بسم الله الرحمن الرحيم
بداية أنا في أشد حالاتي خجلا وأسفا لتأخري في إجابة سؤال الأستاذ والأخ الحبيب : (( متى بوي )) لأني وعدته أن أضع الإجابة يوم السبت وتأخرت عن موعدي .
وسبب تأخري هو مرض البرد الذي أصابني فأجهدني ولولا ذلك ما تأخرت عن أستاذي وأخي لحظة واحدة .
فأرجو أن يقبل عذري وأن يسامحني كما أرجو منكم جميعكم المسامحة والمغفرة .
غفر الله لي ولكم
: وكان سؤال الأستاذ متى بوي عن الجر بالمجاورة
وجاء بمثال وهو : هذا جحر ضب خرب
فأقول بادئا
بحمد الله ومصليا على النبي وآله وصحبه
: ومما جرى نعتًا على غير وجهِ الكلامِ : " هذا جحر ضب خرب " ، فالوجه الرفع ، وهو كلام أكثر العرب وأفصحهم . وهو القياس ؛ لأن الخرب نعت الجحر والجحر رَفْعٌ ، ولكن بعض العرب يجره وليس بنعت للضب ، ولكنه نعت للذي أضيف إلى الضب ، فجروه لأنه نكرة كالضب ، ولأنه في موضع يقع فيه نعت الضب ، ولأنه صار هو والضب بمنزلة اسم واحد.
ألا ترى أنك تقول : هذا حب رمان . فإذا كان لك قلت : هذا حب رماني ، فأضفت الرمان إليك ، وليس لك الرمان إنما لك الحب .
ومثل ذلك : هذه ثلاثة أثوابك . فكذلك يقع على جحر ضب ما يقع على حب رمان ، تقول : هذا جحر ضبي ، وليس لك الضب إنما لك جحر ضب ، فلم يمنعك ذلك من أن قلت : جحر ضبي ، والجحر والضب بمنزلة اسم مفرد ، فانجر الخرب على الضب كما أضفت الجحر إليك مع إضافة الضب . ومع هذا أنهم أتبعوا الجر كما أتبعوا الكسر الكسر ، نحو قولهم : بهم وبدارهم . وما أشبه هذا < الكتاب لسيبويه > .
/////////////
في الحمل على اللفظ والمعنى للمجاورة
العرب تفعل ذلك فتقول : هذا جحر ضب خرب . والخرب نعت الجحر لا نعت الضب ، ولكن الجوار حمل عليه .
كما قال امرؤ القيس (( من الطويل )) :
كان ثبيرًا في عرانين وبله ... كبير أناس في بجاد مزمل
فالمزمل نعت للشيخ لا نعت البجاد ، وحقه الرفع ولكن خفضه للجوار ، وكما قال الآخر من (( مجزوء الكامل )) :
يا ليت شيخك قد غدا ... متقلدًا سيفًا رمحا
والرمح لا يتقلد، وإنما قال ذلك لمجاروته السيف . وفي القرآن الكريم : { فأجمعوا أمركم وشركاءكم } ، لا يقال : أجمعت الشركاء، وإنما يقال : جمعت شركائي وأجمعت أمري ، وإنما قال ذلك للمجاورة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ارجعن مأزورات غير مأجورات " . وأصلها موزورات من الوزر، ولكن أجراها مجرى المأجورات للمجاورة بينهما ، وكقوله : بالغدايا والعشايا ، ولا يقال : الغدايا إذا أُفْرِدَت عن العشايا ؛ لأنها الغدوات . والعامة تقول : جاء البرد والأكسية ، والأكسية لا تجيء ؛ ولكن للجوار حق في كلام العرب . < فقه اللغة للثعالبي >
/////
القاعدة الثانية
أن الشيء يعطى حكم الشيء إذا جاوره
كقول بعضهم : هذا جُحرُ ضبٍّ خربٍ بالجر ، والأكثر الرفع ، وقال :
كبيرُ أناسٍ في بِجادٍ مُزمَّلِ
وقيل به في : { وحُورٍ عينٍ } فيمن جرهما ؛ فإن العطف على { ولدانٌ مخلدون } لا على { أكواب وأباريق } إذ ليس المعنى أن الولدان يطوفون عليهم بالحور، وقيل: العطف على { جنات } وكأنه قيل : المقربون في جنات وفاكهةٍ ولحمِ طيور وحور ، وقيل : على أكوابٍ باعتبار المعنى ، إذ معنى { يطوف عليهم ولدانٌ مخلدون بأكواب }: ينعمون بأكواب.
وقيل في : { وأرْجُلِكُم } بالخفض: إنه عطف على { أيديكم } لا على {رءوسكم }، إذ الأرجل مغسولة لا ممسوحة ، ولكنه خفض لمجاورة رءوسكم والذي عليه المحققون أن خفض الجوار يكون في النعت قليلاً كما مثلنا ، وفي التوكيد نادرًا كقوله :
يا صاح بلِّغْ ذوي الزّوجاتِ كلِّهِمُ ... أن ليس وصلٌ إذا انحلتْ عُرا الذَّنَبِ
قال الفراء : أنشدنيه أبو الجراح بخفض كلهم ، فقلت له : هلاّ قلت : كلَّهم - يعني النصب - فقال: هو خير من الذي قلته أنا . ثم استنشدته إياه ، فأنشدنيه بالخفض. ولا يكون في النسق؛ لأن العاطف يمنع من التجاور، وقال الزمخشري: لما كانت الأرجل من بين الأعضاء الثلاثة المغسولة تغسل بصبّ الماء عليها كانت مظنة الإسراف المذموم شرعًا، فعُطفت على الممسوح لا لتمسح ، ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها، وقيل : { إلى الكعبين } فجيء بالغاية إماطةً لظن من يظن أنها ممسوحة، لأن المسح لم تُضرَبْ له غاية في الشريعة، انتهى.
تنبيه
أنكر السيرافي وابن جني الخفْض على الجوار، وتأوّلا قولهم : خرِبٍ ، بالجر على أنه صفة لضب .
ثم قال السيرافي : الأصل خربٍ الجُحرُ منه ، بتنوين خرب ورفع الجحر ، ثم حذف الضمير للعلم به ، وحُوِّل الإسناد إلى ضمير الضب، وخفض الجحر كما تقول مررتُ برجلٍ حسنِ الوجهِ بالإضافة، والأصل حسنٍ الوجهُ منه، ثم أتى بضمير الجحر مكانه لتقدم ذكره فاستتر.
وقال ابن جني: الأصل خرِبٍ جُحرُه، ثم أنيب المضاف إليه عن المضاف فارتفع واستتر .
ويلزمهما استتار الضمير مع جريان الصفة على غير من هي له، وذلك لا يجوز عند البصريين وإن أُمِنَ اللبس، وقولُ السيرافي : إن هذا مثل مررت برجلٍ قائمٍ أبواه لا قاعديْنِ : مردود ؛ لأن ذلك إنما يجوز في الوصف الثاني دون الأول على ما سيأتي .
ومن ذلك قولهم : هنأني ومَرأني ، والأصل أمرأني ، وقولهم : هو رجسٌ نجسٌ ، بكسر النون وسكون الجيم ، والأصل نَجِسٌ بفتحة فكسرة ، كذا قالوا ، وإنما يتم هذا أنْ لو كانوا لا يقولون هنا نجسٌ بفتحة فكسرة ، وحينئذ فيكون محل الاستشهاد إنما هو الالتزام للتناسب ، وأما إذا لم يلتزم فهذا جائز بدون تقدم رجس، إذ يقال فعلٌ بكسرة فسكون في كل فعِلٍ بفتحة فكسرة ، نحو: كتفٍ ولبنٍ ونبقٍ ، وقولهم : أخذَهُ ما قدُم وما حدُثَ ، بضم دال حدث، وقراءة جماعة : { سلاسِلاً وأغلالاً } بصرف سلاسل ، وفي الحديث : ارْجِعن مأزُوراتٍ غير مأجوراتٍ والأصل موْزورات بالواو ؛ لأنه من الوزْر ، وقراءة أبي حيّة : { يؤقِنون } بالهمزة ، وقوله :
أحَبُ المؤقِدينَ إليّ مُؤسى ... وجَعْدةُ، إذْ أضاءهما الوقودُ
بهمز المؤقدين ومؤسى ، على إعطاء الواو المجاورة للضمة حكم الواو المضمومة ، فهمزت كما قيل في وجوه : أُجوه، وفي وُقِّتت : أقِّتتْ ، ومن ذلك قولهم في صُوَّم صُيَّم، حملاً على قولهم في عُصوٍّ عِصيٍّ ، وكان أبو علي ينشد في مثل ذلك :
قد يُؤخذُ الجارُ بجرمِ الجارِ
< مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام >
المفضلات