بقلم الأستاذ هشام طلبة
داعية وباحث إسلامي ـ مصر
• في زمن الاستباحة والدعاوى الهدامة.. في زمن العربدة الأمريكية، حيث ذكر الصحفي الأمريكي الأشهر مايكل هيرش في مجلة النيوزويك في الذكرى الرابعة للغزو الأمريكي للعراق - أن أمريكا ما تدخلت في العراق إلا لدعم طائفة معينة أمام الراديكاليين السنة ( حسب اصطلاحه ) وما ذلك إلا لتفتيت الأمة وتسليم الثروة والسلطة للأقلية في منطقتنا ؛ وهم الشيعة فتغضب الأكثرية وهم السنة، فتحدث الفتن بينهما وبذلك نصل إلى الفوضى الخلاقة التي دعت إليها " رايس " لتسود دولة بني صهيون وللتعجيل بما يسمى عند النصارى المجيء الثاني للمسيح عيسى.
• في هذا الزمن؛ زمن أن يتحدث الرويبضة لم يعد مستغربًا أن نطالع مواقع على الشبكة العنكبوتية ومحطات فضائية ودوريات تسخر من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسبهم. وقد وصل الأمر إلى تجنيد أقلام في بلاد أهل السنة والجماعة تخدع الشعوب بأن تهاجم حكامًا تبغضها تلك الشعوب ثم تهاجم الصحابة في ثنايا كتاباتهم. كذلك الصحفي الذي أخذ يهاجم توريث الحكم في بلد سني محوري ثم يقوم بإسقاط تاريخي على مساعدة صحابي لمعاوية لتوريث الحكم لولده - حسب زعمه - ثم يشرع في سب هذا الصحابي الجليل ويكمل مؤامرته ببث الأفكار الهدامة في برنامجه التلفزيوني. وآخر يفرد الصفحات في جريدته لسب أم المؤمنين السيدة عائشة التي بلغ السفه يومًا بمجلة كويتية بتسميتها زورًا بأم المتسكعين ؛ أستغفر الله وماذا نفعل بسورة النور المبرئة لها رضي الله عنها ؟
• لأئمة هؤلاء وأذنابهم ومن قد يتأثر بهم أقدم مقالتي هذه. مع دعوة لإخواننا من غير السنة للتبصر بالعواقب وعدم تصديق دعاوى أن هذه فرصة تاريخية لهم لاستعادة ما يرونه حقًّا لهم.
• أقدمها للذين تناسوا ذكرًا قاطعًا طيبًا عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الله ؛ الذين تناسوا ذكر أبي بكر رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم { إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا..} [ التوبة: 40 ] أي أن الله مع النبي ومع صاحب النبي في هجرته وهو -باتفاق السنة والشيعة - أبو بكر رضي الله عنه.
* الذين تناسوا قوله تعالى: { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ..} [ التوبة: 117 ].
* الذين تناسوا قوله تعالى: { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ الحشر: 8، 9 ].
ثم يقول تعالى بعد ذلك:{ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [ الحشر: 10 ].
كأن الله تعالى في هذه الآية ينبئنا أنه سيأتي يوم يسب فيه المهاجرون والأنصار من قبل بعض المنتسبين للإسلام.لأن سياق الكلام و أغلب التفاسير تقول أن قوله "للذين آمنوا" يعود إلى المهاجرين و الأنصار.
* الذين تناسوا قوله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [ التوبة: 100 ].
* الذين تناسوا قوله تعالى: { وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ التوبة: 61 ].
إذ حين يدَّعون أن أبا بكر وعمر وغيرهما من الصحابة كانوا كافرين أو فاسقين أو ظالمين فإنهم بذلك يطعنون في اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لهما وتقريبه لهما وأنهم بذلك – معاذ الله – قد خدعوه كما قال المنافقون عنه صلى الله عليه وسلم في الآية السابقة. و النبي صلى الله عليه و سلم – معاذ الله – لم يُخدع أبداً.
• لهؤلاء الذين تناسوا كل ذلك في كتاب الله أقدم لهم رفعًا لذكر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكرهم معه في النبوءات عنه في كتب أهل الكتاب بل والصابئة كذلك.
** وقد اطلعت على بعض كتب اليهود القديمة غير التوراة فوجدت في كتاب من كتب السوديبجرافا – بعض كتب اليهود المخفية - " كتاب أخنوخ " " " Book Of Enoch(1) في الفصل الثامن والثلاثين في هذا الكتاب(2) وفي العدد الثاني يلقب مؤلف " كتاب أخنوخ " النبي المنتظر "بالصادق".
"And When the righteous One shall appear before the eyes of the righteous "
[ وحين يظهر الصادق أمام أعين الصادقين ].
وقد ذكر مؤلف الكتاب الذي استعرنا منه هذه الفقرة(3) وفي هامش نفس الصفحة أن هذا هو لقب المسيا وينطق بالعبرية Sadeq أي كما ينطق بالعربية تمامًا، فكما نعرف العربية والعبرية ينتميان لعائلة واحدة من اللغات، اللغات السامية.
والحق أن هذه الفقرة تذكرنا تمامًا بقوله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: { وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } [ الزمر: 33 ].
• فمن المعروف تمامًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد لقبه قومه بالصادق الأمين.
• كذلك تناسى مبغضي الصحابة قوله تعالى: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الفتح:29].
قبل أن نخوض في المثلين يستلفت نظرنا المصطلح الذي عبر عن الدولة الإلهية , و هي نبي آخر الزمان و أصحابه: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ } فهذا المصطلح استعمل في كتب اليهود القديمة. على سبيل المثال , كتاب عزرا الرابع (4:28) - من مخطوطات البحر الميت - ( المسيا... { وَالَّذِينَ مَعَهُ } , بل في إنجيل متى (31:25): " وإذا جاء ابن الإنسان في مجده تواكبه جميع الملائكة" (أي أتباعه الملائكيين), وهو نفس المصطلح المستخدم في نبوءة (تثنية33:2):" ومعه عشرات الألوف من الملائكة ", كذلك في كتاب "الزندافتسا" المقدس عند الزرادشتية (المجوس) نجد دائمًا كلامًا كثيرًا عن "النبي المنتظر ورفاقه".” Soshyos And his Companions” ب(4).
تتكلم الآية السابقة عن مثلين للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ( الدولة الإلهية ) يتحدى الله بوجودهما في كتب السابقين:التوراة والإنجيل.
أما المثل الأول فنجده بالفعل في كتاب من كتب التوراة (العهد القديم) ألا وهو المزمور (149) في نبوءة عن أتباع المسيح المنتظر (باتفاق مفسري الكتاب المقدس) " ليسبحوا اسمه بالرقص ليرنموا له على عزف الدف والعود(5): الرب يسر بشعبه, يجمل الودعاء بالخلاص ليبتهج الأتقياء بهذا المجد، يرنمون على أسرتهم(6) ؛. ليهتفوا مسبحين الرب ملئ أفواههم وليتقلدوا بسيف ذي حدين في أيديهم ؛ لتنفيذ الانتقام في الأمم , ومعاقبة الشعوب "(3:149-7) أولئك "المسبحين الرب ملئ أفواههم " وفى نفس الوقت" يتقلدون بسيف ذي حدين "(7) هم "الأشداء على الكفار" وفى نفس الوقت "رحماء(8) بينهم تراهم ركعًا سجدًا ".
أما المثل الثاني في الآية القرآنية السابقة { وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } فكنا نرى مثلًا قريبًا منه في أناجيل متى ومرقص ولوقا , ألا وهو مثل بذرة الخردل ,"وقال الرب: ماذا يشبه ملكوت الله (9) ؟ وبماذا أشبهه ؟ إنه يشبه بذرة خردل أخذها إنسان وألقاها في بستانه, فنبتت وصارت شجرة عظيمة, وآوت طيور السماء في أغصانها" (لوقا 13:18,19).
أما الآن وبعد اكتشاف مخطوطات نجع حمادي عـام 1945م (مخطوطات نجع حمادي دفنت في القرن الرابع الميلادي وتتبع طائفة الغنوص المسيحية المنقرضة )(10). (أي بعد وفاة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بأكثر من 13 قرنًا) فقد وجدنا في إحدى تلك المخطوطات تشبيهًا يكاد يتطابق مع المثل القرآني. تلك المخطوطة هي "رسالة جيمس السرية ":
" The Apocryphon Of James" ب(11) ( حيث يشبه المؤلف مملكة السماء-وهي دولة المسيح المنتظر( النبي المنتظر وأصحابه ) يشبهها بنخلة خرج منها برعم ( شطئ-فراخ )ثم تدلي من هذا البرعم ثمار حوله, وأخرجت هذه الثمار ورقًا.وحين شبت استغلظت هذه الثمار تسببت في جفاف منبعها، وأصبحت هذه الثمار ( الخارجة من البرعم ) مع تلك الخارجة من الشجرة الأصلية.
وهكذا يتضح لنا كيف ذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم معه في ذكره في أسفار أهل الكتاب.
وصدق القائل: (( إنه لا يطعن في الصحابة إلا ذو غلٍّ في قلبه، ودُغلٍ في عقيدته ودينه وكراهيةٍ لما بلَّغوه من هذا الدين العظيم )).
المفضلات