بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
الاحتفال بليلة النصف من شعبان ، وتخصيص يومها بالصيام (1)
لم يثبت فيها شيء عن النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ؛ ولا عن أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ، قال ابن رجب :" .. وفي فضل ليلة نصف شعبان أحاديث متعددة ، وقد اختُلف فيها ، فضعّفها الأكثرون ، وصحّح ابن حبان (2) بعضها " (3) . وقال محمد بن صالح العثيمين :" الصحيح أن جميع ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان ضعيف لا تقوم به حجة ، ومنها أشياء موضوعة ، ولم يعرف عن الصحابة أنهم كانوا يعظمونها ، ولا أنهم كانوا يخصونها بعمل ، ولا يخصون يوم النصف بصيام ، وأكثر من كانوا يعظمونها أهل الشام ؛ التابعون ليس الصحابة والتابعون في الحجاز أنكروا عليهم أيضاً ، قالوا : لا يمكن أن نعظم شيئاً بدون دليل صحيح " (4) ، ويكمل الفوزان الحديث بقوله :" لأن العبادات توقيفية ، لابد فيها من دليل من الشارع ." سبحانه وتعالى (5) .
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه " لطائف المعارف" :" .. وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام ؛ كخالد بن معدان ، ومكحول ، ولقمان بن عامر وغيرهم ، يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة ، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها ، وقد قيل : إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية !!! (6) ، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان ، اختلف الناس في ذلك فمنهم من قبله منهم ، ووافقهم على تعظيمها ، منهم طائفة من عبَّاد أهل البصرة وغيرهم ، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز ، منهم عطاء ، وابن أبي مُليكة ، ونقله عبدالرحمن بن زيد بن أسلم ، عن فقهاء أهل المدينة ، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم ، وقالوا : ذلك كله بدعة . واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين :
أحدهما : أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد . فقد كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ، ويتبخرون ويتكحلون ، ويقومون في المسجد ليلتهم تلك ، ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك ، وقال في قيامها في المساجد جماعة : ليس ذلك ببدعة ، نقله حرب الكرماني في مسائله .
والثاني : أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء ، ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه ، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم ، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى ، إلى أن قال الحافظ ابن رجب : ولا يعرف للإمام أحمد كلام في ليلة نصف شعبان ، ويتخرج في استحباب قيامها عنه روايتان : من الروايتين عنه في قيام ليلتي العيد ، فإنه (في رواية) لم يستحب قيامها جماعة لأنه لم ينقل عن النبي وأصحابه ، واستحبها (في رواية) ، لفعل عبدالرحمن بن يزيد بن الأسود لذلك وهو من التابعين ، فـــ " قيام ليلة النصف " ؛ لم يثبت فيها شيء عن النبي ولا عن أصحابه ، وثبت فيها عن طائفة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام " . ( انتهى كلام الحافظ ابن رجب من لطائفه ) .
ابن باز يعلق على قول الحافظ ابن رجب رحمهما الله ، نعم نقول بــ :" التصريح بأنه لم يثبت عن النبي ولا عن أصحابه شيء في ليلة النصف من شعبان ، وأما ما اختاره الأوزاعي من استحباب قيامها للأفراد ، واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول ، فهو غريب وضعيف . لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية كونه مشروعا ، لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين الله ، سواء فعله مفرداً أو في جماعةٍ ، وسواء أسره أو أعلنه . لعموم قول النبي عليه السلام :" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها .
وقال الإمام أبوبكر الطرطوشي في كتابه (7) ما نصه :" .. وروى ابن وضاح عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم ( وهو من أتباع التابعين من أهل المدينة ) ، قال :" ما أدركنا أحداً من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى النصف من شعبان ، ولا يلتفتون إلى حديث مكحول ، ولا يرون لها فضلاً على ما سواها" (8) .
وقيل لابن أبي مُليكة ( وهو من جِلّة التابعين وفقهائهم بالمدينة ) : إن زياداً النميري (وكان زياد قاصاً) يقول :" إن ليلة النصف من شعبان أجْرُها كأجر ليلة القدر ، فقال : لو سمعته يقول ذلك وفي يدي عصاً لضربته بها " .
وقال العلامة الشوكاني (9) ما نصه :".. حديث :" يا علي من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرات قضى الله له كل حاجة"... إلخ .. هو موضوع ، وفي ألفاظه المصرحة بما يناله فاعلها من الثواب ما لا يمتري إنسان له تمييز في وضعه ، ورجاله مجهولون ، وقد روي من طريق ثانية وثالثة كلها موضوعة ورواتها مجاهيل ، وقال في :" المختصر " : حديث صلاة نصف شعبان باطل ، ولابن حبان من حديث علي :" إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها ، وصوموا نهارها " ، ضعيف .
وقال الشوكاني في " اللآلئ" :" مائة ركعة في نصف شعبان بالإخلاص عشر مرات " مع طول فضله ، للديلمي وغيره موضوع ، وجمهور رواته في الطرق الثلاث مجاهيل ضعفاء ، قال :" واثنتا عشرة ركعة بالإخلاص ثلاثين مرة موضوع وأربع عشرة ركعة " موضوع .
يقول ابن باز :" وقد اغتر بهذا الحديث جماعة من الفقهاء كصاحب " الإحياء " وغيره وكذا من المفسرين ، وقد رويت صلاة هذه الليلة - أعني ليلة النصف من شعبان على أنحاء مختلفة كلها باطلة موضوعة ، ولا ينافي هذا رواية الترمذي من حديث عائشة لذهابه ـ عليه السلام إلى البقيع ، ونزول الرب ليلة النصف إلي سماء الدنيا ، وأنه يغفر لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب ، فإن الكلام إنما هو في هذه الصلاة الموضوعة في هذه الليلة ، على أن حديث عائشة هذا فيه ضعف وانقطاع ، كما أن حديث علي الذي تقدم ذكره في قيام ليلها ، لا ينافي كون هذه الصلاة موضوعة ، على ما فيه من الضعف حسبما ذكرناه " انتهى قول ابن باز .
وقال الحافظ العراقي :" حديث صلاة ليلة النصف موضوع على رسول الله وكذب عليه " ، وقال الإمام النووي في كتابه المجموع :" الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب ؛ وهي اثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ، ليلة أول جمعة من رجب ، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة ، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان ، ولا يغتر بذكرهما في كتاب " قوت القلوب " ، و " إحياء علوم الدين " ، ولا بالحديث المذكور فيهما ، فإن كل ذلك باطل ، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما ، فإنه غالط في ذلك " .
وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبدالرحمن بن إسماعيل المقدسي كتاباً نفيساً في إبطالهما ، فأحسن فيه وأجاد ، وكلام أهل العلم في هذه المسألة كثير جداً ، ولو ذهبنا ننقل كل ما اطلعنا عليه من كلام في هذه المسألة ، لطال بنا الكلام ، ولعل فيما ذكرنا كفاية ومقنعا لطالب الحق .(فتاوي ابن باز) .
قال محمد بن صالح العثيمين ما نصه :" في صيام يوم النصف منه : فقد ذكر ابن رجب (10) رحمه الله تعالى :" أن في سنن ابن ماجة (1388) بإسناد ضعيف عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها ، وصوموا نهارها ، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول : ألا من مستغفر لي فأغفر له ، ألا مسترزق فأرزقه ، ألا مبتلى فأعافيه ، ألا كذا ، ألا كذا حتى يطلع الفجر " . قلت (الشيخ العثيمين) : وهذا الحديث حكم عليه صاحب المنار [ محمد رشيد رضا ؛ رحمه الله ] بالوضع ، حيث قال (ص 226 في المجلد الخامس من مجموع فتاويه) :" والصواب أنه موضوع ، فإن في إسناده أبابكر بن عبدالله بن محمد ، المعروف بابن أبي سبرة ، قال فيه الإمام أحمد ويحيى بن معين : إنه كان يضع الحديث " ، يكمل العثيمين القول :" وبناء على ذلك فإن صيام يوم النصف من شعبان بخصوصه ليس بسنة ، لأن الأحكام الشرعية لا تثبت بأخبار دائرة بين الضعف والوضع باتفاق علماء الحديث ، اللهم إلا أن يكون ضعفها مما يَنْجَبِر بكثرةِ الطرق والشواهد ، حتى يرتقي الخبر بها إلى درجة الحسن لغيره ، فيعمل به إن لم يكن متنه منكراً أو شاذًّا . وإذا لم يكن صومه سنَّة كان بدعة ، لأن الصومَ عبادة فإذا لم تثبت مشروعيته كان بدعة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" كل بدعة ضلالة " (11) . ثم أجاب رحمه الله في موضع آخر بقوله :" أما صيام النصف من شعبان بناءً على أنه أحد أيام البيض التي أُمرنا بصيامها وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فإذا صام الإنسان أيام البيض في شعبان فإنه كصيامها في رجب وفي جمادى وفي ربيع وفي صفر وفي محرم وفي ذي القعدة ولكن كونه يخصص يوم النصف فقط هذا لا يدل على أنه صامه من أيام البيض بل يدل على أنه صامه لأنه يوم النصف من شعبان وهذا يحتاج إلى دليل والحديث الوارد في هذا ضعيف وعلى هذا فلا يسن للإنسان أن يخصص يوم النصف من شعبان بالصيام " . (12) . وقال رحمه الله ؛ العثيمين في فضل ليلة النصف منه :" وقد وردت فيه أخبار قال عنها ابن رجب في اللطائف بعد ذكر حديث [الإمام ] علي [كرم الله وجهه] السابق : إنه قد اختلف فيها ، فضعفها الأكثرون ، وصحح ابن حبان بعضها وخرجها في صحيحه. ومن أمثلتها حديث عائشة رضي الله عنها وفيه :" أن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا ، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ". (13) . ثم يكمل العثيمين فيقول :" وذكر الشوكاني أن في حديث عائشة المذكور ضعفاً وانقطاعاً . وذكر الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رحمهما الله تعالى ـ أنه ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها ، وقد حاول بعض المتأخرين أن يصححها لكثرة طرقها ولم يحصل على طائل ، فإن الأحاديث الضعيفة إذا قدر أن ينجبر بعضها ببعض فإن أعلى مراتبها أن تصل إلى درجة الحسن لغيره ، ولا يمكن أن تصل إلى درجة الصحيح كما هو معلوم من قواعد مصطلح الحديث. " .
**
فائدة :
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يومها بالصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم " ، فلو كان تخصيص شيء من الليالي ، بشيء من العبادة جائزا ، لكانت ليلة الجمعة أولى من غيرها . لأن يومها هو خير يوم طلعت عليه الشمس ، بنص الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ، فلما حذر النبي من تخصيصها بقيام من بين الليالي ، دل ذلك على أن غيرها من الليالي من باب أولى ، لا يجوز تخصيص شيء منها بشيء من العبادة ، إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :" صحح ابن حبان بعض ما ورد من الأحاديث في فضل إحياء ليلة النصف من شعبان ، من ذلك ما رواه في صحيحه ، عن عائشة أنها قالت :" فقدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجتُ فإذا هو في البقيع رافع رأسه ، فقال : أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله ؟ فقلت : يا رسول الله ، ظننت أنك أتيت بعض نسائك ، فقال : إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب " ، وقد ضعف البخاري وغيره هذا الحديث ، وأكثر العلماء يرون ضعف ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان وصوم يومها ، وقد عرف عند علماء الحديث تساهل ابن حبان في تصحيح الأحاديث . وبالجملة فإنه لم يصح شيء من الأحاديث التي وردت في فضيلة إحياء ليلة النصف من شعبان وصوم يومها عند المحققين من علماء الحديث ؛ ولذا أنكروا قيامها وتخصيص يومها بالصيام ، وقالوا إن ذلك بدعة ، وعظّم جماعةٌ من العُبَّاد تلك الليلة اعتماداً على ما ورد من الأحاديث الضعيفة واشتهر عنهم ذلك فتابعهم عليه الناس ، تحسينا للظن بهم ، بل قال بعضهم لفرط تعظيمه لليلة النصف من شعبان: إنها الليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن ، وأنها يفرق فيها كل أمر حكيم ، وجعل ذلك تفسيرا لقوله تعالى [إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم ] (الدخان: 3 ، 4). وهذا من الخطأ البين ، ومن تحريف القرآن عن مواضعه ، فإن المراد بالليلة المباركة في الآية ليلة القدر ، لقوله تعالى [إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ] (القدر: 1) . وليلة القدر في شهر رمضان للأحاديث الواردة في ذلك ؛ لقوله تعالى [شهر رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ] (البقرة: 185) . (14) . وقد أجابت اللجنة قبل هذا على سؤال :" عن ليلة النصف من شعبان :" هل هذه الآية التي في سورة الدخان [ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ] ، هل المقصود بها ليلة النصف من شعبان ، أم المراد بها ليلة القدر ليلة سبع وعشرين من رمضان المبارك؟ وهل يستحب في ليلة النصف من شعبان العبادة والذكر والقيام وقراءة القرآن وصيام يوم أربعة عشر من شعبان؟
؛ أجابت بقولها:
أولاً : الصحيح أن الليلة المذكورة في هذه الآية هي ليلة القدر وليست ليلة النصف من شعبان .
ثانياً : لا يستحب تخصيص ليلة النصف من شعبان بشيء من العبادة مما ذكرت أو غيره ، بل هي كغيرها من الليالي الأخرى ، وتخصيصها بشيء من العبادات بدعة . وبالله التوفيق . وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم. (15) . وورد السؤال التالي : ما هو الدعاء الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة النصف من شعبان ، وهل من السنة إحياء هذه الليلة بالتجمع في المسجد والدعاء بدعاء معين والتقرب إلى الله ؟ ، فأجابت اللجنة الدائمة بقولها :" لم يثبت في تخصيص ليلة النصف من شعبان بدعاء أو عبادة دليل صحيح ، فتخصيصها بذلك بدعة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة » . وبالله التوفيق (16) .
ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم ، يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها ، وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم ، وليس له أصل في الشرع المطهر ، بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة ، ويكفي طالب الحق في هذا الباب وغيره قول الله عز وجل " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ " وما جاء في معناها من الآيات ، وقول النبي :" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وما جاء في معناه من الأحاديث .
فائدة ثانية : محاذير الإبتداع :
ليعلم أن من ابتدع في دين الله ما ليس منه فإنه يقع في عدة محاذير منها:
المحذور الأول : أن فعله يتضمن تكذيب ما دل عليه قول الله عز وجل [ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ] (المائدة: 3) ، لأن هذا الذي أحدثه واعتقده ديناً لم يكن من الدين حين نزول الاۤية ، فيكون الدين لم يكمل على مقتضى بدعته .
المحذور الثاني : أن ابتداعه يتضمن التقدم بين يدي الله ورسوله ، حيث أدخل في دين الله تعالى ما ليس منه . والله سبحانه قد شرع الشرائع وحدّ الحدود وحذَّر من تعديها .
المحذور الثالث : أن ابتداعه يستلزم جعل نفسه شريكاً مع الله تعالى في الحكم بين عباده ، كما قال الله تعالى [أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ] (الشورى:21) .
المحذور الرابع : أن ابتداعه يستلزم واحداً من أمرين ، وهما:
إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم جاهلاً بكون هذا العمل من الدين ،
وإما أن يكون عالماً بذلك ولكن كتمه ، وكلاهما قدح في النبي صلى الله عليه وسلم ،
أما الأول فقد رماه بالجهل بأحكام الشريعة ،
وأما الثاني فقد رماه بكتمان ما يعلمه من دين الله تعالى .
المحذور الخامس : أن ابتداعه يؤدي إلى تطاول الناس على شريعة الله تعالى ، وإدخالهم فيها ما ليس منها ، في العقيدة والقول والعمل .
المحذور السادس : أن ابتداعه يؤدي إلى تفريق الأمة وتشتيتها واتخاذ كل واحد أو طائفة منهجاً يسلكه ويتهم غيره بالقصور ، أو التقصير ، فتقع الأمة فيما نهى الله عنه بقوله [وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] (آل عمران: 105) ، وفيما حذر منه بقوله [إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ] (الأنعام: 159) .
المحذور السابع : أن ابتداعه يؤدي إلى انشغاله ببدعته عما هو مشروع ، فإنه ما ابتدع قوم بدعة إلا هدموا من الشرع ما يقابلها . وإن فيما جاء في كتاب الله تعالى ، أو صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم من الشريعة لكفاية لمن هداه الله تعالى إليه واستغنى به عن غيره .
[محمد بن صالح العثيمين]
خلاصة البحث ما قاله العثيمين :" شعبان يمتاز عن غيره [ من الشهور ] بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر صومه ، بل كان يصومه كله إلا قليلاً ، فينبغي الإكثار من الصيام في شعبان " (17) .
الجمعة 11 شعبان 1431 م. هـ. ~ 23 يوليو 2010 ب.م.
ملف شهر شعبان ؛ الجزء الثاني
د. محمد الرمادي
ـــــــــــــ
الهوامش والمراجع :
(1 .) ما ورد في تخصيصها بصلاة أو عبادة فلم يصحّ فيها شيء ، بل كلها أحاديث موضوعة وباطلة ، وحَكَمَ ببطلانها جمعٌ من أهل العلم ، منهم ابن الجوزي في كتابه الموضوعات (2/440 – 440 - 445 رقم 1010- 1014) ، والبيهقي في الشعب (رقم 3841) ، وأبو الخطاب ابن دحية في أداء ما وجب (79 - 80) ، وابن قيم الجوزية في المنار المنيف ( رقم 174 - 177) وأبو شامة الشافعي في الباعث على إنكار البدع والحوادث (124 - 137) والعراقي في تخريج إحياء علوم الدين (رقم 582) ، حتى نقل شيخُ الإسلام الاتفاق على بطلانها في اقتضاء الصراط المستقيم (28/138) ؛ وهذا أمرٌ لا يخفى على أحدٍ من أهل العلم : أن تخصيص ليلة النصف من شعبان بصلاة لم يرد فيه حديثٌ صحيح ولا حسنٌ ولا ضعيف خفيفُ الضعف ، بل ما ورد فيه كله موضوع مكذوب على نبينا صلى الله عليه وسلم ، أما ما يفعله كثير من الناس من الاجتماع ليلة النصف من شعبان على صلوات معينة وعبادات خاصة في كل عام فهذا من البدع التي اتفق على إنكارها من عامة العلماء ، وذكر ذلك جماعة من أهل العلم . فانظر الحوادث والبدع لأبي بكر الطرطوشي (266 - 267) ، والباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة (142) ، واقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (2/138، 256 - 257) ، ولطائف المعارف لابن رجب (263) ولم يخالف في تبديع هذا الفعل إلا قلة من أهل العلم ، منهم من ذكرهم ابن رجب من أهل الشام ، وإسحاق بن راهويه . أما الشافعي فاستحب إحياءَها ، كما في الأم (1/231) ، لكن لم يذكر أن ذلك يكون بالاجتماع لها ، ولم يذكر الشافعي دليل ذلك الاستحباب . وما دامت المسألة متنازعاً فيها فالمرجع فيها إلى الكتاب والسنة ، كما قال تعالى :" فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا " (النساء : 59) . وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ " أخرجه مسلم (1718) وليلة النصف من شعبان لم يثبت في فضلها حديث ، وكل ما ورد في فضل تخصيصها بعبادة باطلٌ موضوعٌ ، فليس في تعمُّد القيام فيها بعبادة ما ، على وجـه التعيين لها وتخصيصها بتلك العبادة إلا ابتداعاً في الدين ، وقد قال صلى الله عليه وسلم :" كل بدعة ضلالة " أخرجه مسلم (867) . (المصدر : الشيخ العوني ؛ الشريف حاتم بن عارف ، عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى)
(2. ) عرف عند علماء الحديث تساهل ابن حبان في تصحيح الأحاديث.
(3. ) ابن ر جب ، لطائف المعارف ص: 261 .
(4. ) العثيمين ، محمد بن صالح ، لقاءات الباب المفتوح .
(5. ) الفوزان ؛ المنتقى من فتاوى الفوزان .
(6. ) قال الشيخ الشريف حاتم بن عارف العوني؛ عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى :" قول ابن رجب من أن مرجع تعظيم هذه الليلة إلى الإسرائليات فقد وجدَتُ ما يشهد له ، من أنَّ مكحولاً الشامي (وهو مرجع أكثر طرق الحديث كما سبق) قد رُوي هذا الحديث عنه في بعض الوجوه عن كعب الأحبار !! كما تراه في كتاب النـزول للدارقطني (162 - 164 ، 168 رقم 88) ، وانظر لطائف المعارف لابن رجب أيضاً (264) " .
(7. ) الطرطوشي ؛ الإمام ابوبكر ؛ الحوادث والبدع ، بإسناد صحيح رقم 119.
(8. ) أخرجه عبدالرزاق في المصنف (رقم 7928) ، وابن وضاح في ما جاء في البدع (رقم 120) بإسناد صحيح .
(9. ) الشوكاني؛ محمد بن علي بن محمد ؛ الفوائد المجموعة .
(10. ) كتاب اللطائف لابن رجب ، ص: 341 ط دار إحياء الكتب العربية.
(11. ) أخرجه مسلم (867) من حديث جابر رضي الله عنه
(12. ) فتاوى نور على الدرب .
(13. ) خرجه الإمام أحمد (26018) والترمذي (739) وابن ماجة (1389)، وذكر الترمذي أن البخاري ضعَّفه، ثم ذكر ابن رجب أحاديث بهذا المعنى وقال: وفي الباب أحاديث أخر فيها ضعف.
(14. ) فتوى رقم (884) ج 3 ص 61 ؛ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : عضو عبد الله بن غديان ؛ نائب رئيس اللجنة .عبد الرزاق عفيفي ؛ الرئيس إبراهيم بن محمد آل الشيخ .
(15. ) فتوى رقم (7929) ج 3 ص 76اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو : عبدالله بن قعود ،عضو : عبدالله بن غديان ، نائب رئيس اللجنة .: عبدالرزاق عفيفي . الرئيس : عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
(16. ) فتوى رقم (21264) ج 2 ص 286 ، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :عضو ..: بكر أبو زيد ،عضو ..: عبدالله بن غديان ، عضو : صالح الفوزان ، الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ .
(17. ) العثيمين ؛ محمد بن صالح ؛ رحمه الله : لقاءات الباب المفتوح .
مرجع عام :
( 1. ) جموع فتاوى العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله ج 1 ، ص : 186وما بعدها .
(2 .) ابن رجب ؛ كتاب اللطائف ، ص 341 وما بعدها طبعة دار إحياء الكتب العربية .
المفضلات