د. ناجي محمد داود سلامة
لا شك أن المهمة الأساسية للإنسان في حياته الدنيا هي: إحقاق الحق، والتمسك به، وإبطال الباطل والتنكب عنه. وأول هذه المهمة هو عبادة الله وحده لا شريك له، وتصديق رسله، وقبول رسالاته، دون تبديل ولا تغيير ولا تزييف، والعمل بما جاءت به.
ولقد اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى، أن تكون هذه الرسالات متدرجة فيما تدعو إليه من هداية وتوجيه، إلى أن انتهت إلى الرسالة الخاتمة: رسالة محمد- صلى الله عليه وسلم- إلى الخلق أجمعين، عامة شاملة إلى يوم الدين. إلا أن أقواماً، وهم اليهود والنصارى، بدلوا وغيروا وزيفوا في نصوص كتبهم وفقاً لما أملته عليهم أهواؤهم، فجحدوا الحق، وأعلنوا الباطل، وظلوا ينافحون ويجادلون ليؤكدوا أن أسفار العهد القديم، وأسفار العهد الجديد، - كما وضعوها - هي الوحي المنزل لهم بواسطة موسى وعيسى عليهما السلام؛ منكرين نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ورسالته إلى الناس أجمعين، ومشركين بوحدانية الله سبحانه وتعالى.
و ما الجهود التي تبذلها حركات التنصير المعاصرة إلا مواصلة لما بدأه الأقدمون من الأحبار والرهبان، لطمس الحقيقة وتزييفها وتبديلها تنكبا عن كلمة الحق وإعلاء لكلمة الباطل.
ولقد بذل المؤمنون قديماً وحديثاً، جهوداً علمية مخلصة لكشف هذه الأباطيل والترهات، وإبطال حج أصحابها والمروجين لها، مبرزين تناقضاتهم، وملفتين النظر إلى تهافتاتهم وضلالاتهم. ومن هذه الجهود، هذه الدراسة التي يسعد مركز البحوث التربوية بكلية التربية – جامعة الملك سعود- أني قدمها للنشر، تحت عنوان "دعوى الإلهام والحجية في أسفار العهد الجديد ومدى صدقها "للباحث الدكتور ناجي محمد داود سلامة، وهي لا شك دراسة هامة تدعم موقف الرد على دعاوى النصارى في وصف أسفار العهد الجديد بصفة الإلهام والوحي من عند الله، وتعضد السعي إلى إبطال حججهم في ذلك، وتساهم في رفع كلمة الحق، وإخذال كلمة الباطل، خدمة لأجيال المؤمنين، ممن يسعون إلى معرفة الحق، ويرغبون في التمسك به.
نسأل الله أن ينفع بهذه الدراسة، وأن يجزي الباحث عن قصده وجهده خير الجزاء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم،،،،،
مدير مركز البحوث التربوية
د. محمد بن عبد الرحمن الديحان
ملخص البحث
مجال البحث: الدراسات الإسلامية.
الباحث: ناجي محمد داود سلامه.
عنوان البحث: دعوى الإلهام والحجية في أسفار العهد الجديد ومدى صدقها.
أهداف البحث:
التعريف المجمل بكتب النصارى.
الكشف عن بطلان دعوى النصارى فيما يتعلق بكتب العهد الجديد.
موضوع البحث:
مناقشة دعوى يطلقها النصارى من أن كتب العهد الجديد مكتوبة بإلهام (بوحي) وبالتالي فهي حجة تلزم الناس بما جاء فيها.
وهذا البحث يكشف بأدلة واضحة بطلان هذه الدعوى، وأنها دعوى داحضة ليس لها من الحجة والبرهان أي نصيب. ومن هذه الأدلة:
أن الشك قائم في صحة نسبة هذه الكتب إلى مؤلفيها باعتراف علمائهم أنفسهم.
وأن كتبهم مملوءة بالاختلافات والأغلاط، وهذا ينقض دعوى الإلهام (الوحي) فيها.
كما أن النسخ الأصلية لكتبهم مفقودة ولهذا أثر بالغ في الثقة بحجية هذه الكتب.
ثم إن عدم تحقق الأخبار الغيبية الواردة في كتبهم يدل بوضوح على عدم الإلهام (الوحي) فيها.
كما أن التشابه الكبير بن عقائد النصارى الأساسية، وبين عقائد الأمم الوثنية السابقة فيه دلالة واضحة على مدى استقاء النصارى عقائدهم من تلك الأمم.
المقدمة:
ما من شك أن الصراع بين الحق والباطل قديم، ولكل أنصار وأتباع.
وأصحاب الحق يمتازون بسهولة العقائد وعمقها ووضوحها؛ حيث إنها مدعمة بحجج وبراهين دامغة، خلافًا لأنصار الباطل ودعاته؛ حيث إن عقائدهم باطلة، وحججهم داحضة، كالسراب الذي يحسبه الظمآن ماء.
ولما كان دعاة التنصير – في عصرنا الذي نعيش – جدوا واجتهدوا في نشر ديانتهم بوسائل وأساليب مختلفة – حتى في ديار أهل الإسلام – زاعمين أن كتابهم المقدس – الذي تقوم دعوتهم على أساسه ويستشهدون به على مخالفيهم – وقد كتب بإلهام "بوحي"، وما دام كذلك فبِه تقوم الحجة على الناس.
لذلك: رأيت أن أسهم ببحث متواضع في الكشف عن بطلان هذه الدعوى – كما فعل سلفنا من علماء الإسلام الأفاضل عبر العصور – متوخياً الاختصار غير المخل؛ ليتمكن القارئ من معرفة الحق بأقصر طريق دونما كلل أو ملل.
فجعلت تمهيداً بين يدي البحث: وهو التعريف بكتبهم الموجودة بين أيديهم الآن. ثم عرضت عقيدتهم في كتابهم المقدس من خلال أقوال علمائهم.
ثم شرعت – بعد ذلك – بإيراد الأدلة على بطلان دعوى لإلهام في العهد الجديد.
التمهيد:
التعريف[1] المجمل بكتبهم الموجودة بين أيديهم:
يقسم النصارى[2] كتبهم المقدسة إلى قسمين:
العهد القديم، والعهد الجديد[3]. ويطلقون على كلا العهدين، الكتاب المقدس.
أولاً: التعريف بالعهد القديم
ويقصدون به تلك الأسفار (الكتب) التي يزعمون أنها وصلت إليهم بإلهام من زمن موسى – عليه السلام – إلى قبيل زمن المسيح – عليه السلام-.
واختلف أهل الكتاب في عدد أسفاره:
فجمهور اليهود، ومعهم البروتستنت من النصارى يرون أن العهد القديم يشتمل على تسعة وثلاثين سفراً.
والكاثوليك، يزيدون على ذلك سبعة أسفار أخرى؛ إذ يرون أن العهد القديم يشتمل على ستة وأربعين سفراً. وهذه الأسفار السبعة الزائدة لا يعتبرها البروتستنت مقدسة، وبالتالي فهي غير واجبة التسليم عندهم.
ويرى السامرية من اليهود أن العهد القديم يشتمل على سبعة أسفار فقط – وهي غير الأسفار المتبعة التي أضافها الكاثوليك -.
ويرى أهل الكتاب أن التوراة: جزء أساسي من العهد القديم.
وأن التوراة لفظ عبري معناه: التعليم والشريعة.
ولفظ التوراة إذا أطلق: ينصرف إلى أسفار موسى الخمسة (الناموس) وهي:
سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر الأحبار (اللاويين)، وسفر العدد، وسفر التثنية، وهم ينسبون تأليف هذه الأسفار الخمسة إلى موسى – عليه السلام – وأحياناً – ومن باب التوسع في اللفظ – يطلق لفظ التوراة على كافة[4] أسفار العهد القديم.
والسامرية من اليهود يؤمنون بأسفار موسى الخمسة (الناموس) إضافة إلى سفري يشوع بن نون، والقضاة.
ويقع الزبور[5] ضمن أسفار العهد القديم التي يؤمن بها أهل الكتاب عدا السامرية، ويسمونه سفر المزامير.
وللموضوع تتمة
المفضلات