[]فصل من كتاب "محمد الرسالة والرسول]
لايدع القرآن شائبة من ريب في مسألة وحدانية الله ،فجاء في سورة الإخلاص
"قل هو الله أحد الله الصمد"
ولافي تنزيه عن الشرك والتعدد:
"لم يلد ولم يولد،ولم يكن له كفؤا أحد"
[[/وفي ذلك نقض لعقائد الشرك ،وتصحيح لعقائد أهل الكتاب أيضاً...فقد صار أتباع المسيح الى القول بأُلوهيته .وأنه بن الله ، جوهر واحد له ثلاثة أقانيم :
الله الأب ،والله الإبن _وهو المسيح_ والروح القدس . وشبهوا ذلك السر الإيمانى المسيحي بالشمس ، وكيف أنها حقيقة واحدة ،تقع على الحواس قرصاً ، ونوراً ، وحرارة ..
ولم يرد على المسيح في أقواله الواردة في بشارات حوارييه(الأناجيل ) اشارة الى شيئ من ذلك .بل كان يدعو نفسه على الدوام "بابن الإنسان ".
وأما البنوة لله عز وجل ، فما ورد لها ذكر الا على سبيل المجاز المطلق ، وبمعنى يشمل البشر كافة ، حين أوصى أن تكون صلاة الناس الى الله بادئة بقولهم "يا أبانا الذى في السماء ".. وحين طالب أتباعه وجميع الناس أن يسلكوا طريق البر كى يكونوا جديرين بنسبتهم الى الله . فالمسيح رفع خصوصية البر عن اليهود الذين قالوا أن أبناء إبراهيم وحدهم هم الناجون الظافرون برضوان الله ،لأن الناس كافة أبناء الله ما سلكوا طريق البر،وأحبو الله وأحبوا إخوانهم في الله،حتى أعدائهم .
بل أن المسيح وعظ الناس فضرب لهم المثل برعاية الله وعنايته ،بما يتيحه من الرزق لطيور السماء ووحش الفلاةوما يتيحه من الزينة لزنابق الحقل ، فلا ينبغى أن يكون حرصهم كله على الدنيا وقوتها وجاهها وزخرفها ...وما هذا ان يجعل رعاية الأبوة مطلقة شاملة لجميع الكائنات ، وما أبعد هذا أن يكون ذلك "السر" أو "اللغز" المعقد الذى اختلفت فيه أقوال المفسرين من أساطين الكهان وعلماء اللاهوت ،
وقد أدى هذا اللبس الى فتنة بل فتن بين صفوف أتباع المسيح والمنتسبين اليه . وجمعت المجامع ،ووقعت المذابح وصار الإيمان سبيلا الى اللدد والتفرقة ، لاالى الألفة واجتماع العقول و القلوب على عقيدة يطمئن الجميع اليها .
وناهيك بعقيدة لبلبها المحبة حتى للأعداء تكون مثار ذلك كله .
وناهيك بعقول السواد ممن غبرت لهم في الوثنية جذور عقلية وحسية منذ ألوف السنين ، كيف لاتنزلق الى الشرك من باب هذا السر الذى يجعل من الواحد الفرد ثلاثة أقانيم !
لابد من رد الناس الى بساطة الإعتقاد ، ولابد من نفي اللبس وشوائب الريب عن هذه العقيدة ، وهو التوحيد مطلق التوحيد.
اذن تعين أن يأ تى الدين الجديد بحسم هذا الإختلاف الوبيل :"قل هو الله أحد الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤاً أحد"
لم يلد ولم يولد . فأقرب الى العقل أن من يلد أخرى بأن يولد ...وما كان سبحانه فرداً في جنس وواحداً فى سلالة من نوعه .حاشا ! بل جل عن النظراء والأكفاء . فمن ذا الكفؤ لله ؟
وقد بلغت مقالة اللام لأرسطو فى تنزيه الله قريبا من ذلك الشأو ،لاوالد له ولاولد ، ولاأكفاء له . ولكنه لاينزل الى تعقل شيئ غير ذاته ، لأن ذاته هي الموضوع الوحيد الجدير بسموه وكماله وما كانت به حاجة الى خلق العالم وتدبيره ، بل كانت المادة قائمة منذ الأزل ، وإنما نظامها من قبيل اجتهاد المادة فى محاكاة نكمال الخالق وجماله ، فيتفق لها من ذلك أقصى انتظام ممكن فى حركاتها الفلكية الدائرية .
كلام فيلسوف لايعقله ولايخوض فيه الا فلاسفة . والدين لسواد الناس وما كان الدين للمجادلة الذهنية . وإنما هو نبراس الهداية للكافة ، يخاطب العقل في مستوى البداهة الفطرية التى تستغنى عن التعقيد ،وان لم يغلق باب التعمق أو التحليق لمن شاء على بصيرته ...
وكان لابد للدين أن يثبت قلوب الناس بالطمأنينة الى عناية الله بالخلق ،والى قدرته ، والى سلطانه المطلق على الكون كله . فقررالقرآن في عزم وحسم أن"الله خالق كل شيئ ". "وكان الله على كل شيئ قديرا "
هو الخالق وهو المدبر القادر. ولم يخلق الكون ثم نفض منه يده " ألا انه بكل شيئ محيط"...
ولا يدع القرآن فى ذلك شكا ، فهو يقرر ويكرر فى أكثر من موضع تلك الحقيقة الجوهرية ، التى تقر سلطان الله على الخلق وتدعوهم الى الطمأنينة الى عنايته ،والحرص على رضوانه فجاءفى سورة الحديد :
" هو الأول والآخر ، والظاهر والباطن ، وهو بكل شيئ عليم "
وجاء فى سورة الأعراف :
"وسع ربنا كل شيئ علما " .وأيضا " ألاله الخلق والأمر "
وجاء في سورة يونس :"ولايعزب عنه مثقال ذرة "
وجاء في سورة يس :
" وهو بكل خلق عليم "
وجاء فى سورة فاطر أنه سبحانه :
" عليم بذات الصدور "
وجاء فى سورة المؤمنون :
" ما كنا عن الخلق غافلين "
وجاء فى سورة غافر:
"يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور "
...
[[/SIZE][/COLOR]
وأما والمسألة مسألة إيمان ، فمن آمن بعقيدة تنزه الله عن كل مشابهة للخلق ، وعن كل تعدد تجسم أو استدق ، أقرب الى طمأنينة العقل والنفس ممن يروضها على الإيمان بإله واحد ولكنه يحتال على تصور وحدانيته رغم أقانيمه المتعددة . ويحار في وجه حاجته سبحانه الى تعدد الأقانيم ، وقد كان لعباده غنية عن تلك الحيرة بتمام التوحيد ، فيغلق الباب دون كل تساؤل وكل إبهام ...
اما صفاته سبحانه فلا يدركها الحصر ، وإنما يتجلى للناس منها ما يعنيهم و على
قدر ادراكهم .
وأوا ما يجبه الناس همر الحياة والممات ، فالله هو:
الحى الذى لايموت (سورة الفرقان )
وهو الذى يحيي ويميت (سورة المؤمنون)
كل شيئ هالك الاوجهه ( سورة القصص)
وتتواكب ألاء الله على عباده . فهو الرازق الوهاب خالق ما فى الأرحام . العليم الحكيم البصير المنتقم ذو الجلال ...
وقدكان لبنى إسرائيل تصورات مفزعة عن آلاء الله ، تكاد تنفي الطمأنينة وتبعث الهول . وما دين بغير طمأنينة يستقيم بها أمر الناس فى حقهم من الدنيا والآخرة ؟
ان كل سورة يفتتحها القرىن باسم الله " الرحمن الرحيم "...لايكتفى من هاتين الصفتين بواحدة دون الأخرى ...ويقول فى سورة فصلت :
"وما ربك بظلام للعبيد "
ولايجري ذكر العذاب إلا ويطمئن الناس الى العدل والى العذار فهو إذ يقول فى سورة البروج " إن بطش ربك لشديد "
يردفها بقوله :
" وهو الغفور الودود"
وجاء فى سورة الإسراء :
"وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"
ولئن كان أقوام مؤمنون ان الله ينتقم من الأحفاد للآثام الأجدادالغابرين ، وأن حصرم الآباء يضرس به البنون ... فالقرآن قاطع فى نفى هذا الجور المستعصى على الفهم فيقول فى سورة فاطر
"ولاتزر وازرة وزر أخرى "
ويقول فى البقرة
" تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم . ولا تسألون عما كانوا يعملون "
وهو توضيح أو تصحيح كان لامحيص عنه ، ووالا وجد العقل البشرى فى سنن الله ثلمات تزعجه وتصده عن الإيمان والتسليم ..
وكأنما بقيت بعد تلك الصفات وقفة قد يقفها عقل البشر الذين درجوا منذ آلاف السنين على التجسيم وهو تصور كل شيئ في صورة الجسم الذى له موضع محدد وأين معين .
ويأتى القرآن حاسما كل شك :
" ولله المشرق والمغرب . فأينما تولوا فثم وجه الله "
"لاتدركه الابصار وهو يدرك الأبصار . وهو اللطيف الخبير " (الأنعام )
"وإذا سألك عبادى عنى فإنى قريب أحيب دعوة الداعى إذا دعانى . فليستجيبوا لى وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون " ( البقرة )
" ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد "(ق )
ويحار البشر .فيقضى على تلك الحيرة بذلك القول الفصل :
"ليس كمثله شيئ ".
عقيدة واحدة بسيطة ،يقطع الإيمان بها الطريق على كل حيرة وخوف، ويبعث الطمأنينة فى كل نفس .
وباب هذه العقيدة المفتوح لكل إنسان ، لا يصد عنها أحد بسبب جنسه أو لونه ."قل يا أيها الناس إنى رسول الله اليكم جميعا الذى له ملك السموات والأرض ".(الأعراف)
"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل وتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم . إن الله علين خبير "(الحجرات )
وهكذا يجد كل انسان له مكانا فى ظل هذه العقيدة الإلهية . أساس من المساواة العادلة ،التي لاتفاضل معها الا بالتقوى ،تقوى الله "رب العالمين "...[/COLOR]
[/]
المفضلات