فقه الدعاء
مابالنا ندعو فلا يستجاب لنا !!!؟؟
قيل لابراهيم بن ادهم (رحمه الله) :
مابالنا ندعو فلا يستجاب لنا؟ .
فقال :
1 ـ لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه
2 ـ وعرفتم الرسول صلى الله عليه وسلم فلم تتبعوا سنته
3 ـ وعرفتم القران فلم تعملوا به
4 ـ واكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها
5 ـ وعرفتم الجنةفلم تطلبوها
6 ـ وعرفتم النارفلم تهربوا منها
7 ـ وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه
8 ـ وعرفتم الموت فلم تستعدوا له
9 ـ ودفنتم الاموات فلم تعتبروا
10 ـ وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس .
اخطأ السائل..والمجيب..
اخطأ السائل لأنه خالف تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم..وأخطأ المجيب لأنه نصب نفسه وكيلا عن الله في الإجابة..
فاتقوا الله، والجؤا إليه ابتداء وفي كل نائبة أو نازلة تنـزل بكم بفرد أو بجماعة، تنـزل بكم في مال أو في ولد أو في صحة أو في صلاة اجتماعية
أو في أمور أخرى، الجئوا إلى الله سبحانه وتعالى فيها وتوسلوا إلى الله بأسمائه فقد أمرنا سبحانه وتعالى بذلكم في قوله جل وعلا:
( وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ) [الأعراف:180]، توسلوا إليه فراداً أو جماعات باللجوء من القلوب الموحدة لله المعتقدة في الله
ما يليق بكماله وجلالة سبحانه وتعالى قائلين: اللهم أنا نسألك بأسمائك الحسنى كذا أو كذا، وسموا حاجاتكم من أمر الدين أو الدني
ا ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201]..
( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان:74].
وإذا دعوتم الله فليكن مطعمكم حلال وقولكم حلال يقول عليه الصلاة والسلام: [ إن الله طيب لا يقبل إلى طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين،
فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ) [المؤمنون:51]، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)[البقرة:172]
وإياكم والاستعجال فإن المرء كان لا يدري ما كان على دعائه، إياكم أن تستعجلوا أو أن تقولوا دعونا فلم يستجب لنا،
ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله عن أنس رضي الله تعالى عنه: [ لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل، يقول: دعوات فلم يستجب لي ].
فلتطلبوا القربى من الله بدعائه سبحانه وتعالى بإخلاص واحتساب ورغب ورهب، إن الله أثنى على آل زكريا فقال سبحانه وتعالى:
( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) الأنبياء:90.
فوصية الله سبحانه وتعالى التي أوصانا بها في كتابه المبين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أمامنا باب خلفه ووراءه كنوز ثمينة، وأعطيات جزيلة، لا تقتصر على ذهب وفضة، بل تتجاوزها إلى صحة الأبدان وعلاج الأمراض،
بل إنها تزيد على ذلك تنفيس الهموم وتفريج الكروب، بل إنها تتجاوز هذا وذاك، فيجد المرء وراء الباب كل ما يخطر على باله وما تطمح إليه نفسه.
ما المطلوب؟! جهد قليل وعمل يسير، اطرق الباب، انتظر، أعد طرقه مرة أخرى، لا تتعجل، أخرج المفاتيح، جربها واحدًا فواحدًا حتى يفتح،
واليقين أنه سيفتح، والجزم أنه سيفتح، وأنك بعد أن يفتح ستمد يديك وتغرف كما تشاء، وستنظر بعينيك فلن تدرك عظمة ما ترى.
هل نحن نتحدث عن أحجية؟! إننا نتحدث عن أمر موصول في كل آنٍ وحين، وفي كل وقت وزمان، لكن له خصوصية في شهر رمضان،
والذي هو على الأبواب.. إنه الباب الذي إذا طرقناه وجدنا وراءه وإثره أعطيات الرحمن سبحانه وتعالى، الدعاء الذي نطرق به أبواب السماء،
الدعاء الذي نستمطر به سحائب العطاء، الدعاء الذي يفيض فيه علينا من يملك خزائن السماوات والأرض ولا يعجزه شيء فيهما رب الأرض والسماء.
لماذا نتحدث عنه؟! لأن له في شهرنا وعبادتنا هذه خصوصيات ينبغي لنا أن نفقهها وأن نغتنمها.
أولها: وردت الآيات العظيمة في الدعاء في وسط آيات الصيام: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة : 186]، قبلها آيات الصيام وبعدها آيات للصيام كذلك، فكأن هذه الاستجابة لهذا
خصوصية وأفضلية في هذا الشهر العظيم، والأمر كذلك.فانتبوا...إذ الشهر الفضيل على الأبواب..
وتدل عليه أحاديث رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى ابن ماجه في سننه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن للصائم عند فطره دعوة لا تُرَدّ"، وقد حسّن بعض أهل العلم الحديث، ويشهد له كذلك
حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح: "ثلاث دعوات لا تُرَدّ: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر"،
وكذلكم حديث أبي هريرة عند الترمذي في سننه وعند أحمد في مسنده عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"ثلاثة لا تُرد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول مقسمًا: لأنصرنك ولو بعد حين"،
فثمة خصوصية نراها في هذا الصيام وفي هذا الشهر الكريم، لماذا؟! لأن العبد يكون فيها أكثر إخلاصًا لربه ومولاه.
والله جل وعلا يقول كما في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به"، لماذا؟! لأنه لا يقصد إلا وجه الله،
ولا يظهر في صيامه رياء، ولأنه يكون كذلك متلبسًا بالطاعات.
وإليكم مزيدًا من وجوه الاختصاص؛ فإن الأوقات الفاضلة التي وردت النصوص بأنها أوقات لإجابة الدعاء لها خصوصية في شهر رمضان:
"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، كما عند البخاري من حديث أبي هريرة، وكم نسجد في رمضان؟! أكثر أو لا؟!
وكم يكون سجودنا في رمضان أكثر إخلاصًا وأكثر حضورًا للقلب أو لا؟!
وانظر كذلك إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ربنا حين يبقى الثلث الأخير من الليل، فيقول سبحانه وتعالى: من يدعوني فأستجيب له،
من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له"، وأين نكون في هذا الوقت من الثلث الأخير من الليل في رمضان؟! نكون غالبًا مستيقظين،
نكون متسحرين، نكون مستغفرين، نكون في حال من الطاعة متلبسين، فيكون ذلك أقرب إلى إجابة الدعوة.
وفي حديث جابر عند مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله سبحانه وتعالى
من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه، وذلك كل ليلة".
فإذًا هذا هو الباب، لا يحتاج منا إلا إلى الطرق، والوعد من الله سبحانه وتعالى قائم، تأملوا الفضل من الله سبحانه وتعالى وهو الغني عنا!
تأملوا الرحمة من الله سبحانه وتعالى ونحن الغافلون عن ذكره! تأملوا كرم الله سبحانه وتعالى ونحن الواقعون في معصيته!
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة : 186].
كان النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه، فرفعوا أصواتهم يكبرون فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اربعوا على أنفسكم؛
فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبًا، وإنما تدعون سميعًا قريبًا"، كما قال الحق سبحانه وتعالى: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق: 16].
وتأمل فضله جل وعلا: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر : 60]، وتأملوا الإعجاز القرآني القائل: هو رب الأرباب سبحانه وتعالى،
وأضاف كاف الخطاب للتحبب والتقرب: (رَبُّكُمْ)، ربنا الذي ننتسب إلى فضله وإلى كونه خالقنا ورازقنا سبحانه وتعالى يقول: (ادْعُونِي) بفعل الأمر،
افعل فقط الأمر تأتك النتيجة بفعل جواب الشرط مباشرة من غير تعقيب بفاء ولا ثم ولا شيء: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)،
ألا نصدق قول الله جل وعلا؟! ألا نوقن بوعده؟! ألا نكون على بينة من أمرنا في آيات ربنا سبحانه وتعالى؟!
(أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ) [النمل: 62]، (يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ)، ويجيب بصيغة المضارع
التي تدل على الاستمرار، وهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القدسي يرويه أبو ذر، وهو الطويل: "لو أن أولكم وآخركم وإنسكم
وجنكم كانوا على صعيد واحد، فسألني كل واحد مسألته فأعطيته إياها، لم ينقص ذلك من ملكي شيئًا إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في ماء البحر"، هل نستعظم ما نطلب؟!
هل تستعظم ذنبك أن يغفره من قال: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) [الزمر : 53]،
هل تستعظم آثامك ومعاصيك وربك يقول: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) [النساء : 48]،
هل تستعظم ذلك ورسولك صلى الله عليه وسلم فيما صح من حديث أنس يقول: "من سبّح بعد صلاته ثلاثًا وثلاثين، وحمد ثلاثًا وثلاثين،
وكبّر ثلاثًا وثلاثين، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، إلا غُفر له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".
ألا نسمع ونعرف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يرويه عن رب العزة والجلال: "ابن آدم: لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك
بي شيئًا لقيتك بقرابها مغفرة ولا أبالي"، سبحانك ما أعظمك!!
لم لا يكون في قلوبنا اليقين الجازم؟! لأن المطلوب منا أن نحرك قلوبنا، أن ننطق بألسنتنا، أن نرفع أيدينا، ألم تستمعوا إلى حديث
رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الترمذي وغيره في السنن: "إن الله حيي ستير كريم يستحيي إذا رفع العبد يديه أن يردهما صفرًا"،
لا ترجع من سؤال الله خائبًا، ولا ترجع من بابه مطرودًا، ونحن في هذه العبادة وفي هذا الموسم وفي هذا الفضل العظيم وفي هذه الأيام المباركة
والليالي الفاضلة في كل ذلك، أفلا يكون هذا أرجى وأكثر قبولاً وتيسيرًا عند الله سبحانه وتعالى.
وفي الحديث المتفق عليه عند الشيخين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارزقني إن شئت،
فليعزم المسألة، فإن الله لا مُكْرِه له"، إن شئت! نعم هو يشاء ولا راد لمشيئته، فلا تعلِّق ولا تتشكّك، ولا يكن في نفسك تردد، بل اجزم بدعائك،
واجزم بيقينك، واجزم بإيمانك، واجزم بإقبالك على ربك وطاعتك لمولاك أنه سيعطيك، وعطاؤه لك لا ينقص من ملكه شيئًا،
وأنه سيعطيك، وعطاؤه لك يليق بجلال عظمته وكرمه وجوده وصفحه وعفوه ومقدرته ورضوانه -سبحانه وتعالى-.
وفي حديث مسلم في هذا الحديث في رواية أخرى: "ولكن ليعزم وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء"، لا تقل: هذا عظيم!
إن ذهبت إليّ أو إلى غيري من أهل الدنيا خشيت إن سألته الكثير أن يستكثره، لكن الله -سبحانه وتعالى- لا يُستكثر في سؤاله شيء مطلقًا،
ولا يستقل في سؤاله مطلقًا، فإن بعض السلف كان يسأل الله إذا انقطع شسع نعله، يسأل في كل أمر من الصغير والكبير، من اليسير والعسير؛ لأنه بيده سبحانه وتعالى كل شيء.
ولذلك عندما ننتبه نجد أن هذه الخصوصية تحتاج منا أن نغتنمها وننتفع بها، وأن يكون كل تعلقنا بقلوبنا الخافقة، وجباهنا الساجدة،
وألسنتنا الذاكرة، وأعيننا الدامعة، وأيدينا المرفوعة، كلها موصولة متعلقة بالله وليس بأحد سواه، لن يعطيك أحد شيئًا إلا من عطاء الله سبحانه وتعالى،
لن يبرئك من مرضك طبيب، بل الطبيب والشافي هو الله سبحانه وتعالى، ثق بذلك وأيقن به، واستمع إلى ابن مسعود رضي الله عنه فيما يرويه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد، ومن أنزلها بالله فيوشك الله سبحانه وتعالى له برزق عاجل أو آجل"،
أنزل مسألتك بربك، وضع فاقتك وحاجتك بين يدي مولاك، واصدق وأخلص، فقد ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:
"من أراد أن يستجيب الله سبحانه وتعالى له في الشدة فليكثر من الدعاء في الرخاء".
وورد في بعض الآثار أن العبد إذا دعا في شدة قال الله لبعض ملائكته: "إن هذا صوت معروف أو مألوف يدعو دائمًا"، يسأل الله دائمًا،
لا يكتفي بأن يسأل الله إذا ضاقت به الأمور وسدّت في وجهه الأبواب؛ لأنه يعلم أن كل أسبابه التي بين يديه إنما يسرها وسخّرها له الله،
فهو يسأل في كل لحظة وآن، ويسأل في كل أمر وخطب، ويسأل في كل ظرف وحال، ويعلّق قلبه بالله سبحانه وتعالى دائمًا وأبدًا.
ولذلك ننظر هنا إلى هذه الحقائق في خصوصية رمضان مع الدعاء، وفي هذه الحقائق التي تجلّي لنا عظمة ربنا وخالقنا سبحانه وتعالى في فضله وعفوه وعطائه،
من لا تنفد خزائنه سبحانه وتعالى، وهو الذي يغضب إذا ترك العباد سؤاله كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم،
أنا وأنت إذا سألنا هذا تضايقنا، فإذا عاد السؤال ربما زاد ضيقنا، فإذا عاد السؤال ثالثة أو رابعة تبرّمنا بهم وضقنا بهم ذرعًا،
والله يحب العبد الملحاح الذي يكثر السؤال ويكرر الدعاء ويديم تعظيم ربه ومولاه سبحانه وتعالى.
ولذلك من أعظم وأجلّ آداب الدعاء أن تقدمه وتقدم بين يديه المدح والثناء لله سبحانه وتعالى: "اللهم لك الحمد أنت خالق السماوات
والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن".
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في معرض الثناء على ربه بين يدي دعائه وسؤاله لربه ومولاه.
ووقفتنا الأخيرة هنا في هذا المقام إلى سادات الناس وأشرافهم، إلى صفوة خلق الله من رسله وأنبيائه، أليسوا هم الموصولين بالسماء والوحي؟!
أليسوا هم أصدق الناس إيمانًا وأخلصهم توحيدًا؟! أليسوا هم أكثرهم طاعة وأشدهم عبادة ومع ذلك تمتلئ آيات القرآن بدعائهم لله سبحانه وتعالى.
وتأتي الآيات بالاستجابة المباشرة، وهذا أيوب عليه السلام: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء : 83] لم يقل شيئًا أكثر
من وصف حاله وافتقاره ثم ثنائه على ربه سبحانه وتعالى، مسني الضر بالمرض وأنت رحمن رحيم، هذا يكفي! عندما تتذلل بضعفك، عندما تقرّ بذنبك،
عندما تتبتل إلى ربك ثم تناجي عظمته ثم تذكر جلاله وعظمته، ثم تذكر فضله وكرمه، فإن من أعظم الدعاء الذي
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن خصوصيته وفضيلته: "اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني"، فإذا كان العفو صفة له،
وإذا كان العفو له محبوبًا، فلمَ لا يعفو عمن يسأله العفو سبحانه وتعالى، وهكذا ننظر إلى دعاء الأنبياء، إلى ذكرهم، كيف
كان يونس في بطن الحوت!! كيف قال: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء : 87]،
كما قال آدم وزوجه: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف : 23]، كل النتائج نعرفها،
استجابة الحق سبحانه وتعالى، بل الأمر في الجانب الآخر في جانب مواجهة الأعداء، ومواجهة الذين يحاربون دين الله -سبحانه وتعالى-،
والذين يقتلون عباده، ليس شيء إلا الاستنصار بالله سبحانه وتعالى.
ماذا صنع نوح بعد ألف سنة إلا خمسين عامًا؟! رفع يده إلى السماء: (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ *
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) [القمر: 10-13].
إنه ليس شيء إلا ذلك الدعاء الخالص، تتغير به الأجواء، تتغير به المسلّمات والقواعد الثابتة، ويوم كبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم
في يوم الأحزاب، فإذا بالريح تتحول إلى جند من جند الله تطفئ النيران، تقلع الخيام، تكفأ القدور، تطرد أولئك المعتدين وتفرّق جمعهم،
ويوم بدر وما أدراك ما يوم بدر ونحن نستقبل ذكراه أو موافقته قريبًا، أي شيء صنع سيد الخلق صلى الله عليه وسلم؟!
وهو لم يخرج لقتال ولم يكن معه إلا عدد يسير، ولم يكن عندهم من السلاح إلا السيوف في قرابها، توجّه في عريشه إلى ربه:
"اللهم إن هذه قريش جاءت بخيلائها وكبريائها تحاد دينك وتحارب رسولك، اللهم فاهزمهم الغداة، اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تُعبَد في الأرض أبدًا"،
ويدعو ويدعو حتى قال أبو بكر: "حسبك يا رسول الله، فإن الله منجز لك ما وعدك"، فإذا برسول الله يعيّن مصارع القوم:
"هذا مصرع أبي جهل، هذا مصرع أُبي بن خلف، هذا مصرع أمية بن خلف"، فلم يعد واحد منهم الموضع
الذي عيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى) [الأنفال : 17]، (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللهِ) [آل عمران: 126].
ماذا صنع موسى عليه السلام مع طغيان فرعون، دعا ربه، انفلق البحر وتغيّرت نواميس الكون والطبيعة كلها،
ماذا صنع إبراهيم عليه السلام وهو سيلقى في النار؟! بقلبه، بلسانه، تعلّق بربه: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) [الأنبياء : 69].
ينبغي أن نعظّم يقيننا بعطاء ربنا وعفوه، بقدرته، بالهم الذي يفرجه، بالكرب الذي ينفّسه، بالخير الذي يبسطه، بالرزق الذي يعطيه سبحانه وتعالى،
ونحن نقترب من شهر نحن أقرب إلى الله من غيره، نحن نصوم ونصلي ونخلص وندعو ونستكثر من الخير، فلا يفوتنك أن تطرق الباب وأن تلزمه فيفتح،
وهو مفتوح جزمًا، وسيكون العطاء الذي لا يحدّه وصف ولا يحيطه حد؛ لأنه ممن لا تنفد خزائنه سبحانه وتعالى.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجيب دعاءنا، وأن يعطينا سؤلنا، وأن ينيلنا مما نسأله كل ما يحب لنا ويرضى، إنه جل وعلا ولي ذلك والقادر عليه
المفضلات