56 - (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) أي التي في الدنيا بعد حياتهم فيها قال بعضهم الا بمعنى بعد (ووقاهم عذاب الجحيم)
قوله "لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى" هذا استثناء يؤكد النفي فإنه استثناء منقطع ومعناه أنهم لا يذوقون فيها الموت أبدا كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "يؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح ثم يقال يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت" وقد تقدم الحديث في سورة مريم عليها السلام. وقال عبدالرزاق حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي مسلم الأغر عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يقال لأهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا" رواه مسلم عن إسحاق بن راهويه وعبد بن حميد كلاهما عن عبدالرزاق به هكذا يقول أبو إسحاق وأهل العراق أبو مسلم الأغر وأهل المدينة يقولون أبو عبدالله الأغر. وقال أبو بكر بن أبي داود السجستاني حدثنا أحمد بن حفص عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان عن الحجاج هو ابن حجاج عن عبادة عن عبدالله بن عمرو عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من اتقى الله دخل الجنة ينعم فيها ولا يبأس ويحيا فيها فلا يموت لا تبلي ثيابه ولا يفنى شبابه" وقال أبو القاسم الطبراني حدثنا أحمد بن يحيى حدثنا عمرو بن محمد الناقد حدثنا سليم بن عبدالله الرقي حدثنا مصعب بن إبراهيم حدثنا عمران بن الربيع الكوفي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: سئل نبي الله صلى الله عليه وسلم أينام أهل الجنة؟ فقال صلى الله عليه وسلم "النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون" وهكذا رواه أبو بكر بن مردوية في تفسيره حدا أحمد بن القاسم بن صدقه المصري حدثنا المقدام بن داود حدثنا عبدالله بن المغيرة حدثنا سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون". وقال أبو بكر البزار في مسنده حدثنا الفضل بن يعقوب حدثنا محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله هل ينام أهل الجنة؟ قال صلى الله عليه وسلم "لا النوم أخو الموت" ثم قال لا نعلم أحدا أسنده عن ابن المنكدر عن جابر رضي الله عنه إلا الثوري ولا عن الثوري إلا الفريابي هكذا قال وقد تقدم خلاف ذلك والله أعلم وقولـه تعالى "ووقاهم عذاب الجحيم" أي مع هذا النعيم العظيم المقيم قد وقاهم وسلمهم ونجاهم وزحزحهم عن العذاب الأليم في دركات الجحيم فحصل لهم المطلوب ونجاهم من المرهوب.
لا يذوق هؤلاء المتقون في الجنة الموت بعد الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا, ووقى الله هؤلاء التقين عذاب الجحيم؛ تفضلا وإحسانًا منه سبحانه وتعالى, هذا الذي أعطيناه المتقين في الآخرة من الكرامات هو الفوز العظيم الذي لا فوز بعده. فإنما سهَّلنا لفظ القرآن ومعناه بلغتك أيها الرسول; لعلهم يتعظون وينزجرون.
56- "لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى" أي لا يموتون فيها أبداً إلا الموتة التي ذاقوها في الدنيا، والاستثناء منقطع: أي لكن الموتة التي قد ذاقوها في الدنيا كذا قال الزجاج والفراء وغيرهما، ومثل هذه الآية قوله: "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف" وقيل إن إلا بمعنى بعد، كقولك: ما كلمت رجلاً اليوم إلا رجلاً عندك: أي بعد رجل عندك، وقيل هي بمعنى سوى: أي سوى الموتة الأولى. وقال ابن قتيبة: إنما استثنى الموتة الأولى وهي في الدنيا، لأن السعداء حين يموتون يصيرون بلطف الله وقدرته إلى أسباب من الجنة يلقون الروح والريحان، ويرون منازلهم من الجنة، وتفتح لهم أبوابها، فإذا ماتوا في الدنيا فكأنهم ماتوا في الجنة لاتصالهم بأسبابها ومشاهدتهم إياها، فيكون الاستثناء على هذا متصلاً. واختار ابن جرير أن إلا بمعنى بعد، واختار كونها بمعنى سوى ابن عطية "ووقاهم عذاب الجحيم". قرأ الجمهور "وقاهم" بالتخفيف، وقرأ أبو حيوة بالتشديد على المبالغة.
لا يتوقعون نهاية لهذا النعيم , فلا موت هنالك وقد ذاقوا الموتة الأولى , وغيرها لا يذوقون . . وذلك في مقابل ما كان المشركون يقولون:(إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين). . فنعم إنها الموتة الأولى ولكن وراءها الجحيم والنعيم . (ووقاهم عذاب الجحيم)
{ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى } أي: ليس فيها موت بالكلية، ولو كان فيها موت يستثنى لم يستثن الموتة الأولى التي هي الموتة في الدنيا فتم لهم كل محبوب مطلوب، { وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}
أي لا يذوقون فيها الموت البتة لأنهم خالدون فيها . ثم قال : " إلا الموتة الأولى " على الاستثناء المنقطع ; أي لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا . وأنشد سيبويه : من كان أسرع في تفرق فالج فلبونه جربت معا وأغدت ثم استثنى بما ليس من الأول فقال : إلا كناشرة الذي ضيعتم كالغصن في غلوائه المتنبت وقيل : إن " إلا " بمعنى بعد ; كقولك : ما كلمت رجلا اليوم إلا رجلا عندك , أي بعد رجل عندك . وقيل : " إلا " بمعنى سوى , أي سوى الموتة التي ماتوها في الدنيا , كقوله تعالى : " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف " [ النساء : 22 ] . وهو كما تقول : ما ذقت اليوم طعاما سوى ما أكلت أمس . وقال القتبي : " إلا الموتة الأولى " معناه أن المؤمن إذا أشرف على الموت استقبلته ملائكة الرحمة ويلقى الروح والريحان , وكان موته في الجنة لاتصافه بأسبابها , فهو استثناء صحيح . والموت عرض لا يذاق , ولكن جعل كالطعام الذي يكره ذوقه , فاستعير فيه لفظ الذوق . " ووقاهم عذاب الجحيم . فضلا من ربك " أي فعل ذلك بهم تفضلا منه عليهم . ف " فضلا " مصدر عمل فيه " يدعون " . وقيل : العامل فيه " ووقاهم " وقيل : فعل مضمر . وقيل : معنى الكلام الذي قبله , لأنه تفضل منه عليهم , إذ وفقهم في الدنيا إلى أعمال يدخلون بها الجنة .
«لا يذاقون فيها الموت» وقرأ عبد الله «لا يذوقون فيها طعم الموت»، فإن قلت: كيف استثنيت الموتة الأولى - المذوقة قبل دخول الجنة - من الموت المنفي ذوقه فيها؟ قلت: أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت البتة، فوضع قوله: " إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ " موضع ذلك؛ لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل، فهو من باب التعليق بالمحال، كأنه قيل: إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها. وقرىء: «ووقاهم» بالتشديد
وقوله: ( لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى ) يقول تعالى ذكره: لا يذوق هؤلاء المتقون في الجنة الموت بعد الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا.
وكان بعض أهل العربية يوجه " إلا " في هذا الموضع إلى أنها في معنى سوى, ويقول: معنى الكلام: لا يذوقون فيها الموت سوى الموتة الأولى, ويمثله بقوله تعالى ذكره: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ بمعنى: سوى ما قد فعل آباؤكم, وليس للذي قال من ذلك عندي وجه مفهوم, لأن الأغلب من قول القائل: لا أذوق اليوم الطعام إلا الطعام الذي ذقته قبل اليوم أنه يريد الخبر عن قائله أن عنده طعاما في ذلك اليوم ذائقه وطاعمه دون سائر الأطعمة غيره.
وإذ كان ذلك الأغلب من معناه وجب أن يكون قد أثبت بقوله ( إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى ) موتة من نوع الأولى هم ذائقوها, ومعلوم أن ذلك ليس كذلك, لأن الله عزّ وجلّ قد آمَن أهل الجنة في الجنة إذا هم دخلوها من الموت, ولكن ذلك كما وصفت من معناه. وإنما جاز أن توضع " إلا " في موضع " بعد " لتقارب معنييهما في هذا الموضع وذلك أن القائل إذا قال: لا أكلم اليوم رجلا إلا رجلا بعد رجل عند عمرو قد أوجب على نفسه أن لا يكلم ذلك اليوم رجلا بعد كلام الرجل الذي عند عمرو.
وكذلك إذا قال: لا أكلم اليوم رجلا بعد رجل عند عمرو, قد أوجب على نفسه أن لا يكلم ذلك اليوم رجلا إلا رجلا عند عمرو, فبعد, وإلا متقاربتا المعنى في هذا الموضع. ومن شأن العرب أن تضع الكلمة مكان غيرها إذا تقارب معنياهما, وذلك كوضعهم الرجاء مكان الخوف لما في معنى الرجاء من الخوف, لأن الرجاء ليس بيقين, وإنما هو طمع, وقد يصدق ويكذب كما الخوف يصدق أحيانا ويكذب, فقال في ذلك أبو ذُؤَيْب:
إذا لَسَـعَتْهُ الدَّبْـرُ لَـمْ يَـرْجُ لَسْـعَها
وَخَالَفهَـا فِـي بَيْـتِ نُـوبٍ عَـوَامِلُ (6)
فقال: لم يرج لسعها, ومعناه في ذلك: لم يخف لسعها, وكوضعهم الظنّ موضع العلم الذي لم يدرك من قِبل العيان, وإنما أدرك استدلالا أو خبرا, كما قال الشاعر:
فَقُلْــتُ لَهُـمْ ظُنُّـوا بـألْفَيْ مُدَجَّـجٍ
سَــرَاتُهُمُ فــي الفَارِسِـيّ المُسَـرَّدِ (7)
بمعنى: أيقنوا بألفي مدجَّج واعلموا, فوضع الظنّ موضع اليقين, إذ لم يكن المقول لهم ذلك قد عاينوا ألفي مدجج, ولا رأوهم, وإن ما أخبرهم به هذا المخبر, فقال لهم ظنوا العلم بما لم يعاين من فعل القلب, فوضع أحدهما موضع الآخر لتقارب معنييهما في نظائر لما ذكرت يكثر إحصاؤها, كما يتقارب معنى الكلمتين في بعض المعاني, وهما مختلفتا المعنى في أشياء أخر, فتضع العرب إحداهما مكان صاحبتها في الموضع الذي يتقارب معنياهما فيه.
فكذلك قوله ( لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولَى ) وضعت " إلا " في موضع " بعد " لما نصف من تقارب معنى " إلا ", و " بعد " في هذا الموضع, وكذلك وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إنما معناه: بعد الذي سلف منكم في الجاهلية, فأما إذا وجهت " إلا " في هذا الموضع إلى معنى سوى, فإنما هو ترجمة عن المكان, وبيان عنها بما هو أشدّ التباسًا على من أراد علم معناها منها.
------------------------
الهوامش:
(6) البيت لأبي ذؤيب . وهو شاهد على أن لم يرج : أي لم يخف . وقد سبق الاستشهاد به في هذا التفسير ، وتقدم الكلام عليه مفصلا (انظره في 5 : 264 من هذه الطبعة) . وفي قافيته :"عواسل" في موضع عوامل. وكلتاهما صحيحة.
(7) البيت لدريد بن الصمة الجشمي . (اللسان : ظنن) . قال : الجوهري : الظن معروف . وقد يوضع موضع العلم . قال دريد ابن الصمة :"فقلت لهم ظنوا..." البيت : أي استيقنوا ، وإنما يخوف عدوه باليقين لا بالشك . والشاهد في البيت عند المؤلف أن العلم قد يوضع في موضع الظن ، كما أن الرجاء قد يوضع موضع الخوف.
{ لا يذوقون فيها الموت إلا } سوى { الموتة الأولى } الموتة التي ذاقوها في الدنيا
وقوله: {لا يذقون فيها الموت إلا الموتة الأولى}، هذا استثناء يؤكد النفي، ومعناه أنهم لا يذقون فيها الموت أبداً، كما ثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "يؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت" (أخرجاه في الصحيحين، وقد تقدم في سورة مريم). وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي اللّه عنهما قالا: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "يقال لأهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً" (أخرجه مسلم في صحيحه).
وقوله تعالى: {ووقاهم عذاب الجحيم} أي مع هذا النعيم العظيم المقيم، قد وقاهم ونجاهم وزحزحهم عن العذاب الأليم، في دركات الجحيم.
{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } * { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ } * { كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } * { يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ } * { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } * { فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { فَٱرْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ }
شرح الكلمات
{ ان المتقين فى مقام آمين } : أي إن الذين اتقوا ربهم فى الدنيا فآمنوا وعملوا الصالحات بعد اجتناب الشرك والمعاصى فى مجلس آمين لا يلحقهم فيه خوف بحال.
{ فى جنات وعيون } : هذا هو المقام الأمين.
{ من سندس واستبرق } : أي مارق من الديباج، وما غلظ منه.
{ متقابلين } : أي لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض لأن الأسرة تدور بهم.
{ كذلك، وزوجناهم } : أي الأمر كذلك وزوجناهم.
{ بحور عين } : أي بنساء بيض واسعات الأعين.
{ يدعون فيها } : أي يطلبون الخدم فيها أن يأتوهم بكل فاكهة.
{ آمنين } : أي من انقطاعها ومن مضراتها ومن كل مخوفٍ.
{ لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى }: أي لكن الموتة الأولى فقد ذاقوها.
{ فإنما يسرناه بلسانك } : أي سهلنا القرآن بلغتك.
{ لعلهم يتذكرون } : أي يتعظون فيؤمنون ويوحدون لكنهم لا يؤمنون.
{ فارتقب إنهم مرتقبون } : أي فانتظر هلاكهم فإنهم منتظرون هلاكك.
معنى الآيات
لما ذكر تعالى حال أهل النار عقب عليه بذكر حال أهل الجنة وهذا هو أسلوب الترغيب والترهيب الذى تميز به القرآن الكريم لأنه كتاب دعوة وهداية زيادة على أنه كتاب تشريع وأحكام فقال عز من قائل: { إن المتقين فى مقام أمين فى جنات وعيون } فأخبر تعالى أن الذين اتقوه فى الدنيا فآمنوا به وأطاعوه فى أمره ونهيه ولم يشركوا به هؤلاء فى مقام آمين أي فى مجلس آمن لا يلحقهم فيه خوف، وبين ذلك المقام الآمن بقوله { فى جنات } أي بساتين وعيون. يلبسون أي ثيابهم من سندس واستبرق، والسندس مارق من الحرير والاستبق ما غلظ منه، وقوله متقابلين أي لا ينظر بعضهم إلى قفا بعضه لأن الأسرة التى هم عليها تدور وقوله تعالى: { كذلك } أي الأمر كذلك أي كما وصفنا وزوجناهم بحور عين، الحوراء من النساء البيضاء ومن فى عينيها حورٌ وهو كِبَر بياض العين على سوادها والعِينُ جمع عيناء وهى واسعة العينين، وقوله { يدعون فيها بكل فاكهة آمنين } أي يطلبون الخدمة أن يوافوهم بكل فاكهة حال كونهم آمنين من انقطاعها ومن ضررها ومن كل مخوف يلحق بسببها أو سبب غيرها.
وقوله تعالى: { لا يذوقون فيها لاموت إلا الموتة الأولى } أي لا يذوقون فى الجنة الموت بعد الموتة الأولى التى ذاقوها فى الدنيا فغن أهلها لا يمرضون ولا يهرمون ولا يموتون وقوله تعالى: { ووقاهم عذاب الجحيم } ، وهذا دال على أن غير المتقين من الموحدين قد يذوقون عذاب الجحيم قبل دخولهم الجنة بخلاف المتقين فإنهم لا يدخلون النار البتة وقوله تعالى: { فضلاً من ربك } أى كان ذلك الإنعام والتكريم فضلا من ربك إذ لم يتسوجبوه لمجرد تقواهم وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم فى حديث مسلم " سددوا وقاربوا وأبشروا واعلموا أنه لن يدخل أحدكم الجنة عمله " قالوا ولا أنت يا رسول الله قال " ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ".
وقوله ذلك هو الفوز العظيم. أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم وهو كما فى قوله من سورة آل عمران: { فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز }.
وقوله تعالى: { فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون } أي فإنما سهلنا القرآن بلغتك العربية لعلهم يتذكرون فيتعظون فيؤمنون ويتقون، لكن أكثرهم لم يتعظ فارتقب ما يحل بهم فإنهم منتظرون ما يكون لك من نجاح أو إخفاق.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- فضل التقوى وكرامة أهلها والتقوى هى خشية من الله تحمل على طاعة الله بفعل محابة وترك مكارهه.
2- بيان شيء من نعيم أهل الجنة ترغيباً في العمل لها.
3- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
4- بيان الحكمة من تسهيل فهم القرآن الكريم وهو الاتعاظ المتقضى للتقوى.
لايذوقون فيها اى في الجنة الموت البته الا الموتة الاولى الا سوى الموتة الاولى التي ذاقوها في الدنيا وقيل لكن الموتة قد ذاقوها في الدنيا ووقاهم عذاب الجحيم .
" لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى "، أي سوى الموتة التي ذاقوها في الدنيا، وبعدها وضع: ((إلا)) موضع سوى وبعد، وهذا كقوله تعالى: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف " (النساء-22)، أي سوى ما قد سلف، وبعد ما قد سلف، وقيل: إنما استثنى الموتة الأولى وهي في الدنيا من موت في الجنة لأن السعداء حين يموتون يصيرون بلطف الله إلى أسباب الجنة، يلقون الروح والريحان ويرون منازلهم في الجنة، فكان موتهم في الدنيا كأنهم في الجنة لاتصالهم بأسبابها ومشاهدتهم إياها. " ووقاهم عذاب الجحيم ".
لا يذوقون فى الجنة الموت بعد الموتة الأولى التى ذاقوها فى الدنيا عند انقضاء آجالهم ، وحفظهم ربهم من عذاب النار .
ولما وصف الله تعالى أنواع ما هم فيه من الخيرات والراحات، بين أن حياتهم دائمة، فقال: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الاولى} وفيه سؤالان:
السؤال الأول: أنهم ما ذاقوا الموتة الأولى في الجنة فكيف حسن هذا الاستثناء؟ وأجيب عنه من وجوه الأول: قال صاحب "الكشاف" أريد أن يقال: لا يذوقون فيها الموت البتة فوضع قوله {إلا الموتة الاولى} موضع ذلك لأن الموتة الماضية محال في المستقبل، فهو من باب التعليق بالمحال، كأنه قيل إن كانت الموتة الأولى يمكن ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها الثاني: أن إلا بمعنى لكن والتقدير لا يذوقون فيها الموت لكن الموتة الأولى قد ذاقوها والثالث: أن الجنة حقيقتها ابتهاج النفس وفرحها بمعرفة الله تعالى وبطاعته ومحبته، وإذا كان الأمر كذلك فإن الإنسان الذي فاز بهذه السعادة فهو في الدنيا في الجنة وفي الآخرة أيضا في الجنة، وإذا كان لأمر كذلك فقد وقعت الموتة الأولى حين كان الإنسان في لجنة الحقيقية التي هي جنة المعرفة بالله ولمحبة، فذكر هذا الاستثناء كالتنبيه على قولنا إن الجنة الحقيقية هي حصول هذه الحالة لا الدار التي هي دار الأكل والشرب، ولهذا السبب قال عليه السلام: "أنبياء الله لا يموتون ولكن ينقلون من دار إلى دار" والرابع: أن من جرب شيئا ووقف عليه صح أن يقال إنه ذاقه، وإذا صح أن يسمى العلم بالذوق صح أن يسمى تذكره أيضا بالذوق فقوله {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الاولى} يعني إلا الذوق الحاصل بسبب تذكر الموتة الأولى.
السؤال الثاني: أليس أن أهل النار أيضا لا يموتون فلم بشر أهل الجنة بهذا مع أهل النار يشاركونهم فيه؟ والجواب: أن البشارة ما وقعت بدوام الحياة مع سابقة حصول تلك الخيرات والسعادات فظهر الفرق.
ثم قال تعالى: {ووقاهم عذاب} قرىء ووقاهم بالتشديد، فإن قالوا مقتضى الدليل أن يكون ذكر الوقاية عن عذاب الجحيم متقدم على ذكر الفوز بالجنة لأن الذي وقى عن عذاب الجحيم قد يفوز وقد لا يفوز، فإذا ذكر بعده أنه قاز بالجنة حصلت الفائدة، أما الذي فاز بخيرات الجنة فقد تخلص عن عقاب الله لا محالة فلم يكن ذكر الفوم عن عذاب جهنم بعد الفوز بثواب الجنة مفيدا، قلنا التقدير كأنه تعالى قال: ووقاهم في أول الأمر عن عذاب الجحيم.
{لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلاٍّولَىٰ} أي لا يذوقون في الجنة الموت إلاّ الذوق الحاصل بسبب تذكر الموتة التي في الدنيا بعد حياتهم فيها، أو يقال: لكن الموتة الأولى قد ذاقوها {وَوَقَٰهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ} أي وقى الله المتقين في أول الأمر من عذاب الجحيم، ورفع الله العذاب عن عصاة المؤمنين بعد دخولهم النار، وقرىء «ووقاهم» بتشديد القاف.
لا يذوقون فيها الموت أبدا إلا الموتة الأولى التي كانت في الدنيا ووقاهم يعني الرب تعالى عذاب الجحيم
-" لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى " بل يحيون فيها دائماً ، والاستثناء منقطع أو متصل والضمير للآخرة و " الموت " أول أحوالها ، أو الجنة والمؤمن يشارفها بالموت ويشاهدها عنده فكأنه فيها ، أو الاستثناء للمبالغة في تعميم النفي وامتناع " الموت " فكأنه قال : " لا يذوقون فيها الموت " إلا إذا أمكن ذوق الموتة الأولى في المستقبل . " ووقاهم عذاب الجحيم " وقرئ ووقاهم على المبالغة .
ثم بين - سبحانه - أن بقاءهم فى تلك الجنات بقاء دائم فقال : ( لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الجحيم ) .
أى : هم باقون بقاء دائما فى تلك الجنات ، بحيث لا يموتون فيها أبدا ، إلا الموتة الأولى التى ذاقوها عند نهاية آجالهم فى الدنيا ، ووقاهم - سبحانه - بعدها عذاب الجحيم ، الذى حل بالكافرين .
قال الآلوسى : وقوله : ( لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى ) جملة مستأنفة أو حالية ، وكأنه أريد أن يقال : لا يذوقون فيها الموت البتة ، فوضع الموتة الأولى موضع ذلك ، لأن الموتة الماضية محال ذوقها فى المستقبل فإنهم يذوقونها . ونظيره قول القائل لمن يستسقيه : لا أسقيك إلا الجمر ، وقد علم أن الجمر لا يسقى .
{ لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الاولى } جملة مستأنفة أو حالية وكأنه أريد أن يقال : لا يذوقون فيها الموت البتة فوضع الموتة الأولى موضع ذلك لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل فهو من باب التعليق بالمحال كأنه قيل : إن كانت الموتة الأولى يستقيم ذوقها في المستقبل فإنهم يذوقونها ، ونظيره قول القائل لمن يستسقيه : لا أسقيك إلا الجمر وقد علم أن الجمر لا يسقى ، ومثله قوله عز وجل : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مّنَ النساء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } [ النساء : 22 ] فالاستثناء متصل والدخول فرضي للمبالغة ، وضمير { فِيهَا } للجنات ، وقيل : هو متصل والمؤمن عند موته لمعاينة ما يعطاه في الجنة كأنه فيها فكأنه ذاق الموتة الأولى في الجنة ، وقيل : متصل وضمير { فِيهَا } للآخرة والموت أول أحوالها ، ولا يخفى ما فيه من التفكيك مع ارتكاب التجوز ، وقيل : الاستثناء منقطع والضمير للجنات أي لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا ، والأصل اتصال الاستثناء ، وقال الطبري : إلا بمعنى بعد ، والجمهور لم يثبتوا هذا المعنى لها ، وقال ابن عطية : ذهب قوم إلى أن إلا بمعنى سوى وضعفه الطبري .
وقال أبو حيان : ليس تضعيفه بصحيح بل يصح المعنى بسوى ويتسق . وفائدة الوصف تذكير حال الدنيا .
والداعي لما سمعت من الأوجه دفع سؤال يورد ههنا من أن الموتة الأولى مما مضى لهم في الدنيا وما هو كذلك لا يمكن أن يذوقوه في الجنة فكيف استثنيت؟ وقيل : إن السئال مبني على أن الاستثناء من النفي إثبات فيثبت للمستثني الحكم المنفي عن المستثنى منه ومحال أن يثبت للموتة الأولى الماضية الذوق في الجنة ، وأما على قول من جعله تكلماً بالباقي بعد الثنيا ، والمعنى لا يذوقون سوى الموتة الأولى من الموت فلا إشكال فتأمل . وقرأ عبيد بن عمير { لا } مبنياً للمفعول ، وقرأ عبد الله { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا * يَعْقُوبَ الموت } وجاء في الحديث النوم لأنه أخو الموت ، أخرج البزار . والطبراني في «الأوسط» . وابن مردويه . والبيهقي في البعث بسند صحيح عن جابر بن عبد الله قال : " قيل يا رسول الله أينام أهل الجنة؟ قال : لا النون أخو الموت وأهل الجنة لا يموتون ولا ينامون "
{ ووقاهم عَذَابَ الجحيم } وقرأ أبو حيوة { ووقاهم } مشدد القاف على المبالغة في التكثير في الوقاية لأن التفعيل لزيادة المعنى لا للتعدية لأن الفعل متعد قبله .
ثم بين ان حياتهم في هذا النعيم دائمة ، وقد نجّاهم الله من العذاب الاليم .
المفضلات