مقـدمــــة
لا يسع أية دراسة محايدة تتناول تعاليم الدين الإسلامي قيامًا على مصادر موثوقة إلا أن تتوصل دون أدنى شك إلى أن الإسلام يتجاوز في حقيقته مجرد أن يكون دينًا يحكم العلاقة بين الإنسان وخالقه. فخلافًا للسائد بين كثير من الناس، الإسلام يتجاوز كونه آمرًا بمجموعة من الشعائر أو داعيًا لأحاسيس ومشاعر جوفاء. الإسلام نمط حياة كامل يقدم التوجيه والإرشاد للإنسان في جلّ أنشطته المرتبطة بوجوده؛ كالأنشطة الدينية والاجتماعية والاقتصادية والشخصية والسياسية، وما إلى ذلك.
وانطلاقًا من تعاليم الإسلام بيّن الله ورسوله الخاتم للناس كافة ما غمض عليهم من جوانب الحياة حتى يعيش الإنسان على هذه الأرض في سلام ووئام مع أخيه الإنسان والبيئة المحيطة به.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
وما من دابّة في الأرض ولا طائر يطير بجناجيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون (سورة الأنعام؛ آية 38)
ويقول:
تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ? وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـ?كِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ? إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (سورة الإسراء:44?
وفي قوله تعالى:
مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ? (الأنعام، آية 38)
يقول القرطبي:
أي في اللوح المحفوظ فإنه أثبت فيه ما يقع من الحوادث. وقيل: أي في القرآن أي ما تركنا شيئاً من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن; إما دلالة مبينة مشروحة, وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام, أو من الإجماع, أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب. قال الله تعالى :ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء (النحل: 89) ... فصدق خبر الله بأنه ما فرط في الكتاب من شيء إلا ذكره.
ويقول ابن كثير:
أي: الجميع علمهم عند الله، ولا ينسى واحدًا من جميعها من زرقه وتدبيره، سواء كان بريًا أو بحريًا، كما قال: وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين (هود: 6) أي: مفصح بأسمائها وأعدادها ومظاهرها، وحاصر لحركاتها وسكناتها.
ويتضح لنا مما سبق أن الله ورسوله لم يغادرا صغيرة ولا كبيرة دون ذكرها. فأي أمر كان للإنسان حاجة في بيانه فقد تم بيانه في القرآن أو السنة النبوية. لذلك، عندما يسعى المرء إلى التوجيه الإلهي في أية مسألة فتعاليم الإسلام هي خير شاف لسعيه هذا.
حقوق الحيوان
وحقوق الحيوان ليست استثناءًا لهذه القاعدة. فقد استخلف الله الإنسان في الأرض وجعله راعيًا عليها مسئولاً عن تنفيذ شريعته وداعيًا لوحدانيته وطاعته وفارضًا العدل بين خلقه عز وجل؛ فيجري هذا على الحيوانات كغيرها من المخلوقات.
وقد أعطى الله الإنسان الحق في استغلال ما ينبت في الأرض وما يعيش عليها من حيوان كيفما شاء؛ قال تعالى:
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا... (البقرة، آية 29)
إلا أنه حرم عليه إساءة استخدام هذا الحق واستنزاف موارد الأرض دون مبالاة بعواقب ذلك على النظام البيئي الذي وضعه الله فلا يسعى فيها فسادًا أو يلحق الأذى والضرر بما يعيش عليها من حيوانات. قال تعالى:
وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ... (الأعراف، آية 56)
وقال القرطبي في تفسير تلك الآية:
إنَّهُ سُبْحَانه نَهَى عَنْ كُلّ فَسَاد قَلَّ أَوْ كَثُرَ بَعْد صَلَاح قَلَّ أَوْ كَثُرَ . فَهُوَ عَلَى الْعُمُوم عَلَى الصَّحِيح مِنْ الْأَقْوَال. (7/226)
فالآية بذلك تحرم جميع أشكال الإفساد بما فيها إلحاق الضرر بالبيئة وسوء معاملة الحيوانات.
وقد أعطى الإسلام حقوقًا للحيوانات ووضع توجيهات محددة خاصة برعايتها وكيفية التعامل معها قبل زمن طويل من ظهور حركات حقوق الحيوان وإنشاء منظمات رعاية الحيوان المناهضة لممارسة القسوة تجاهها. وقد يندهش القارئ عند التعرف على الحقائق التالية:
1- حث الإسلام على الرفق بالحيوانات والشفقة بها مبينًا أن من يسلك مثل ذلك فله الجزاء الحسن من الله.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنْ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا فَقَالَ فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ
قال النووي:
قوله صلى الله عليه وسلم في كل كبد رطبة أجر معناه في الإحسان إلى كل حيوان حي بسقيه ونحوه أجر، وسمي الحي ذا كبد رطبة، لأن الميت يجف جسمه وكبده.
ففي الحديث الحث على الإحسان إلى الحيوان المحترم، وهو ما لا يؤمر بقتله. فأما المأمور بقتله فيمتثل أمر الشرع في قتله، والمأمور بقتله كالكافر الحربي والمرتد والكلب العقور، والفواسق الخمس المذكورات في الحديث وما في معناها. وأما المحترم فيحصل الثواب بسقيه والإحسان إليه أيضا بإطعامه وغيره سواء كان مملوكا أو مباحا، وسواء كان مملوكا له أو لغيره.
2- والإسلام يبيح اتخاذ بعض الحيوانات كحيوانات أليفة، إلا أنه يحرم القسوة في معاملتها ويتوعد من لا يمتثل لذلك بالعذاب.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض.
قال النووي:
وَفِي الْحَدِيث دَلِيل لِتَحْرِيمِ قَتْل الْهِرَّة, وَتَحْرِيم حَبْسهَا بِغَيْرِ طَعَام أَوْ شَرَاب ... وَفِيهِ وُجُوب نَفَقَة الْحَيَوَان عَلَى مَالِكه.
3- حرم الإسلام أيضًا تعريض الحيوانات لعقاب قاس و/أو تعذيبها أو حرمانها من أفراخها أو جرائها مما يسبب لها الحزن.
مرَّ ابْنُ عُمَرَ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْراً وَهُمْ يَرْمُونَهُ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوُا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا، إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَعَنَ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئاً فِيهِ الرُّوحُ غَرَضاً.
قال ابن مسعود: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَاَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَاَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرُشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا اِلَيْهَا .
4- قد تقتضي الحاجة تدريب الحيوان أو وسمه لتحديد ملكيته، إلا أن الإسلام وضع حدودًا وقواعد يجب مراعاتها ولا يجوز تعديها.
فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مُرَّ عليه بحمار قد وسم في وجهه فقال: أما بلغكم أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها، أو ضربها في وجهها.
قال النووي:
وأما الضرب في الوجه فمنهي عنه في كل الحيوان المحترم من الآدمي والحمير والخيل والإبل والبغال والغنم وغيره.
وقال ابن العثيمين – وهو أحد العلماء السعوديين:
وسم الإبل أو غيرها من البهائم على وجهها حرام بل من كبائر الذنوب والعياذ بالله
5- حرم الإسلام التمثيل بالحيوانات تحريمًا باتًا:
روى البخاري عن ابن عمر – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله يقول: لعن الله من مثل بالحيوان.
6- على المسلم عند ذبح الحيوان لأكله أن يلتزم بقواعد صارمة تحول دون إلحاق ضرر بدني أو نفسي به.
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته.
وقال البسام – وهو أحد علماء المملكة العربية السعودية:
ومن صور الإحسان: الإحسان في القتل والذبح، إذا دعت الحاجة إليهما، وذلك:
1- بأن لا يذبح أو ينحر بآلة كالّة، فيعذب الحيوان، وإنما يجب أن تكون الآلة حادة، أو يحدها عند الذبح.
2- وبأن لا يذبح الحيوان أو الطير وأليفه يراه؛ فإنها تحس بذلك فترتاع، فيحصل لها عذاب نفسي، وألم قلبي.
3- وبأن لا يكسر عنق المذبوح، أو يسلخه، أو يقطع منه عضوًا، أو ينتف منه ريشًا، حتى تزهق نفسه، وتخرج الروح من جميع أجزاء بدنه.
وننتهي من جميع ما سبق إلى أن:
1- الإسلام أقر وعزز من حقوق الحيوان قبل فترة طويلة من ظهور حركات ومنظمات حقوق الحيوان.
2- يحث الإسلام أتباعه على الرفق بالحيوانات وجميع الكائنات الحية.
3- يحرم الإسلام جميع صور المعاملة الوحشية للحيوانات.
4- يبيح الإسلام ويحث على رعاية الحيونات واتخاذها كحيوانات أليفة شريطة رعايتها وتقديم الطعام والمأوى المناسب لها.
5- إذا استخدمت الحيوانات في العمل، فلا يجب تحميلها فوق طاقتها حتى لا يسفر ذلك عن إصابتها أو إعاقتها.
6- إذا كانت الحيوانات في حاجة التأديب، فهناك حدود صارمة يتحتم الالتزام بها والتزام الحرص البالغ في تحقيق هذا الهدف دون إيذاء الحيوان.
7- الإنسان مسئول أمام الله عن قسوته تجاه الحيوانات، لذلك يلزمه تجنب الوحشية بجميع أشكالها عند التعامل مع الحيوانات
المفضلات