بقلم أ. د. زينب عبدالعزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
تقف الكلمات مريرة في الحلق وهي تحاول وصف ما آل إليه حال المسلمين في كل مكان، خاصة في العراق. تقف الكلمات حبيسة عصية باكية وهي تجاهد لفهم كيف أمكن تدبير أمر شاحنتين كبيرتين مملوءتين بالمتفجرات لتنسف قرية بأسرها، بكل من فيها، تزيلها من الوجود في لحظة!. ستون بيتا هي كل قرية "الكبة والشريخان" التي يسكنها السنة والشيعة من أبناء القومية التركمانية في محافظة الموصل، امَّحت من الوجود بكل من تضمهم وتؤويهم من نساء وأطفال ورجال ومسنين وبراعم متفتحة من الشباب وجدران آمنة، تحولت في لا زمن إلى أشلاء متفحمة يغلفها الدخان الأسود، لتُخْمَد أنفاسُهُم ونبضاتهم تحت الأنقاض الدامية..
وقعت تلك المأساة/الجريمة منذ أيام.. في السادس من شهر أغسطس 2009، الموافق نصف شعبان!.. ويا للعار.. في ذلك اليوم الذي جرى العرف بين جميع المسلمين -أينما كانوا- أن يتعبدوا فيه.. يتلون القرآن الكريم ويستعدون لاستقبال شهر رمضان المعظم.. وإذا به في لحظة غدر آثمة يتحول إلى جريمة قتل جماعي مروعة، تعجز العبارات عن وصف خستها وإجرامها..
وتقف الكلمات هلعة مذعورة: فالقاتل مسلم، والقتيل مسلم، والخائن مسلم، والوطني مسلم، والعميل المتواطئ مع المستعمِر مسلم.. بأي منطق يا ربّي يمكن أن يكون القتَلة والقتلى والخونة والأمناء والشرفاء والعملاء كلهم مسلمون يدينون بالإسلام ويلتفون تحت رايته، بينما المنتصر الوحيد في كل هذه المأساة الممتدة والمفروضة هو الغرب الصليبي المتعصب، الذي نجح وبرع في دس الفتنة والوقيعة والقتل والغدر، وكل ما هو بعيد عن القيم الإسلامية، بين أبناء البلد الواحد، والشعب الواحد، والوطن الواحد..
وترتجف الكلمات انفعالا في الحلق.. أتُقدَّم التعازي والمواساة وطلب الرحمة والجنة كمثوى للضحايا الآمنة.. أم تصبّ اللعنات على الخونة والعملاء والجهلاء الذين بتواطئهم مع المستعمِر يقومون بتحقيق مقولة القس زويمر، كبير المبشرين، الذي جال بين بلدان المسلمين في مطلع القرن العشرين وخرج بنتيجة واحدة ليعلن: "أنه لن يقتلع الإسلام إلا أيدي بعض المسلمين من الداخل".. و "من الداخل" هذه تعني حفنة ضالة عميلة خائنة من كل بلد من بلدان المسلمين.. وهو ما يدور حاليا بكل مرارة وأسف..
وتعجز كل محاولات الفهم أن تستوعب: كيف يمكن بعد كل ما تكشّف من حقائق وإثباتات تدين الغرب المسيحي المتعصب بعامة، والسياسة الأميركية بخاصة، والتي ثبت بالقطع أنها سياسة قائمة على الأكاذيب والخدع والتهم الملفّقة، لتبرير حربها الاستعمارية ضد الإسلام والمسلمين، وقد أعلنها جورج بوش صراحة، ثم يتواصل مسلسل الخيانة والتواطؤ والتفريط في الوطن وفي الدين وفي كرامة المسلمين في كل مكان؟!
أليس من الأكرم والأصوب أن نتوقف لحظة، لتأمل ما نحن فيه بصدق، لتأمل ما آل إليه حال المسلمين في كل مكان؟. لنحصي عدد ملايين المسلمين الذين أُبيدوا منذ هذه الحرب الصليبية الدائرة، والتي بدأت بأكذوبة الحادي عشر من سبتمبر 2001؟! أليس من الأكرم والأكثر عقلا وإنصافا أن نتكاتف لصد تلك الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين، بدلا من أن ننساق في تيارها ومخططها، وبدلا من أن نتناحر وننسف بعضنا البعض، لصالح ذلك الغرب المخادع، القائم على تلّ من الأكاذيب المتراكمة والمفضوحة؟
أفيقوا أيها المسلمون.. وانظروا إلى أين أنتم منساقون..
وليرحمنا المولى، فلا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم..
12 / 8 / 2009
المفضلات