حديث الإثنين
الخميس 06 محرم 1433 الموافق 01 ديسمبر 2011
الكتاب:
حديث الإثنين
المؤلف:
الشيخ محمد الغزالي
إعداد:
الأستاذ عبد القادر نور
الطبعة:
الأولى -2011 م
عدد الصفحات:
259 صفحة من الحجم المتوسط
الناشر:
دار الوعي للنشر والتوزيع - الجزائر
عرض:
نادية سعد معوض
صدر مؤخرا عن دار الوعي للنشر والتوزيع بالجزائر كتاب جديد للشيخ محمد الغزالي حمل عنوان أحاديث الإثنين، والكتاب يضم جملة من الأحاديث الّتي سجلها الداعية الراحل الشيخ محمد الغزالي للإذاعة والتلفزيون الجزائري وقام بجمعها وإعداداها أمين الوصية عبدالقادر نورالمدير الأسبق للإذاعة الجزائرية .
ومما يذكر أن ريع الكتاب مهدى للمعاقين حركيا بالجزائر، حسب وصية الراحل الشيخ الغزالي التي تركها سنة 1987. إن حديث الإثنين هو ذلك الحديث المقنع الممتع الذي كان يلقيه كل يوم إثنين من الإذاعة والتلفزيون الجزائري الشيخ محمد الغزالي عندما كان مقيما في قسنطينة، رئيسا للمجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية.
ولقد سبق لمعد الكتاب أن حول مجموعة أحاديث إذاعية مرتجلة عن الثورة الجزائرية إلى كتب استفاد منها الناس، وأراد أن يكرر التجربة مع أحاديث الشيخ الغزالي، فتوجه تلقاء قسنطينة لزيارة الشيخ واستئذانه في طبع أحاديثه المرتجلة في كتاب مصحوب بأشرطة سمعية - بصرية، فأذن له الشيخ ودعا له بالتوفيق.. وقد سأل الكاتب الشيخ الغزالي عن حقوقه، فأجابه: أتبرع بها للمعاقين الجزائريين، أنا من أغنياء المسلمين، لقد أغناني الله وكتب الإمام الغزالي إقرارا بذلك .
الغزالي لا يحتاج إلى تقديم
يقول محمد الهادي الحسني نائب مدير التراث الإسلامي بوزارة الشؤؤن الدينية الأسبقوالذي قدم للكتاب:
لقد أبى الأستاذ عبد القادر نور إلا أن يحمّلني - حسن ظنٍ منه بي - قولا ثقيلا، وهو أن أكتب لهذا الكتاب ما سمّاه تفضلا منه مقدمة في حين - كما يقول الدكتور عبد الصبور شاهين : إن كتابا يوضع على غلافه اسم الأستاذ الغزالي لا يحتاج إلى تقديم.. حتى إن عصرنا هذا يمكن أن يطلق عليه في مجال الدعوة عصر الأستاذ الغزالي" (عبد الله العقيل: من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية.. ج 2 . ص 940). ولأنه - كما يقول شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود - : "ليس لدينا إلا غزالي الأحياء والإحياء" (المرجع نفسه 2 / 942. والمقصود بغزالي الأحياء محمد الغزالي، والإحياء أبو حامد الغزالي صاحب كتاب "إحياء علوم الدين").
إن الذي يقرأ للإمام الغزالي أو يسمع له يلاحظ ويسمع له يلاحظ أمرين اثنين:
أولا : حرصه على صحة ما يقدمه من معلومات في حجة قوية، ووضوح برهان، فهو يرفض أن "يدروش" الإسلام ويأبى أن يسترهب نفوس الناس ويسخر من عقولهم.. فالإسلام دين علم، وعقل، ومنطق وتلك هي عناصر قوته التي صمد بها في وجه الحروب النفسية والغزو الفكري الصليبي، الصهيوني، الإلحادي.. رغم ضعف المسلمين.. بل رغم حجبه عن الدنيا بالمسلمين، كما يقول الإمام محمد عبده.
لقد سمعت "دكتورا" يقول في ملتقى الفكر الإسلامي "الحياة الروحية" الذي عقد في بوحنيفية بمعسكر في سنة 1987، سمعته يقول: "إن سيدي عبد القادر الجيلاني تكلم في بطن أمه". إذا كان سيدنا عيسى - عليه السلام -، وقد خلقه الله من غير أب، وهو من أولي العزم من الرسل - لم يكرمه الله عز وجل بالكلام إلا بعدما ولدته أمه - عليها السلام ـ ووضعته في المهد، فكيف يتكلم سيدي الجيلاني في بطن أمه؟ إن هذا لشيء عجاب!
إن هذه العقلانية وهذه المنطقية في الإسلام هي التي أكسبته القوة التي جعلت المستشرق (و.ر. و جاردنر) يقول: "إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوربا". (فايز صالح اللهيبي: إشكالية الخوف من الإسلام. 74)
ثانيا : سلامة اللغة وطلاوتها حيث لا يتكلف، ولا يتصنع، ولا يتعالم على الناس بالغريب من القول والمعقد من المصطلحات، فكان الناس في المشارق والمغارب يقبلون على كتبه وأحاديثه، لما يجدون فيها ـ إضافة إلى عقلانيتها ومنطقيتها ـ من دفء جميل وعاطفة متدفقة صادقة، وإحساس مرهف، وقلب رقيق..
لقد كان الجزائريون الصالحون الذين لم يتخذهم الشيطان سخريا، ولم يتخذوه وليا يهرعون - نساء ورجالا، شيوخا وشبابا، ذكرانا وإناثا، مثقفين وأميين - إلى الجلوس مساء كل إثنين أمام التلفزة لإلقاء السمع لحديث الإمام الغزالي، الذي جعل الله له القبول..
وأما الذين ران على قلوبهم واستحوذ عليهم الشيطان وعميت بصائرهم وأبصارهم، وصغرت عقولهم، وضاقت صدورهم فقد كانوا عندما يطل الإمام الغزالي من الشاشة لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس.. فراحوا يسلقونه بألسنتهم الحداد، ويتقوّلون عليه في مجالسهم.. وكل إناء بما فيه يرشح.. ولكنه - لمعدنه النبيل -
لم يلق بالا لأباطيلهم، ويضيّع وقته في الرّد عليه، لإيمانه بقوله تعالى "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض".
لقد كان همّ الإمام الغزالي متعلقا بأمته الإسلامية، التي أرادها الله - عز وجل - خير أمة فردها أشرارها أرذل أمة، لأنهم أصغر من أن يقودوها، ورحم الله الشاعر الفحل أبا الطيب المتنبي عندما قال:
سادات كل أناس من نفوسهم وسادة المسلمين الأعبد القزم
ثم يضيف الحسني لقد سمعت أحد المسؤولين التونسيين يقول في إحدى الفضائيات إن الحبيب بورقيبة كاد يجن بعد أن عين ابن علي رئيسا للحكومة ثم علم أنه غير متحصل على شهادة البكالوريا،-وها قد ذهب بورقيبة وربيبه ابن علي إلى غير رجعة وعادت تونس إلى هويتها الإسلامية-
فكيف بمن لا يملك إلا شهادة الميلاد وتولى ستة مناصب عليا، وتطاول على أكبر عالم في بلده.. ومن عجائب الأقدار أن هذا الشخص مايزال على قيد الحياة إلى يومنا هذا، ولكنه لا يعرفه إلا من عاصره؛ بينما يحتل ذلك العالم السمع والبصر عند أولى النُّهى، وقديما قال شاعر مخاطبا الخشب المسندة:
أماتكم من قبل موتكم الجهل وجرّكم من خفّة بكم النمل
كما كان قلب الإمام الغزالي يعتصر ألما وهو يرى الإصلاح العظيم يعبث به فئتان من الناس: فئة مستهترة، في النهار ترتشي وفي الليل تنتشي، وترى - كما يقال - الصلوات الخمس نافلة؛ وفئة ترى الإسلام أشكالا، وتذهل عن مبادئه السامية، وقيمه العالية...
ثلاثون حديثا
وأرجع عبدالقادر نور تأخر طبع الكتاب إلى عائق مادي، إلى أن جاء، على حد قوله، الفرج بعون الله من قبل بعض المحسنين ممن سمعوا عن المشروع، مضيفا أنه وربما من محاسن الأقدار أن رأى الكتاب النور بعد تحرر بعض الشعوب العربية والإسلامية من الظلم والاستبداد، الذي لطالما حاربه الشيخ الغزالي بلسانه وقلمه.
وجمع معد الإصدار جملة الأحاديث الغزالية، في 259 صفحة من الحجم المتوسط، استهلّه بتمهيد تطرق فيه للقائه بالشيخ الغزالي، وتمخض فكرة إصدار كتاب يضم أحاديثه، وأتبع التمهيد بوثيقة تنازل الشيخ محمد الغزالي عن حقوقه المادية في الأحاديث للمعاقين عن الحركة بالجزائر، وكلمة للشاهد على الوصية نائب مدير التراث الإسلامي بوزارة الشؤون الدينية محمد الهادي الحسني، وأخرى للدكتور الهادي الخالدي.
وكان التوقّف في الكتاب عند 30 حديثا، ومن بينها شريعة الصيام الّتي قال فيها الإمام الغزالي، رحمه الله، إنّها شريعة رفيعة القدر عظيمة الأجر، تذكر الإنسان بنسبه السماوي وأصله الروحاني، مشيرا إلى أن الصيام يحاط بأدب الصمت الّذي يجعل الإنسان لا يخوض في النّواحي الجنسية، مبرزا معنى القدرة على الامتناع، وأن الشهر سمو وعبادة وإقبال على الله، مستدلا بآيات من الذِّكر الحكيم، وأحاديث نبوية شريفة، إلى جانب جملة من الحكم والأشعار التي تخدم الشأن محل الحديث. كما ضم المؤلف حديث الداعية الغزالي حول اختلاف الأديان، حيث يقول إنّه وجد الأمر واقعا لا ريب فيه، وأن مواجهته يجب أن تكون دون تبرم ولا صخب، متوقّفاً عند إرث الناس للأديان في القارات الخمسة كإرثها للجنسيات، دون ذنب، ومؤكداً أن اختلاف الدين بين الناس نظرة عاقلة، وليس سبباً للعدوان ولا سبب مغاضبة وتجهم وطغيان.
وحملت دفتا الكتاب بين ثناياها أحاديث عن معاني التسبيح (سبحان الله)، التحميد (الحمد لله)، التهليل (لا إله إلاّ الله) والتّكبير (الله أكبر)، إلى جانب تفسير وتحليل مدعم بآيات قرآنية وأحاديث نبوية عن معجزة القرآن، الإدارة والتسيير، الأخلاق دعامة المجتمع وأمراض نفسية يحاربها الإسلام، كما جاء في حديث النبي الكريم صلّى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجُبن والبُخل، وأعوذ بك من غَلبة الدَّيْنِ وقهر الرِجال.
عندما يتحدث الشيخ الغزالي عن الأمراض النفسية يؤكد على نقطتين هما العجز والكسل فيقول : إن العجز والكسل من أفْتك ما يصيب الأمم.. إنني أستغرب الإنسان يستطيع أن يعمل العمل، وأوتي القدرة على إنجازه، بل على تحسينه، فلا هو يعمل و لا هو يحسن.
وعندما يتصدى للأمراض البيروقراطية يندد قائلا : موظِّف أمامه أوراق فيها مصالح أمته، فيها قضايا الجماهير التي تنتظر أن ينظر في هذه الأوراق، وأن يعطي فيها التأشيرة التي تخدم بمصالح الناس، لا ..كسول، لا ... يفكِّر، يبقى الملف أمامه فوق المكتب أسبوعا أو أسبوعين، شهراً أو شهرين، و هو لا يتحرك..
وليس ثمة شك أن العلامةَ الغزالي عندما أمر بإهداء ريع الكتاب إلى إخواننا المعاقين إنما كان يرمي من وراء ذلك, إلى ضرورة الالتفات, إلى هذه الشريحة من المجتمع والتكفُّل بها... رحم الله الشيخ الغزالي وأجزل له المثوبة ..
المفضلات