السؤال:
عندي 35 سنة على الدين المسيحي ، لم أحس بقلبي أبداً في الكنيسة ، ولا في الصلوات ولا أعرف أين الخطأ والصواب ، وما الدليل على الحق : هل المسيحية على حق ، أم الإسلام على حق ؟ أم اليهودية على حق ؟ ، وهل نحن محاسبون على تضليل البشر لنا في عدم وجود شخص لديه معجزة من الله حقيقة أمام العين ، ضاقت عليَّ نفسي وأريد الانتحار ، وعلى وشك أخذ القرار بالانتحار ، أصبحت نفسي ضائقة بي ، وعندي اكتئاب يملأ الدنيا ، أنا لا أعرف لِمَ أكتب هذه الكلمات في هذا الموقع ؟ فقد كتبتها في مواقع كثيرة المسيحية والإسلام واليهود لعلي أجد الصواب ؟
__________________________
الجواب:
الحمد لله
1. فرحنا جدّاً بتلقي رسالتك هذه ، وكم رجونا أن يكون الله تعالى رب العالَمين قد أراد بك خيراً بأن جعلك تبعث برسالتك لموقعنا هذا ، وفيما نظن ، فإنك صادق في نيتك في البحث عن الحق لتزيل ما في نفسك من هموم وترفع ما بها من غموم .
2. من الطبيعي أن لا تكون سعيداً في هذه الدنيا ، فإن النفس إذا امتلأت حزناً واكتئاباً وقلقاً واضطراباً فلا تصبح للحياة فيها معنى ، ولذلك يسارع كثيرون ممن أصيب بذلك إلى الانتحار للتخلص من هذه الحياة .
3. ولكنك عندما تبحث في الكون حولك تجد المسلمين يعانون من الحروب والفقر والبؤس وضيق الدنيا ، ولعله من المتوقع عندك أن يكونوا أكثر الناس انتحاراً ؟! وهذا بالطبع خطأ ، ولا يُعرف الانتحار عند المسلمين الذين يعرفون دينهم ويلتزمون به مهما أصابهم من ضيق وفقر وبؤس ، بل إنهم ليرجون ربَّهم أن يعوضهم عن ذلك في الجنة سعة وفرحاً وسروراً ، بينما تجد غير المسلمين يسارعون إلى الانتحار مع اتساع الدنيا في حياتهم ، ومع تلذذهم بطيب المأكل والمشرب والمسكن ، حتى إنك لتجد الانتحار أكثر ما يكون في أعلى الدول دخلاً للفرد في العالَم ! والسبب في ذلك أنهم عاشوا للدنيا فلما اكتفوا منها وبلغوا مبلغها لم يعد للحياة عندهم معنى ! .
4. إن المؤمن المستقيم على أمر الله في حياته لا يخرج ما يصيبه عن كونه سراء أو ضراء ، وانظر لأحوال الناس كيف يقابلون هذين الأمرين ، فتجد البطر والكفر بالنعم حين السرَّاء ، وتجد الجزع والاكتئاب عند الضراء ، وأما المؤمن فإنه يقابل السراء بالشكر ويقابل الضراء بالصبر ، وهذا هو حال المؤمن حقا ؛ لأنه يعلم أن شكر النعمة واجب وأنه بالشكر تدوم النعَم ، ويعلم أن الجزع لا يأتي بخير لا لنفسه ولا لعقله ولا لبدنه ولا لدينه ، ويعلم أن الصابر له أعظم الأجور عند الله تعالى ، وقارن بعد هذا بما تراه من انتحار وتخلص من الدنيا لمن هو في سعة من الدنيا وانتحار وتخلص من الدنيا لمن هو في ضيق منها تجد الفرق عظيماً والبون شاسعاً بين المسلم وبين غيره .
5. والمسلمون لا ينتحرون مهما كانت ظروفهم الدنيوية صعبة لأمور :
الأول : أن الله تعالى قد نهاهم عن قتل أنفسهم .
الثاني : أنهم سيخسرون بالانتحار آخرتهم حيث توعدهم ربهم تعالى على فعلهم ذاك بالعقوبة .
الثالث : أنهم يعوضون بؤسهم وشدة معيشتهم بما يكرمهم به ربهم تعالى من انشراح الصدر بالإسلام والطاعة ، والحياة الحقيقية عندنا – في الإسلام – هي حياة القلوب ، والإبصار الحقيقي عندنا – في الإسلام – هو إبصار القلب ، وتجد في القرآن الكريم قول ربنا تبارك وتعالى ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأنعام/ 122 ، وتجد قوله تعالى ( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) الحج/ 46 ، ولذا كان ضيق المعيشة في الدنيا – عندهم - مقابَلاً بانشراح القلب وسعته ، وعمى البصر مقابَلا ببصر القلب .
6. وللعلم فإن ما تعانيه من قلق واكتئاب يشتكي منه كثيرون من أبناء ديانتك ، والسبب في ذلك أنهم لا يجدون لذة في اعتقادهم ولا سعادة في قلوبهم من جهة ، كما أنهم لا يجدون أجوبة على كثير من مسائل في دينهم حتى من أكبر علماء الدين عندهم ، ولذا فمن الطبيعي أن يصابوا بما تذكره من أمراض نفسية ، لكن ليس من الطبيعي أن تعالج ذلك بالانتحار بل ننصحك أن تفعل كما فعل الآلاف والملايين غيرك من البحث عن الحقيقة وعن السعادة ، ونستطيع أن نذكر لك الآن قائمة طويلة من الفنانين واللاعبين والسياسيين والكتَّاب والأدباء والمثقفين وجدوا سعادتهم وراحة بالهم في الدخول في الإسلام ، وإنك عندما ترى مقاطع فيديو فيها إعلان أولئك للشهادتين دخولاً في الإسلام ترى أن طريق السعادة قد ابتدأت حينما نطقوا بكلمة التوحيد ، لذلك ترى كثيرين منهم يبكون فرحاً بعد النطق بها ، ومن أعظم الأدلة على صدق قولنا : ما تراه بعينك وتسمعه بأذنك من أولئك الذين دخلوا في الإسلام ، وتجد في كتاب الله عز وجل قوله ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/ 97 ، فالحياة الطيبة ليست هي الحياة المعيشية بل هي حياة القلوب وفرحها وسعادتها بما تلتذ به من القيام بطاعة الله وبما عمر القلب به من الإيمان بالله تعالى وقضائه وقدره ، وبما عمر من اليقين بحكمة الله تعالى في أفعاله .
وعلى العكس تجد حال من أعرض عن الإيمان بالله أنه يعيش في ضنك في الدنيا لا ضنك معيشة بل ضنك حياة قلب ، وتجد ذلك في كتاب الله تعالى ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) طه/ 124 .
7. واعلم أن الإسلام الذي ندعوك للدخول به ونرى أنك ستجد بالجزم واليقين حلولاً لما تجده في نفسك من ضيق واكتئاب هو آخر الأديان من حيث الزمان ، وقد أرسل الله تعالى نبيَّه محمَّداً صلى الله عليه وسلم به للعالَمين جميعاً ، وهذا الدين موافق للفطرة البشرية وليس في أحكامه ما يناقض العقل ، وهو دين موسى وعيسى وإبراهيم وسائر الأنبياء عليهم السلام ، فنحن لا ندعوك للدخول بدين جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم مقطوعاً عما قبله ، بل دين الأنبياء والمرسلين عليهم السلام جميعاً ، ولذا فمن آمن بهذا الدين وهذا النبي – عليه السلام – فهو على طريقٍ سلكه الأنبياء والمرسلون عليهم السلام وستكون عاقبته إلى جنة عرضها السموات والأرض والتي سيكرم الله تعالى بها أولئك الأنبياء والمرسلين ، وأما إذا اعتقدت أن عيسى عليه السلام هو ابنٌ لله أو هو الله – تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً – فلم تجد معك على الطريق أحد من أولئك الأنبياء والمرسلين والعجيب أنك لن تجد عيسى عليه السلام معك ! لأنه عبدٌ لله يوحِّد ربَّه وينزهه عن الشريك والولد ، وإنما ستجد على هذا الطريق عبَّاد النجوم والكواكب والأصنام والأوثان وغيرهم ممن عبد غير الله تعالى .
8. إننا – والله – لا نريد لك إلا الخير وإننا لننصحك بأن تفرَّ إلى الله وحده لا شريك الله وأن تلجأ إليه وحده دون غيره ، فتوحِّده وتؤمن بدينه الذي ختم به الرسالات وأمر العالَمين جميعاً بالدخول فيه ، وإننا – والله – لنجزم لك بكل ثقة ويقين أن الدخول في الإسلام هو ما سيزيل عنك همومك وغمومك ، وأنك لن تجد في دين آخر غيره السعادة لقلبك ، فانج بنفسك وأنقذها من نار الدنيا التي تحرق قلبك ومن نار الآخرة التي ستكون مصيرك – لا قدَّر الله – إن أبيتَ الدخول فيه .
9. واعلم أنك بمجرد أن تشهد لله تعالى بالوحدانية ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة ستكون بذلك مسلماً موحِّداً تعبد الله ربَّ السموات والأرض وربَّ كل شيء ، ولا يمكن لمن جمع قلبه على الله أن يخذله ربُّه وأن لا يجد السعادة ، ولن تجد في الإسلام أبواباً مغلقة لا نستطيع الإجابة فيه على ما في بالك من مسائل ، بل إن الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام عليه تزيدنا ثقة به أنه من عند الله لما نرى فيها من تجنٍّ وافتراء وسذاجة ، فكن على يقين من نفسك أنك ستسلك الطريق الصحيح وأنه سيوصلك إلى الله تعالى لا إلى غيره ، ولن تجد فيه إلا ما هو خير لدنياك وآخرتك .
10. ننتظر منك بشارة بأنك سلكت الطريق الصحيح ، وأنك التحقت بالقافلة الطيبة الطاهرة من الأنبياء والمرسلين ، وننتظر منك ما تحتاجه من استفسارات أو أسئلة حول دينك الجديد ، إن شاء الله .
ونحن ندعو الله لك أن يوفقك لذلك وأن يكرمك بما أكرم به غيرك ممن سبقك إلى الإسلام ، ونسأله عز وجل أن يمنَّ عليك وعلى من تحب بالهداية والسداد ، إنه تعالى نعم المولى ونعم المجيب .
وينظر جواب السؤال رقم (9607) ورقم (14055) ورقم (154022) ورقم (12615) .
والله الموفق
موقع الإسلام سؤال وجواب
http://islamqa.info/ar/ref/181141/
المفضلات