أحبائي فى الله ,هذه دعوة من أخ لنا فى الله نقلتها لكم لأني وجدت فيه الذي أتمناه أن يتحلى به جميع المسلمين من حب للآخرين ودعوتهم لليقظة من غفلتهم جزى الله أخينا جواد الشام خير الجزاء ,وإليكم الموضوع
الحمد لله الذي ألّف بين قلوب المؤمنين ، وجمع كلمتهم على حبله المتين ، وصراطه المستقيم ، فأنقذهم من بلاء الفرقة المبين ، فأصبحوا بنعمته إخواناً متآلفين متحابين ، بعد أن كانوا أعداءً متناحرين ، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمةً للعالمين ، وسراجاً منيراً للسائرين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى أصحابه الغرُّ الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذه أسئلةٌ طالما ترددت في ذهني ، وشغلت تفكيري ، فرضها عليَّ الواقع المرُّ الأليمُ الذي يعيشه المسلمون الموحدون الذي وصفه النبي r بقوله : (( سيصيب أمتي داء الأمم ، الأشر والبَطرُ والتكاثر والتشاحن في الدنيا ، والتباغض والتحاسد ، حتى يكون البغي )) [1]، وكلما طرحتُ سؤالاً منها على نفسي احترتُ كثيراً في جوابه ! وتعبتُ تفكيراً فيه وبحثاً عن جوابٍ مقنعٍ له !! فجمعتُها وقيَّدتُها لعلَّ فيمن يقرؤها مَن يعيَ أزمة التفرق والتنازع ، فيتجنَّب أسباب ما وقع فيه غيره من الفرقة والتشتت – ولا حول ولا قوة إلا بالله - .
فلماذا حلَّت الفرقة بالمسلمين اليوم ؟ واختلفت قلوبهم ؟ وتشتّتت أفكارهم ؟ وتفشّت العداوة بينهم ؟ وتسرّبت الشحناءُ إلى نفوسهم ؟ ونخر الحقدُ والحسدُ في جسد أمتهم ؟
وممّا يعقِّد السؤال ويزيد المشكلةَ صعوبةً أن تجدَ أكثرهم يعرفون حكمَ هذه الأمـور – من فرقةٍ وحقد وحسد وشحناء – في كتاب الله وسنة نبيه r ، فلماذا لا يمتثلون ؟ ولماذا لا يسلكون ؟
لماذا يتفرّق المسلمون بعد سماعهم قول الله عزّ وجلَّ : } واعتصموا بحبل الله جميعـاً ولا تفرقـوا { [2] ؟ ولماذا يتباغض ويتحاسد ويتدابر المؤمنون وهم يعرفون قول النبي r : (( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً ))[3] ؟ ولماذا يتشاحن المسلمون وهم يقرؤون : } إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم { [4] ، وقوله تعالى : } فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم { [5] ، وتحذير النبي r : (( لا تقاطعوا ولا تدابروا .... )) [6] ؟ ولماذا تنتشر بينهم الحزبيّة المقيتة المميتة ! التي صارت تُعتمد أساساً للولاء والبراء وهم يعرفون تحذير ربِّهم من صفات المشركين : } ... ولا تكونوا من المشركين % من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون { [7] ؟ ولماذا تساورهم الشكوك والظنون السيئة في إخوانهم وهم يقرؤون إرشاد ربهم : } يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم { [8] ؟ ولماذا تسود مجالسهم الغيبة والنميمة والخوض في أعراض المسلمين – بل وأعراض العلماء والمصلحين !! – وهم يرددون قوله تعالى : } ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله { [9] ، وقول النبي r : (( لا يدخل الجنَّة نمَّام )) [10]؟
ومما يدمي القلب أن نرى الفرق الضالة والطوائـف المنحرفة تعرف كل هذه المعـاني – من اجتماعٍ وتآلفٍ ومودةٍ وموالاةٍ – وتطبقها فيما بينها ، فهؤلاء اجتمعوا وتآلفوا على ضلالهم ، فلماذا لا يجتمع أصحاب المنهج القويم والطريق السليم على الحق الذي هم عليه ؟!
لماذا لا يعرف أحدُنا عزة النفس والكرامة والرجولة إلا عندما يخاطب أخاه المسلم ، وهو يدري أن جباهنا ذلّت – شئنا أم أبينا ! – للكفرة الصليبيين والغرب الملحدين ؟! لماذا لا نتصف بصفات مَن يحبهم الله عزَّ وجل ويحبونه فنحيي معنى قول الله : } أذلَّة على المؤمنين أعزة على الكافرين { [11] ؟ لماذا لا نعرفُ الكلام الفاحش والقول البذيء إلا مع إخواننا من المسلمين ؟ ألم نسـمع قول الناصح الأمين r : (( ليس المؤمن بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحش ولا البذيء ))[12] ، فلماذا لا نمتثل ؟!
أَعلَمُ أنَّ كثيراً من إخواننا المسلمين يعرفون هذه النصوص والأدلّة ! فيقعون فيما يقعون به عن علمٍ ودرايةٍ – ولا حول ولا قوة إلا بالله - ، فإن قُلتَ له – مثلاً – هذه غيبة ! سَرَدَ لك الأحوال الستَّ التي تحلُّ فيها الغيبة !! فإن قلتَ : وهذه الحالة لا تقع ضمنها ، تراه يتأوّل ويراوغُ ويلفُّ ويدور ليجعلها ضمن المباح ويبرر لنفسه هذا المنكر ! ، وإن قلتَ له : أراكَ أقمتَ شهوراً على هجر أخيك الفلاني ! – وما أكثره في هذا الزمان – والنبي r يقول : (( لا يحلُّ للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام )) [13] ، تراه يحاولُ – بأيِّ طريقةٍ – أن يجعلَ هجرَه لله [14] ! فيُخرج نفسَه من دائرة الحديث – دون أن يسأل أهل العلم عن أحكام الهجر الممنوع والهجر المشروع - ، وهكذا تجدهُ في كثيرٍ من الأمثلة يؤوِّل النصَّ الشرعيَّ لصالحه ! ، وهذا – والله – بلاءٌ عظيم يُوقع المسلمَ في أكبر الكبائر وهو يظنُّ من نفسه أنه لم يدخل ضمن الحرام بعد ! وهذا يحتاج إلى اعترافٍ بالذنب وتواضعٍ للحقِّ وسؤال أهل العلم والفضل مع استشعار عظمة الله عزَّ وجل وشدة عقابه وأنه } لا يعزُبُ عنه مثقال ذرََّةٍ في السماوات ولا في الأرض [15]{ } فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره % ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره { [16] .
لماذا لا يتغاضى كل مسلمٍ عن أخطاء ورزايا أخيه ؟ أو لماذا لا يناصحه ويذكّره إن رأى منه ما يسوؤه ؟ لماذا لا يصبر أحدنا على ظلم أخيه المسلم له – إن ظَلَمَه – ويتذكر أجر الصابرين ؟ لماذا لا نقتدي بالإمام الشافعي – رحمه الله – الذي يقول :
مَن نال منِّي أو عَلِقتُ بذمَّته سامحتُهُ لله راجي منَّتــه
كي لا أعوِّق مؤمناً يوم الجزا أو لا أُسيء محمداً في أمته
أو نصيحة القائل :
دعِ الحسود وما يلقاهُ من كمدٍ يكفيكَ منهُ لهيبُ النار في كبده
إن لُمتَ ذا حَسَدٍ نفثت كربَته وإن سكتَّ فقد عذَّبتَــه بيده ؟
ولماذا ظهرت بيننا ظاهرةٌ خطيرة ألا وهي ظاهرة ( إسقاط الدعاة ) !؟ لماذا لا نفسحُ مجالاً للخير أن ينتشر على أيدي إخواننا في العقيدة ، فنطعنُهم ونجرحهم وننبذهم ونحذّر منهم ؟! لماذا لا نسمع بظهور داعيةٍ للخير في الساحة الإسلامية إلا امتدت إليه ألسنةُ الطعن واللعن والتجريح والنبذ والتوبيخ والتحقير والتصغير والتحذير ؟!! لماذا لا ننظُرُ إلى حسنات هذا الداعي ونتاجِه في العمل الدعوي ؟ لماذا لا ننظر إلا إلى الزوايا المظلمة من جهود الآخرين ؟ كما قال الشعبيُّ : ( والله لو أصبتُ تسعاً وتسعين مرةً ، وأخطأتُ مرةً لأعدُّوا عليَّ تلك الواحدة ) [17]!! وفيهم يقول الشاعر :
إن يسمعوا سبَّةً طاروا بها فرحاً مني وما يسمعوا من صالحٍ دفنوا
فلماذا لا نشعُر بالذنب إن حذّرنا من هذا الشخص وأسقطناه من عيون الآخرين ثم توقفت دعوته ؟ لماذا لا نفكر بالأشخاص الذين كانت ستصلهم الهدايةُ – بإذن الله – عن طريق هذا الداعي ، ونشفقُ عليهم ؟ لماذا لا نخشى أن يسألنا الله عزَّ وجل يوم العرض عليه عن حُجَّتنا في إسقاط هذا الداعي – ولو من عين رجلٍ واحد! - وإيقاف الخير عن عامة المسلمين ؟!
أنا لا أقصدُ بأسئلتي بعض الدعاة الأدعياء الذين لا علم لديهم ، فقد امتلأت وطفحت بهم الفضائيات ! ولا أتمنى فسح المجال لكل مريد يتصدَّر للفُتيا ويهدف إلى توجيه الدين كما يريده العلمانيون والمغرضون ، فهؤلاء يخرّبون الدعوة ويميّعون الدين ، فلم يبقَ محرَّمٌ إلا تساهلوا فيه ولا مباحٌ إلا بالغوا فيه . ولكنني – وللأسف – أرانا صرنا نحذّر ممن تعلموا العلم الشرعيَّ وأضافوا إليه ما وفقهم الله إليه من أسلوبٍ يؤثِّر في العامة من المسلمين فكسبوا قلوب آلاف الشباب الضائع والفتيات الجاهلات والعامة المساكين ، ولكنهم فوجئوا بالمعاداة والجفاء لا من العامة من المسلمين بل من إخوانهم من طلبة العلم – والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه – أساسها الحسدُ وسوء الظن ، فلماذا لا يفكر الواحدُ منّا بمناصحةِ هؤلاء إن رأى منهم ما يسوءه ؟ لماذا نضع أمامنا العَقَباتِ قبل البدء بالعمل ؟! فنقول : هؤلاء لن يتقبلوا منَّا فقد غرَّهم كثرةُ الأتباع والمحبِّين !! إن كنَّا نعلمُ أن محبيهم من العامَّة كثيرون ، فهذه فرصةٌ عظيمةٌ لنا لإصلاح هؤلاء الدعاة ومناصحتهم ؛ لأن في صلاحهم خير كبيرٌ للمسلمين ، فهؤلاء قدوةٌ للعامّة الذين يطبقون كل ما يرونه من هؤلاء الدعاة ، أليس كذلك ؟! أليس هؤلاء الدعاة هم أولى حتى منّا – نحن – ممن لا يعرفنا سوى أهل حيِّنا أو حتى أهل بيتنا ! بدعوة العامَّة ونصحهم وإرشادهم ؟!! فلماذا لا نشدّ على أيدي هؤلاء الدعاة ونساعدهم في نشر دين الله ؟ لماذا لا نفكر بعيوبنا عندما ننشغل بعيوب الآخرين ، فصدق فينا قول النبي r : (( يُبصرُ أحدكم القذاة في عين أخيه ، وينسى الجِذْعَ أو الجدل في عينه معترضاً )) [18] ؟ لماذا نرى الكفرة الصليبيين يشدّون على أيدي المبشِّرين ويمدُّونهم بالأموال الضخمة وينشئون لهم الجمعيات والهيئات فيدخلون على المسلمين من جوانب إنسانية وخيرية ، فيعيثون في بلاد المسلمين فساداً وإفساداً ، بينما نتخلى عن بعضنا ونتخاذل عن الأخذ بأيدي إخواننا ؟ لماذا يتعاضد أهل الباطل ويتكاتفون ، ويتخلى أهل الحق ويتفرقون ؟ لماذا يتفانى أهل الباطل في إيصال دعوتهم الزائفة ويتجرؤون ، ويجبن أهل الحق ويضعفون ، بل وكلما رأوا أحداً منهم نجح في الدعوة إلى هذا الدين حاولوا إسقاطه وإفشاله وتحذيرَ الناس منه ؟!! لماذا يكون عدوُّنا من داخل أمَّتنا قبل أن يكون من الخارج ؟! لماذا لا نتكاتف ونتعاون ونتعاضد ونتَّحد لمواجهة عدوٍّ خارجي خطير ، اجتمع من كلِّ حدبٍ وصوب يخطط ويكيد لهذه الأمة ليفرَّق بين قلوب أبنائها ؟
يا أهل العلم ، ويا معلِّمي الخير من المسلمين .... نحن بحاجةٍ إلى علمكم حاجَتَنا للماء الذي نشربُه ، والنَفَس الذي يترددُ في جوفِنا ، والقُوت الذي تقوم به أجسادُنا ، ولستُ بصدد بيان فضلكم وفضل علمكم علينا ، فأنتم مَن يُعلمنا فضل الجلوس تحت أقدامكم وثني الرُّكب لأخذ العلم عنكم ، ولكن يكفينا من فضلكم أن نستوعب قول النبي r : (( فضلُ العالم على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلة البدر على سائرِ الكواكب ، وإن العلماء ورثةُ الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً ولكنهم ورَّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر ))[19].
فلماذا تختلفون مع بعضكم اختلافاً يمزِّق الصف ويشتِّت الشمل ، ويترك طلبة العلم حائرين لا يدرون أيَّ شخصٍ يتبعون ، وأي طريق يسلكون ؟! لماذا تفسحون مجالاً للشيطان الرجيم أن يدخل بينكم لإفساد دعوتكم ؟ لماذا لا تناقشون المسائل العلمية التي تختلفون فيها دون فرقةٍ وتناحرٍ ؟ لماذا لم تكن هذه الفرقةُ وهذا الجفاء بين كثير من الأئمة – الذين عاشوا في زمان الرفعة والتمكين – مع اختلافهم في كثير من المسائل العلمية ؟! لماذا نرى أصحاب الإتجاهات الفكرية والسياسية يختلفون في الآراء ووجهات النظر ، ولكن عندهم ما يُسمَّى بـ ( الرأي الآخر ) فيُدلي كلٌ منهم برأيه ويناقشه الآخر دون شتم وسُباب – غالباً - ؟! لماذا لا تُسعدون قلوبنا وتُقرون أعيُننا بوحدة المسلمين أصحاب الحق في كل مكان ؟ . وإني أستغفر الله أن تكون أسئلتي توجيهاً أو إرشاداً أو حتى توضيحاً ، فأنتم أصحاب السَّبق في العلم والتوجيه والتربية ، ولكني – صدقاً – لا أعرفُ لماذا ؟!! .
يا أهل الغيرة على هذا الدين .. لقد تشوَّشت أفكار شباب المسلمين وتشتَّتت ! ، وتغيَّرت أهدافهم وتبدلت ، وتحوَّلت اهتماماتهم من طلب العلم وحفظه إلى التطاول على أهل العلم ودعاة الخير ومحاكمتهم ! ، وتحولت مجالسهم من مذاكرة العلم وقراءته إلى الغيبة والنميمة والسُّخرية والاستهزاء !! , والله إن قلبي يتمزق أسىً عندما صرت أسمع من بعض طلبة العلم سؤالهم عن عقيدة الشيخ ومنهجه[20] قبل أخذ العلم عنه ، وعقيدة الرجل قبل التعرف عليه ! وكأن الأصل في المسلم فساد العقيدة ، وانحراف المنهج ، وقلة الدين ، وسوء الأخلاق !! ، ولكني لا أدري أهم مصيبون أم مخطئون ؟ وإن كانوا مخطئون أيُلامون أم يُلام غيرهم ؟!
يا طلبة العلم ، ويا شباب الصحوة من المسلمين .... إن ما منَّ الله عليكم به من نعمة طلب العلم ، وشرف الجلوس بين أيدي أهل العلم الذين هم خير الناس ، وما جاء في السُنَّة المطهرة من شمائل كثيرةٍ ودرجاتٍ عالية لطالب العلم يكفيكم منها ما قاله المصطفى r : (( إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يطلب )) [21] ، وقوله r : (( ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنَّة )) [22] – كل هذه الفضائل والنعم وغيرها الكثير الكثير – لجديرةٌ والله أن تشكروا الله عليها ، وتتّسموا بسمات طالب العلم الذي جاءت النصوص والآثار الكثيرة في ثوابه ، وتحافظوا على منابعها ومواردها ، ألا وهم العلماء ، وعلى أعراضهم وسمعتهم وفضلهم ومكانتهم وقَدرهم وشرف منزلتهم .
فلماذا تطوّع لنا أنفسُنا أن نطلق ألسنتَنا بشتم علمائنا ؟ لماذا لا نراهم إلا من خلال منظارٍ أسودٍ قاتم ؟ لماذا نجازفُ في توزيع الأحكام عليهم بالبدعة والضلال ؟! لماذا لا تضبطنا أدنى أخلاق طالب العلم مع صاحب العلم ؟! لماذا لا نخشى سُمِّية لحوم علمائنا ، فننهشها متلذذين بها على موائد اللئام ؟! لماذا نتصيّد لهم أخطائهم وعثراتِهم وسَقَطاتهم فرحين بما صدنا وعثرنا ؟ لماذا نتقصّد إظهار عيوبهم ، وإظهار قصورهم في العلم ؟! لماذا لا نخشى على أنفسنا عقوبة سوء الخاتمة – أعاذنا الله منها – التي كثرت قصص من عوقبوا بها لطعنهم في أهل العلم ؟
يا طلبة العلم الفضلاء ... " العلماء هم أئمة الأنام وزوامل الإسلام ، الذين حفظوا على الأمة معاقد الدين ومعاقله ، وحَمَوْا من التغيير والتكدير مواردَه ومناهله " [23] ، فهم أولو الأمر وأصحاب البصيرة الذين أوتوا الحكمة ، وهم عصمةٌ للأمة من الضلال ، وحماية للدين من تحريف الغالين وانتحال المبطلين . فلنحافظ على مكانة أعلام هذا الدين ، ولنعرف لهم فضائلهم ، ولنأخذ بنصيحة القائل :
وقّر مشائخ أهل العلم قاطبةً حتى تُوقَّر إن أفضى بك الكبر
واخدم أكابرهم حتى تنال به مثلاً بمثلٍ إذا ما شارف العُمُر
واسمع ما يقوله فضيلة الشيخ محمد المقدم عمن يتهمون العلماء بتهم باطلة ودعاوى كاذبة : ( أجل إنهم يصنعون بفتنتهم (( توابيت )) تُقبر فيها أنفاس الدعاة ، وتوأد نفائس دعوتهم ، ويرجف المرجفون بالشائعات المغرضة ، وهم يعلمون أن أئمة الهدى منها براء ، والمرجفون في قرارة أنفسهم على أنفسهم شهداء } ستُكتَب شهادتهم ويُسألون { ، وقال جلَّ وعلا : } والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً { ، وقال سبحانه : } ألا يظنُّ أولئك أنهم مبعوثون % ليومٍ عظيم % يوم يقوم الناس لربّ العالمين { ، وقال تعالى : } أم يعلم بأن الله يرى { )[24] .
وختاماً .... أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يُقرَّ أعيننا بنصرة الإسلام وعزّ الموحدين وتوادّهم وتراحمهم وتعاطفهم إنه على ذلك قدير ، } ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم { [25] ، وأودُّ أن أنبّه كل من يقرأ هذه الكلمات أنني لم أكتبها تنزيهاً لنفسي عن كل ما فيها من نبذ التفرُّق والتشاحن وغير ذلك ، إنما كتبتها عسى أن ينفع الله بها من وقع في مثل هذه الأمور – وما أبرئ نفسي - ، فقد أكون أول مستفيدٍ منها وأكثر محتاجٍ إليها . أسأل الله العلي القدير أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ، والتواضع للحق ، والغنيمة من كل برّ ، والسلامة من كل إثم ، والفوز بالجنة ، والنجاة من النار .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
osamusa@hotmail.com
--------------------------------------------------------------------------------
[1] انظر : (( صحيح الجامع )) للألباني ( 3552 ) .
[2] آل عمران : 103
[3] رواه الإمام أحمد ( 12875 ) ، والبخاري ( 5605 ) و ( 5612 ) ، ومسلم ( 4641 ) ، وأبو داود ( 4264 ) ، ومالك ( 1411 ) ، والألباني في صحيح الجامع ( 7077 ) . والتدابر : هو المعاداة والمقاطعة .
[4] الحجرات : 10
[5] الأنفال : 1
[6] رواه الإمام أحمد ( 17 ) ، ومسلم ( 4648 ) ، والترمذي ( 1858 ) ، وابن ماجه ( 3839 ) .
[7] الروم : 31 ، 32 . قال القرطبي عند تفسير هذه الآية : ( تأوله أبو هريرة وعائشة وأبو أمامة أنه لأهل القبلة من أهل الأهواء والبدع ) (( الجامع لأحكام القرآن )) ( 14/32 ) .
[8] الحجرات : 12
[9] الحجرات : 12
[10] رواه الإمام أحمد ( 22263 ) و ( 22253 ) و ( 22270 ) و ( 22297 ) ، ومسلم ( 151 ) .
[11] المائدة : 54 . قال ابن كثير – رحمه الله – عند تفسيره لهذه الآية : ( هذه صفات المؤمنين الكُمَّل ، أن يكون أحدهم متواضعاً لأخيه ووليِّه ، متعزِّزاً على خصمه وعدوِّه ، كما قال تعالى : (( محمدٌ رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم )) وفي صفة رسول الله r أنه الضَحُوك القَتَّال ، فهو ضحوك لأوليائه قتّال لأعدائه ) (( تفسير القرآن العظيم )) ( 2/111 ) .
[12] رواه الإمام أحمد ( 3646 ) ، والترمذي ( 1900 ) ، والألباني في صحيح الجامع ( 5257 ) والسلسلة الصحيحة ( 320 ) .
[13] أخرجه مسلم ( 4644 ) .
[14] قال فضيلة الشيخ مشهور بن حسن نقلاً عن شيخه العلامة الألباني – رحمه الله - : ( يكاد أن لا يكون هجر لله في هذا الزمان ) !! ، وذلك في درسه المنعقد يوم الخميس 18/11/1425هـ الموافق 30/12/2004م ، مجيباً على سؤال يتعلق بهذا الموضوع .
[15] سبأ : 3
[16] الزلزلة : 7 ، 8
[17] (( سير أعلام النبلاء )) ( 4/308 ) .
[18] (( السلسلة الصحيحة )) للعلامة الألباني ، برقم ( 33 ) . والقَذَاة : هو ما يقع في العين والماء والشراب من تراب أو تبن أو وَسَخ أو غير ذلك (( النهـاية 4/30 )) ، قال ابن الأثير : ( ضربه مثلاً لمن يرى الصغير من عيوب الناس ويعيِّرهم به ، وفيه من العُيوب ما نِسبتُه إليه كنسبة الجِذْع إلى القَذاة ) (( النهـاية 4/30 )) .
[19] رواه الإمام أحمد ( 20723 ) ، وأبو داود ( 3157 ) ، والترمذي ( 2606 ) ، وابن ماجه ( 219 ) ، والدارمي ( 346 ) ، والألباني في صحيح الجامع ( 4088 ) .
[20] حصل هذا الأمر عندما سمعتُ بعضهم يسأل عن عقيدة أفاضل علماء الحجاز واحداً واحداً !! ممن عُرفوا عبر سنوات طويلة بالعلم والفضل وسلامة المنهج والمعتقد ، حيث ذهب إلى هناك لأخذ العلم عنهم فكان هاجسُهُ أن يتأكد من عقيدة كل شيخ قبل أن يحضر درسه لأول مرة ! ولا حول ولا قوة إلا بالله .
[21] رواه الإمام أحمد ( 17394 ) و ( 17401 ) و ( 17404 ) ، والترمذي ( 3458 ) ، والنسائي ( 158 ) ، والدارمي ( 360 ) ، والألباني في صحيح الجامع ( 1952 ) .
[22] رواه الإمام أحمد ( 7118 ) و ( 7965 ) و ( 20723 ) ، ومسلم ( 4867 ) واللفظ له ، وأبو داود ( 3157 ) ، والترمذي ( 2570 ) و ( 2869 ) ، وابن ماجه ( 219 ) و ( 221 ) , والدارمي ( 346 ) و ( 359 ) ، والألباني في صحيح الجامع ( 6174 ) .
[23] (( حرمة أهل العلم )) ص ( 169 ) .
[24] (( حرمة أهل العلم )) ص ( 304 - 305 ) .
[25] الحشر : 10
المفضلات