-
دور الإسلام في إصلاح النصرانية
كتبه: سيد محمود
منذ منتصف القرن السابع الميلادي خرج الإسلام ليواجه النصرانية على شواطئ البحر الابيض المتوسط ، حتى غدى بحيرة اسلامية ثم اتجه الإسلام إلى الأندلس فستوطنها وأقام مملكته على أرضها قرونًا عدة ، دخلها خلالها إلى قلب أوربا ففتح نابولي وجنوة و وجنوب فرنسا حتى وصلوا إلى مدينة ليون وفتح أفنيون والتي كانت مقرا للبابوية لعدة سنين ، وظل المسلمون يصولون ويجولون في أوروبا حتى القرن العاشر.
ولم يمضى القليل من الوقت حتى جاء الأوربيين أنفسهم إلى ديار الاسلام من خلال حملاتهم الصليبية لتبدأ مرحلة اخري من مراحل الاتصال بين الاسلام والنصرانية الغربية
هذا الاتصال وإن كان عسكريا بالدرجة الاولى إلا أن الأمر في الحقيقة أعمق من هذا فمن خلال هذا الاتصال ترك الاسلام بصمة قوية في اوربا تمثلت في رؤى اصلاحية جديدة على الحياة الغربية في جميع مجالات ، ولا نقول جديدا اذا قلنا ان الغربيين مدينون للإسلام وأهله بكثير من انجازاتهم الحضارية التي يفتخرون بها
لكن الجديد الذي يتغاضي الغرب عنه هو أن الإسلام كان صاحب فضل كبير في إصلاح النصرانية الغربية وظهور حركات الإصلاح الدينية هناك.
بدأت هذه الفكرة تعمل في خاطرى وأن أقرأ كتاب من أهم كتب التاريخ الكنسي وهو كتاب أندروا ملير "مختصر تاريخ الكنيسة " والكاتب أحد أعمدة حركة الإصلاح البروتستانتي و كان رئيسا لطائفة نصرانية ثم تركها وانضم إلى حركة الإصلاح البروتستانتية، وكان واعظا ملتهبا فصيح الفم كما تصفه كنيسة الأخوة الإنجيلية، وقد ألف كتابه في القرن الثامن عشر الميلادي.
يقول اندرو ملير في كتابه مختصر تاريخ الكنيسة ص212 "
"كان الإمبراطور ليو الثالث –القرن السابع الميلادي- يمتلك الشجاعة الكافية فأخذ على عاتقه تطهير الكنيسة من أصنامها الممقوتة متحملاً المشقات الكثيرة في سبيل هذا ، ويصمت التاريخ عن ذكر البواعث التي حركت الامبراطور ليو لهذا العمل ، ولكننا نعتقد أن ظهور الاسلام ونجاحه واعتقاده بالتوحيد ٌقد أثر على الامبراطور تاثيرا كبيرا ، فضلا عن ذلك كان الاعتقاد سائدا عند المسيحيين في الشرق أن غزوات الاسلام كانت تاديبا من الله على ازدياد الوثنية داخل الكنيسة ، وكان المسيحيون كثيرا ما يسمعون تعييرا من المسلمين واليهود بأنهم يعبدون الاصنام ، ونتيجة لهذه الظروف قامت المنازعة العظيمة))
وفي موضع اخر يصف القس اندرو ملير بحسرة شديدة ما آلت إليه أحوال الكنيسة من تقديس لرفات الأموات وعبادة لهم ، ثم يعلق بما يزيد الأمر سوء ويجعله يستلزم تغيرا وإصلاحا.
فيقول ص294 : " إذا رجعنا إلى الماضي البعيد ألى ايام "اوريجن" – القرن الثالث – الذي كان أول من دعا إلى عبادة القديسين ، أو رجعنا إلى ضريح "ماتن دي تور" الذي كان أشهر ضريح في القرنين الرابع والخامس ، ثم تقدمنا إلى يومنا الحاضر لوجدنا أن العبادة-للقديسين- تبلغ من العمر ألف وخمسمائة عام في كلتا الكنيستين اللاتينية واليونانية ، فلا عجب إن حكم المسلمون بأن المسيحين عبدة أوثان"
وعندما أخذ يذكر طلائع الإصلاح قبل مارتن لوثر ، كان أثر الإسلام واضحًا وقويًا ولم يجرؤ الرجل على جحده كما تفعل الكنيسة الآن، فيقول في ص 236: " كان البابا سلفستر الثاني الذي جلس على كرسي بطرس الرسول في فجر القرن الحادي عشر و هو حلقة لوصل بين حكمة العرب وجهل الرومان وتسليمهم الاعمى ، فقد تعلم في المدارس الاسلامية وفي مدينة قرطبة ، حيث استقى علوما نافعة ابتدأ أن يظهرها في روما ويعلمها للناس ، ولكن بسبب روح الخرافة التي سادت ذلك الوقت نسب الناس أعماله ومعارفه إلى فنون السحر لأن الناس اعتقدوا أن مثل هذه القدرات لا يمكن إلأ ان تكون نتيجة التحالف مع الشيطان "
وقد خطى هذا البابا خطوات تجاه الاصلاح نابعة من تأثره بالإسلام وثقافته به
ولم يكن دور سلفستر الثاني ثانويا في الإصلاح، فهو لا يزال أعظم من تصدى لفساد الكنيسة لاسيما فساد الأساقفة.
يقول الخوري أسعد عسي في كتابه "الطرف النقية في تاريخ الكنيسة المسيحية" ص209: "إن البابا سلفستر الثاني ثار ضد السلطة الكنيسة وهو يعد أعظم من كتب ضدالأساقفة ".
شخص اخر في مقدمة طابور الإصلاح الكنسي وهو توما الإكويني الذي يلقبه الغرب "القديس و المعلم الملائكي" و يصفه أندوا ملير بأنه أحد طلائع الإصلاح في المسيحية و يقول عنه: " أشهر قادة الفكر في القرن الثالث عشر ، وخير مثال للرجل اللاهوت ".
هذا الرجل الذي لا تزال مؤلفاته مرجعا هاما ومميزا في الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية يقول عنه جوستاف لوبون في كتابه تاريخ العرب ص 618
: "إنه مدين لابن رشد في كل علمه وإنه متأثر بالإمام أبي حامد الغزالي "
ولا عجب فقد كان على صلة قرابة بأسرة الإمبراطور فريديك الذي كان عاشقا للثقافة العربية وقام هو وأسرته بترجمة الكثير من العلوم العربية إلى اللاتينية.
رجل آخر ممن قاموا بأدوار عظيمة في إصلاح النصرانية وهو روجر بايكون
الذي يصفه القس جون لويمر في كتابه تاريخ الكنيسة بأنه لوثر الأول
والذي يضعه أندرو ملير في طليعة الاصلاحيين ويصفه بأنه " كاتب عبقري شهير ذو فكر ثاقب وبصيرة نافذة ووكان له فهم واضح لمجريات الأمور في معاهد العلم وفي الكنيسة ".
لم يكن بايكون ينقل للغرب سوى ما تاثر به من الحضارة الإسلامية، وهو القائل: " إن الفلسفة مأخوذة عن العرب، فلا تفهم كما يجب إلا إذا عرفت اللغة العربية " وكان بايكون يلوم القس توما الأكويني لأنه تعلم الفلسفة الإسلامية من المترجمات وليس من الأصل ". الفريد جيوم تراث الاسلام ص244
ويقول جريدودي روجرو في كتابه تاريخ الفلسفة المسيحية ج3 ص7
" إن خصائص الحضارة الاسلامية والدين الاسلامي قد تسربت من خلال الفلسفة تقريبا إلى العالم اللاتيني " .
ويقول هنرى دي كاستروا في كتابه الإسلام ص145 : " إن صلاح الدين كان يذكر في الأناشيد اللاتينية والفرنسية في العصور الوسطي وظهر في إحدى الروايات يناقش الديانات، وأعظم عيب عاب به المسيحية هو عبادة البابا ومسألة الاعتراف " وهي من أول ما قامت حركة الإصلاح بإلغائه.
هذا الأثر البالغ الذي أحدثه الإسلام على النصرانية لا تزال الكنيسة تنكره وتحاول إخفاءه وطمس معالمه ، وليت الأمر ينتهي هنا ، بل لقد قامت الكنيسة لترد الفضل إلى الإسلام عبر حرب صليبية شرسة تدور على كل المحاور الفكرية والثقافية والاقتصادية بل والعسكرية أيضا، لكن الحق أكثر إشراقًا من ظلام الباطل مهما استطال. وكما يقول الفريد جيوم في كتاب تراث الاسلام ... " وسوف نرى حين تخرج إلى النور الكنوز المودعة في درو الكتب الاوربية ،أن تأثير العرب الخالد في حضارة العصور الوسطى ،كان أجل شأنا وأكثر خطرا مما عرفناه حتى الآن ".
المصدر
http://www.shareah.com/index.php?/re...n/view/id/925/
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة mary في المنتدى منتدى قصص المسلمين الجدد
مشاركات: 6
آخر مشاركة: 22-03-2010, 11:48 AM
-
بواسطة خالد حربي في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 21-05-2008, 10:43 PM
-
بواسطة لطفي مهدي في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 23-04-2008, 09:53 PM
-
بواسطة drabdallah في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 02-08-2007, 03:50 AM
-
بواسطة Ahmed_Negm في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 02-06-2007, 04:37 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات