قال الشيخ بن عثيمين -رحمه الله- في
شرح الأربعين النووية (1/ 89):عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدْ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُوْلُ اللهِ
وَهُوَ الصَّادِقُ المَصْدُوْقُ:
((إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِيْ بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِيْنَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُوْنُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُوْنُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ المَلَكُ فَيَنفُخُ فِيْهِ الرٌّوْحَ، وَيَؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيْدٌ. فَوَالله الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُوْنُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلاذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَايَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا)).
رواه البخاري ومسلم.
قال عند شرحه لقوله عليه الصلاة والسلام: ((وَيَؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيْدٌ)):
"وَيُؤْمَرُ"؛ أي: الملك، "بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ" والآمر هو الله -عزَّ وجلَّ- "بِكْتبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيْدٌ"
"رِزْقه" الرزق هنا: ما ينتفع به الإنسان وهو نوعان: رزق يقوم به البدن، ورزق يقوم به الدين.
والرزق الذي يقوم به البدن: هو الأكل والشرب واللباس والمسكن والمركوب وما أشبه ذلك.
والرزق الذي يقوم به الدين: هو العلم والإيمان، وكلاهما مراد بهذا الحديث.
"وَأَجَلِه"؛ أي: مدة بقائه في هذه الدنيا، والناس يختلفون في الأجل اختلافًا متباينًا؛ فمن الناس من يموت حين الولادة، ومنهم من يعمر إلى مائة سنة من هذه الأمة، أما من قبلنا من الأمم فيعمرون إلى أكثر من هذا؛ فلبث نوح عليه السلام في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا.
واختيار طول الأجل أو قصر الأجل ليس إلى البشر، وليس لصحة البدن وقوام البدن، إذ قد يحصل الموت بحادث والإنسان أقوى ما يكون وأعز ما يكون؛ لكن الآجال تقديرها إلى الله -عزَّ وجلَّ-.
وهذا الأجل لا يتقدم لحظة ولا يتأخر، فإذا تم الأجل انتهت الحياة.
وأذكر لكم قصة وقعت في عنيزة: مرَّ دباب -أي: دراجة نارية- بتقاطع، وإذا بسيارة تريد أن تقطع، فوقف صاحب الدباب ينتظر عبور السيارة، والسيارة وقفت تنتظر عبور الدباب؛ ثم انطلقا جميعًا فصُدم الدباب ومات الراكب الرديف الذي وراء السائق، فتأمل الآن، وقف هذه الدقيقة من أجل استكمال الأجل!! سبحان الله!
: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} [المنافقون:11]
وقال
: ((إِنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا)).
وهنا مسألة: هل الأجل وراثي؟
الجواب: الأجل ليس وراثيًا، فكم من شاب مات من قبيلة أعمارهم طويلة، وكم من شاب عمَّر في قبيلة أعمارها قصيرة.
"وَعَمَله"؛
أي: ما يكتسبه من الأعمال القولية والفعلية والقلبية، فمكتوب على الإنسان العمل.
"وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيْدٌ" هذه النهاية، والسعيد هو الذي تم له الفرح والسرور، والشقي بالعكس؛ {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:105-108] فالنهاية إمَّا شقاء وإمَّا سعادة، فنسأله سبحانه أن يجعلنا من أهل السعادة.ا. هـ
المصدر
http://mltzm.com/vb/showthread.php?t=28509
المفضلات