قالوا: ليس في كتابنا المقدس شيء يسمى بعذاب القبر ونعيمه ،فهذه أسطورة أخترعها نبيُّ الإسلام... فكم خوفت المسلمين أنفسهم قبل غيرهم... !
فهل عذاب القبر ونعيمة حقيقة أم خرافة أيها المسلمون...؟!
كان اعتمادهم على ما سبق بالأحاديث التي وردت بهذا الشأن منها ما يلي:
1- صحيح البخاري بَاب (عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْغِيبَةِ وَالْبَوْلِ) برقم 1289 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-
مَرَّ النَّبِيُّ r عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ مِنْ كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ: بَلَى أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ عُودًا رَطْبًا فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَبْرٍ ثُمَّ قَالَ:" لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا".
2-صحيح البخاري بَاب (التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) برقم 1288 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَدْعُو وَيَقُولُ:" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ".
3- صحيح البخاري بَاب (التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي الْكُسُوفِ ) برقم 991 عَنْ عَائِشَةَ -زَوْجِ النَّبِيِّ r-أَنَّ يَهُودِيَّةً جَاءَتْ تَسْأَلُهَا فَقَالَتْ لَهَا: أَعَاذَكِ اللَّهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ r أَيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ rذَاتَ غَدَاةٍ مَرْكَبًا فَخَسَفَتْ الشَّمْسُ فَرَجَعَ ضُحًى فَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ r بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْحُجَرِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي وَقَامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ وَانْصَرَفَ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
4-صحيح البخاري بَاب التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ برقم 5889 - عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ فَقَالَتَا لِي :إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ فَكَذَّبْتُهُمَا وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا فَخَرَجَتَا وَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ r فَقُلْتُ لَهُ :يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَجُوزَيْنِ وَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: صَدَقَتَا إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ كُلُّهَا فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِي صَلَاةٍ إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
5- صحيح البخاري برقم 1280 عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: إِذَا أُقْعِدَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أُتِيَ ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ }
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا وَزَادَ{ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا } نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ
6-سنن ابن ماجة برقم 4259 عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ }
قَالَ :نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ يُقَالُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ }
تحقيق الألباني : صحيح ، ابن ماجة ( 4269 ).
7- صحيح البخاري برقم 5890 عن أَنَس بْن مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قال: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ r يَقُولُ:" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَالْهَرَمِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ".
8- سنن الترمذي برقم 1586 عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :" لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ"
قَالَ أَبُو عِيسَى:" هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ".
تحقيق الألباني : صحيح أحكام الجنائز ( 35 - 36 ) ، التعليق الرغيب ( 2 / 194 )
9-سنن الترمذي برقم 2815 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَرَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r خِبَاءَهُ عَلَى قَبْرٍ وَهُوَ لَا يَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ حَتَّى خَتَمَهَا فَأَتَى النَّبِيَّ r فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنِّي ضَرَبْتُ خِبَائِي عَلَى قَبْرٍ وَأَنَا لَا أَحْسِبُ أَنَّهُ قَبْرٌ فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ تَبَارَكَ الْمُلْكِ حَتَّى خَتَمَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :"هِيَ الْمَانِعَةُ هِيَ الْمُنْجِيَةُ تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ".
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
تحقيق الألباني : ضعيف ، و إنما يصح منه قوله : " هي المانعة ..... " ، الصحيحة ( 1140 ) // ضعيف الجامع الصغير ( 6101 ) ، المشكاة ( 2154 )
10- مسند أحمد برقم 11680 عن أَنَس بْن مَالِكٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ r بِحَائِطٍ لِبَنِي النَّجَّارِ فَسَمِعَ صَوْتًا مِنْ قَبْرٍ فَقَالَ: مَتَى مَاتَ صَاحِبُ هَذَا الْقَبْرِ؟ قَالُوا:مَاتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ:" لَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ عَذَابَ الْقَبْرِ".
تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين.
الرد على الشبهة
أولاً:إن عذاب القبر ونعيمه ليس أسطورةً ابتدعها محمدٌ r ،بل كان هذا الأمر مشهور قبله r عند اليهود بدليل حديث المرأتان اليهوديتان عنه لعائشة -رضي الله عنها- ... وذلك ما ثبت في صحيح البخاري بَاب التَّعَوُّذِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ برقم 5889 - عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ عَجُوزَانِ مِنْ عُجُزِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ فَقَالَتَا لِي :إِنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ فَكَذَّبْتُهُمَا وَلَمْ أُنْعِمْ أَنْ أُصَدِّقَهُمَا فَخَرَجَتَا وَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ r فَقُلْتُ لَهُ :يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَجُوزَيْنِ وَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: صَدَقَتَا إِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَذَابًا تَسْمَعُهُ الْبَهَائِمُ كُلُّهَا فَمَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ فِي صَلَاةٍ إِلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
ثم إن القران الكريم أخبر عن عذاب إل فرعون - وهم من الأمم السابقة- أنهم يعرضون على النار غُدُوًّا وَعَشِيًّا قبل القيامة والحساب ...وذلك من قولِه I: ]فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) [ (غافر)
ثانيًا:إن علماءَ المسلمين اختلفوا في ماهية العذاب والنعيم ،هل يقع على الروح، أم الجسد ،أم الروح والجسد؟
جاء في كتاب الروح لأبن القيم (ج1 /ص 50 /52): قال شيخُ الإسلام الأحاديث الصحيحة المتواترة تدل على عود الروح إلى البدن وقت السؤال وسؤال البدن بلا روح قول قاله طائفة من الناس وأنكره الجمهور وقابلهم آخرون فقالوا السؤال للروح بلا بدن وهذا قاله ابن مرة وابن حزم وكلاهما غلط والأحاديث الصحيحة ترده ولو كان ذلك على الروح فقط لم يكن للقبر بالروح اختصاص وهذا يتضح بجواب المسألة
وهي قول السائل هل عذاب القبر على النفس والبدن أو على النفس دون البدن أو على البدن دون النفس وهل يشارك البدن النفس في النعيم والعذاب أم لا
وقد سُئل شيخُ الإسلام عن هذه المسألة ونحن نذكر لفظ جوابه فقال: بل العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعًا باتفاق أهل السنة والجماعة تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن وتنعم وتعذب متصلة بالبدن والبدن متصل بها فيكون النعيم والعذاب عليها في هذه الحال مجتمعين كما تكون على الروح منفردة عن البدن وهل يكون العذاب والنعيم للبدن بدون الروح؟ هذا فيه قولان مشهوران لأهل الحديث والسنة ،وأهل الكلام وفي المسألة أقوال شاذة ليست من أقوال أهل السنة والحديث قول من يقول: إن النعيم والعذاب لا يكون إلا على الروح وان البدن لا ينعم ولا يعذب وهذا تقوله الفلاسفة المنكرون لمعاد الأبدان وهؤلاء كفار بإجماع المسلمين ويقوله كثير من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم الذين يقرون بمعاد الأبدان لكن يقولون لا يكون ذلك في البرزخ ؛ وإنما يكون عند القيام من القبور لكن هؤلاء ينكرون عذاب البدن في البرزخ فقط ويقولون: إن الأرواح هي المنعمة أو المعذبة في البرزخ فإذا كان يوم القيامة عذبت الروح والبدن معًا وهذا القول قاله طوائف من المسلمين من أهل الكلام والحديث وغيرهم وهو اختيار ابن حزم وابن مرة فهذا القول ليس من الأقوال الثلاثة الشاذة بل هو مضاف إلى قول من يقول بعذاب القبر ويقر بالقيامة ويثبت معاد الأبدان والأرواح ولكن هؤلاء لهم في عذاب القبر ثلاثة أقوال
أحدها أنه على الروح فقط
الثاني: أنه عليها وعلى البدن بواسطتها .
الثالث: أنه على البدن فقط وقد يضم إلى ذلك القول الثاني :وهو قول من يثبت عذاب القبر ويجعل الروح هي الحياة ويجعل الشاذ قول منكر عذاب الأبدان مطلقًا وقول من ينكر عذاب الروح مطلقًا فإذا جعلت الأقوال الشاذة ثلاثة فالقول الثاني الشاذ قول من يقول إن الروح بمفردها لا تنعم ولا تعذب؛ وإنما الروح هي الحياة وهذا يقوله طوائف من أهل الكلام من المعتزلة والأشعرية كالقاضي أبى بكر وغيره وينكرون أن الروح تبقى بعد فراق البدن وهذا قول باطل وقد خالف أصحابه أبو المعالي الجريني وغيره بل قد ثبت بالكتاب والسنة واتفاق الأمة أن الروح تبقى بعد فراق البدن وأنها منعمة أو معذبة والفلاسفة الإلهيون يقرون بذلك لكن ينكرون معاد الأبدان وهؤلاء يقرون بمعاد الأبدان لكن ينكرون .أهـ
قلتُ : إنني متفقٌ تمامَا الاتفاق مع ابنِ حزمِ -رحمه اللهُ – على أن عذاب القبر ونعيمه يكون على الروح فقط دون الجسد ،فالجسد يبلي بعد أن يأكله الدود وتبقى الروح إلى أن تقام القيامة...وهناك من تتمزق أشلائه في طائرة انفجرت ...
إن العذاب والنعيم على الروح يشبه الشخص النائم الذي يرى في منامه حلمًا جميلاً لا يريد أن يستيقظ منه ،وهذا هو نعيم القبر ،وقد يري حلمًا مفزعًا يُعذب منه ويريد أن يستيقظ منه ؛لأن العذابَ شديدٌ،فإن كان في الدنيا من أصحابِ الأموال ولا يؤدي الزكاة ،يرى في حلمه ثعبانًا اقرعًا يقول له: أنا مالك أنا كنزك ...وهذا ما جاء في صحيح البخاري برقم 4199 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِrَ: مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ يَقُولُ : " أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ " ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: { وَلَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ.
حتى ضمة القبر التي ما نجا منها أحدٌ ما هي إلا حلم يحلم الإنسان أن القبر يضيق عليه ثم بعدها يحلمُ بِحلُم سعيد ،أو موحش إلى أن تُقام الساعة؛ يُحاسب حينها بالروح والبدن معا...أدلتي على ذلك كثيرة منها:
1- قوله I : ]وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54) [ (يس)
نلاحظ قولَه I: ] قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا[.أي: من أيقظنا من نومنا..
2- قولهI عن يوم القيامة: ]يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) [ (النور)
3-قولهI: ] إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) [ (النساء).
فعلى ما سبق يتضح لنا:أن الأمر بسيط وليس فيه تخويف للمسلمين قبل غيرهم كما أدعى المعترضون ...فعلى الإنسان أن يتقى الله تعالى لينعم بعد موته....
ثالثًا : إن المنصرين لا يعرفون مصيرهم بعد موتهم المباشر أعني: (خروج الروح من الجسد ،والدفن بعدها..) وهذا لا يدل على كمال شريعتهم.... فكتبهم- العهد القديم والجديد- تخلوا تمامًا عن ذكرهذه المرحلة التي قبل القيامة(القبر) ...
إنهم يعرفون ملكوت الله - جنته -،وبحيرة النار الكبريت(جهنم) فقط ...والعجيب أنهم يقولون: إن العذابَ في جهنم يقع على الروح والجسد ،ولكن النعيم في الجنة يقع على الروح فقط ...وهذا قول غريب لا دليل عليه من كتابهم المقدس؛فهذه هي نصوص كتابهم :
1-بحيرة النار والكبيرة للأشرار... وذلك في سفر رؤيا يوحنا إصحاح 20 عدد10وَإِبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِيُّ الْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلاً إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.
2- العذاب الاخروي يقع على الروح والجسد معًا، وذلك في إنجيل متى إصحاح 5 عدد29فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ. 30وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ، لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ.
3- النعيمُ الأبدي يقع على الروح والجسد معًا،وذلك ما جاء في ثلاثة نصوص :
النصُ الأول:جاء في موضعين من إنجيل متى هما:
الأول: إصحاح 16 عدد 19وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ».
الثاني: إصحاح 18 عدد 18 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ.
نلاحظ من خلال ما سبق هذه العبارة: وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاءِ.
والمعنى: أن أي شيء حلال ليس بمحرم في الدنيا ،مثل الجنس الحلال- الزواج- والأكل ... يكون حلالاً في جنةِ الرب ...
النصُ الثاني: إنجيل متى إصحاح 19 عدد27فَأَجَابَ بُطْرُسُ حِينَئِذٍ وَقَالَ لَهُ:«هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ. فَمَاذَا يَكُونُ لَنَا؟» 28فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي، فِي التَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ابْنُ الإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ. 29وَكُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولاً مِنْ أَجْلِ اسْمِي، يَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ وَيَرِثُ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ.
النصُ الثالث: إنجيل متى إصحاح 26 عدد 29وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ الآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هذَا إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أَبِي».
نلاحظ أن هناك شرب نِتَاجِ الْكَرْمَةِ في الملكوت،وبالتالي فالنعيم يكون على الروح والجسد....
وهنا يظهر لنا تناقض بين هذا النص وبما جاء على لسان بولس الرسول في رسالته إلى أهل رمية إصحاح 14 عدد17لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلاً وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ.
قلتُ: إن التناقض واضحٌ جدًا ففي النصِ الأول: نجد أن يسوع يشرب مع التلاميذ في الملكوت من نتاج الكرمة...
والنص الثاني :فيه أن بولس يقول: لا يوجد أكل، ولا شرب في الملكوت ...لا تعليق!
كتبه الشيخ /أكرم حسن مرسي
نقلا عن كتابه رد السهام عن خير الأنام محمد - عليه السلام-
المفضلات