-
اسرار القران (84)
(84) الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور...*
بقلم الدكتور: زغـلول النجـار
هذا النص القرآني المعجز جاء في مطلع سورة الأنعام, وهي سورة مكية, ومن طوال سور القرآن الكريم, إذ يبلغ عدد آياتها165 بعد البسملة, وهي السورة الخامسة بعد فاتحة الكتاب في ترتيب سور المصحف الشريف, وقد سميت بهذا الاسم لورود ذكر الأنعام فيها.
ومن خصائص هذه السورة المباركة أنها نزلت دفعة واحدة وحولها سبعون ألفا من الملائكة فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: نزلت سورة الأنعام بمكة ليلا جملة واحدة, وحولها سبعون ألف ملك يجأرون بالتسبيح.
وعن أنس بن مالك( رضي الله عنه) أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: نزلت سورة الأنعام معها موكب من الملائكة تسد ما بين الخافقين, ولهم زجل بالتسبيح, والأرض بهم ترتج ورسول الله( صلي الله عليه وسلم) يقول: سبحان الله العظيم, سبحان الله العظيم.
ويدور المحور الرئيسي للسورة حول القواعد الأساسية للعقيدة الإسلامية من مثل قضايا الألوهية, والربوبية, والوحدانية, وعبودية المخلوقين لخالقهم, إنزاله الوحي رحمة بهم علي سلسلة من الأنبياء والمرسلين, كان ختامهم أجمعين النبي الخاتم والرسول الخاتم, سيد الأولين والآخرين, سيدنا محمد بن عبد الله( صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي أنبياء الله ورسله أجمعين) وكانت مهمتهم جميعا إبلاغ الناس بحقيقة الدين الإسلامي الحنيف, وإرشادهم إلي عبادة الله وحده ـ بغير شريك, ولا شبيه ولا منازع, ولا زوجة, ولا ولد. وعبادته تعالي بما أمرـ بغير ابتداع ولا اختراع ولا إحداث بشري ــ, وإقامة عدل الله في الأرض, والسعي إلي اكتساب مكارم الأخلاق, والاستعداد للبعث والنشور والعرض الأكبر امام الله( سبحانه وتعالي) للحساب والجزاء, ثم الخلود في الجنة ابدا لمن أطاعوا داعي الله أو في النار أبدا, لمن كفروا بالله أو أشركوا به وكذبوا برسالاته, وهذه القضايا تمثل صلب رسالة الإنسان في وجوده, ومن هنا وجب أخذها مأخذ الجد, والنظر فيها بعين العقل, لا بالميراث والتقليد, وكلاهما لا ينفع صاحبه, ولا يصلح عذرا أمام الله( تعالي) في مساحة الحساب يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلا من أتي الله بقلب سليم*( الشعراء:89,88).
وتستهل سورة الأنعام بحمد الله( تعالي) الذي يشهد له بالألوهية, والربوبية, والوحدانية خلق السماوات والأرض, وإبداع الظلمات والنور, وخلق الإنسان من طين, وتحديد آجال الناس, وتحديد يوم البعث والحساب, وعلمه بالسر والجهر, وبما تكسب كل نفس لأنه إله السماوات والأرض ومن فيهن, وقيومهما, ومليكهما, وعلي الرغم من ذلك يكفر به وبنعمه الكافرون, ويشرك به المشركون, ويزيغ عن هديه الضالون...!!
وانطلاقا من ذلك كله تبدأ السورة الكريمة بمواجهة الكافرين والمشركين والضالين في كل عصر, وفي كل حين بشكر الله والثناء عليه فتقول:( الحمد لله), وهو شكر استهلت به خمس من سور القرآن الكريم( هي: الفاتحة, الأنعام, الكهف, سبأ, وفاطر) وتتبع الحمد بعدد من الآيات الكونية الدالة علي الخالق( سبحانه وتعالي), وعلي شمول علمه وكمال حكمته, وطلاقة قدرته, ثم تثني بعرض صور من مواقف المكذبين, ومصارع الغابرين, وتنصح بالسير في الأرض لإدراك كيف كان عاقبة المكذبين.
وتنتقل سورة الأنعام إلي استعراض عدد من الشواهد الحسية الدالة علي ألوهية الخالق( سبحانه وتعالي) وربوبيته ووحدانيته, ومنها خلق السماوات والأرض وخلق ما فيهن ومن فيهن, ورعاية كل ذلك وصونه من الهلاك, فالله( تعالي) هو رب السماوات والأرض ومن فيهن, وهو رب ما سكن في الليل والنهار, وهو( سبحانه) الرزاق الذي يطعم ولا يطعم, وهو( تعالي) الذي يملك أن يعذب من يشاء في الدنيا والآخرة, ويملك الضر والخير, وهو علي كل شئ قدير, وهو القاهر فوق عباده, وهو الحكيم الخبير.
ثم تستعرض السورة الكريمة تأكيد الله الخالق( سبحانه وتعالي) علي صدق نبوة ورسالة خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) الذي تطالبه السورة بإعلان المفاصلة التامة بينه وبين المشركين, وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي):
قل أي شئ أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ, أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة اخري قل لا أشهد, قل إنما هو إله واحد وإنني برئ مما تشركون*( الأنعام:19).
وتؤكد سورة الأنعام معرفة أهل الكتاب بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق تماما كما يعرفون أبناءهم, وعلي الرغم من ذلك فهم لا يؤمنون به, انطلاقا من ظلمهم لأنفسهم وخسرانهم لها, وتصف السورة الكريمة, افتراءهم الكذب علي الله, وتكذيبهم بآياته بأنه من أبشع صور الظلم للنفس, وتشير إلي مواقف الحسرة والذلة والمهانة التي يقفها هؤلاء المشركون يوم القيامة, وهم يسألون:
... أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون* ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ماكنا مشركين*.( الأنعام:23,22).
وتذكر السورة الكريمة أن من الكفار والمشركين من يستمع إلي القرآن الكريم بآذان صم, وقلوب عمي فلا يكادون يفقهون شيئا منه, ولا يدركون شيئا من إعجاز آياته, ويصفونه زورا بأنه من أساطير الأولين, وهم إذ ينهون غيرهم عنه, وينأون بأنفسهم هروبا منه يهلكون أنفسهم في الدنيا والآخرة وهم لايشعرون.
وتصور الآيات حال هؤلاء الكافرين والمشركين وهم موقوفون علي النار نادمين علي ما سبق منهم من تكذيب بآيات الله, طالبين من الله( تعالي) أن يردهم إلي الدنيا لكي لا يكذبوا بآيات الله ويكونوا من المؤمنين, وترد عليهم السورة بقول الحق( تبارك وتعالي) وهو أعلم بهم:
.. ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون*( الأنعام28)
وهؤلاء الذين كذبوا بالبعث سوف يفاجأون بموقفهم أمام ربهم وهم يحملون أوزارهم علي ظهورهم, وقد خسروا كل شئ لتفاهة الحياة الدنيا الفانية بالنسبة إلي الآخرة الباقية.
ثم تنتقل سورة الأنعام إلي مخاطبة رسول الله( صلي الله عليه وسلم) بالا يحزن لتكذيب الكافرين والمشركين لبعثته الشريفة, فقد كذب الرسل من قبله, وفي ذلك يقول له ربنا( تبارك وتعالي):
قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون* ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا علي ما كذبوا وأوذوا حتي أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين*.
(الأنعام:34,33).
وتستمر الأيات في استعراض شئ من طبائع النفس البشرية في حالات الرخاء والشدة, فحيث يتجلي سلطان الله محيطا بالعباد فإنهم يتجهون إلي الله( تعالي) وحده يرجون رحمته, فإذا كشف الضر عنهم رأيتهم يعودون إلي معصية الله, وإنكار الحق, والجور علي الخلق, وقد قست قلوبهم وتحجرت مشاعرهم...!!
وتصف الآيات حال الكافرين والمشركين اليوم, وقد فتح الله عليهم أبواب كل شئ ليأخذهم بغتة وهم مبلسون, ويقطع دابر الظالمين.
وعلي الرغم من ذلك كله فإن آيات سورة الأنعام تبشر التائبين بصدق بأن الله غفور رحيم وتؤكد الآيات إحاطة علم الله بالغيوب والأسرار, وبالانفاس والأعمار, مع الهيمنة الكاملة علي كل شئ في هذا الوجود, والسيطرة التامة في البر والبحر, وبالنهار والليل, وفي كل لحظة من لحظات الحياة والممات, وفي كل ذرة من لبنات بناء كل من الدنيا والاخرة.
وتروي السورة المباركة جانبا من سيرة نبي الله إبراهيم( علي نبينا وعليه من الله السلام) مع قومه من الكفار والمشركين, وتعرض لاهتدائه إلي معرفة خالقه( سبحانه وتعالي) بالتأمل في بديع صنع الله( تعالي) في الكون, ثم باصطفاء الله( تعالي) له, ووهبه النبوة والرسالة, ووهبه ــ كذلك ــ ذرية صالحة علي الكبر.
كذلك ألمحت السورة إلي عدد من أنبياء الله ورسله( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) من أمثال ساداتنا: نوح, وداود, وسليمان, وأيوب, ويوسف, وموسي, وهارون, وزكريا ويحيي, وعيسي, وإلياس, وإسماعيل, وإليسع, ويونس, ولوط( صلوات الله وسلامه علي نبينا وعليهم أجمعين).
وتؤكد الآيات في سورة الأنعام كذلك وحدة رسالات السماء, علي تكاملها في القرآن الكريم, وفي سنة خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين) وبصفتهما الرسالة الخاتمة فقد تعهد الله( سبحانه وتعالي) بحفظهما حفظا كاملا إلي يوم الدين بنفس لغة الوحي( اللغة العربية).
وتصف الآيات في هذه السورة المباركة حال كل من الكافرين والمشركين في لحظات الاحتضار, وما يتعرضون له من مهانة وإذلال وفي ذلك يقول الحق( تبارك وتعالي):
.. ولو تري إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون علي الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون*.( الأنعام:93).
ثم تعرض السورة لعدد من الآيات الكونية ــ مرة أخري ــ في مقام الاستدلال علي أولوهية الخالق( سبحانه وتعالي), وربوبيته, ووحدانيته( بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة, ولا ولد) وفي ذلك يقول ربنا( تبارك وتعالي): بديع السماوات والأرض أني يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شئ وهو بكل شئ عليم*
( الأنعام:10).
ولذلك تأمر الآيات بعبادة الله( تعالي) وحده فتقول:
ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شئ فاعبدوه وهو علي كل شئ وكيل* لا تدركه الأبصار, وهو يدرك الأبصار, وهو اللطيف الخبير*
( الأنعام:103,102).
وتذكر الآيات أن المشركين طالبوا رسول الله( صلي الله عليه وسلم) ببعض المعجزات الحسية للتدليل علي صدق نبوته, وترد عليهم بأن من عميت بصائرهم لا تفيدهم المعجزات الحسية ولو أنزلت عليهم وذلك لتأصيل الضلال فيهم.
وتؤكد الآيات في سورة الأنعام مرة أخري أن أهل الكتاب يعلمون أن القرآن الكريم هو كلام الله, ولكنهم ــ علي الرغم من ذلك ــ يصرون علي الضلال, وتأتي الآيات للرد عليهم علي لسان خاتم الأنبياء والمرسلين( صلي الله عليه وسلم) لتقول:
أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين* وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم*( الأنعام:115,114).
وتفصل سورة الأنعام ما حرم الله( تعالي) علي عباده المؤمنين من الطعام, وتأمر بترك ظاهر الإثم وباطنه وتمايز بين أهل الهداية وأهل الضلال والغواية وتقول:
فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله, يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس علي الذين لا يؤمنون*.( الأنعام:125).
وتذكر الآيات في سورة الأنعام أن من البشر من شرح الله( تعالي) صدورهم, وأنار قلوبهم فآمنوا واهتدوا, وأن منهم من أتبع نفسه هواها, وأطاع شياطين الجن والإنس فضل وغوي, وأن الله( تعالي) سوف يحشر الخلائق جميعا إليه يوم القيامة للحساب والجزاء علي ما قدم كل واحد منهم في حياته الدنيا.
كذلك تذكر الآيات عن المشركين من أهل الكتاب أنهم حرموا علي أنفسهم أشياء لم يحرمها الله( تعالي) عليهم تطاولا وتجاوزا وإجراما, فكانوا يحرمون ذكور الأنعام تارة, وإناثها تارة, وصغارها تارة أخري, افتراء منهم علي الله( تعالي) واختلاقا, وتقرر الآيات ظلم من كذب علي الله( تعالي) فنسب إليه ما لم يشرع, وتأمر رسول الله( صلي الله عليه وسلم) أن يبين للناس ما حرم الله( تعالي) عليهم.
وتؤكد الآيات أن الله( تعالي) هو.... الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات, والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه...*( الأنعام:141).
وتأمر الآيات بالأكل من تلك الثمار, وبإعطاء حقها يوم حصادها دون إسراف, لأن الله( تعالي) لا يحب المسرفين, وتؤكد أن الله( تعالي) أنزل ثمانية أزواج من الأنعام( ذكرا وأنثي من كل من الضأن, والمعز, والإبل, والبقر).
وتختم سورة الأنعام بعدد من الوصايا السلوكية الرفيعة, تحرم ما حرم الله, وتحل ما أحله( بغير تقصير أو تجاوز أو مخالفه) وتدعو إلي الألتزام بمكارم الأخلاق, وبسنة سيدنا محمد( صلي الله عليه وسلم), وتؤكد أن من أبلغ صور الظلم التكذيب بآيات الله, والإعراض عنها, وأن الله( تعالي) سيجزي الذين يصدفون عن آياته سوء العذاب بما كانوا يصدفون.
وتندد الآيات في ختام السورة بالذين حرفوا دينهم من أهل الكتاب وصاروا شيعا, ويكذبون بعثة سيدنا محمد( صلي الله عليه وسلم) فتقول: إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ إنما أمرهم إلي الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون*
( الأنعام:159)
وتنتهي السورة الكريمة بحديث علي لسان الرسول الخاتم( صلي الله عليه وسلم) فتقول: قل إنني هداني ربي إلي صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين* قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين* لا شريك له وبذلك امرت وأنا أول المسلمين* قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شئ ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخري ثم إلي ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون* وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم*.
( الأنعام:161 ــ165)
وفي مقال سابق قمنا بتلخيص كل من ركائز العقيدة الإسلامية والتشريع الإسلامي والآيات الكونية التي وردت في سورة الأنعام ولذلك لا أري داعيا لتكرارها هنا حيث سنركز الحديث علي الآية الأولي من هذه السورة المباركة, وقبل الوصول إلي ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من المفسرين في شرحها.
من أقوال المفسرين
في تفسير قوله( تعالي): الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون*.( الأنعام:1)
* ذكر الطبري( رحمه الله) في مختصر تفسيره ما نصه:( الحمد لله): الشكر لله وحده دون غيره( وجعل الظلمات): ظلمات الليل, وجعل بمعني: وأظلم ليلها, وأنار نهارها,( والنور) نور النهار( يعدلون) يشركون, يقال: عدلت هذا بهذا اذا ساويته به.
* ذكر ابن كثير( يرحمه الله) ما نصه: يقول الله تعالي مادحا نفسه الكريمة, وحامدا لها علي خلقه السماوات والأرض قرارا لعباده, وجعل الظلمات والنور منفعة لعباده في ليلهم ونهارهم, فجمع لفظ الظلمات, ووحد لفظ النور لكونه أشرف... ثم قال تعالي:( ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) أي ومع هذا كله كفر به بعض عباده, وجعلوا له شريكا وعدلا, واتخذوا له صاحبة وولدا, تعالي الله عز وجل عن ذلك علوا كبيرا....
* وجاء في تفسير الجلالين( رحم الله كاتبيه) ما نصه:( الحمد) وهو الوصف بالجميل ثابت( لله) وهل المراد الإعلام بذلك للإيمان به, أو: الثناء به, أو: هما؟ احتمالات أفيدها الثالث[ أي للإيمان والثناء معا] قاله الشيخ الجلال المحلي في تفسير أول سورة الكهف( الذي خلق السماوات والأرض) خصهما بالذكر لأنهما أعظم المخلوقات للناظرين( وجعل) خلق( الظلمات والنور) أي: كل ظلمة ونور, وجمعها دونه لكثرة أسبابها, وهذا من دلالئل وحدانيته( ثم الذين كفروا) مع قيام هذا الدليل( بربهم يعدلون) يسوون به غيره في العبادة.
* وذكر صاحب الظلال( رحمه الله رحمة واسعة) ما نصه: إنها اللمسات الأولي.. تبدأ بالحمد لله, ثناء عليه, وتسبيحا له, واعترافا بأحقيته للحمد والثناء, علي ألوهيته المتجلية في الخلق والإنشاء... بذلك تصل بين الألوهية المحمودة وخصيصتها الأولي... الخلق, وتبدأ بالخلق في أضخم مجالي الوجود... السماوات والأرض... ثم في أضخم الظواهر الناشئة عن خلق السماوات والأرض وفق تدبير مقصود... الظلمات والنور... فهي اللمسة العريضة التي تشمل الأجرام الضخمة في الكون المنظور, والمسافات الهائلة بين تلك الأجرام, والظواهر الشاملة الناشئة عن دورتها في الأفلاك... لتعجب من قوم يرون صفحة الوجود الضخمة الهائلة الشاملة تنطق بقدرة الخالق العظيم كما تنطق بتدبيره الحكيم, وهم بعد ذلك كله لا يؤمنون ولا يوحدون ولا يحمدون, بل يجعلون لله شركاء يعدلونهم به ويساوونه:( ثم الذين كفروا بربهم يعدلون)...
* وجاء في صفوة البيان لمعاني القرآن( رحم الله كاتبه) ما نصه:( الحمد لله) إعلام بأنه تعالي حقيق بالحمد والثناء, مستوجب لهما, لخلقه السماوات والأرض, علي ما هما عليه من بديع الصنع والإحكام, وخلقه الظلمات والنور, أو ظلمات الليل ونور النهار, منفعة للعباد, وآيات للمتفكرين, ودلائل علي وحدانيته وقدرته وتدبيره,( وجعل) أي أحدث وخلق( ثم الذين كفروا) أي ثم الذين كفروا مع قيام هذه الدلائل الظاهرة يسوون بربهم غيره مما لا يقدر علي شئ من ذلك, فيكفرون به, أو يجحدون نعمته, فأي شئ أعجب من ذلك وأبعد عن الحق!, من العدل بمعني التسوية, وقوله( بربهم) متعلق بقوله( يعدلون), أو ثم الذين كفروا بربهم يميلون عنه, وينصرفون إلي غيره من خلقه, فيعبدون ما لا يستحق العبادة, من العدول...
* وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم( جزاهم الله خيرا) ما نصه: الثناء والذكر الجميل لله, الذي خلق السماوات والأرض, وأوجد الظلمات والنور لمنفعة العباد بقدرته وعلي وفق حكمته, ثم مع هذه النعم الجليلة يشرك به الكافرون, ويجعلون له شريكا في العبادة!.
* وجاء في صفوة التفاسير( جزي الله كاتبها خيرا) ما نصه: بدأ سبحانه وتعالي هذه السورة بالحمد لنفسه تعليما لعباده أن يحمدوه بهذه الصيغة الجامعة لصنوف التعظيم والتبجيل والكمال وإعلاما بأنه المستحق لجميع المحامد فلا ند له ولا شريك, ولا نظير ولا مثيل ومعني الآية: احمدوا الله ربكم المتفضل عليكم بصنوف الإنعام والإكرام الذي أوجد وأنشأ وابتدع خلق السماوات والأرض بما فيهما من أنواع البدائع وأصناف الروائع, وبما اشتملا عليه من عجائب الصنعة وبدائع الحكمة بما يدهش العقول والافكار تبصرة وذكري لأولي الابصار( وجعل الظلمات والنور) أي وأنشأ الظلمات والأنوار وخلق الليل والنهار يتعاقبان في الوجود لفائدة العوالم بما لا يدخل تحت حصر أو فكر, وجمع الظلمات لأن شعب الضلال متعددة, ومسالكه متنوعة, وأفرد النور لأن مصدره واحد هو الرحمن منور الاكوان..
(ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) أي ثم بعد تلك الدلائل الباهرة والبراهين القاطعة علي وجود الله ووحدانيته يشرك الكافرون بربهم....
من الدلالات العلمية للآية الكريمة
أولا: خلق السماوات والأرض من أعظم الأدلة علي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة:
فقد أدرك العلماء حقيقة توسع الكون في مطلع القرن العشرين, وأدي إدراك تلك الحقيقة إلي الاستنتاج الصحيح بأن كوننا بدأ خلقه من نقطة متناهية الضالة في الحجم, ومتناهية الضخامة في كم المادة والطاقة, وأن هذه النقطة انفجرت فتحولت إلي سحابة من الدخان الذي خلقت منه الأرض والسماوات.
ومع توسع الكون تم تبرده من مئات البلايين من الدرجات المطلقة إلي حوالي الثلاث درجات المطلقة تقاس اليوم علي جميع أطراف الجزء المدرك لنا من السماء الدنيا, تخلقت المادة ونقائضها, ومختلف صور الطاقة وأضدادها علي مراحل متتالية يحددها العلماء في النقاط التالية:
(1) عصر الكواركات والجليونات:
وقد استمر لجزء من مائة ألف مليون جزء من الثانية بعد عملية الانفجار العظيم وفيه خلقت اللبنات الأولية للمادة كما خلقت أضدادها من الدخان الكوني وذلك من مثل الكواركات وأضدادها النيوترينوات ونقائضها.
وكان الدخان الكوني كثيفا مظلما معتما, وكانت الجاذبية قوة منفصلة رابطة أجزاء هذا الدخان الكوني, بينما انفصلت القوة الشديدة عن القوة الكهربية الضعيفة, ويعتقد أن أعداد هذه الجسيمات الأولية كان يفوق أعداد نقائضها وإلا ما وجد الكون, أو أن إرادة عليا فصلت بين تلك الجسيمات ونقائضها حتي تقوم السماوات والأرض بأمر الله. وكانت هذه الفترة فترة تمدد ملحوظ وتوسع مذهل للكون.
(2) عصر اللبتونات:
وقد استمر إلي جزء من مليون جزء من الثانية بعد عملية الانفجار العظيم, وفيه تمايزت اللبتونات( وهي أخف اللبنات الأولية للمادة مثل الإليكترونات والنيوترينوات وأضدادها عن الكواركات, كما تمايزت البوزونات, وانفصلت القوة الضعيفة) عن اتحاد القوي المعروف باسم القوة الكهربية الضعيفة.
(3) عصر النيوكليونات وأضدادها:
وقد استمر إلي225 ثانية بعد عملية الانفجار العظيم, وفيه اتحدت الكواركات مع بعضها البعض لتكون النيوكليونات وأضدادها من مثل البروتونات ونقائضها, والنيوترونات ونقائضها, وكانت الطاقة علي قدر من الضعف لايسمح بتكون النيوكليونات وأضدادها علي نطاق واسع وإلا ماوجد الكون.
(4) عصر تخلق نـوي ذرات العناصر:
وقد استمر في الفترة من225 ثانية إلي ألف ثانية بعد عملية الانفجار العظيم, وفيه تكونت الديوترونات الثابتة وهي تنتج عن ترابط بروتون مع نيوترون, ومع تكوينها بدأت عملية الاندماج النووي في تكوين نوي ذرات الايدروجين. وباتحادها تكونت نوي ذرات الهيليوم وبعض نوي الذرات الأثقل حتي وصلت نسبة الايدروجين إلي74%, والهيليوم إلي25%, ونوي بعض العناصر الأثقل وزنا إلي1%.
(5) عصر تخلق الأيونات:
وقد استمر في الفترة من ألف ثانية إلي عشرة تريليونات ثانية بعد الانفجار العظيم, وفيه تكونت أيونات كل من غازي الإيدروجين والهيليوم, واستمر الكون في الاتساع والتبرد.
(6) عصر تخلق الذرات:
ويمتد في الفترة من عشرة تريليونات ثانية إلي ألف تريليون ثانية بعد عملية الانفجار العظيم, وفيه تكونت ذرات العناصر, وترابطت بقوي الجاذبية وأصبح الكون شفافا.
(7) عصر تخلق النجوم والمجرات:
وقد امتد في الفترة من ألف تريليون ثانية( أي نحو32 مليون سنة من سنينا الراهنة) بعد عملية الانفجار العظيم إلي اليوم( أي نحو عشرة بلايين من السنين), وفيه تخلقت أغلب العناصر المعروفة لنا( وهي أكثر من مائة وخمسة عناصر) بعملية الاندماج النووي في داخل النجوم حتي تكون عنصر الحديد في داخل المستعرات والمستعرات العظمي, وتكون العناصر الأعلي وزنا ذريا من نوي ذرات الحديد باصطيادها للبنات الأولية للمادة المنتشرة في صفحة السماء.
ولقد سبق القرآن الكريم هذه المعارف العلمية بأربعة عشر قرنا وذلك بقول الحق( تبارك وتعالي):
- أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون( الأنبياء:30).
وقوله( عز من قائل):
- ثم استوي إلي السماء وهي دخان فقال لها وللأرض إئتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين( فصلت:11).
وقوله( سبحانه وتعالي):
- والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون
(الذاريات:47).
وهذه المراحل تؤكد الحكمة والتدبير الفائقين في خلق السماوات والأرض لأن أدني مفارقة في الحساب كان من الممكن أن تبطل بناء الكون, وذلك يشمل حسابات الكم والكيف, ودرجات الحرارة, ومعدلات التوسع, وانضباط التفاعلات, خاصة أن العملية كلها ناتجة عن انفجار الجرم الأولي, وأن من طبيعة الانفجار أن يؤدي إلي الدمار وإلي بعثرة كل شيء وتناثره, أما انفجار يؤدي إلي بناء كون بهذه السعة, وضخامة أعداد الأجرام, وانضباط حركاتها, وسرعات دورانها, وعلاقاتها ببعضها البعض, لابد وأن يكون قد سبقه وزامنه وتبعه من دقة التقدير, وإبداع التكوين, وحسن الرعاية ما أوصله إلي مانراه في الأنفس والآفاق من حولنا, وهو مايشهد للخالق العظيم بطلاقة القدرة, وكمال الصنعة, ودقة التقدير...!!.
ثانيا: خلق الظلمات والنور من الأدلة علي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة والمستوجبة الحمدلله( تعالي):
من الراجح علميا أن كوننا بدأ بحالة من الدخان الداكن الكثيف التي استمرت علي مدي ثلاثين مليون سنة من سنينا الحالية علي أقل تقدير, ثم بدأ الكون من بعدها في التحول من الشفافية القادرة علي استقبال الضوء الناتج عن عملية الاندماج النووي في داخل النجوم, والتي استمرت علي مدي فترة تقدر بعشرة مليارات من السنين علي أقل تقدير إلي زماننا الحالي, وإلي أن يشاء الله( تعالي). ولما كان ضوء النجوم ـ في غالبيته ـ غير مرئي تعددت الظلمات في كوننا علي النحو التالي:
(1) الظلمة الأولية للكون:
وقد استغرقت الفترة من بعد عملية الانفجار العظيم وحتي بدايات عملية الاندماج النووي, وتقدر بنحو الثلاثين مليون سنة من سنينا الحالية. وقد تميزت هذه الفترة بالكثافة العالية لمادة الكون في صورها الأولية, وبالعتمة الكاملة, والإظلام التام.
(2) الظلمة الحالية للكون:
بعد عملية الانفجار العظيم بنحو الثلاثين مليون سنة تخلقت النجوم وبدأت عملية الاندماج النووي الحراري بداخلها, ولاتزال مستمرة إلي يومنا الحالي بعد أكثر من عشرة مليارات من السنين وإلي أن يشاء الله( سبحانه وتعالي), وبذلك بدأت النجوم في إرسال أضوائها إلي فسحة السماء وإن كانت أغلب تلك الأضواء غير مرئية لتكونها من سلسلة متصلة من الأمواج الكهرو ـ مغناطيسية التي تشمل موجات الراديو بمختلف أطوالها, والأشعة تحت الحمراء, وأطياف الضوء المرئي, والأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية, وأشعة جاما, وهذه الموجات الكهرومغناطيسية لاتختلف فيما بينها إلا في تردداتها وأطوال موجاتها, ويمتد الطول الموجي للطيف الكهرومغناطيسي بين عدة كيلومترات لموجات الراديو( الموجات اللاسلكية) وبين جزء من بليون جزء من المليمتر لأشعة جاما, أما الأشعة البصرية فتتراوح أطوال موجاتها بين0,01 ميكرون ومائة ميكرون( والميكرون=0,001 ملليمتر), وتضم موجات الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء, والأشعة فوق البنفسجية. وتميز عين الإنسان من أطياف الضوء المرئي: الأحمر( وهو أطولها وأقلها ترددا) ثم البرتقالي, فالأصفر, والاخضر, والأزرق, والنيلي والبنفسجي( وهو أقصر موجات الطيف المرئي وأعلاها ترددا), وهذه الموجات لاتري بوضوح إلا في طبقة النهار وهي جزء يسير من الغلاف الغازي للأرض المحيط بنصفها المواجه للشمس لايتعدي سمكه مائتي كيلومتر, وفيه يتم انعكاس هذه الأطياف بواسطة هباءات الغبار وقطيرات الماء, واختلاطها مع بعضها البعض لتعطينا نور النهار الأبيض الذي يتمتع به أهل الأرض وأهل كل كوكب له غلاف غازي مماثل. وعلي ذلك فإننا إذ تجاوزنا طبقة النهار فإننا نري الشمس قرصا أزرق في صفحة سوداء شديدة الإظلام وهذه هي ظلمة الكون الحالي التي وصفها الحق( تبارك وتعالي) بقوله( عز من قائل):
ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون* لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون( الحجر:14 و15).
وقوله( سبحانه) في وصف السماء:
وأغطش ليلها وأخرج ضحاها( النازعات:29).
هذه ظلمة ليل السماء, وهي ظلمة تزداد حلوكة عندما تلتقي مع ظلمة ليل الأرض, ويحدثها دوران الأرض حول محورها أمام الشمس فيتقاسم سطح الأرض الليل والنهار, الليل في نصف الكرة الأرضية غير المواجه للشمس, والنهار في نصفها المواجه للشمس.
(3) ظلمة أعماق البحار والمحيطات:
من الثابت علميا أن قيعان البحار العميقة والمحيطات تغرق في ظلام دامس, وذلك لأن أعماقها تتراوح بين مئات الأمتار,11034 مترا, بمتوسط يقدر بنحو3795 مترا, وأشعة الشمس لايمكنها الوصول إلي تلك الأعماق أبدا, فمن الثابت أن نطاق الأوزون في الغلاف الغازي للأرض يرد أغلب الموجات فوق البنفسجية إلي خارج نطاق الأرض, بينما تعكس السحب نحو30% وتمتص نحو19% من باقي أشعة الشمس, وبذلك لايصل إلي سطح الماء في البحار والمحيطات أكثر من51% من أشعة الشمس الساقطة عليها وبمجرد سقوط هذه النسبة تعكس الأمواج السطحية5% منها, وتستهلك35% من الأشعة تحت الحمراء في تبخير الماء وفي عمليات التمثيل الضوئي التي تقوم بها بعض النباتات البحرية.
وعند نفاذ الجزء المتبقي من أشعة الشمس إلي داخل كتلة الماء فإنه يتعرض للعديد من عمليات الانكسار, والتحلل إلي أطيافه المختلفة التي تمتص بالتدريج حسب أطوال موجاتها بدءا بالأحمر وانتهاء بالبنفسجي.
وبذلك فان معظم موجات الضوء المرئي من أشعة الشمس يمتص علي عمق يصل إلي100 م تقريبا من مستوي سطح الماء في البحار والمحيطات, ويعرف هذا النطاق باسم النطاق المضيء ويستمر1% فقط من أشعة الشمس إلي عمق150 م,0,01% إلي عمق200 م في الماء الصافي الخالي من العوالق, ويظل هذا القدر الضئيل من الضوء المرئي يتعرض للانكسار والتشتت والامتصاص حتي يتلاشي تماما علي عمق لايكاد يصل إلي الألف متر تحت مستوي سطح البحر حيث لايبقي من ضوء الشمس شيء يذكر( جزء واحد من عشرة تريليونات جزء), هذا إذا لم تحل الأمواج العميقة حيلولة كاملة دون وصول الضوء إلي تلك الأعماق, ويبدأ تكون تلك الأمواج علي عمق40 م تقريبا من مستوي سطح البحر, وقد تتكرر علي أعماق دون ذلك.. ويصف القرآن الكريم ظلمة قيعان البحار العميقة بقول الحق( تبارك وتعالي):
أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب, ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.( النور:40).
(4) ظلمات الأرحام:
ويصفها الحق( تبارك وتعالي) بقوله:
... يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث..( الزمر:6).
وقد فسرت هذه الظلمات الثلاث بظلمة البطن, يليها إلي الداخل ظلمة الرحم, يليها إلي الداخل ظلمة المشيمة بأغشيتها السلوية ومابها من سائل مخاطي.
(5) ظلمة القبر كنموذج لظلمة كل مكان مغلق في باطن الأرض أو علي سطحها:
من السنة النبوية الشريفة أن يعمق القبر قدر قامة وبسطة, وأن يشق اللحد في جانب القبر جهة القبلة ويوضع فيه جسد الميت علي جنبه الأيمن ووجهه تجاه القبلة, ثم علي اللحد ينصب الطوب اللبن( الطوب النييء) ثم يملأ القبر بالرمال أو التراب, ويرفع قدر شبر عن الأرض. وقد يكتفي بشق حفرة في وسط القبر تبني جوانبها باللبن, ثم يوضع فيها الميت ويسقف عليه بشيء مما لم يدخل النار من مثل الخشب ثم تهال عليه الرمال أو التراب إلي ارتفاع شبر فوق الأرض, إلا أن اللحد أولي.
وبعد إغلاق القبر تكون الظلمة فيه كاملة, ومنها استعاذ رسول الله( صلي الله عليه وسلم).
وتشبه ظلمة القبر ظلمة الكهوف, والمغائر( المغارات) والمناجم, والحفر الأرضية العميقة, وكذلك ظلمة المخابيء, والأماكن المغلقة إغلاقا محكما.
أما نور النهار الأبيض الجميل فلا يري إلا في الجزء السفلي من الغلاف الغازي المحيط بنصف الأرض المواجه للشمس إلي سمك مائتي كيلومتر فقط حيث يتوافر القدر الكافي من هباءات الغبار وقطيرات الماء وجزيئات الغازات الهوائية التي تعكس وتشتت وتخلط موجات الطيف المرئي حتي تعطي لنا ذلك النور الأبيض المبهر الذي يميز النهار, والذي يصفه الحق( تبارك وتعالي) بقوله:
والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها( الشمس:1-3).
وأشار إلي رقة طبقة النهار بقوله( عز من قائل): وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون
(يس:37).
وقوله: الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا..( غافر:61).
فسبحان الذي أنزل في محكم كتابه قوله الحق:
الحمدلله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون
(الأنعام:1)
فجمع الظلمات لتعددها وسيادتها في الكون, وأفرد النور لخصوصيته ومحدوديته في الوجود, وعدم تعدده, وهي حقائق لم تدرك إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين, وورودها في كتاب الله الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة علي نبي أمي( صلي الله عليه وسلم) وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأمييين لمما يجزم بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق, وبأن الرسول الخاتم الذي تلقاه كان موصولا بالوحي, ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض, فصلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه, ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلي يوم الدين والحمدلله رب العالمين.
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:11 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:10 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:08 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 26-12-2009, 01:07 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى منتديات الدكتور / زغلول النجار
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 20-12-2009, 10:48 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات