سنقرئك فلا تنسى
.
في رواية للإمام أحمد عن الإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يحب هذه السورة: { سبح اسم ربك الأعلى }..
وحق له ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يحبها، وهي تحمل له من البشريات أمراً عظيماً. وربه يقول له، وهو يكلفه التبليغ والتذكير: { سنقرئك فلا تنسى ـ إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ـ ونيسرك لليسرى. فذكر إن نفعت الذكرى }.. وفيها يتكفل له ربه بحفظ قلبه لهذا القرآن، ورفع هذه الكلفة من عاتقه. ويعده أن ييسره لليسرى في كل أموره وأمور هذه الدعوة. وهو أمر عظيم جداً.
{ سنقرئك فلا تنسى }
إنه الوعد والبشرى من الله برفع عناء الحفظ لهذا القرآن والكد في إمساكه عن عاتق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: { سنقرئك فلا تنسى }.. فعليه القراءة يتلقاها عن ربه ، وربه هو المتكفل بعد ذلك بقلبه ، فلا ينسى ما يقرئه ربه ... أليس الله هو المتكفل بعباده ؟
وهي الوعد والبشرى للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تريحه وتطمئنه على هذا القرآن العظيم الجميل الحبيب إلى قلبه. الذي كان يندفع بعاطفة الحب له، وبشعور الحرص عليه، وبإحساس التبعة العظمى فيه.. إلى ترديده آية آية وجبريل يحمله إليه، وتحريك لسانه به خيفة أن ينسى حرفاً منه. حتى جاءته هذه البشائر المطمئنة بأن ربه سيتكفل بهذا الأمر عنه.
وهي بشرى لأمته من ورائه، تطمئن بها إلى أصل هذه العقيدة. فهي من الله. والله كافلها وحافظها في قلب نبيها. وهذا من رعايته سبحانه، ومن كرامة هذا الدين عنده، وعظمة هذا الأمر في ميزانه.
وفي هذا الموضع كما في كل موضع يرد فيه وعد جازم، أو ناموس دائم، يرد ما يفيد طلاقة المشيئة الإلهية من وراء ذلك، وعدم تقيدها بقيد ما ولو كان هذا القيد نابعاً من وعدها وناموسها. فهي طليقة وراء الوعد والناموس. ويحرص القرآن على تقرير هذه الحقيقة في كل موضع
وقال الواحدي: { سَنُقْرِئُكَ } أي سنجعلك قارئاً بأن نلهمك القراءة فلا تنسى ما تقرؤه، والمعنى نجعلك قارئاً للقرآن تقرؤه فلا تنساه، قال مجاهد ومقاتل والكلبي: كان عليه السلام إذا نزل عليه القرآن أكثر تحريك لسانه مخافة أن ينسى، وكان جبريل لا يفرغ من آخر الوحي حتى يتكلم هو بأوله مخافة النسيان، فقال تعالى: { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } أي سنعلمك هذا القرآن حتى تحفظه، ونظيره قوله:
{ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ }
[طه: 114]
وقوله:
{ لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ }
[القيامة: 16]
ثم ذكروا في كيفية ذلك الاستقراء والتعليم وجوهاً :
أحدها: أن جبريل عليه السلام سيقرأ عليك القرآن مرات حتى تحفظه حفظاً لا تنساه
وثانيها: أنا نشرح صدرك ونقوي خاطرك حتى تحفظ بالمرة الواحدة حفظاً لا تنساه
وثالثها: أنه تعالى لما أمره في أول السورة بالتسبيح فكأنه تعالى قال: واظب على ذلك ودم عليه فإنا سنقرئك القرآن الجامع لعلوم الأولين والآخرين ويكون فيه ذكرك وذكر قومك ونجمعه في قلبك، ونيسرك لليسرى وهو العمل به.
فهذه الآية تدل على المعجزة من وجهين
الأول: أنه كان رجلاً أمياً فحفظه لهذا الكتاب المطول من غير دراسة ولا تكرار ولا كتبة، خارق للعادة فيكون معجزاً
الثاني: أن هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة، فهذا إخبار عن أمر عجيب غريب مخالف للعادة سيقع في المستقبل وقد وقع فكان هذا إخباراً عن الغيب فيكون معجزاً
أما قوله: { فَلاَ تَنسَىٰ } فقال بعضهم: { فَلاَ تَنسَىٰ } معناه النهي ، والألف مزيدة للفاصلة، كقوله:
{ ٱلسَّبِيلاْ }
[الأحزاب: 67]
يعني فلا تغفل قراءته وتكريره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه، والقول المشهور أن هذا خبر والمعنى سنقرئك إلى أن تصير بحيث لا تنسى وتأمن النسيان، كقولك سأكسوك فلا تعرى أي فتأمن العرى
والله أعلم
.
المفضلات