يستحقه و الحق أن صفة النسيان بمعناها الذي لا يليق بذات الله قد ذُكرت فقط في الكتاب المقدس و فى أكثر من موضع ففي صموئيل الأول 3:15 نقرأ (( هكذا يقول الرب إني قد افتقدت ما عمل العماليق بإسرائيل )) و كلمة افتقدت هذه رغم تحريف الترجمة إلا أنها تعنى بوضوح" إني قد تذكرت " كما هي (marked) في الترجمة الإنجليزية
و جاء أيضاً في قوس قزح (( و صنعت قوسي في السماء علامة ميثاق بيني و بين كل الأرض فيكون متى أنشر سحاباً على الأرض, و يظهر القوس في السحاب أنى (اذكر) ميثاقي الذي بيني و بينكم )) تكوين 9 : 13و ذلك النص فضلاً عما يحويه من جهل و تخريف فهو ينال أيضاً من ذات الله كما نرى .
و جاء أيضاً في سفر الخروج الإصحاح السادس العدد 6 يذكر أن الله تذكر عهده مع أنبياءه ((... تذكرت عهدي)) و في الإصحاح الثاني العدد 24 (( فَسَمِعَ اللهُ أَنِينَهُمْ فَتَذَكَّرَ اللهُ مِيثَاقَهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوب )) .
أما قوله بأن القرآن نسب لله صفة المكر و الكيد ، فيقول الإمام العلامة ابن القيم في الرد على أنصاف الأميين أمثال القس المحترم: " إن الله تعالى لم يصف نفسه بالكيد و المكر و الخداع و الاستهزاء مطلقاً , و لا ذلك داخل في أسمائه الحسنى , و من ظن من الجهال المصنفين في شرح أسماء الله الحسنى أن من أسمائه تعالى الماكر المخادع الكائد فقد فاه بأمر عظيم تقشعر منه الجلود و تكاد الأسماع تُصم عند سماعه, و غر ذلك الجاهل أن الله سبحانه أطلق على نفسه هذه الأفعال فاشتق منها أسماء , و أسماؤه تعالى كلها حسنى فأدخلها في الأسماء الحسنى و قرنها بالرحيم الودود الحكيم الكريم, و هذا جهل عظيم, فإن هذه الأفعال ليست ممدوحة مطلقاً بل تُمدح في موضع و تُذم في موضع , فلا يجوز إطلاق أفعالها على الله مطلقاً ,فلا يقال أنه سبحانه يمكر و يخادع و يكيد , فكذلك من طريق الأولى لا يُشتق له منها أسماء يُسمى بها بل إذا كان لم يأت في أسماءه الحسنى المريد و المتكلم و الفعل و الصانع لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح و مذموم و إنما يوصف سبحانه بالأنواع المحمودة منها كالحليم والحكيم و العزيز و الفعال لما يريد فكيف يكون منها الماكر و الكائد؟!, المقصود أن الله سبحانه و تعالى عما يقولون لم يصف نفسه بالكيد و المكر و الخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق , و قد علم أن المجازاة بذلك حسنة من المخلوق فكيف بالخالق"
المفضلات