وقد يخطر الآن علي بال القارئ السؤال التالي : وماذا عن القرآن هل تعهد الله بحفظه فنقول له نعم أقرأ سورة [الحجر : 9] إذ يقول المولي عز وجل :) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (
وقد يقول قائلهم الآن وماذا يعني الذكر هنا ولماذا يعني القرآن فقط أليس كل كلام الله يعتبر ذكرا ايضا والإجابة في الآيات السابقة لهذه الآية إذ يقول الله سبحانه وتعالي مخبرا عن ما قاله الكفار عن الرسول :) وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ( [الحجر : 6]والخطاب هنا كان من مشركي مكة للرسول علية الصلاة والسلام يقولون له فيه يا من إنزل عليه القرآن أنت مجنون ومن سياق الآيات يتضح وبلا ادني شك أن المقصود هنا هو القرآن والقرآن فقط .وربما يآتي احدهم بسؤال أخر ويقول هل يوجد في القرآن أي تحذير من تحريفه مثل الموجود في سفر رؤيا يوحنا فنقول لهم أن الله سبحانه وتعالي كونه تعهد بحفظه كما اوضحنا في الآية السابقة لم يكن له حاجة أن يضع اي عقاب لمن يحاول فعل هذا لأنه أمر مستحيل ضمنه الله عز وجل .
وكثيراً ما تسمعهم يقولون : فلماذا يُميِّز الله القرآن بالحفظ عن باقى كتبه؟ أليست هذه كلها كتب الله؟ أم فشل الله فى حفظ الكتب السابقة ونجح فقط فى حفظ قرآنكم؟
ومثل هؤلاء لم يلفت نظرهم أن الله حفظ لهم النصوص التى تدل على تحريف الكتاب الذى بأيديهم , وعجباً لهم من سؤالهم هذا: يستنكرون أن الله لم يحفظ كتبه السابقة ، ولا يستنكرون أنه لم يتمكن من الحفاظ على نفسه ؟
كيف صدقوا إذاً تحول الرب من راعى خراف إلى خروف؟ فقد قال: (11أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ وَالرَّاعِي الصَّالِحُ يَبْذِلُ نَفْسَهُ عَنِ الْخِرَافِ.) يوحنا 10: 11؛ إلا أنك تراه قد تحوَّلَ إلى خروف فى: (14هَؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ الْخَرُوفَ، والْخَرُوفُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ».) رؤيا يوحنا اللاهوتى 17: 14
وكيف صدقوا أن الرب قُبِضَ عليه واُهِينَ وصُلِب ومات. عجباً لهم: كيف يؤمنون بفشل الله فى أن يعبده الناس ويطيعوه ، فأرسل ابنه ( 37فَأَخِيراً أَرْسَلَ إِلَيْهِمُ ابْنَهُ قَائِلاً: يَهَابُونَ ابْنِي!) متى 21: 37 ، مرقس 12: 6 ، لوقا 10: 13
ولمثل هؤلاء نقول : طبعاً إن الله على كل شىء قدير , لكن الله يقدِّر ما يشاء ، فقد قرر الله أن يوكل حفظ كلمته إلى علماء وأحبار اليهود ، ولم يتكفل هو نفسه بحفظها ، فكان حفظ الكتاب أمراً تكليفياً , وحيث إنه أمراً تكليفياً فهو قابل للطاعة والعصيان من قبل المكلفين ، تماماً مثل الصيام والصلاة ، وباقى الفروض التى افترضها الله على عباده.
وإلا على منطقكم ، فلابد أن يكفر كل العالم بوجود إله ، لأن الرب لم يحفظ لفلان حياته ، وأمات آخر ، أو لم يحفظ هذه البلد من بطش بلد آخر.
فهل ننفى بذلك أن المحيى والمميت وأن النافع والضار هو الله ؟
ثم نسألكم : أليس يقع من الناس سب لله ؟ .. ستقولون : بلى ..
فنقول لكم : فهل أراد الله ذلك السب منهم ؟ .. إن قلتم : أراده .. فنقول لكم : فلماذا تستغرب إذن أن يقدّر الله للتحريف أن يقع ..
وإن قلتم : لم يرده .. قلنا لكم : فهل يقع فى ملك الله ما لا يريده ؟ ..
وحتى لا يستغلق الأمر عليكم فتدبروا فيما يلي : لله مشيئتان .. مشيئة قدرية ، ومشيئة شرعية .. فكل ما يقع من البشر من سب لله وشر لا نستطيع أن نقول إنه ليس بمشيئة الله ، بل هو بمشيئته ولكن شاءه الله قدراً لا شرعاً ، وأما مشيئة الله الشرعية فلا يشاء فيها إلا كل حسن وهى التى يخبرنا بها رسله الكرام ..
أما مشيئة الله القدرية فيقع فيها الخير والشر والحسن والقبيح .. لكن الشر والقبيح هو بالنسبة للبشر لا بالنسبة إلى الله .. فالخير كله من الله وإليه والشر ليس إليه ..
والمقصود أن الله شاء التحريف قدراً .. لأنه لا يحدث فى ملك الله إلا ما شاءه الله .. وما دام التحريف قد وقع .. فقد شاءه الله .. لكن الله شاءه قدراً لا شرعاً .. بل أمر شرعاً بغير ذلك وأنكر على من فعل ذلك .
نقول : نعم إن الله قادرٌ على أن يحفظ كلمته ، ولكنه سبحانه وتعالى اختار بحكمته أن يحفظ كتابه الأخير ، ودستوره الأبدى ، وكلمته إلى الإنس والجن ، وليس المؤقت.
وها هى أدلتنا من كتابكم على أن الله أوكل حفظ كتابه لعباده ولم يتكفَّل هو بحفظها:
(وَالآنَ أَصْغُوا يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الشَّرَائِعِ وَالأَحْكَامِ الَّتِي أُعَلِّمُهَا لَكُمْ لِتَعْمَلُوا بِهَا، فَتَحْيَوْا وَتَدْخُلُوا لاِمْتِلاَكِ الأَرْضِ الَّتِي يُوَرِّثُهَا لَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ لاَ تزيدوا عَلَى الكلام الذي أنا أوصيكم به ، وَلاَ تُنَقِّصُوا مِنْه ُ، لتحفظوا وصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها.) تثنية 4: 2
(وَإِنَّنِي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النُّبُوءَةِ هَذَا: إِنْ زَادَ أَحَدٌ شَيْئاً عَلَى مَا كُتِبَ فِيهِ، يَزِيدُهُ اللهُ مِنَ الْبَلاَيَا الَّتِي وَرَدَ ذِكْرُهَا، 19وَإِنْ أَسْقَطَ أَحَدٌ شَيْئاً مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ النُّبُوءَةِ هَذَا، يُسْقِطُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، اللَّتَيْنِ جَاءَ ذِكْرُهُمَا فِي هَذَا الْكِتَاب.) رؤيا يوحنا 22:" 18-19
ومن هذا النص يتضح لكم أن الله فرض علي اليهود فروضاً محدَّدة ، وحدَّدَ عقوبة المخالف. فهو إذاً بعلمه الأزلى يعلم أنه سيتم تحريف. ومع قدرته على حفظ هذه الكتب من التحريف ، إلا أنه لم يترك حفظها لنفسه.
والعجيب أنه لم يخطر على بالهم ، أن الله أنزل على بنى إسرائيل أنبياء ورسل كثيرة. فأين كتبهم؟ ولماذا الإختلافات بين النسخ المختلفة من التوراة ؟
وفي ختام هذا الكلام أذكر لكم قول الله سبحانه وتعالي فيكم معاشر اليهود والنصارى :
) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (
( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم )
المفضلات