إغاثة اللهفان من مصائد الشيطاناقتباسقال النبي ما تركت بعدي فتنة أضر من النساء على الرجال أو كما قال
ابن قيم الجوزية
فالعبد في هذه الدار مفتون بشهواته ونفسه الأمارة وشيطانه المغوى المزين وقرنائه وما يراه ويشاهد مما يعجز صبره عنه ويتفق مع ذلك ضعف الإيمان واليقين وضعف القلب ومرارة الصبر وذوق حلاوة العاجل وميل النفس إلى زهرة الحياة الدنيا وكون العوض مؤجلا في دار أخرى غير هذه الدار التي خلق فيها وفيها نشأ فهو مكلف بأن يترك شهوته الحاضرة المشاهدة لغيب طلب منه الإيمان به : # فوالله لولا الله يسعد عبده % بتوفيقه والله بالعبد أرحم
وتطلق الفتنة على أعم من ذلك كقوله تعالى 64 : 15 ^ إنما أموالكم وأولادكم فتنة ^ قال مقاتل أي بلاء وشغل عن الآخرة قال ابن عباس فلا تطيعوهم في معصية الله تعالى # وقال الزجاج أعلمهم الله عز وجل أن الأموال والأولاد مما يفتنون به وهذا عام في جميع الأولاد فإن الإنسان مفتون بولده لأنه ربما عصى الله تعالى بسببه وتناول الحرام لأجله ووقع في العظائم إلا من عصمه الله تعالى # ويشهد لهذا ما روى أن النبي كان يخطب فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما وعليهما قميصان أحمران يعثران فنزل النبي إليهما فأخذهما فوضعهما في حجره على المنبر وقال صدق الله ^ إنما أموالكم وأولادكم فتنة ^ رأيت هذين الصبيين فلم أصبر عنهما # وقال ابن مسعود رضي الله عنه لا يقولن أحدكم اللهم إني أعوذ بك من الفتنة فإنه ليس منكم أحد إلا وهو مشتمل على فتنة لأن الله تعالى يقول ^ إنما أموالكم وأولادكم فتنة ^ فأيكم استعاذ فليستعذ بالله تعالى من مضلات الفتن # ومنه قوله تعالى 25 : 20 ^ وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ^ وهذا عام في جميع الخلق امتحن بعضهم ببعض فامتحن الرسل بالمرسل إليهم ودعوتهم إلى الحق والصبر على أذاهم وتحمل
المشاق في تبليغهم رسالات ربهم وامتحن المرسل إليهم بالرسل وهل يطيعونهم وينصرونهم ويصدقونهم أم يكفرون بهم ويردون عليهم ويقاتلونهم وامتحن العلماء بالجهال هل يعلمونهم وينصحونهم ويصبرون على تعليمهم ونصحهم وإرشادهم ولوازم ذلك وامتحن الجهال بالعلماء هل يطيعونهم ويهتدون بهم وامتحن الملوك بالرعية والرعية بالملوك وامتحن الأغنياء بالفقراء والفقراء بالأغنياء وامتحن الضعفاء بالأقوياء والأقوياء بالضعفاء والسادة بالأتباع والأتباع بالسادة وامتحن المالك بمملوكه ومملوكه به وامتحن الرجل بامرأته وامرأته به وامتحن الرجال بالنساء والنساء بالرجال والمؤمنين بالكفار والكفار بالمؤمنين وامتحن الآمرين بالمعروف بمن يأمرونهم وامتحن المأمورين بهم ولذلك كان فقراء المؤمنين وضعفاؤهم من أتباع الرسل فتنة لأغنيائهم ورؤسائهم امتنعوا من الإيمان بعد معرفتهم بصدق الرسل وقالوا : ^ لو كان خيرا ما سبقونا إليه ^ هؤلاء وقالوا لنوح عليه السلام : ^ أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ^ قال تعالى : ^ وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ^ فإذا رأى الشريف الرئيس المسكين الذليل قد سبقه إلى الإيمان ومتابعة الرسول حمى وأنف أن يسلم فيكون مثله وقال : أسلم فأكون أنا وهذا الوضيع على حد سواء
... # فالفتنة قسمت الناس إلى صادق وكاذب ومؤمن ومنافق وطيب وخبيث فمن صبر عليها كانت رحمة في حقه ونجا بصبره من فتنة أعظم منها ومن لم يصبر عليها وقع في فتنة أشد منها # فالفتنة لا بد منها في الدنيا والآخرة
.. فالأول : أصل فتنة الشبهة والثاني : أصل فتنة الشهوة # ففتنة الشبهات تدفع باليقين وفتنة الشهوات تدفع بالصبر ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين فقال : ^ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ^ # فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين # وجمع بينهما أيضا في قوله : ^ وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ^ فتواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات وبالصبر الذي يكف عن الشهوات وجمع بينهما في قوله : واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولى الأيدي
فصل إذا سلم العبد من فتنة الشبهات والشهوات حصل له أعظم غايتين
المفضلات