سؤال يتكرر في المنتديات المتخصصة في الرد على الملاحدة :والشاهد هنا أن الشيطان يستدرج الإنسان إلى الوقوع في التسلسل الممتنع في السؤال عن العلل والأسباب. هذا الإسترسال في السؤال إذا ما وصل إلى نقطة يمنع العقل المواصلة بعدها، وجب أن يتوقف وأصبح السؤال ضربًا من العبث المحفوف بالمخاطر والذى يورد موارد الهلاك ويفضى إلى الكفر والإلحاد !!!
(إذا كان الله لا يحتاج إلى عبادتنا إياه فلماذا خلقنا ؟)
----------------------------
بادىء ذى بدء .. فإن :
صيغة هذا السؤال (أو تلك الشبهة) ... خاطئة ومرفوضة تمامًا .. لماذا ؟؟
----------------------------
1- لأن السائل هنا يربط (إرادة الله) بشىء مرفوض ومنكر وهو : (إحتياج الله) !!
فالإحتياج .. صفة (نقص) لا يجوز نسبتها أبدًا لمقام الله العلى
* فمن يسأل هذا السؤال المنكر يتجاهل قول الله تعالى :
(إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)
(وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)
(وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)
(وَلَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا)
(وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا)
(إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)
(إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
* ويتجاهل قول النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فيما يروىه عن اللهِ تبارك وتعالى :
(أنا أغنى الشركاءِ عنِ الشِّركِ فمن عمِل لي عملًا وأشركَ معي غيري فأنا منه بريءٌ وهو للذي أشركَ)
(يا عبادي إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا فلا تظَّالموا يا عبادي كلكم ضالٌّ إلا من هديتُه فاستهدوني أَهْدِكم يا عبادي كلكم جائعٌ إلا من أطعمتُه فاستطعموني أُطعمكم يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوتُه فاستكسوني أكْسُكُم يا عبادي إنكم تُخطئون بالليلِ والنهارِ وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعًا فاستغفروني أغفرُ لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفَعوني يا عبادي لو أنَّ أوَّلكم وآخركم وإِنْسَكم وجِنَّكم كانوا على أتقى قلبِ رجلِ واحدٍ منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخركم وإنْسَكم وجِنَّكم كانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ واحدٍ ما نقص ذلك من ملكي شيئًا يا عبادي لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيتُ كل إنسانٍ مسألتَه ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقصُ المِخْيَطُ إذا أُدْخِلَ البحرَ يا عبادي إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم ثم أوفِّيكم إياها فمن وجد خيرًا فليحمدِ اللهَ ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَه)
فقوله : (يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفَعوني) .. يعني أن العباد لا يقدرون أن يوصلوا إلى الله نفعا ولاضرا فإن الله تعالى في نفسه غنيٌ حميدٌ لا حاجة له بطاعات العباد ولا يعود نفعها إليه وإنما هم ينتفعون بها ولا يتضرر بمعاصيهم وإنما هم يتضررون بها
والقول بـ (احتياج الله) هو من الإفتراء والبهتان العظيم والقول على الله بغير علم :
(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)
فى هذه الآية الجامعة ... رتب الله تعالى المحرمات أربع مراتب :
بدأ بأقلها تحريما وهو الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
ثم ثَنَّى بما هو أشد تحريما منه وهو الإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ
ثم ثَلَّث بما هو أعظم تحريمًا منها وهو أَن تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا
ثم ربَّع ما هو أشد تحريمًا من ذلك كله وهو أَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه
وهنا السائل قد تلازمت في ذهنه العلاقة بين (الخلق) و (الحاجة) ..
فإن لم يكن الخالق يخلق لحاجة (لأنه جل وعلا منزهٌ عن ذلك) .. فما التعليل لخلقنا وما سببه وما حكمته أصلًا؟
والجواب الكافي لكل مسلم أن نخبره بما صرح به رب العزة في كتابه من أنه - بمشيئته المطلقة - خلق الخلق لعبادته وطاعته ولأنه - جل جلاله - يحب ذلك
هذه هي الحكمة والتعليل ومعرفتها تكفي كل عاقل
ولكن عندما يكون ذلك المسلم متلبسًا بوساوس وشبهات الملاحدة وسفسطة الفلاسفة حول : (سبب مشيئة الخلق ذاتها) .. فإنه لا يكفيه هذا الجواب في العادة .. هنا ينبغي أن يوعَظ ويُخوَّف من خطورة تجاوز ما أخبرنا به الله سبحانه وتعالى للسؤال عما وراء ذلك مما لم يأتنا به خبرٌ ولا نصٌ في مسائل الحكمة الإلهية والتعليل
فعندما يواصل هذا السائل طرح الأسئلة ويسأل : ولماذا يريد الله أن يعبده الخلق ولماذا يحب ذلك منهم؟ فلا جواب في القرآن أو في السنة زيادة عن القول إن : (هذا هو مقتضى صفاته تبارك وتعالى)
فإن لم يكتف بهذا وراح يسأل عن السبب في ذلك أيضا فقال : (ولماذا اقتضت صفاته هذه الحكمة من الخلق لا غيرها؟) .. فهل مثل هذا النوع من السؤال عن حكمة الخالق تبارك وتعالى في الخلق أو في التشريع هو من النوع الإستفهامى البرىء أو مما يقال في جوابه إنه يزيد الإيمان ؟؟
لا شك أن هذه الأسئلة هى من (مجاوزة الحد) في السؤال وهو لغو مذموم إن لم يكن (تجرؤًا) على مقام الله و (سوء أدب) معه تبارك وتعالى !!!
ومن ذلك الباب أيضًا أن نسأل مثلا : لماذا خلق الله الإنسان ولم يكتف بالملائكة ؟
فالجواب الكافي هنا إنما هو قوله تعالى :
(كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)
(لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)
فالسؤال على هذه الصيغة : (ألا يكفى الله كذا ؟) فيه قياس - لا يجوز مطلقًا - للخالق على المخلوق ... وهو بمعنى أن الخلق والتكوين (حاجة) يُتَصَوَّر لسدها وجود حدّ للكفاية ما أن يبلغه الصانع حتى يكتفي ولا يزيد !!
وهذا قياسٌ غبىٌ وتشبيه فاسد بدعى ... تنزه الله تعالى عنه
أما من يسأل هذا السؤال بصيغة مقبولة مثل : (ما الحكمة من خلق الإنسان ؟) ..
فهذا يرد عليه بقول الله تعالى بلا مزيد من تفصيل :
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ)
(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)
----------------------------
2- لأن السائل هنا يقيس صفات الخالق على صفات المخلوق
وهذا من أشد المنكرات وأعظم البدع وأشد أنواع الباطل حماقة وجهلًا متجاهلا قول الله تعالى :
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
(وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)
هذا ما يسمى : (تشبيه الأفعال) ... وهو من أعظم المنكرات
وتشبيه الأفعال بدعة خطيرة لا ينتبه إليها للأسف كثيرٌ ممن يشتغلون بالرد على شبهات الملاحدة في هذه القضية !!
فتشبيه الأفعال يعني أن يقاس الله تعالى على مخلوقاته في أفعاله وإراداته
والمسلم يؤمن أنه الله سبحانه لا تعليل لأفعاله إلا إرادته وعلمه وحكمته وقدرته وغيرها من صفات ذاته المطلقة .. بخلاف المخلوقين الذين تتعلل أفعالهم بإراداتهم وصفاتهم المقيدة كلها بإرادة الخالق
فلا يجوز لنا - عقلا - أن نسأل عن سبب أفعال الخالق كما نسأل عن أسبابنا ودوافع أعمالنا نحن المخلوقين ... ولهذا أنكر أهل السنة على بعض طوائف المتكلمين - لا سيما المعتزلة - وقوعهم فى تشبيه الأفعال
ويقع تشبيه الأفعال عندما يتطرق الإنسان إلى الخوض بعقله في تلك الأفعال بما يلزم من مجرده حصول التشبيه بالمخلوقين .. فمجرد سؤال الله عما يفعل سؤال من يطلب الإحاطة المعرفية أو يريد الحكم على هذا الفعل أو ذاك (كما يكون في سؤال المخلوقين عن أفعالهم) هو من تشبيه الخالق بالمخلوق في أفعاله .. وهو من أبطل الباطل .. وهو أصل من بضعة أصول تقوم عليها سائر الملل الإلحادية
فالإنسان مخلوق .. جميع أفعاله وصفاته وعقله الذي به يختار ما يختار مخلوقة ومركبة فيه تركيبًا .. تطرأ عليه الحاجة والضرورة كما هو شأن كل المخلوقات .. لذا فعندما يفعل شيئا ما فمن المعقول ألا تخرج أفعاله عن دائرة الحاجة أو الضرورة
حتى عندما يحب ويكره ويغار ويحقد ويغتاظ (وهي أفعال قلبية) فهو محتاج لذلك بموجب غريزة ركبها فيه الخالق ولو لم يشبعها لذاق العنت والضرر .. ومن هنا جاز في العقل أن يُسأل عن اختياراته لماذا اختارها .. وعن أعماله ما الذي دفعه إلي فعلها ...
أما عندما نتكلم عن خالق الخلق جميعا سبحانه وتعالى وتقدس فنحن لا نتكلم عن مخلوق قد رُكبت فيه نفسه بما جُبلت عليه من دوافع فكرية وعاطفية لا تخرج عنها خياراته فيما يأتي من الأفعال وما يذر .. فالله تعالى عندما يحب شيئا أو يكرهه فلا يرد عليه أصلًا أن يكون ذلك الحب من (حاجة) أو (غريزة) أو (شهوة) أو نحو ذلك كالمخلوق .. وكذلك في جميع ما ينسب إليه سبحانه من إرادات وأفعال .. فإرادات الإنسان وأفعاله معلولة ومقيدة بإرادة خالقه السابقة عليها بالضرورة .. أما الخالق الحى القيوم فهو المنزه عن كل حاجة ونقص .. الكلى القدرة والحكمة والعلم والمشيئة والسلطان ... وهذا هو معنى :
(لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)
فالحذر .. كل الحذر من تشبيه الأفعال .. فهو من أعظم أبواب الشيطان وأوسع منافذ الإلحاد والشرك :
(لَا يَزَالُ الشَّيْطَانُ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَقُولَ مَنْ خَلَقَ كَذَا مَنْ خَلَقَ كَذَا حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ اللَّهَ)
فكما أنه لا يجوز أن نسأل : (من خلق الله ؟) لأن جميعنا يؤمن أنه تعالى ليس بمخلوقٍ أصلًا، ونعتبر هذا السؤال باطلًا ومنكرًا، فكذلك لا يجوز أن نسأل : (ما سبب كون حكمة الله تعالى من خلقه على النحو الذي أخبرنا به النص وليس غير ذلك ؟) .. لأن الله تعالى لا يُسأل عما يفعل .. إذ ليست صفاته كصفاتنا ولا علمه كعلمنا، ولا قدرته ومشيئته كقدرتنا ومشيئتنا، مع كوننا نقطع بأن كل ما يفعله الله تعالى هو كمال الحكمة، وهو مقتضى كمال الصفات حتما، ولا نزيد على ذلك
فالآية الكريمة :
(لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)
نازلة بالأساس في تنزيه الله تعالى عن أن يُنزل في منزل المحاسبة والمساءلة والمقارنة والتقييم من عباده !!!
----------------------------
3- لأن السائل هنا يعطى نفسه الحق فى (مسائلة) الخالق و (مراجعته)
متجاهلًا مشيئة الله المطلقة وعلمه اللامحدود وناسيًا حقارة وضعه أمام مقام الله العظيم ..
وهذا من قمة (سوء الأدب) مع مقام الله القدوس :
(لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)
(كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)
(وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)
(إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)
(وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ)
(إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)
(إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)
(بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)
(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)
(هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)
(سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)
(قَالَ كَذَٰلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)
(فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
(وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
(قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)
فإذا كان المرء لا يجرؤ أن يسأل مديره فى العمل أو رئيس دولته : (لماذا فعلت هذا الأمر ؟) أو حتى : (ما الحكمة من فعلك لهذا الأمر ؟) .. هذا والمدير أو الرئيس بشرٌ مثله .. أفلا تكون مثل هذه الأسئلة تجرؤٌ على مقام الخالق ؟؟
وحتى لو تجرأ المرء على مديره أو رئيس دولته فراجعهما فى الأفعال والتصرفات .. فماذا سيكون ردهما ؟ إن أقل ما سيقال له : (لا دخل لك .. هذه سلطتنا وصلاحياتنا فالزم حدودك واعرف مركزك ولا تنس مع من تتكلم) .. هذا إذا لم يتم فصله من الوظيفة أو سجنه أو تعذيبه .. فما بالك بمن يملك السلطان جميعا والقوة جميعا والملك جميعا وله المثل الأعلى فى السماوات والأرض ؟؟
فهناك فرق هائل بين السؤال عن (حكمة الله) من الخلق أو التشريع ومحاولة فهم الأسباب والحكمة من أفعال الله لفهم الدين ومعرفة مراد الله من خلقه وبيان عظمة دين الإسلام وترسيخ العقيدة فى قلوب المؤمنين ... وبين السؤال الذي يبدو من منطوقه أنه يتضمن (محاسبة الله) أو (الحكم على أفعال الله) أو (قياس أفعال الخالق ومشيئته على أفعال ومشيئة المخلوقات) - والعياذ بالله من الكفر !!! -
هناك بون شاسع بين السؤال وإعمال العقل فى محاولة استنباط وفهم (حكمة الله فى أفعاله) ... وبين السؤال المهلك الخطير (لماذا فعل الله كذا وكذا) ؟؟
فقد يجتهد العلماء في استنباط الحكمة من تشريع ما أو من خلق شيء ما أو من تحريم شىء ما أو من تحليل شىء ما إذا لم يكن في ذلك نصٌّ واضح من القرآن والسنة ... ولكن هذا الإجتهاد مضبوط بضابط لا يجوز أن يتخطاه : وهو ألا تكون المسألة مما يمتنع الوصول إلى معرفة جوابه بالنص أو القياس الصحيح
فمثلا يجوز أن نسأل : ما الحكمة من تشريع الحج ؟ فنبدأ في قياس أفعاله على أحداث يوم الحشر كما فعل بعض أهل العلم ليصلوا إلى القول اجتهادًا بأن حكمة مشروعيته هى تذكير الحاج والمعتمر بالموت والبعث ومشهد يوم الحشر حتى يستحضر مهابته وعظمته بما يرجع على نفسه وروحه بكثير من المنافع .. هذا اجتهادٌ قد يصيب وقد يخطئ وصاحبه ممن يرجى له الأجر أو الأجران
ولكن سؤالٌ مثل : لماذا يخلق الله المخلوقات ثم يميتها ثم يبعثها ويحاسبها ويحشرها إلى الجنة أو النار من الأصل ؟؟ فهنا يكون السؤال عما لا يتطرق إليه نص ولا قياس .. فلا اجتهاد فيه ولا تأليف .. وهنا نقول للسائل :
(قف .. الله لا يُسأل عما يفعل .. فالزم حدّك ولا تجاوزه)
ولا يزاد في الجواب على أن يقال :
(هكذا مشيئة الخالق سبحانه .. الذى لا يُسأل عما يفعل إذ ليس كمثله شىء)
وسؤالٌ مثل : (لماذا لا يُسأل الله عما يفعل ؟ ألم يخلق لنا عقولًا لنسأل ونستفهم ؟) .. لا يرد عليه سوى بالقول الجازم المختصر بلا مزيد :
(الله تعالى ليس كمثله شيء .. ولم يكن له كفوًا أحد .. فلا يُسأل عما يفعل كما يُسأل المخلوق .. إذ ليس من المقبول (قياس) الفانى على الباقى ولا المصنوع على الصانع ولا المحدود على غير المحدود ولا الميت على الحى .. فإنما القياس على المتشابهات)
ولا يزاد فى الكلام على ذلك ... ولا يسمح بتسلسل الأسئلة والإسترسال فيها
----------------------------
4- إن السؤال لماذا فعل (فلان) كذا ؟ هو سؤال جائز فى حق المخلوق ... ولكنه ليس جائزًا فى حق الله تبارك وتعالى
لسبب بسيط :
أن إرادة المخلوق (مقيدة) أما إرادة الخالق فهى (مطلقة وغير محدودة)
فالإجابة عن السؤال : (لماذا فعل فلان كذا؟) .. سوف تتبعه سلسة من الأسئلة
وهذا التسلسل في الإجابة عن السؤال الأصلى نهايته بضرورة العقل أن نصل إلى نقطة معينة نقول فيها ردًا على السؤال :
(هذه مشيئة الله .. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .. والله أعلم وأحكم)
فعلى سبيل المثال السؤال : (لماذا قرر أحمد أن يتزوج) ؟
ستكون الإجابة : (لكى يكوِّن أسرة وينجب أطفالًا يسندونه عندما يكبر)
هذه الإجابة ... سيتبعها سلسلة من الأسئلة بالطبع :
1- كيف سينجب أطفالا ؟؟
2- لماذا لا ينجب بدون زواج ؟؟
3- كيف تؤدى العلاقة الزوجية إلى إنجاب الأطفال ؟؟
4- لماذا يكون الجنين ذكرا إذا كانت الكروموسومات (XY) ويكون أنثى إذا كانت الكروموسومات (XX) ؟؟
5- لماذا لا يكون عدد كروموسومات خلية الإنسان 88 بدلا من 46 ما الحكمة فى العدد 46 بالذات ؟؟
وصلنا هنا إلى السؤال الأخير (5) الذى لا نملك عليه ردًا سوى :
(هذه مشيئة الله وصنعه وهذا ما لاحظه العلماء عند دراسة الخلية)
وهذه السلسلة من الأسئلة قد تطول وتقصر في حق المخلوق لأنه معلول بغيره .. لكنها لابد وأن تنتهي مهما طالت أو قصرت عند إرادة وعلم وحكمة خالقه سبحانه - والتي لا يصح أن (تقاس) مطلقًا على إراداة وعلم المخلوق - ولا تتعلل ولا تتقيد بشيءٍ خارج عن ذاته جل وعلا
لذا نقول أنه إذا كان الفاعل الذي نسأل عن أفعاله هو الله تبارك وتعالى نفسه .. فلا يجيز العقل أن تتسلسل الأجوبة والأسئلة في السؤال : (لماذا فعل الله تعالى كذا ؟) على نحو ما يكون في حق المخلوق ... ذلك أن مشيئته وعلمه وحكمته هى نهاية السلسلة أصلًا .. وهي نهاية المعرفة بالنسبة لنا :
(قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)
----------------------------
خاتمـــــــــــة :
إن الجهل بالحكمة من خلق الإنسان لا يضير المرء (نقول الحكمة ولا نقول الهدف .. فالهدف في اللغة شيءٌ يسدد الإنسان ويقارب لإصابته .. والله تعالى منزهٌ عما يقتضيه هذا المعنى من نقص واضح)
كما لا يضير المرء أن يموت ولم يعلم لماذا خلق الله خلقًا للجنة وخلقًا للنار ولم يجعلهم جميعا معصومين عابدين بلا شهوات كالملائكة ؟ .. أو لماذا لم يجعلهم جميعًا في نعيم سرمدي وهناء أبدي من غير ابتلاء ولا امتحان وخلق الشيطان الذى يغويهم ويزين لهم طريق الشر ؟
يكفى المرء أن يعلم (فقط) أن الله سبحانه يحب أن يرى عبدًا يعبده ويخشاه بالغيب .. يحب أن يراه تهون عليه المصائب والبلايا محبةً فيه وخشيةُ منه .. يحب أن يجازيه على الصبر والإجتهاد فى عبادته .. يحب أن يسمع دعاءه ومناجاته
يكفى المرء أن يؤمن (فقط) أن هذه هى مشيئة الله سبحانه وأنه تعالى : (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)
أما الذى يلح بالسؤال ويتلمس الإجابة على هذه الأسئلة فى تنطعات وتأويلات الفلاسفة والعلمانيين .. ومساعي المتكلمين في (توضيح الواضحات) باجتهادات وتفسيرات خاطئة .. ويرفض تصديق أى شىء إلا بدليل عقلى وإجابة تقنعه .. ويجادل فى الحق ويتجرأ علي مقام الله القدوس بالسؤال عما ليس له أن يسأل عنه .. فهذا - والله - من ابتلاء الإنسان بعقله .. إذ لا يكون مصيره فى الغالب سوى الوقوع فى حفرة الشك المفضى إلى الإلحاد (أو على الأقل اهتزاز العقيدة) .. فيصبح عنده القطع ظنًا .. واليقين نظريةً .. والحق فرضيةً جدلية تحتاج إلى إثبات وبرهان ملموس .. وما يلبث إلا قليلًا حتى يقع فى المحظور متشككًا فى ذات الله تعالى وصفاته وملحدًا فى آياته وظانًا بالنقص فى عقيدته ودينه .. نعوذ بالله من شر الخاتمة
قال الشيخ سفر الحوالي في شرح العقيدة الطحاوية :
قال المصنف رحمه الله: (وقوله : [فمن سأل لِمَ فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين]. إعلم أن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله على التسليم، وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع؛ ولهذا لم يحك الله سبحانه وتعالى عن أمة نبي صدقت بنبيها وآمنت بما جاء به أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه، وبلَّغها عن ربها، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها، بل انقادت وسلمت وأذعنت، وما عرفت من الحكمة عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وتسليمها على معرفته، ولا جعلت ذلك من شأنها، وكان رسولها أعظم عندها من أن تسأله عن ذلك كما في الإنجيل : (يا بني إسرائيل لا تقولوا : لم أمر ربنا؟ ولكن قولوا : بم أمر ربنا؟).
ولهذا كان سلف هذه الأمة - التي هي أكمل الأمم عقولاً ومعارف وعلوماً - لا تسأل نبيها : لم أمر الله بكذا؟ ولم نهى عن كذا؟ ولم قدر كذا؟ ولم فعل كذا؟ لعلمهم أن ذلك مضاد للإيمان والإستسلام، وأن قدم الإسلام لا تثبت إلا على درجة التسليم. فأول مراتب تعظيم الأمر : التصديق به، ثم العزم الجازم على امتثاله، ثم المسارعة إليه والمبادرة به، والحذر عن القواطع والموانع، ثم بذل الجهد والنصح في الإتيان به على أكمل الوجوه، ثم فعله لكونه مأموراً به؛ بحيث لا يتوقف الإتيان به على معرفة حكمته، فإن ظهرت له فعله وإلا عطله؛ فإن هذا ينافي الانقياد ويقدح في الامتثال) إنتهى
----------------------------
تحــــــــــــــــــــــــدى :
من يزعمون أن السؤال (واجب للإقتناع) ... وأننا يجب أن نسأل ونحصل على رد (علمى مقنع) .. فليجيبونا على الأسئلة العشرة التالية :
1- مم تتكون المادة التى تعطى الحياة للمخلوقات ؟؟ وكيف يمكن إنتاجها فى المختبرات للحصول على الخلود والأبدية ؟؟
2- لماذا للإنسان يدان فقط بدلا من 10 تساعده على سرعة إنجاز الأعمال ؟؟
3- لماذا أصلًا حدث الإنفجار الكونى العظيم فى بداية تشكل الكون ؟؟ ولماذا تشكل كون واحد ولم تتشكل 10 أكوان ؟؟
4- لماذا يكون H2O سائل عديم الرائحة مع أن مكوناته غازية .. بينما N2O ذو المكونات الغازية أيضا غاز حلو الرائحة ؟؟ وما الحكمة فى كون الماء يتركب من هيدروجين وأكسجين فقط ؟؟
5- لماذا يتحلل الطيف الشمسى إلى 7 ألوان فقط وليس أكثر ؟؟ لماذا لم تجعل الطبيعة لطيف ضوء الشمس 30 لونا مختلفا ؟؟
6- لماذا تتحرك الموجات الكهرومغناطيسية ؟؟ ولماذا هى وجودة أصلا ؟؟
7- لماذا الأرض شبه كروية وليست على أى شكل مجسم آخر ؟؟ ولماذا تدور حول الشمس ولا تدور الشمس حولها ؟؟
8- ما هى بالضبط التفاعلات التى تحدث داخل جسم الإنسان وتتسبب فى أن يحب هذا الإنسان الواحد نفسه شخصا معينا ويكره شخصا آخر ويحقد على شخص ثالث ويغار من شخص رابع ويشفق على شخص خامس ويتذكر شخصا سادسا وينسى شخصا سابعا ؟؟ ولماذا تحدث هذه التفاعلات أصلًا ؟؟
9- لماذا يكون هناك اختلاف فى عمر وأرزاق البشر والمخلوقات بعضها البعض ؟؟
10- فى نظرية التطور .. كيف وُجِد الكائن الأول الذى تطورت منه سائر الكائنات ؟؟ وما تركيب هذا الكائن ؟؟ ولماذا هذا التركيب بالذات ؟؟
نحن المؤمنون بالخالق الواحد الأحد ... إجابتنا على هذه الأسئلة العشرة واحدة :
(لا نقول إلا بما علمنا الله وشاء لنا أن نعلم .. وهو أعلم وأحكم .. فما أوتينا من العلم إلا قليلًا .. هكذا أراد الله الخالق ونحن له مسلمون)
فهل لدى عباقرة الفلاسفة والعلمانيين والملاحدة إجابات أكثر إقناعًا وموضوعية وتقدما لهذه الأسئلة البسيطة ؟؟؟ !!!!
----------------------------
والحمد لله دائمــــــــــــــــــــــًا
المفضلات