أبو بكر وسبقه في كل أعمال الخير
كما رأينا سبقه في الإسلام والإيمان والدعوة..
فإننا أيضًا نرى بوضوح سبقه في كل أعمال الخير..
ففي حديث رواه مسلم عن البزاز ..
"يقول عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: صلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صلاة الصبح..
ثم أقبل على أصحابه بوجهه فقال: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟"
فقال عمر: يا رسول الله، لم أحدث نفسي بالصوم البارحة، فأصبحت مفطرًا
فقال أبو بكر: ولكني حدثت نفسي بالصوم البارحة، فأصبحت صائمًا
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "هَلْ أَحَدٌ مَنْكُمُ الْيَوْمَ عَادَ مَرِيضًا؟"
فقال عمر: يا رسول الله لم نبرح، فكيف نعود المريض؟
فقال أبو بكر: بلغني أن أخي عبد الرحمن بن عوف شاكٍ، فجعلت طريقي عليه؛ لأنظر كيف أصبح؟
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَطْعَمَ مِسْكِينًا؟"
فقال عمر: صلينا يا رسول الله، ثم لم نبرح؟
فقال أبو بكر: دخلت المسجد، فإذا بسائل، فوجدت كسرة من خبز الشعير في يد عبد الرحمن، فأخذتها، ودفعتها إليه.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "أَنْتَ فَأَبْشِر بِالْجَنَّةِ"..
ثم قال كلمة أرضى بها عمر..
بل إن في رواية أبي هريرة في صحيح مسلم ..
يسأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فوق هذا فيقول: "فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟"
فقال أبو بكر: أنا..
وفي نهاية الحديث قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..."مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ".
حقًّا.. من العسير والله أن تحصر مواقف السبق في حياة الصديق ..
فالسبق في حياته يشمل كل حياته...
يلخص هذا عمر بن الخطاب في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي..
يقول عمر: أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن نتصدق فوافق ذلك مالاً عندي..
قلت: اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يومًا. فجئت بنصف مالي...
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) "مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟"
قلت: مثله.
وأتى أبو بكر بكل ما عنده
فقال(صلى الله عليه وسلم) ... "يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟"
قال: أبقيت لهم الله ورسوله
فقلتُ -أي عمر-: لا أسبقه في شيء أبدًا...أبو بكر الصديق وإنكار الذات
كان الصديق من أروع الأمثلة الإسلامية على صفة إنكار الذات..
أنكر الصديق ذاته في حق الله..
فلا يأمره الله بشيء ولا ينهى عن شيء إلا امتثل..
واستجاب مهما كانت التضحيات..
والصديق أنكر ذاته في حق رسول الله ..
ومواقفه في إنكار ذاته مع الرسول لا تحصى..
فهو لم يكن يرى نفسه مطلقًا بجوار رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
والصديق قد أنكر ذاته مع المؤمنين..
حتى من أخطأ في حقه منهم..
بل حتى من تجاوز خطؤه الحدود المألوفة المعروفة بين الناس.
إنكـار الذات معناه: أن الإنسان لا يرى نفسه مطلقًا..
ليس لنفسه حـظٌّ في حياته، وإن كان حلالاً، وإن كان مقبولاً في عرف الناس، وفي الشرع..
لكنه دائمًا يؤخر نفسه، ويقدم غيره...
إنكار الذات معناه: أن تتخلص النفس من حظ النفس..
فلا تهتم بثنـاءٍ، ولا مدح، ولا تنتظر أن يشار إليها في قول أو فعل...
إنكار الذات معناه: أن تؤخر حاجات النفس الضرورية، وتقدم حاجات الآخـرين...
حتى وإن لم تربطك بهم صلات، أو علاقات رحم، أو مصلحة، أو مـال...
إنكـار الذات هو أعلى درجات السمو في النفس البشرية..
تقترب فيه النفس من الملائكة، بل لعلها تفوق الملائكة..
لأن الملائكة جبلت على الطـاعة..
أما الإنسان فهو مخير بين الخير، والشر.
ولعل أكثر مثل يوضح لنا إنكار الذات نجده في الأم، في تعاملها مع أولادها..
وليس معنى إنكار الذات، أن الإنسان لا قيمة له، بل على العكس..
فالمنكرون لذواتهم هم أعلى الناس قيمةً، وأرفعهم قدرًا..
لكنهم لا ينتظرون من الناس مقابلاً...
الأم مثلاً لا ترى نفسها أمام أولادها، قد تتعب، قد تـسـهر، قد تنفق، قد تـسـاعد..
تفعل أي شيء، أي شيء، وهي سعيدة بذلك؛ لأنها أسعدت أولادها..
ولا ترى ما أصابها من تعب أو سهر أو مرض، هذه هي الأم.
بيد أن إنكار الذات عند المؤمن أعلى من ذلك، أعلى من ارتباط الأم بوليدها...
لمـاذا ؟
ذلك لأن الأم ترتبط بوليدها برابطة فطرية، طبيعية..
كما أنها لا تنكر ذاتها إلا مع أطفالها، فقد لا تفعل ذلك مع جيرانها، أو معارفها، أو أقاربها، أو حتى مع زوجها..
أمـا المؤمن الذي يفعل ذلك، فإنه ينكر ذاته في حياته كلها، مع القريب والبعيد، مع الأهل..
وغيرهم، مع الأصحاب، وغير الأصحاب..
بل قد يفعل ذلك مع من أخـطـأ في حقه وآذاه، صفة عجيبة حقًّا، صعبة، عالية جدًّا,,
في أعلى درجات سلم الإيمـان...
المفضلات