بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حكمة الصوم ( 3 )
إن للصوم حكما كثيرة نذكر منها
1- كسر شهوة البطن والفرج
عن الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِ يكَرِبَ قال سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ حَسْبُ الْآدَمِيِّ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ غَلَبَتْ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ .
قَوْله ( شَرًّا مِنْ بَطْنه ) قِيلَ لِأَنَّهُ سَبَب غَالِب أَمْرَاض الْبَدَن قُلْت مَعَ أَنَّهُ يَمْنَع عَنْ الطَّاعَة وَيُفْضِي إِلَى الْبَطَالَة وَالْمَعْصِيَة وَاللَّهُ أَعْلَم
( لُقَيْمَات )تَصْغِير لُقْمَة
( يُقِمْنَ )مِنْ الْإِقَامَة وَهَذَا إِشَارَة إِلَى الْغِذَاء الضَّرُورِيّ
وَقَوْله ( فَإِنْ غَلَبَتْ إِلَخْ ) إِشَارَة إِلَى الْمُعْتَدِل وَالْمُرَاد بِالثُّلُثِ الثُّلُث تَخْمِينًا
( لِلنَّفَسِ ) بِفَتْحَتَيْنِ بِخِلَافٍ فَإِنْ غَلَبَتْ الْأُدْمَة نَفَسه فَإِنَّهُ بِفَتْحٍ فَسُكُون قَالَ الْغَزَالِيّ ذُكِرَ هَذَا الْحَدِيث لِبَعْضِ الْفَلَاسِفَة مِنْ الْأَطِبَّاء فَعَجِبَ مِنْهُ وَقَالَ مَا سَمِعْت كَلَامًا فِي قِلَّة الْأَكْل أَعْظَم مِنْ هَذَا وَاللَّهِ إِنَّهُ لَكَلَام حَكِيمٍ .
قلت محمود : وما كان من مصيبة إلا بسبب شوة الفرج أو شهوة البطن .
فهذا أبونا آدم أخرج من الجنة بسبب شهوة البطن
وهذا قابيل يقتل هابيل بسبب شهوة الفرج
2- الصيام يجعلك رجلا فالرجل الذى يستطيع ان يأخذ بذمام نفسه ولا ينقاد خلف شهواته
ففي الحديث: " عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " أي قاطع.
قلت محمود : فالرجولة ليست بقوة الأبدان ولكن الرجل هو الذى يستطيع ان يأخذ بذمام نفسه ولا ينقاد خلف شهواته .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ .
3- الصيام سبيل النصر فالصيام يهيؤك للنصر على نفسك فإذا انتصرت على نفسك سهل عليك الإنتصار على عدوك
فإن لم تستطع أن تجاهد نفسك فى أكلة تأكلها أو شربة تشربها أو لبسة تلبسها أو نومة تنامها أو امرأة تنكحها فكيف تحمل نفسك وهذا حالها على القتل فى سبيل الله فقد قال الله تعالى ( فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ
فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
فإذا قتلت شهوة الطعام والشراب والنكاح واللباس فى نفسك سهُل عليك بعد ذلك حمل هذه النفس على القتل فى سبيل الله .
فأنت حينما تجاهد نفسك فى هذه الشهوات تقتلها شيئا فشيئا حتى إذا جاء وقت القتل الكلى صار تحمل ذلك القتل سهلا . أما من لم يقدم البعض فكيف يقدم الكل . فالذى يحاهد نفسه وشهواته يقتل نفسه فى كل يوم مرات كثيرة فإذا جاء الوقت الذى تقتل فيه مرة واحدة كان هذا القتل أسهل على النفس من القتل مرات فى كل يوم .
4- الصوم يجعلك مستجاب الدعوة
لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " [ ثلاث دعوات لا ترد : دعوة الوالد ودعوة الصائم ودعوة المسافر ] . ( صحيح ) . وله شواهد بألفاظ مختلفة منها : ذكر دعوة المظلوم بدل دعوة الصائم وقد مضى برقم 598 ، ومنها : ثلاثة لا ترد دعوتهم : الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم .
ولعل مما يشير إلى ذلك توسط قوله تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ..) بين آيات الصيام فى سورة البقرة.
5- الصوم وسيلة لصيانة الأبدان وصحتها ففي الحديث: "صوموا تصحوا" رواه الطبراني عن رواة ثقات .
6- والصوم يحى فى المسلم الإحساس بالمسلمين
عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى .
فالصوم موجب للرحمة والعطف على المساكين، فإن الصائم إذا ذاق ألم الجوع في بعض الأوقات، ذكر مَنْ هذا حاله في جميع الأوقات، فتسارع إليه الرقة عليه، والرحمة به، بالإحسان إليه، فينال بذلك ما عند الله تعالى من حسن الجزاء .
7- والصيام يعوِّد الإخلاص في العمل ومراقبة الله في السر والعلن
قال الله تعالى :
ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)
وقال تعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)
فالإنسان يستطيع أن يختفى عن أعين الناس فيأكل ويشرب ثم يخرج إلى الناس وكأنه صائما فما الذى يمنعه من ذلك ؟ لا شك أن الذى يمنعه من ذلك إخلاصه لله عزوجل وعلمه بأن الله يراه . ففى الحديث أن جبريل لما سأل النبى صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا الْإِحْسَانُ قَالَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ .
8- تحصيل التقوى
فالصوم وسيلة لتحصيل التقوى، لأنه إذا انقادت نفس للامتناع عن الحلال طمعاً في مرضاة الله تعالى، وخوفاً من أليم عقابه، فأولى أن تنقاد للامتناع عن الحرام، فكان الصوم سبباً لاتقاء محارم الله تعالى، وإنه فرض، وإليه وقعت الإشارة بقوله تعالى في آخر آية
الصوم {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة: 183].
9- تزكية النفس
فالصوم يجعل القلوب لينة رقيقة، يجعلها ذات شفافية وحساسية، يجعلها وجلة حية فهو يوقظ القلوب
فإن في الصوم قهر الطبع وكسر الشهوة، لأن النفس إذا شبعت تمنت الشهوات، وإذا جاعت امتنعت عما تهوى، ففي الحديث : " عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " أي قاطع. فكان الصوم ذريعة إلى
الامتناع عن المعاصي .
وفى الصيام قهر للشهوات ومن أهم هذه الشهوات شهوة الطعام والشراب والنكاح والشهوات سبيل الشيطان وفي الصوم قهر للشيطان، فإن وسيلته إلى الإضلال والإغواء الشهوات .
فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَعَ إِحْدَى نِسَائِهِ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَدَعَاهُ فَجَاءَ فَقَالَ يَا فُلَانُ هَذِهِ زَوْجَتِي فُلَانَةُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ كُنْتُ أَظُنُّ بِهِ فَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّ بِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ .
10- أن الصوم وسيلة إلى شكر النعمة، إذ هو كف النفس عن الأكل والشرب والجماع، وإنها من أجلِّ النعم وأعلاها، والامتناع عنها زماناً معتبراً يعرّف قدرها، إذ النعم مجهولة، فإذا فقدت عرفت، فيحمله ذلك على قضاء حقها بالشكر، وشكر النعم فرض عقلاً وشرعاً، وإليه أشار الرب سبحانه وتعالى بقوله في آية الصيام: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].
11- التوازن بين الروح والقلب والبدن . مثال الفارس والفرس
فالروح والجسد بالنسبة للإنسان كمثل رجل عنده فارس وفرس فانشغل الرجل بتغذية الفرس ونسى تغذية الفارس حتى ضعف فإذا جاء هذا الفارس ليقود هذا الفر س لم يستطع أن يتحكم فيه .
كذلك إذا نحن انشغلنا بتغذية أجسادنا ونسسنا تغذية قلوبونا وأرواحنا جاءت الروح والقلب لتحجز الجسد عن محارم الله فلم يستطيع فيحدث مالا تحمد عقباه
أخوكم ومحبكم فى الله
طالب العفو الربانى
محمود بن محمدى العجوانى
المفضلات