اكتُشِف أول النصوص التي أُسميِت فيما بعد "مخطوطات البحر الميت" عام 1946 أو 1947، وذلك، فيما يُروى، على يد فتى من عرب التعامرة كان يرعى غنمه في منطقة قُمْران الواقعة إلى الشمال الغربي من البحر الميت، فعثر صدفة في أحد الكهوف على لفائف كُتِبت عليها نصوص قديمة، فبيعت هذه اللفائف بعد ذلك لتجار الآثار في بيت لحم، ومن هناك شرى بطريرك السريان في القدس أربعًا منها، وشرت الجامعة العبرية ثلاثا أخرى، لتعود الجامعة العبرية فتشري ما كان بحوزة بطريرك السريان من لفائف عندما عرضها للبيع في أميركا. وما أنْ تثبت المختصون من قدم النصوص وأهميتها حتى شرعوا يبحثون في تلك المنطقة عن لفائف أخرى؛ فتولت دائرة الآثار الأردنية بمساعدة الجيش العربي البحث في المناطق الخاضعة لها، وتمكنت في أوائل عام 1949 من تحديد موقع الكهف الذي عُثِر فيه على اللفائف. إثر ذلك بدأ فريق مكون من دائرة الآثار العامة الأردنية، ومتحف الآثار الفلسطيني، والكلية اللاهوتية بالقدس البحث عن نصوص أخرى في منطقة قُمْران، فتمكن من العثور على لفائف أخرى في الكهف الأول.
في تلك الأثناء كان عرب التعامرة تنبهوا إلى القيمة المادية للمخطوطات، فانطلقوا يفتشون الكهوف في المناطق القريبة من البحر الميت عن لفائف أخرى، فاكتشفوا عام 1951 الكهوف في وادي مُربعات وفي وادي خَبْرا. أما أهم الاكتشافات فوقعت في عام 1952 حين اكتشف البدو الكهف الثاني، والرابع، والسادس. ومعلوم أن الكهف الرابع هو أهم كهوف قُمْران؛ إذ عُثِر فيه على نحو خمس عشرة ألف جذاذة ترجع إلى نحو 580 لفيفة. وفي العام نفسه انضمت المدرسة الأميركية للأبحاث الشرقية بالقدس إلى فريق التنقيب المُشار إليه أعلاه، فعثرت على الكهف الثالث الذي اكتُشِفت فيه اللفيفة النحاسية، وتمكنت من اكتشاف الكهف الخامس، والسابع، والثامن، والتاسع، والعاشر. ولم تتضمن هذه الكهوف نصوصًا كثيرة، فالكهف السابع عُثِر فيه على سبعة عشر نصًّا يونانيًّا، وعُثِر في الكهف الثامن على خمس جذاذات، وفي التاسع على جذاذة واحدة، أما في العاشر فلم يُعثر سوى على كسرة فخارية كُتِب عليها بالحبر. أما آخر الكهوف المشتملة على مخطوطات البحر الميت، فكان الكهف الحادي عشر، واكتشفه البدو في عام 1956. وفي عام 1963 عاد عرب التعامرة فاكتشفوا مخطوطات أخرى في مغارة أبو سِنْجِة الواقعة في وادي الدالية.
من ناحية أخرى، استكشف الإسرائيليون المناطق القريبة من البحر الميت التي سيطروا عليها بعد احتلال فلسطين بحثا عن نصوص أخرى، ففي الخمسينات نقب يوُحَنان أهاروني Yohanan Aharoni ويجال يادين Yigael Yadin في وادي خَبْرا، وفي عام 1963 نقب يجال يادين في منطقة السْبيبة، مِصُدة التوراتية، فاكتشف عددًًا آخر من النصوص. وفي مطلع الستينات كذلك نقب ناحَمان أفيغاد Nahaman Avigad ويوُحَنان أهاروني في وادي سيال.
وقد ظهرت في العقد الأخير نصوص أخرى زُعِم أنها من مخطوطات البحر الميت، ومن أهم تلك النصوص النص المُسمى "لفيفة المَلاك"، وهو نصٌّ كُشِف عنه في عام 1998. وفي عام 2004 اكتُشِفت في منطقة البحر الميت أربع جذاذات اشترتها سلطة الآثار الإسرائيلية.
ويبلغ مجموع النصوص التي اكتُشِفت في منطقة قُمْران وحدها نحو 850 لفيفة، اكتُشِف منها عشرات الآلاف من الجذاذات، ليس فيها سوى تسعة نصوص وصلتنا سليمة تقريبًا، أما النصوص الأخرى فكان ينبغي استكمالها واستبناءها من الجذاذات المختلفة.
وكانت المخطوطات التي تُكتَشف بإشراف الحكومة الأردنية تُحفَظ للدراسة في متحف الآثار الفلسطيني بالقدس، خلا عدد قليل من النصوص ظل محفوظًا في متحف الآثار الأردني بعمان، وثماني مخطوطات موجودة في متحف إسرائيل. وفي أعقاب حرب حزيران عام 1967 استولى الإسرائيليون على متحف الآثار الفلسطيني وعلى ما فيه من مخطوطات البحر الميت، خلافًا لأحكام القانون الدولي الواردة في اتفاقية لاهاي لعام 1954 (وبروتوكولَيها الأول والثاني) بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاعات المسلحة بما فيها الاحتلال.
محتوى المخطوطات
تعد مخطوطات البحر الميت ذات قيمة علمية وتاريخية كبيرة؛ إذ تشتمل على أقدم نصوص وصلتنا من العهد القديم، فمخطوطات البحر الميت أقدم نصوص وصلتنا مشتملة على نصوص العهد القديم - خلا بردية ناش Nash Papyrus من مصر - بعد أنْ كانت النسخة الأقدم من العهد القديم ترجع إلى القرن التاسع الميلادي. كما أن هذه المخطوطات تُعد شاهدًا على الحركات الدينية والعقائدية المختلفة التي سادت في فلسطين قبل ألفَي عام. ولا تتساوى مخطوطات البحر الميت في قيمتها، لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون. فمن حيث الشكل، تتضمن المخطوطات جذاذات لا تزيد مساحتها على سنتمتر مربع، وتتضمن، في الوقت نفسه، لفائف كاملة، يزيد طول أكبرها، وهي لفيفة المعبد، على ثمانية أمتار. أما من حيث المضمون، فلا تزيد بعض النصوص على أنْ تكون نسخًا طبق الأصل من نصوص العهد القديم المعتمد، في حين تعد نصوص أخرى شواهد على توجهات دينية في اليهودية لم تكن معروفة من قبل.
وتشتمل مخطوطات البحر الميت على ما يزيد على مائتي نص من نصوص العهد القديم. وقد وصلتنا نصوص من أسفار العهد القديم كله ما عدا سفرَي إستير ونحميا. وعُثِر في قُمْران على نصوص توراتية أخرى، لم تدخل النسخة المعتمَدة من العهد القديم، وتمثل هذه نحو ربع مخطوطات البحر الميت. ومن أمثلة هذه النصوص سفر أخنوخ الأول، وكتاب اليوبيلات، وعهد لاوي الآرامي. وثمة ما يقرب من مائتي نص آخر تتضمن التصورات العقائدية والتنظيمية للجماعة التي يمكن أنْ تكون قد سكنت في قُمْران. ومن هذه النصوص تأويلات لنصوص العهد القديم، ونصٌّ باسم "قانون الجماعة"، وآخر باسم "لفيفة الحرب". وثمة نصٌّ يخالف هذه النصوص جميعًا في طبيعته، ألا وهو "اللفيفة النحاسية" التي تتضمن، فيما يبدو، قائمة بمواقع خُبئت فيها كنوز. وثمة، إلى ذلك، نصوص إدارية، عُثر على أكثرها في مِصدُة.
أما ما بقي من النصوص، وهو يزيد على عشرة في المائة منها، فلم يتمكن دارسو مخطوطات البحر الميت من تحديد محتواه. ويبدو أن اهتمام القدماء بهذه النصوص لم يكن واحدًا؛ فنجد من بعض النصوص نسخًا كثيرة، ولا نجد من نصوص أخرى سوى نسخة واحدة.
لا تتساوى مخطوطات البحر الميت في قيمتها، لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون، فمن حيث الشكل تتضمن المخطوطات جذاذات لا تزيد مساحتها على سنتمتر مربع، وتتضمن، في الوقت نفسه، لفائف كاملة، يزيد طول أكبرها، وهي لفيفة المعبد، على ثمانية أمتار. أما من حيث المضمون، فلا تزيد بعض النصوص على أن تكون نسخًا طبق الأصل من نصوص العهد القديم المعتمَد، في حين تُعد نصوص أخرى شواهد على توجهات دينية في اليهودية لم تكن معروفة من قبل.
مخطوطات البحر الميت وتاريخ العهد القديم
قبل اكتشاف مخطوطات البحر الميت كان العهد القديم معروفًا لدينا من خلال نص واحد معتمد، أقدم نسخة وصلتنا منه ترجع إلى القرن التاسع الميلادي. إلا أن دارسي العهد القديم يتفقون، في كل حال، في أن نص العهد القديم في صورته اليوم، يمثل نتاجًا لمدارس فكرية ودينية عديدة، عملت فيه إضافة وحذفًا وتحريرًا، بحسب ما قضت نظراتها العقائدية، ولم ترفع هذه الاتجاهات يدها عن نص العهد القديم إلا في وقت ما من القرن الثاني قبل الميلاد يومَ عد الكهنةُ نص العهد القديم نصًّا مقدسًا، قانونيًّا، ما عاد يمكن الحذف منه، أو الإضافة إليه، أو التعديل فيه.
فلما اكتُشِفت مخطوطات البحر الميت بما فيها من نصوص توراتية، انصب الاهتمام العلمي على معرفة موقع هذه النصوص من نص العهد القديم المعتمَد. فتبين للباحثين أن هذه النصوص توافق النص المعتمد في مواضع وتخالفه في أخرى. وربما كان السبب في المخالفة أن مخطوطات البحر الميت تأخذ عن نصوص مبكرة، سبقت اعتماد النص التوراتي. ولعل السبب في مخالفة مخطوطات البحر الميت للنص المعتمَد أن القول بوجود اتجاه ديني يهودي واحد، ونص معتمَد واحد في فلسطين في الفترة ما بين القرن الثاني قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي قول غير دقيق، فالنص المعتمَد يمثل، كما تدل مخطوطات البحر الميت نصًّا من نصوص عديدة للعهد القديم.
ولأهمية هذا الموضوع، وزيادة في الإيضاح، نضرب مثالاً عليه نص سِفر الخروج من العهد القديم. فقبل اكتشاف مخطوطات البحر الميت كنا نعرف سفر الخروج من ثلاثة مصادر، هي النسخة المعتمَدة للعهد القديم، المسماة النسخة الماسُورية، وترجمة سفر الخروج إلى اليونانية ضمن الترجمة السبعينية التي أُعدت في القرن الثالث قبل الميلاد، وهي تشبه النص الماسوري شبهًا شديدًا، إلا أنها تخالفه في مواضع كثيرة جدًّا مخالفة يسيرة، مما يدل على أن الأصل الذي تُرجمِت عنه مختلف عن الأصل الذي وصلنا منه النص الماسوري. أما المصدر الثالث لسفر الخروج فكان النص الموجود في التوراة السامرية التي تُدخل في نص السِفر مقتطفات من أسفار التوراة الأخرى
فلما اكتُشِفت مخطوطات البحر الميت تبين أن من بينها ستة عشر نصًّا ذا صلة بسفر الخروج، واحد من الكهف الأول، وآخر من الكهف الثاني، وأحد عشر نصًّا من الكهف الرابع، بالإضافة إلى نص من وادي مربعات. وقد تبين للدارسين أن النص الأخير مطابق للنص الماسوري، في حين أن أحد نصوص الكهف الرابع، والذي يتضمن الأصحاحات السادس إلى السابع والثلاثين من سِفر الخروج يشبه نص التوراة السامرية، لكنه لا يأخذ بما فيها من زيادات تتفق مع الطبيعة العقائدية لهذه الجماعة، كجعل التعبد على جبل جرزيم وصية من الوصايا العشر. وهذا يدل على أن النص القُمْراني والتوراة السامرية استندا إلى أصل واحد يسبق زمن انفصال السامريين العقائدي عن الخط الرسمي للعهد القديم، فلما انفصل السامريون أدخلوا في هذا الأصل تعديلات تتفق مع فهمهم العقائدي. وثمة نصٌّ آخر من الكهف الرابع يتضمن أجزاءً من الأصحاحات الخمسة الأولى من سِفر الخروج، وهو قريب جدًّا من الترجمة السبعينية، مما يدل على أنهما استندا إلى أصل واحد. وبالإضافة إلى هذه النسخ من سِفر الخروج ثمة نصوص عديدة أخرى في مخطوطات البحر الميت غير توراتية، تُعيد صياغة هذا السفر مدخلة فيه تعليقات ونصوصًا من خارجه.
مخطوطات البحر الميت وجماعة قُمْرانسعى الباحثون إلى معرفة الناس الذين خلفوا هذه النصوص في كهوف قُمْران، وما لبثوا أنْ تنبهوا إلى وجوه الشبه العديدة بينهم وبين جماعة الأسينيين الذين ذكرهم غير واحد من المؤرخين القدامى. فقد كان هؤلاء وصفوا مكان سكنى الأسينيين، وعقائدهم، وممارساتهم اليومية، وموقفهم من الديانة اليهودية الرسمية التي كان يمثلها كهنة معبد القدس، مما يشبه كثيرًا العقائد والممارسات التي تذكرها نصوص قُمْران.
وقد رمت الدراسات منذ ذلك الحين إلى فهم عقيدة هؤلاء الناس التي كانت قائمة فيما يبدو على انتظار المخلص الذي سيأتي في آخر الزمان، وذلك بحسب التعاليم التي كان جاء بها "الرجل الصالح". والتزم هؤلاء في حياتهم نظامًا صارمًا في الطهارة، وكانوا فيما يبدو يعدون أنفسهم إعدادًا حربيًّا، وقيل إنهم كانوا جماعة من الرجال حصرًا.
وعلى أية حال، فقد أعاد غير واحد من الباحثين في السنوات الأخيرة النظر في هذه النظريات. فيتساءل كثير من الباحثين اليوم إنْ كان يجوز النظر إلى هذه النصوص كلها على أنها "مكتبة" لجماعة دينية محددة؛ فالنصوص تشتمل على مفاهيم عقائدية متباينة يبعد أن تأخذ بها جماعة واحدة، بل إن الشك تطرق أيضًا إلى صلة النصوص المكتشفة في كهوف قُمْران بالآثار المكتشفة في خربة قُمْران وخربةالفَشْخَة القريبة منها؛ خاصة بعدما دلت التنقيبات الأخيرة على أن المبنى الذي حسبه المنقبون الأوائل غرفة لنسخ المخطوطات في خربة قُمْران ليس سوى ورشة لصناعة الفخار، فذهب بعض الباحثين إلى أن المخطوطات كانت محفوظة في مكتبات مختلفة في القدس، أو في معبد القدس تحديدًا. كما أن اعتبارات تاريخية وعسكرية أخرى تمنع في نظر دارسين آخرين من أن تكون جماعة خارجة على سلطة القدس قد تحكمت بتلك المنطقة الإستراتيجية تجاريًّا وعسكريًّا.
وجملة القول في هذه المسألة أن بعض الباحثين بات يرى اليوم أن النصوص المكتشفة في كهوف قُمْران ليست من نتاج جماعة واحدة، بل تمثل مؤلفات لجماعات دينية مختلفة، وأن جماعة في قُمْران ربما خلفت قسمًا من تلك النصوص.
مخطوطات البحر الميت ونشأة المسيحيةزادتنا مخطوطات البحر الميت معرفة بصلة الديانة اليهودية بأصول الديانة المسيحية. فتجد وجوه شبه عديدة ما بين العقائد والممارسات لدى جماعة قُمْران ولدى المسيحيين الأوائل؛ فالجماعتان تمارسان العُماد، ويتشارك الأفراد فيهما في الطعام والمال، كما وتوجد وجوه شبه أشد في تنظيم الجماعتين. بل، وزعم باحثون أن بعض نصوص قُمْران هي أصول لبعض نصوص العهد الجديد. ويرى أكثر الباحثين أن تعاليم قُمْران وتعاليم المسيحية الأولى ترجع إلى مصدر يهودي مشترك، دون أنْ تكون ثمة صلة مباشرة ما بين جماعة قُمْران والديانة المسيحية.
جوانب أخرى في مخطوطات البحر الميتعلى الرغم من أن مخطوطات البحر الميت في أكثرها نصوص دينية، إلا أنها تتضمن معلومات كثيرة عن القيم الاجتماعية والعلاقات الاقتصادية والسياسية في ذلك الوقت. وتتخذ هذه المادة أهمية كبيرة نتيجة لتحول الاهتمام في العقود الأخيرة في مجالَي علم التاريخ والآثار إلى الاهتمام بالأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للنصوص القديمة، بالإضافة إلى الأبعاد السياسية والتاريخية. وبدأ كثير من الباحثين في السنوات الأخيرة بعقد دراسات تتناول وضع المرأة والعلاقات الأسرية وسوى ذلك من المسائل الاجتماعية في مخطوطات البحر الميت.نشر المخطوطات
حاز موضوع نشر مخطوطات البحر الميت، وما أصاب نشرها من تأخير شديد، اهتمامًا عامًّا كبيرًا، حتى زاد على الاهتمام بموضوع المخطوطات نفسها في بعض الأحيان. وكان العلماء سارعوا أول الأمر إلى نشر ما اكتُشِف من مخطوطات. وخف الإسرائيليون كذلك، أول الأمر، إلى نشر النصوص؛ فنشروا بحلول عام 1955 ما كانوا وضعوا يدهم عليه منها.
وكانت دائرة الآثار الأردنية أدركت أن عدد النصوص المكتشفة كبير، يستحيل على باحث نشره منفردًا، فشكلت عام 1953 فريقًا علميًَا دوليًّا من ثمانية أفراد ليتولى نشر النصوص المكتشَفة في الأردن، وعُين الأب رولا دو فو Roland de Vaux، من الكلية التوراتية في القدس، رئيسًا للفريق. واتفق أنْ تُنشر النصوص في مجلدات بعنوان "اكتشافات في الصحراء اليهودية" Discoveries in the Judean Desert، صدر المجلد الأول منها عام 1955. إلا أن الفريق الدولي، لم ينهض إلى النشر إلا ببطء شديد؛ فلم يُصدِر حتى عام 1967 إلا ثلاثة مجلدات من السلسلة المشار إليها.
وزاد احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967 الأمر تعقيدًا؛ إذ وضعت يدها بعد الاحتلال– خلافًا للقانون الدولي – على المخطوطات الموجودة في المتحف الفلسطيني، والتي كان الفريق الدولي يعمل على نشرها بتكليف من دائرة الآثار العامة الأردنية. وانبتت صلة دائرة الآثار الأردنية عمليًّا بالفريق الدولي بعد احتلال الضفة الغربية، ونصبت دائرة الآثار الإسرائيلية نفسها مسؤولة عن الفريق، فتمنع عن التعاون معها، ولم ينشر ما يستحق الذكر في السنوات التالية، واقتصر النشر على نصوص متفرقة نشرها الإسرائيليون. ودام الأمر على هذا الحال حتى أواسط الثمانينات، حين بدأت الأوساط العلمية تشكو شكوى شديدة من التأخير في نشر المخطوطات، وتعترض على استئثار الفريق الدولي والإسرائيليين بحقوق نشر النصوص. وقد أُخذ على الفريق الدولي أنه أوكل لعدد قليل من الباحثين نشر قدر كبير جدًّا من النصوص كان جليًّا منذ البداية أنهم لن يطيقوا له نشرًا. ثم إن ثمة مَن اعترض على أن عضوية الفريق الدولي اقتصرت منذ البداية على المسيحيين، الكاثوليك خاصة، وأقصت اليهود عن دراسة مخطوطات البحر الميت. أما الإسرائيليون فجمعوا إلى هذا الاعتراض الأخير اعتراضًا سياسيًّا، فأكثر مخطوطات البحر الميت بات منذ عام 1967 في حوزة إسرائيل، فما كانت ترضى أنْ تظل الولاية في نشرها ودراستها لسواها. وقد أنتجت هذه الأسباب مجتمعة جوًّا من الريبة بين الأطراف ذات العلاقة، فاتهم الفريق الدولي الكاثوليكي بتأخير النشر سعيًا منه إلى كتمان معلومات عن نشأة المسيحية يكره انتشارها. واتهم الإسرائيليون أيضًا بأنهم أعاقوا نشر النصوص لأن فيها عن الديانة اليهودية ما لم يرتضوا أنْ تعرفه الناس.
وقد أثمرت هذه الضغوط أول الأمر بأنْ زِيد عام 1984 عدد أفراد الفريق الدولي، جُعِل من بينهم غير واحد من اليهود والإسرائيلييِن. وفي العام نفسه عين الإسرائيليون الإسرائيلي إيمانويل طوف Emanuel Tov رئيسًا للفريق الدولي، فوضع الإسرائيليون بذلك يدهم على عملية نشر المخطوطات كلها تقريبًا. وزاد طوف عدد العاملين في الفريق الدولي إلى خمسة وخمسين باحثا، من بينهم عدد غير قليل من الإسرائيليين
وحدث بعد ذلك بقليل التحول الرئيس في تاريخ نشر المخطوطات. وكان من أهم الأشخاص الذي ألحوا على رفع القيود عن النصوص غير المنشورة هيرشيل شانكس Hershel Shanks رئيس تحرير مجلةBiblical Archaeologist Review. وترافق ذلك مع نشر بن تسيون واتشهولدر Ben Zion Wachholder ومارتين أبيغ Martin Abegg من كلية الاتحاد اليهودي Hebrew Union College بسينسيناتي استبناءً حاسوبيًّا لمخطوطات البحر الميت التي لم تُنشَر بعد، مستعينَين بأصول حصلا عليها من نسخ موجودة لدى بعض أعضاء الفريق الدولي.
كل هذا أدى إلى ازدياد الضغوط على الفريق الدولي وعلى دائرة الآثار الإسرائيلية، فبدأت جهات عدة تنصاع للضغوط، فسربت جهات لم يُعلَن عنها، ويغلب أنها إسرائيلية، حوالي 1800 صورة لمخطوطات غير منشورة لروبرت آيزنمان Robert Eisenman من جامعة لونغ بيتش بكاليفورنيا، كما أن مكتبة هنتنغتون Huntington Library بسان مارينو بكاليفورنيا أتاحت لكل "الباحثين المؤهلين" المجال للاطلاع على صور مخطوطات البحر الميت المحفوظة لديها على أفلام. فأدركت دائرة الآثار الإسرائيلية والفريق الدولي أنه لم يعد ثمة بدٌّ من رفع القيود عن الاطلاع على ما لديها من مخطوطات ونشرها.
ونتج عن ذلك أنْ صدر في الفترة ما بين عامَي 1992 و2005 تسعة وعشرون مجلدًا من مجلدات سلسلة "اكتشافات في الصحراء اليهودية (من الأردن)"Discoveries in the Judean Desert (of Jordan) التي تُنشَر فيها المخطوطات، بالإضافة إلى مخطوطات نشِرت في مواضع أخرى، بعد أنْ كان مجموع ما صدر منها في الفترة ما بين 1955 و1991 ثمانية مجلدات وحسب. وخلا ثلاثة مجلدات من هذه السلسلة أُعلِن عنها ولم تصدر بعد؛ فإن نشر نصوص مخطوطات البحر الميت يُعَد اليوم في حكم المُنجَز.
لغتها وخطهاكُتب ما يقرب من ثمانين في المائة من مخطوطات البحر الميت بالعبرية، وكُتب الباقي بالآرامية، خلا عدد قليل من النصوص كُتب باليونانية. فقد استُخدمت العبرية لكتابة النصوص الدينية على الرغم من أنها كانت لغة ميتة آنذاك؛ لأن الآرامية، لغة ذلك العصر، عُدت غير أهل لكتابة النصوص المقدسة، واقتصر استخدامها على النصوص غير التوراتية. واستخدم الكُتاب الخط العبري القديم في كتابة بعض النصوص، وفي كتابة اسم الإله العبري "يهوه"، تنزيهًا له من أنْ يُكتب بالخط الآرامي المربع. كما كُتبت بعض النصوص بخط سري، اصطلح الباحثون على تسميته Cryptic A.
تأريخ المخطوطاتلما كانت مخطوطات البحر الميت في أكثرها نصوصًا دينية، فلم يُؤرخ الكتبة أيًّا منها. كما أن النصوص لا تتضمن إشارات صريحة إلى أشخاص تاريخيين أو إلى أحداث تاريخية، فتسهل نسبتها إلى فترة تاريخية معينة. وقد اعتمد الباحثون على أدوات مختلفة في تأريخ المخطوطات من أهمها الخط، فأرخوها بحسب تطور الخط إلى فترة تبدأ في أواخر القرن الثالث قبل الميلاد وتمتد إلى حوالي عام 70 ميلادية. وهذا التأريخ الأخير ناشئ عن الافتراض بأن النصوص خبأها كاتبوها في كهوف قُمْران عندما فروا إلى الكهوف هربًا من الجيش الروماني بعد الثورة اليهودية الأولى في فلسطين التي بدأت في حوالي عام 66 ميلادية.
وتأكد هذا التأريخ للمخطوطات باستخدام الطرق العلمية الحديثة في تأريخ المواد العضوية، فقد جاءت نتائج الفحوص بطريقة الكربون المشع 14 موافِقة للتأريخ الذي توصل إليه المختصون بتطور الخطوط، وأكدته كذلك اللقى الأثرية التي عُثر عليها في خربة قُمْران، وخربة الفَشْخَة، وسوى ذلك من المواقع القريبة من كهوف قُمْران.
المواد التي كُتبت عليهاكُتبت مخطوطات البحر الميت على مواد مختلفة، ويبدو أن طبيعة النص كانت عاملاً في اختيار مادة الكتابة، فأكثر نصوص العهد القديم كُتب على الرق، في حين كُتب أكثر الرسائل والنصوص الاقتصادية على البردي. وفي حالة واحدة استُخدم النحاس في كتابة "اللفيفة النحاسية"؛ فطُرِقت الكتابة في النحاس طرقًا بدلاً من كتابتها على الرق أو البردي. ومن بين النصوص التي عُثر عليها في المواقع الأثرية القريبة من البحر الميت نصوص مكتوبة بالحبر على الفخار، وهي ذات موضوعات إدارية واقتصادية.
المفضلات