محاكمةالرسول محمد بن عبد الله
البروفيسور عبد الستار قاسم
العنوان لا شك أنه قاس ومر بمرارة العلقم بل أشد، لكنني مرعوب من اليوم الذي سيقرر فيه الأمريكيون محاكمة نبينا ورسولنا العظيم محمد عليه الصلاة والسلام. ربما لا يبدو هذا اليوم قريبا، لكنه ليس بعيدا جدا وليس مستبعدا ,ما دمنا نحن العرب والمسلمين على هذه الحال. يحاكم الأمريكيون الآن نبينا في مقالاتهم وتحليلاتهم الفكرية والسياسية، وفي كتب التاريخ والأفلام والمسلسلات والتعليقات والنكات ونفثات الحقد والكراهية والبغضاء. إنهم يحملونه مسؤولية كل تصرف يقوم به مسلم بطريقة لا تعجبهم، بخاصة تلك التصرفات التي يصفونها بالإرهاب.
يقولون في أمريكا وأوروبا، وكما هو وارد في كتب التاريخ المدرسية وغير المدرسية، بأن الإسلام هو الدين المحمدي الذي أسسه رجل عبقري فذ ظهر في الحجاز اسمه محمد بن عبد الله. استطاع هذا العبقري، حسب قولهم، أن يسحر الناس بخطابه وبشجاعته ورباطة جأشه ومثابرته، وأن يضلهم عن دين المسيح وسواء السبيل، وأن يقودهم نحو الضلال والجهالة والظلمات. وقد استمر وقع تعاليمه على مر الزمان وحتى وقتنا الحاضر الذي يشهد حربا إسلامية على النور والحرية والتقدم والرخاء والعلم.
يقولون بأن أهل الإرهاب هم أتباع هذا العبقري الذي كره النور وأصر على الظلام، وكره الحرية وأصر على الطغيان، وكره الحضارة وأصر على البداوة، وكره التقدم وأصر على التخلف. لولا التعاليم التي نشرها وبثها في نفوس أتباعه لما عانى العالم من التفجيرات وعدم الاستقرار، ولما وقع المسلمون ضحايا البؤس والانحطاط، ولما سقط الأبرياء ضحايا للوحشية والهمجية المتعطشة للدماء وتقطيع الأوصال. أتباع هذا العبقري، حسب قولهم، يكرهون الناس، وتمتلئ قلوبهم بالأحقاد والضغائن والسواد؛ ولا يرون في الدنيا أجمل من إنزال الرعب في قلوب الآمنين.
الأمريكيون علينا يزحفون. لقد انتهكوا حرمة أراضينا وأعملوا فينا الدبابات والطائرات وكافة أنواع الصواريخ. جزوا رقابنا في لبنان وفلسطين وسوريا ومصر وليبيا والسودان وإيران وأفغانستان وباكستان والجزيرة العربية والعراق، وسلخوا جلودنا وقطعوا أوصالنا واعتقلوا شبابنا وشيبنا، رجالنا ونساءنا. إنهم ينتهكون مقدساتنا في الحجاز وعموم الجزيرة العربية، وفي بيت المقدس والعراق، وينتهكون أعراضنا ويمرغون أجساد نسائنا خاصة في بلاد الرافدين. وهم يغيرون مناهجنا، وهم يفصلون لنا دينا يناسبهم. يملون على حكومات العرب أي آيات الله يجب أن تحجب وأيها يكون مادة التدريس، وأي الأحاديث تشطب وأيها يجب أن تتمتع بالحياة. وهم يلاحقون المناضلين والمجاهدين إلى زنازين المخابرات العربية، بل يسوقون المسؤولين السوريين كالأرانب إلى ردهات التحقيق.
كنا نظن أن هناك محرمات لن يقترب منها الأمريكيون، لكن ظنونا خابت. سيدخل الأمريكيون مكة وأرض المسجد الحرام، وسيدنسون روضة الرسول محمد عليه السلام في مدينة المحبة والسلام. سيقررون للأقصى، وسيعملون على تغيير آيات القرآن الكريم. أنى لهم ذلك والله قد تعهد بحفظ آياته. سيتدخل الأمريكيون في بناء المساجد وفي طريقة توظيفها والنشاطات فيها. بل إنهم يفعلون ذلك الآن. وسيجدون في حكام العرب خير عون لهم.
الزحف الأمريكي المستمر، وغدا سيطلبون منا مراجعة التاريخ لنصل وفق إرادتهم إلى محو تاريخنا والدوس على كل أمجادنا ونبش قبور أبطالنا وعظمائنا. فلا يستغرب أحد أن هذا سيحصل لأنه يحصل الآن عندما قررت القيادة الفلسطينية نبذ الإرهاب واعتبار المجاهدين والمناضلين إرهابيين. سيقولون لنا إن الإسلام انتشر بالسيف، وإن الفتح الإسلامي كان مجرد غزو استعماري بغيض أهلك الأمم وقضى على مسيرتها الحضارية ومزق أواصر ثقافاتها وهدم كنوزا إنسانية لا تقدر بثمن. لقد نشر المسلمون الظلم والظلام، وعادوا النور والحرية.
سيسأل الأمريكيون عن الذي قاد مسيرة الضلال والإضلال، وهم سيجيبون ملقّنين أنظمة الحقارة والطغيان والنذالة والهزيمة بأنه محمد بن عبد الله. سيهز حكام العرب رؤوسهم موافقين، وسيقف رجال دين فاسقون منافقون متْبعين الهزّ بالفتوى.
حاكموه سيقول الأمريكيون. ستتشكل محكمة في مدريد حيث سيق أزلام العرب عام 1991، وسيجلس رئيس المحكمة على طاولة كامب ديفيد، وسيرتفع فوق الرؤوس الصليب والشمعدان، وسيدنس الهلال تحت الأقدام. إنها محكمة كل العصور. وسيصدر القرار: انبشوا قبر ذلك العبقري وأحرقوا أول مسجد بناه الإسلام؛ اهدموا المسجد الحرام واجرفوا كعبة المسلمين. أما الحجر الأسود فاطحنوه وانثروه في شوارع نيو يورك. أزيلوا مكة والمدينة، بل أزيلوا أرض الحجاز لتحل على اتساعها حفرة الظلم والظلام والجهل والإفساد، ولتكون فخر الحضارة الأمريكية أمام العباد.
أما حكام العرب فسيعلنون الانتصار، وجمهور غفير من المتمسلمين سيفرحون بيوم إجازة تتعطل فيه الأشغال والأعمال.
أمريكا تجد في ظهورنا المطية ونحن لها طائعون. إن شئنا لمسيرة التاريخ أن تتحول فلا يوجد أمامنا سوى الثورة على ما نحن فيه وعلى من هم علينا. نحن أعداء أنفسنا، وأعداء تاريخنا وأعداء رسولنا. الثورة على اوضاعنا التى نعيش تكتسب الأولوية، ولا مفر أمامنا إلا تقديم التضحيات. كثيرون من مثقفينا ومفكرينا ورجال ديننا وأكاديمينا قد سقطوا وتمرغوا في الوحل مع المتمرغين، لكن تلك القلة الباقية الماسكة على الجمر تستطيع. فلنجتمع ولتتوحد قوانا ثورة على الطغاة الظالمين الذين على الأمة يسمسرون.
المصدر
http://www.pal-election.com/pages/araaa/mq2.htm
المفضلات