الإلهة مريم العذراء
لما تغير دين المسيح وصدف من عبادة الله وحده والكفر بمن سواه إلى عبادة الأهواء والأصنام والأخشاب ومعاداة من والاه وغدا دين المسيح والتوحيد دين الفلسفة والتجسيد ، اختلفت الطوائف النصرانية اختلافا شديدا في أمر مريم العذراء عليها السلام .
فمنهم من قال : إنها إلهة قد تم التخصيب الرباني في رحمها وترعرع الرب في أحشائها بين أضلعها إلى أن شق فرجها ، فأخذته بين يديها ، وضمته لصدرها ، وألقمته ثديها ، لتكون أم الإله الابن الذي ولد من قبل الاب الذي هو الابن نفسه ، وهؤلاء الثلاثة : الاب الإله والأم الإلهة والابن الإله هم أجزاء مشتركة في تكوين الذات الإلهية الواحدة ، وقالوا لابد لأم الإله أن تكون إلهة من نوعه وشكله ، فالإنسان يلد الإنسان والحيوان يلد الحيوان والآلهة تلد الآلهة .
ومنهم من أنكر هذا وكفر ولعن أهله وقال : إنما زعم ذلك قديما من قبل بعض الطوائف المهرطقة المتطرفة الخارجة عن ملة المسيح ، والحقيقة هي أن ماري لا تتعدى كونها إمرة نزل الرب من عرشه وكرسي عظمته ودخل فرجها فأقام هناك تسعة أشهر يتخبط بين البول والدم والنجو وقد علته أطباق المشيمة والرحم والبطن ليخرج من حيث دخل رضيعا ضعيفا صغيرا يمص الثدي ويتبول ويتغوط إلى أن بلغ أشده فلطمت اليهود خده وبصقوا في وجهه وعروه ومزقوا ثيابه فوق ظهره وصفعوه وألبسوه إكليلا من شوك ولباسا قرمزي ليخنثه وسمروه وصلبوه وعدلوه باللصين وأذاقوه أعظم الآلام ليخلص البشرية من ذنب لم تفعله أصلا وإنما لفق لها من قبله وحملها وزر أباها آدم الذي لم تشاهده عندما أخطئ خطيئته وكذلك ليخرج أرواح الأنبياء التي كانت في سجن الشيطان في جهنم الشيطان تحرق وتعذب بسبب خطيئة آدم عليه السلام .
قلت : وهذا ما جعل الملاحدة والعلمانيين والفلاسفة يتمسكون بما هم عليه ، إذ أنهم شرحوا لهم دين المسيح على هكذا طريقة .
ثم إنا نرى أن هذا الشق الأخير ليس بأفضل من ثوؤمه إذ أنه أهوج مثله وليس ثمة فرق بينهم ، لأن الزاعمين الأولين أقروا بإلوهية مريم العذراء بألسنتهم وأعلنوا ذلك بأفواههم ، وهؤلاء الآخرين أقروا بها بحال حالهم وفعل فعلهم وقالهم ، إلا أنهم لم يعلنوا ألوهيتها هكذا لفظا صريحا '' الإلهة ماري '' وإنما قلبا وقالبا حيث نجدهم قد إتخدوا لها أشكالا من حجارة فهم لها عابدون وتصاوير قد علقت على جدران الكنائس فهم لها راكعون ساجدون ، متوجهين إليها قائلين :
" السلام عليك يا مريم " يا ملكة السماء ووالدة الله ، يا سيدة العالم ، يا قديسة مريم ، يا والدة الله ، يا ممتلئة نعمة ، صلّي لأجلنا نحن الخطاة ، الآن وفي ساعة موتنا.. يا أم الله وشفيعتنا ، لك ننحني ونخضع ، خلصنا بك وبابنك الإله من خطايانا .
السلام عليك أيتها الملكة ، أمّ الرحمة والرأفة ، يا حياتنا ، حلاوتنا، ورجاءنا.
إليك نصرخ نحن المنفيين أولاد حواء ، و نتنهّد نحوك نائحين وباكين ، في هذا الوادي ، وادي الدموع ، فلذلك يا شفيعتنا ، انعطفي بنظرك الرؤوف نحونا ، وأرينا بعد هذا المنفى ، يسوع ثمرة بطنك المباركة ، يا حنونة ، يا رؤوفة ، يا حلوة ، يا مريم البتول ، صليّ لأجلنا يا والدة الله القديسة ، لكي نستحق مواعيد المسيح.
يا قديسة مريم، يا معونة المحتاجين ، امنحي القوة للضعفاء ، عزّي الحزانى اعضدي الاكليروس ، تشفّعي بالمكرّسين ، إنّ كل من يطلب معونتك يا مريم ، يختبر حمايتك التي لا تكّل.
يا سلطانتنا وأمنا، إنّا نقدّم لكِ ذاتنا بكلَّيتِها ، وإظهاراً لصدق خدمتنا لك ، نكرّس لك اليوم ، نظرنا وسمعنا وفمنا و ذاتنا بكلَّيتِها ، وبما أنا خاصّتك ، أيتها الأمّ الحنون ، احفظينا وحامي عنا كعباد لك و خاصّتك ، يا أمّ الله إنا نعلم أننا لا نستطيع أن ننجز شيئاً بقوّتنا الذاتية ، في حين أنكِ تستطيعين عمل كلّ ما هو متوافق مع إرادة ابنك .
أيتها البتول الطاهرة، يا أمّ الرحمة ، يا شفاء المرضى ، يا مُعزيّة الحزانى ، أنتِ تعرفين احتياجاتنا ، مشاكلنا، وآلامنا ، انظري إلينا بعين الرحمة .
ونقتصر على سرد هذا القدر خـشيـة الإطالة ولو كان مثل هذا الالضلال بالآف السطور في كتبهم ومواقعهم ، وهذا ليس موضع ذكره كله .
ويمكننا يا سادة أن نستخرج عصارة وزبدة تحزقلاتهم من هته النصوص المسرودة أدناه لتكون على الشكل التالي :
يا قديسة مريم لك ننحني ونخضع ، خلصنا من خطايانا ، يا رجائنا إليك نصرخ و نتنهّد نحوك نائحين وباكين انعطفي بنظرك الرؤوف نحونا ، يا معونة المحتاجين ، امنحي القوة للضعفاء فإنّا نقدّم لكِ نظرنا وسمعنا وفمنا وذاتنا بكلَّيتِها ، وإنّ كل من يطلب معونتك يا مريم ، يختبر حمايتك التي لا تكّل ، فاحفظينا وحامي عنا كعباد لك و خاصّتك ، وإنا لنعلم أننا لا نستطيع أن ننجز شيئاً بقوّتنا الذاتية ، في حين أنكِ تستطيعين عمل كلّ شيء ، فيا شفاء المرضى إنظري إلينا بعين الرحمة آآآمين .
أو ليست هذه إلهة تعبد مع الله ؟؟
فما معنى لك ننحني ونخضع خلصنا من خطايانا ؟
ثم و إنعطفي بنظرك الرؤوف نحونا وحامي عنا كعباد لك و خاصّتك ؟؟
وإنا لنعلم أننا لا نستطيع أن ننجز شيئاً بقوّتنا الذاتية ، في حين أنكِ تستطيعين عمل كلّ شيء ؟؟
أو ليس هذا ذل وإفتقار ومسكنة وإعتراف وإقرار بالضعف لمن له القوة المطلقة ؟ وكلنا أيقن أنه لا يجوز ذاك لغير الله العلي .
فما بال هاؤلاء ينطرحون على عتبة رحمة صنم العذراء الذي لا ينفع ولا يضر ؟؟؟
هل هذا هو دين المسيح عليه السلام أم أنتم مغيبون وعن إبصار الحق عمون وعن البحث عنه غافلون ؟؟
ويا العجب كل العجب لما يقلون عبدت الأحجار والخشب إن القران قد أخطئ لما عنانا بتأليه مريم العذراء عندما قال :
( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩)
لقد صدق فيكم قوله عز في علاه يا عبدت الهجر والبشر ، وعبده ورسوله المسيح عليه السلام ما قال لكم وما وصاكم إلا بعبادة الله ربه وربكم ورب كل شيء ، وهذه هي الرسالة الشريفة التي تنقل بها عبر مناكب الأرض والتي نسخت واضمحلت ولم يبقى منها شيء بتحزقلكم وابتداعكم .
وسبحان علام الغيوب عما يشركون.
المفضلات