من ملامح المنهج النبوي في دعوة المسلم الجديد: تأليفُه على الإسلام، ولذلك صورٌ عديدة، أذكر منها ما يلي:
1- احترام مشاعره:
فالمسلِم الجديد - أيًّا كان موقعه من مجتمعه الذي كان يعيش فيه - بحاجة إلى تقدير مشاعره، فقَبوله للإسلام والدخول فيه ليس حدثًا صغيرًا في حياته؛ بل هو تغيير شامل يتأثَّر به ويؤثِّر على مَن حوله، ويزداد الأمر على المسلم الجديد إذا كانت له مكانتُه في مجتمعه السابق؛ ولذا كان من منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتبارُ ذلك في الدعوة مِن إنزال الناس منازلَهم، ويؤخَذ هذا من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - عامَ الفتح: ((من دخل دار أبي سفيان، فهو آمن))، ففي هذا توقير لأبي سفيان - رضي الله عنه - وتمييزٌ له من بين سادات قريش.
وقد ورد أنَّ جرير بن عبدالله البجلي - رضي الله عنه - قال: لمَّا بُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أتيتُه، فقال: ((يا جرير، لأي شيء جئت؟))، قال: جئت لأسلم على يديك يا رسول الله، قال: فألقى إليَّ كساءه، ثم أقبل على أصحابه، فقال: ((إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه)).
ولَمَّا شكا عكرمةُ بن أبي جهل - رضي الله عنه - أنه إذا مرَّ بالمدينة قالوا: هذا ابن عدوِّ الله أبي جهل، قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا، فحَمِد الله وأثنى عليه فقال: ((الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارُهم في الإسلام، إذا فَقهوا)).
ولام عمرُ - رضي الله عنه - مَن سخِر بالمسلم الجديد، فعن الصبي بن معبد قال: كنت رجلاً نصرانيًّا فأسلمت، فأهللت بالحج والعمرة، فسمعني زيد بن صوحان وسلمان بن ربيعة وأنا أُهِلُّ بهما، فقالا: لهذا أضلُّ من بعير أهله، فكأنما حُمل عليَّ بكلمتهما جبل، فقدمتُ على عمرَ فأخبرتُه، فأقبل عليهما فلاَمَهما، وأقبل عليَّ، فقال: هديتَ لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - هديتَ لسنة نبيِّك - صلى الله عليه وسلم - وفي رواية: أن الصبي قال لرجلٍ من عشيرته: إني حريص على الجهاد، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليَّ، فكيف لي بأن أجمعهما؟ قال: اجمعهما واذبح ما استيسر من الهدي، وذكر تمام الحديث.
وفي إشارته إلى دينه السابق ما يُشعر باعتذاره من ذلك؛ لجهله وقرب دخوله في الإسلام، ومع ذلك فقد حرص على السؤال، واجتهد في طلب الحق.
إن تعيير المسلم الجديد بذنبه أو بدينه السابق، أو بخطأ يقع منه أو بأبيه، ليس مِن هدي الإسلام، وله خطورته على المسلم الجديد، وقد يعيد المسلمَ الجديد إلى كفره، فقد ذكر ابن عساكر في "تاريخ دمشق" أن رجلاً قام عند باب المسجد، فقال: يا معشر المسلمين، أنا حوصا، كنتُ يهوديًّا وأسلمت، فصرتُ أعيَّر باليهودية، فلا تعيِّروني بها فأرجع إليها.
2- إشعاره بأهميته في المجتمع وحفظ مكانته:
فمن متطلبات الدعوة إشعارُ المسلم الجديد بأهميته في المجتمع، فقد يكون عزيزًا في قومه وبين أصحابه قبل أن يسلم، فلا ينبغي أن يهمل هذا الأمر بحجَّة أنه المستفيد من دخوله في الإسلام، وكان من منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - حفظُ مكانة المسلم الجديد في المجتمع، وشواهدُ ذلك كثيرة جدًّا، فالقادة في قريش قبلَ الإسلام أصبحوا قادةً بعد إسلامهم، فخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعكرمة وغيرهم - رضي الله عنهم - خيرُ مثال على ذلك، والأصل في ذلك ما تقدَّم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا)).
3- تألُّفه بالعطايا:
ومن منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - التألُّفُ للمسلم الجديد بالمال وغيره، فكان الرجل يُسلِم فيعطيه النبي - صلى الله عليه وسلم - يتألفه على الإسلام، فيعود إلى قومه قائلاً: يا قوم، أسلِموا؛ فوالله إن محمدًا ليعطي عطاء من لا يخاف الفقر.
وفي سياق غزوة حُنين، قال ابن إسحاق: وأعطى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المؤلَّفةَ قلوبُهم، وكانوا أشرافًا من أشراف الناس، يتألفهم ويتألَّف بهم قومهم، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائةَ بعير، وأعطى ابنه معاوية مائة بعير، وأعطى حكيمَ بن حِزام مائة بعير، وأعطى الحارث بن الحارث بن كلدة مائةَ بعير.
وفي "صحيح البخاري" عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إني أُعطي قريشًا أتألَّفُهم؛ لأنهم حديثو عهد بجاهلية)).
وبمثل هذه المعاملةِ وصل الإيمانُ إلى عُمق قلوب المسلمين الأوائل، وما أحوجَ الدعوةَ إلى مثل هذا السلوكِ النبوي في معاملة المسلم الجديد!
مجلة المستقبل - العدد 165 محرم 1426هـ، فبراير 2005م
المفضلات