قراءة فى العهد القديم
مقال الدكتور
مصطفى محمود بمجلة أكتوبر بعددها الصادر الأحد 13 يوليو 1997
الصورة التى صورتها التوراة لله صورة مليئة بالتشويش والتناقض وسوء الفهم.. فهو فى معظم صفحات الكتاب إله ندمان، يفعل الفعل ثم ما يلبث أن يدرك أنه أخطأ ويندم عليه ويرجع عنه .. وهو إله مادي يفرح برائحة الشواء على المذابح ، ويدركه التعب إذا اشتغل بعض الوقت فيحتاج إلى الراحة .. وهو إله عنصري متحيز لا يعرف من مخلوقاته إلا بنى إسرائيل ، وهو يشرع الفضائل للتداول الداخلي بين أفراد هذه العشيرة الإسرائيلية .
"
للأجنبى تقرض بربا ولكن لأخيك لا تقرض بربا " (تثنية 23).
"
لا تأكلوا جثة ما.. تعطيها للغريب الذى فى أبوابك فيأكلها " (تثنية 14 الآية 21).
"
أبناء المستوطنين النازلين عندكم تستعبدونهم إلى الدهر.. وتتخذون منهم عبيداً وإماءً .. أخوتكم من بنى إسرائيل فلا يتسلط إنسان على أخيه بعنف" (لاويين).
أهى عنصرية؟؟
وإذا جاز لليهودى أن يفكر بطريقة عنصرية ويتصور الرب ربَاً له وحده ولجنسه من بنى إسرائيل ، والفضائل للتداول الداخلي فقط بين عائلته الإسرائيلية ، فكيف يجوز على الله رب العالمين ورب الإنس والجن والنمل والسمك والطير والنجوم و الأفلاك وملائكة العرش ورب ما نعلم وما لا نعلم .. كيف يجوز لهذا الرب أن يأمر بالفضيلة بطريقة عنصرية ، فاليهود وحدهم يتقارضون بدون ربنا.. ويأكلون اللحم .. أما الآخرون من الأمم فحلال سرقتهم واستغلالهم وإلقاء المزابل والجثث المنتنة المتعفنة إليهم ليأكلوها .
هذه الآيات تحمل في ثناياها روح
التلمود الذي كتبته الأقلام اليهودية فيما بعد...
فالتلمود هو الكتاب الشرعي الذي أحل لليهود دم الأمم ومالها وكرامتها وعرضها .. ولا يمكن أن تكون تلك الآيات تنزيل الرب ا لرحيم . ولا يحتاج الله القادر على كل شيء إلى يوم راحة يلتقط فيه أنفاسه بعد خلق الدنيا.
"
في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض ، وفي اليوم السابع استراح وتنفس " (الخروج 31).
ولا ينام الرب ليتيقظ . . وهو الذي تبرأت ذاته عن كل العوارض ..
"
اسكتوا يا كل البشر قدام الرب لأنه قد استيقظ من مسكن قدسه " ( زكريا الاصحاح 2).
ولا يمكن قبول هذه اللغة على أنها نوع من الشعر والمجاز ، إنها تتضمن إهانة للذات المقدسة .
وكما لا يصح في لغة الشعر والمجاز أن نقول أن الله يخطيء ويجهل .. كذلك لا يصح أن نقول إن الله يندم أو يتعب وينام ... ولو ذكرت هذه الكلمات في شعر عن الله لوصفنا الشاعر بأنه سيئ الأدب أو ملحد أو وجودى متحرر من شروط الإيمان .. فكيف يكون الحال والعهد القديم المُسمى بالتوراة ينسب هذا الكلام لنبي يتكلم بوحي من الله وليس بهذيان الخاطر ..؟
ولا ينفع الاعتذار القائل بأن كلمة يندم واردة بمعنى يغفر .. وهو اعتذار أفحش من التهمة ..
فمعناه أن النبي لا يعرف أبجدية اللغة التي يخاطب بها أتباعه .. ومعناه أن الله لم يحفظ لسانه من التخليط والزلل .. ومعناه في الحالتين أن كتاب التوراة ليس كتابا محفوظا من الله . وإنما هو مجموعة عبارات ألقيت على عواهنها وقيلت كيفا اتفق بما فيها من ضلال الخاطر وسقطات اللسان وعجز التعبير .. والعهد القديم أي التوراة المزعزمة ذاتها تنفي هذه الصفة بما فيها من صفحات مضيئة بالغة الذروة في جمال التعبير وحلاوة اللغة . والتفسير المقبول أنها سطور دخيلة وعبارات محرفة وآيات دسها على التوراة الكتاب المتأخرون الذين حاولوا إعادة كتابة العهد القديم بعد أن أُحرق عدة مرات وضاعت أصوله أيام
بختنصر وأيام
تيتوس .
ومما يدل على ذلك ما نجده في أسفار التوراة الأولى من عبارات تنفي عن الله هذا التخليط .
"
ليس الله إنسانا فيكذب ولا ابن انسان فيندم " ( العدد اصحاح 23 الآية 19) .
وما نقرأ في سفر
إشعياء من عبارات جميلة تنزه اله عن هذا العبث :
"
إله الدهر الرب خالق أطراف الأرض لا يتعب ولا يعيا " ( إشعياء 40).
"
فبمن تشبهوني فأساويه ؟ يقول القدوس .. ارفعوا إلى العلاء عيونكم وانظروا ، من خلق هذه ؟ .. من الذي له الجنود بلا عدد .. ويدعو كل واحد باسمه" ( إشعياء 40).
"
أنتم شهودي يقول الرب .. تؤمنوا بي وتفهمون أني أنا هو . قبلى لم يصور إله وبعدي لا يكون .. أنا أنا الرب وليس غيري مخلص .. أنا الله ولا منقذ من يدي " ( إشعياء 43).
"
هكذا يقول الرب ملك إسرائيل أنا الأول والآخر ولا إله غيري " ( إشعياء 44) .
"
ويل للطين الذي يخاصم اليد التي تسويه ويقول لها ماذا صنعت " ( إشعياء 45).
هنا تلمع درر التوراة ولآلئها بين أكوام الرديم والدشت.
ومثل آخر للآيات المريبة التي يدعيها على الله العهد القديم المسمى بالتوراة ., ما قالته عن
قوس قزح في سفر التكوين .
وتزعم التوراة أن الله القدوس وضع قوس قزح في السحاب بعد طوفان نوح كعلامة ميثاق بينه وبين الأرض ليذكر نفسه حتى لا يعود فيغرق الأرض بطوفان آخر إلى قيام الساعة .
"
وضعت قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض فيكون متى أنشر سحابا على الأرض وتظهر القوس في السحاب . أني أذكر ميثاقي الذي بيني وبينكم وبين كل نفس حية في كل جسد فلا تكون المياه طوفانا لتهلك كل ذي جسد . . وقال الله لنوح هذه علامة الميثاق الذي أنا أقمته بيني وبين كل ذي جسد على الأرض " (التكوين اصحاح 9).
ومعنى الآية أن ظاهرة قوس قزح لم تحدث في السماء إلا بعد طوفان نوح حينما وضع الله تلك القوس في السماء كعلامة ليتذكر بها العهد الذي قطعه للأرض ..
وهو كلام مخالف لما يقوله العلم الثابت من أن قوس قزح ظاهرة طبيعية تحدث أينما التقى بخار الماء المعلق في الجو بأشعة الشمس ، فيؤدي انكسار الأشعة على ذرات الماء المعلقة إلى انحلال النور الأبيض إلى ألوان الطيف السبعة التي تظهر في قوس قزح.
وليس من شروط هذه الظاهرة العلمية أن يأتي نوح ويحدث الطوفان فتوضع القوس في السماء ميثاقا إلهيا بين الله والأرض .. بل هي وفقا لمعلوماتنا ظاهرة قديمة موجودة منذ أن وجدت الشمس في السماء ومنذ أن حدث التبخر والضباب والسحب وذرات الماء المعلقة .. وكلها أمور قديمة .. منذ آدم وقبل آدم منذ أن نزلت الأمطار على أول نبات في تاريخ ا لأرض القديم..
وأي طالب ثانوي يستطيع بتجربة بسيطة في معمل الطبيعة أن يصنع قوس قزح صناعيا باستخدام مجموعة مناشير زجاجية يكسر بها الضوء بدلا من ذرات الماء .. ويحلله إلى قوس من الأطياف السبعة .
ولا أحاول بهذا أن أنقض آية ربانية بالعلم الظاهر ، بل أحاول أن أشرحها .. وعلمنا الظاهر في النهاية أتفه من أن ينقض آية من آيات الله ..
ولكنه مجرد سؤال :
ثم لماذا يضع الله علامة في السماء ليتذكر ميثاقه مع الأرض ، ولماذا يحرص على تذكير نفسه وليس من صفاته أن ينسى أو أن له ذاكرة ضعيفة مثلنا سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ؟.
ونحن نقول في القرآن :
"
وما كان ربك نسيا " ( مريم 64).
"
لا يغرف عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض " (سبأ 3).
فإذا جئنا إلى سفر
اللاويين فنحن نقرأ من صنوف الطقوس والكهانات عجبا .
وكمثل واحد من عشرات نقرأ في الاصحاح 14 من سفر اللاويين هذه المكالمة العجيبة بين الرب وموسى ، التي يفرض فيها الرب طقوسا يؤديها الكاهن على من يشفى من البرص .
"
على الكاهن أن يأخذ عصفورين يذبح أحدهما في إناء خزفي على ماء حي أما العصفور الآخر فيأخذه مع قطع من خشب الأرز والقرمز والزوفا ويغمس الكل في دم العصفور المذبوح ثم ينضح من الدم على المريض الذي شفي من برصه سبع مرات فيطهره ثم يطلق العصفور الحي على وجه الصحراء .. ويغسل المتطهر ثيابه ويستحم ويقيم خارج خيمته سبعة أيام وفي اليوم السابع يحلق شعر رأسه ولحيته وحواجب عينيه ويغسل كل ثيابه ويستحم ، وفي اليوم الثامن يأخذ خروفين صحيحين ونعجة واحدة حولية صحيحة وثلاثة أعشار دقيق ملتوتة بزيت ويأخذ الكاهن خروفا ليقربه ذبيحة .. ويأخذ من دم الذبيحة ويضع على الأذن اليمني للمريض الذي شفي من البرص وعلى إبهام يده اليمنى وعلى إبهام رجله اليمني ( هل يذكرك هذا الكلام بالزار ).
ثم يغمس الكاهن إصبعه اليمني في الزيت الذي على كفه اليسرى وينضح من الزيت بإصبعه سبع مرات أمام الرب ،ومما بقي في الزيت يضع على الأذن اليمني للمريض وعلى إبهام يده اليمنى وعلى إبهام رجله اليمنى .. ثم يعمل الكاهن ذبيحة خطية ويحرقها قربانا على المذبح.
ما هذه الطقوس
البهلوانية ..؟؟
هل كلم الله عبده موسى بهذا الكلام حقا ! ؟
صدق الله العظيم إذ يقول في القرآن عن حال اليهود أمام كلام التوراة الذي داخله الكثير من التحريف :
"
وإنهم لفي شك منه مريب " (هود 110).
المفضلات