عقيدة التوحيد
مع أدلة القرآن
إن من أعظم ما كان عليه المشركون قبل مبعث الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو دعوى الشريك لله والولد، فجاء القرآن مملوءًا من تنزيه الله عن هذين وتنزيهه عن المثل والولد[1]، مثل ما ورد في سورة الإخلاص وسورة الأنعام في مثل قوله: ﴿ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الأنعام: 100].وفي سورة سبحان: ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ﴾ [الإسراء: 111].وفي سورة الكهف في أولها: ﴿ وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ﴾ [الكهف: 4] وفي آخرها: ﴿ أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ ﴾ [الكهف: 102] ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].وفي [مريم] تنزيهه عن الولد في أول السورة وآخرها ظاهر وعن الشريك في مثل قصة إبراهيم، وفي الأنبياء تنزيهه عن الشريك والولد، وكذلك في [المؤمنون]: ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ ﴾ [المؤمنون: 91] وأول الفرقان: ﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ﴾ [الفرقان: 2].والقصد منها الرد على المشركين المقرين بالصانع ومن جعلَ له ولدًا من المشركين وأهل الكتاب. أما مذهب الفلاسفة الملحدة فدائر بين التعطيل (أي إنكار الصانع) وبين الشرك والولادة كما يقولونه في الإيجاب الذاتي (أي الصدور عن الواحد). فإنه أحد أنواع الولادة، وهم ينكرون معاد الأبدان، وقد قرن بين هذا وهذا في الكتاب والسنة في مثل قوله: ﴿ وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ﴾ [مريم: 66، 67] إلى قوله: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ﴾ [مريم: 88]. وهذه في سورة مريم المتضمنة خطاب النصارى ومشركي العرب، لأن الفلاسفة داخلون فيهم، فإن اليونان اختلطوا بالروم فكان فيها خطاب هؤلاء وهؤلاء وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يقول الله تعالى: (شتمني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، وكذبني ابن آدم وما ينبغي له ذلك، فأما شتمه إياي فقوله أني اتخذت ولدًا وأنا الأحد الصمد لم يلد ولم أولد ولم يكن لي كفوًا أحد، وأما تكذيبه إياي فقوله لن يعبدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته)[2].الذرائع إلى الشرك:لما كان الإسلام دين التوحيد الخالص - كما بينا - فينبغي على المسلم المحافظة على هذه العقيدة بحيث لا تشوبها شائبة أيًا كانت.وهناك من الأمور التي تحوم حول الشرك - وتعد من الكبائر - نحذر منها ونفترض في البداية - بسبب عوامل التنشئة والتقليد الأعمى - والأمية الدينية أن من يفعلها يجهل أنها قد تؤدي إلى الشرك. أما إذا علم أنها كذلك وأصر عليها فإنها توقعه في الشرك بلا جدال. يقول الإمام الذهبي في كتاب (الكبائر): وأعلم أن كثيرًا من هذه الكبائر بل عامتها - إلا القليل - يجهل خلق من الأمة تحريمه، وما بلغه الزجر فيه ولا الوعيد. فهذا الضرب فيه تفصيل ينبغي للعالم أن لا يستعجل على الجاهل بل يرفق به ويعلمه مما علمه الله، ولا سيما إذا كان قريب العهد بجاهليته..)[3].ومنها:1- التوسل بالأضرحة والطواف حولها، إذ إن الاعتقاد بأن صاحب الضريح ينفع ويضر هو شرك حقيقي، على صاحبه أن يتوب منه، كذلك الطواف فلا يصح الطواف إلا حول الكعبة.2- الذبح والنذر لغير الله عز وجل.3- اتخاذ التمائم والأحجبة ظنًا أنها تؤدي إلى الحفظ والصيانة من أعين الناس.وقد حصرها - وغيرها - الإمام ابن رجب في الأفعال المنافية لتحقيق معنى (لا إله إلا الله) لأن تحقيقها (يقتضي أن لا إله غير الله والإله هو الذى يطاع فلا يعصي هيبة له وإجلالًا، ومحبة وخوفًا ورجاءً، وتوكلًا عليه وسؤالًا منه ودعاءً له، ولا يصلح ذلك كله لغير الله عز وجل، فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قوله: لا إله إلا الله ونقصًا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك، ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه، أو التوكل عليه أو العمل لأجله، كما ورد إطلاق الشرك على الرياء وعلى الحلف بغير الله، وعلى التوكل على غير الله والاعتماد عليه، وعلى من سوّى بين الله وبين المخلوق في المشيئة، مثل: أن يقول ما شاء الله وشاء فلان، وكذا قوله: مالي إلا الله وأنت، وكذلك ما يقدح في التوحيد وتفرد الله بالنفع والضر كالطيرة والرقي المكروهة، وإتيان الكهان وتصديقهم بما يقولون، وكذلك اتباع هوى النفس فيما نهي الله عنه قادح في تمام التوحيد وكماله. ولهذا أطلق الشرع على كثير من الذنوب التي منشؤها من هوى النفس أنها كفر وشرك، كقتال المسلم ومن أتى حائضًا أو امرأة في دبرها. ومن شرب الخمر في المرة الرابعة وإن كان ذلك لا يخرجه من الملة بالكلية، ولهذا قال السلف: كفر دون كفر وشوك دون شرك)[4].وفي العصر الحديث على إثر الاستعمار الغربي ظهر بناء التماثيل والاحتفال بها أو ما يسمى بـ (النصب التذكارية) وهي كلها أصنام والاحتفال بها نوع من الوثنية التي نهى الإسلام عنها.وربما يتحذلق المتغربون فيعتبرون ذلك من قبيل التمدين والتحضر لا العبادة، لأن الإنسانية ارتقت ومضت عصور الجاهلية الأولى التي كان العرب وغيرهم يعبدون الأصنام أبانها.ولكن الحقيقة أن وضع التماثيل للموتى يشبه تمامًا ما كان يفعله أهل الجاهلية إذا بحثنا في الأثر الواحد لكلا الفعلين، فإن العبرة بالأثر النفسي الذي يتركه كل منهما، فإن عبادة الأصنام (لا تعني بالضرورة فقط أداء عبادة شعائرية أمام شيء مادي،
المفضلات