-
الملحد وتشنيعه على حد السرقة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :
فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد ، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة إذ يفتك بالإيمان و يعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يجادل في البديهيات و يجمع بين النقيضين ويفرق بين المتماثلين ،ويجعل من الظن علما و من العلم جهلا و من الحق باطلا و من الباطل حقا .
ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين والاسترسال في الوساوس الكفرية والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكون لدى الإنسان علم شرعي مؤصل .
وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل وادعاءات بلا مستند ،ورغم ضعفها و بطلانها إلا أنها قد تؤثر في بعض المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان لابد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل الإلحاد شبهة تلو الأخرى و مغالطة تلو المغالطة ودعوى تلو الدعوى حتى لا ينخدع أحد بكلامهم وشبههم .
و في هذا المقال سنتناول بإذن الله تشنيع الملاحدة على حد السرقة ودعواهم أن قطع يد السارق عقوبة وحشية فيها ضرب من القسوة التي تبعث على الاشمئزاز و تتنافى مع الإنسانية الراقية الرحيمة ، وتصيب الإِنسانِ الذي طبق عليه هذا الحد بالإِعاقةِ والبِطالة إذ يصير مقطوع اليد لا يستطيع العمل إذا كان في عمله يعتمد على يده فيصبح عالة على المجتمع ، و إذا قطع يد شخص بريء ظنا من القضاء انه سارق فلا يمكن رد يده إليه لكن في عقوبة الحبس يمكن أن يتم تعويض الشخص عنها ، و قطع يد شخص سوف يولد منه شخصا حاقدا على المجتمع و سوف يحول مشاعر الحب في قلبه تجاه الناس و المجتمع إلى مشاعر انتقام و سوف يبقى يحلم بيوم ينتقم فيه منهم ، و عقوبة قطع اليد سوف تؤثر على نظرة المجتمع للسارق حيث أنه سوف يعرفه الجميع بسبب يده المقطوعة و لن يعود يثق به أحد وقبل بيان فساد هذه الشبهة يحسن بنا ذكر بعض مفاسد السرقة .
مفاسد السرقة
للسرقة العديد من المفاسد منها :
ظلم الناس بالتعدي على أموالهم والاعتداء عليها ،وضياع أموال الناس وأكلها بالباطل ،وأخذها بغير حق وحرمان الناس من أموالهم ،وإفساد معاشهم وترويعهم ،و اضطراب أمنهم على أموالهم ،وإذا انتشرت السرقة أدت إلى إشاعة الخوف بدل الأمن والقلق بدل الطمأنينة والفوضى بدل الاستقرار .
استحقاق السارق لقطع يده التي باشر بها السرقة
من المسلم به أن عقاب أي شخص لابد أن يتناسب مع جسامة الجريمة التي ارتكبها فكلما زادت جسامة الجريمة زاد العقاب ،والسارق قد اعتدى على أموال الناس و أخذها بغير حق بغيا وظلما وحرم صاحب المال من ماله ،وأفسد على الناس معاشهم وظلمهم أشد ظلم وروعهم أشد الترويع ،وتعتبر يده أكبر مساعد له على فعله فهي آلة و أداة ظلمه وعدوانه وبطشه وسطوه فاستحق بذلك قطعها و إتلافها جزاءا وفاقا .
واللهُ – عز وجل - هو الذي مَنَحَ الإنسان اليَدَ ليكسبَ بها ويَعتاشَ ويرتزق، ولكنَه حَوَّلَها إِلى أَداةٍ للعدوان، فناسَبَ أَنْ تُقْطَع، وأَنْ تُزالَ القُوَّةُ الباغيةُ التي يَعْتَدُّ بها، ويَعْتَدي بها على الآخَرين، وهو الذي أَساءَ لنفسِه وليدِه، وهو الذي عَطَّلَها عن مهمتِها الإِيجابية، وحَولَها إِلى وسيلةٍ تخريبية، ولذلك أَدَّبَهُ اللهُ بقَطْعِها[1].
وقطع يد السارق فيه ضرب من القسوة والغلظة والعذاب نكالا له على ما اقترفه من الجرم العظيم ،وهذه القسوة التي في العقوبة سببها فعل أشد قسوة ولعظمه وعظم آثاره عظم الحد و العقاب.
وحد السرقة ليس مكافأة بل عقوبة على فعل مُجَرَم ،و لا عقوبة بلا قسوة و ألم ،و القسوة ليست شرا في كل أحوالها ،و لابد أن تشتمل العقوبة على عقاب رادع و ألم حسي أو معنوي أو الاثنين معا يزداد بزيادة جسامة الجريمة ،وإلا لما كان للعقوبة أثر في الزجر والردع .
ومن لم يبال بغلظة العقوبة وأقدم على السرقة فلا بد من إقامة الحد عليه بقطع يده لتطهير المجتمع منها كي لا يفسد باقي المجتمع كما يستأصل العضو الفاسد في جسد الإنسان كي لا يفسد باقي الجسد .
وقد يقول قائل : "إن قطع يد السارق يساوى من سرق قطعة ذهب مع من سرق ألف قطعة ، و من سرق للمرة الألف مع من يسرق للمرة الأولى " ،ويقول آخر : "إن عقاب السارق بقطع يده ليس فيه مساواة بين الجريمة والعقاب، فقد يكون المسروق ضئيلاً، ولقد حدَّ نصاب السرقة على مذهب من حده بقدر ضئيل، وهو ربع دينار أو عشرة دنانير.." ، وإن ذلك الكلام يبدو بادئ الرأي وجيهاً وهو عند الله و عند أهل الفكر والإصلاح والعدل الاجتماعي والرحمة العامة الشاملة ليس بوجيه، لأنه التماثل بين الجريمة والعقوبة ليس بشرط - لا في نظر القانونيين ولا في شريعة السماء، إلا إذا كانت العقوبة قصاصا، فإن القصاص أساسه التساوي .
وأما فيما عدا القصاص فالتساوي ليس بشرط لأن المقصد من العقوبة ليس هو المقصود من الضمان المالي، بأن يضمن المعتدي على مال غيره بقدر ما أتلف له من مال، وما ضيع له من منافع، إنما المقصود من العقوبة هو الردع، ومنع التفكير فيها من كل أمرئ تكون نفسه مستعدة لهذا الأثم، وحاله تسهل له ارتكاب ذلك الجرم، فالعقوبة إصلاح اجتماعي وتهذيب عام وزجر نفسي للآحاد و الشذاب .
ولقد نهجت القوانين الحديثة ذلك المنهاج فهي لا تنظر في جرائم السرقات ونحوها إلى مقدار المسروق بمقدار نظرها إلى نفس السارق، وما يترتب على جريمته من إشاعة للخوف وإزعاج للأمن، ولذلك تضاعف العقوبة إذا اعتاد الجريمة وتكررت منه، وقد تحكم ببضع سنين في سرقة بضعة جنيهات، والتفاوت كبير بين الجريمة والعقاب، بل تعطي الجريمة وصفاً إن ارتكبها من غير اعتياد، ووصفاً آخر إن اعتادها وألفها، فتكون العقوبة بمقدار خطر المجرم على المجتمع، وبمقدار الجرأة على الشر، ينشرها بتركه فيفسد الناس[2].
قطع يد السارق من باب ارتكاب أخف الضررين و دفع أعلى المفسدتين
لاشك أن قطع يد السارق فيه ضرر ومفسدة عليه وقد يعيقه عن العمل لكن في ترك قطعها وبقاءها سليمة شر على المجتمع ،وضرر على المجتمع ،و من أمثلة الأفعال المشتملة على المصالح والمفاسد مع رجحان مصالحها على مفاسدها قطع يد السارق فإنه إفساد لها، ولكنه زاجر حافظ لجميع الأموال فقدمت مصلحة حفظ الأموال على مفسدة قطع يد السارق [3].
وقد يقول قائل : " إن قطع يد السارق يربح المجتمع شخص معاق وعالة على غيره " والجواب أن مصلحة المجتمع مقدمة على مصلحة الفرد ،والإضرار بالسارق أحد أفراد المجتمع عن طريق قطع يده أقل ضررا ومفسدة من اضطراب أمن المجتمع ،وعيش المجتمع في رعب وذعر وقلق إثر تفشي السرقة والسراق .
وإقامة حد السرقة يحتاج لإثبات شروط و انتفاء موانع والحدود تدرأ بالشبهات ،و كما أن العَقوبة مشددة فإن أدلة الإثبات كذلك مشددة فيها ،و قطع يد السارق قطع ليد شريرة لا تعمل ولا تنتج، بل إنها يد خبيثة تعطِّل العمل والإنتاج وتضيِّع على العاملين المنتجين ثمرات أعمالهم وإنتاجهم .
وكل ذي لب يدرك أن قطع يد السارق أقل ضررا من ظهور الآثار السيئة التي تسببها السرقة في المجتمع ،ولولا عقوبة الجناة والمفسدين لأهلك الناس بعضهم بعضا، وفسد نظام العالم، وصارت حال الدواب والأنعام والوحوش أحسن من حال بني آدم[4].
ويد السارق يد خبيثة خائنة ،واليد الخائنة بمثابة عضو مريض يجب بتره ليسلم الجسم، والتضحية بالبعض من أجل الكل مما اتفقت عليه الشرائع والعقول [5].
و قطع يد السارق أهون عند الله وعند كل من يفهم حكمة شرع الله، من أن تنتهب الأموال ويسود الخوف بدل الأمن ، وترتكب الجرائم والجنايات على الأرواح في جنح ظلام الليل البهيم ، وليسأل الذين ينفذون حكم الشارع في هذا: كم جريمة سرقت أفضت إلى موت المسروق؟ وكم يد تقطع كل عام إذا أقيم حد السرقة؟ مع ملاحظة أن الحد لا يقام إلا إذا انتفت كل شبهة، كما قال عليه السلام: "أدرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم" إن نتيجة الإحصاء ستوضح لا محالة أن عدد المقطوعين بحكم الله دون من يموتون تحت سلطان الهوى وغواية الشيطان[6].
و قد يقول قائل : " إن عقوبة قطع اليد سوف تؤثر على نظرة المجتمع للسارق حيث أنه سوف يعرفه الجميع بسبب يده المقطوعة و لن يعود يثق به أحد ،وفي هذا إضرار بالغ بالسارق" ،والجواب هذا مطلوب لمزيد من الزجر والردع على جريمة السرقة ففي القطع تنفير للمجتمع من السارق كي يعتبر به غيره ، إذ يعرف كل من يرى يده المقطوعة أنه قد سرق وأقيم عليه الحد فيعتبر و يرتدع من أن يفعل مثل فعله فلا يقدم على السرقة ، و أيضا إذا علم الإنسان أن هذا الشخص قد قطعت يده بسبب السرقة فإنه سيحذر منه و يحتاط منه حتى لا يسرقه .
[1] - القرآن ونقض مطاعن الرهبان للدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي ص 382
[2] - شريعة القرآن من دلائل إعجازه لأبي زهرة ص 76
[3] - قواعد الأحكام في مصالح الأنام للعز بن عبد السلام 1/99
[4] - إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم 2/69
[5] - فقه السنة للشيخ سيد سابق 2/485
[6] - شريعة القرآن من دلائل إعجازه لأبي زهرة ص 76
طبيب
-
في قطع يد السارق ردع لمن تسول له نفسه بالسرقة
إن من تسول له نفسه بالسرقة إذا استحضر عقوبة السرقة ،وأنه إذا سرق ستقطع يده فقد يستيقظ ضميره و ويؤنب نفسه ويرجع عن السرقة ،وبذلك تكون عقوبة قطع يد السارق وسيلة لكف الناس عن الإقدام على السرقة وليرتدعوا أشد الردع فكلما اشتدت العقوبة قوى المنع ،وكم من إنسان يرتدع عن السرقة إذا علم أنه إذا سرق قطعت يده فصار في ذلك حفظ لأموال الناس .
و قطع يد السارق خير له و للمجتمع من أن يعاقب بعقوبة أخف من قطع اليد فيتجرأ بعض الناس على السرقة وتستشري السرقة في المجتمع إذ من أمن العقوبة الرادعة أساء الأدب ،ومن المعلوم أن عقوبة الجناة والمفسدين لا تتم إلا بمؤلم يردعهم، ويجعل الجاني نكالا وعظة لمن يريد أن يفعل مثل فعله، وعند هذا فلا بد من إفساد شيء منه بحسب جريمته في الكبر والصغر والقلة والكثرة[1].
وقطع اليد الذي يفضح صاحبه طول حياته ويسمه بميسم الذل والعار وهو أجدر العقوبات بمنع السرقة وتأمين الناس على أموالهم ، وكذا على أرواحهم ؛ لأن الأرواح كثيرا ما تتبع الأموال، إذا قاوم أهلها السراق عند العلم بهم[2] .
ولأن الداعي إلى السرقة في الغالب رغبة الكسب والثراء وهو داع قوي في الطباع ،ومن يسرق مرة كثير ما يتشوق إلى السرقة مرة أخرى إذا لم يجد عقاباً يردعه ويمنعه ،و من يأخذ القليل كثير ما يتدرج على سرقة الكثير ،ولذلك غلظت عقوبة السرقة لمقابلة قوة الداعي رحمة بضعاف النفوس ،وإعانة لهم على النفور من السرقة فلا يقدمون عليها فإذا أقدموا عليها بعد هذا التحذير الشديد كان العقاب شديدا .
في قطع يد السارق معاقبة له بنقيض قصده
إن السارق حينما يفكر في السرقة إنما يفكر أن يزيد كسبه بكسب غيره، فهو يستصغر ما يكسبه عن طريق الحلال، ويريد أن ينميه عن طريق الحرام ، وهو لا يكتفي بثمرة عمله فيطمع في ثمرة عمل غيره، وهو يفعل ذلك ليزيد من قدرته على الإنفاق ، أو الظهور ليرتاح من عناء الكد والعمل ، أو ليأمن على مستقبله ، فالدافع الذي يدفع إلى السرقة ويرجع إلى هذه الاعتبارات وهو زيادة الكسب أو زيادة الثراء .
وقد حاربت الشريعة الإسلامية هذا الدافع في نفس الإنسان بتقرير عقوبة القطع؛ لأن قطع اليد أو الرجل يؤدي إلى نقص الكسب؛ إذ اليد والرجل كلاهما أداة العمل أيا كان، ونقص الكسب يؤدي إلى نقص الثراء ، وهذا يؤدي إلى نقص القدرة على الإنفاق وعلى الظهور ، ويدعو إلى شدة الكدح وكثرة العمل والتخوف الشديد على المستقبل .
فالشريعة الإسلامية بتقريرها عقوبة القطع دفعت العوامل النفسية التي تدعو لارتكاب الجريمة بعوامل نفسية مضادة تصرف عن جريمة السرقة، فإذا تغلبت العوامل النفسية الداعية، وارتكب الإنسان جريمة مرة كان في العقوبة والمرارة التي تصيبه منها ما يغلب العوامل النفسية الصارفة، فلا يعود للجريمة مرة ثانية [3].
قطع يد السارق فيه قسوة هي عين الرحمة
لا ننكر أن قطع يد السارق فيه ضرب من القسوة والغلظة ،ولكن هذا الضرب من القسوة والغلظة لمصلحته ومصلحة المجتمع الذي يعيش فيه فقبل الإقدام على السرقة إذا تذكر المرء أنه ستقطع يده ربما خاف وارتدع فيمتنع عن السرقة ويكف عنها فيسلم ،ويسلم المجتمع من شره .
والتشديد في عقوبة السرقة فيه ردع لأفراد المجتمع عن اقتراف هذه الفعلة المشينة وبذلك يأمن كل فرد من أفراد المجتمع من أن تسرق أمواله فتحفظ أموال الناس وبذلك يكون إقامة حد السرقة أنفى للسرقة ويشعر كل إنسان في المجتمع بأنه مصون في ماله .
وفي قطع يد السارق صيانة للمجتمع باستئصال اليد الخبيثة منه ليدفع شرها البالغ غاية الخطورة عن المجتمع ،وفي ذلك رحمة بالمجتمع .
ومن يدعي أن قطع اليد ليس من قوانين الرحمة فقد نظر إلى الرحمة بالسارق وترك الرحمة بالمسروق ،و بين أيدينا اثنين: سارقاً ومسروقاً معتديا ومعتديا عليه جانيا ومجنيا عليه ووراء ذلك مجتمع يجب أن يسوده الأمن والأمان لا الفوضى والاضطراب والقلق، فإذا أراد ذو عقل أن يخص برحمته أحد الفريقين، أيخص برحمته من اعتدى وسرق وروع الآمنين أم يخص برحمته من اعتدى عليه، والمجتمع الذي يجب أن يبدل خوفه أمنا، ويسوده الأمان ؟
والسارق لم يرحم الناس بل ظلمهم وروعهم و اعتدى على أموالهم و أخذها بغير حق فاستحق بذلك عدم تخفيف العقوبة ،ووجوب تنفيذ الحد عليه ومن لا يرحم الناس لا يرحمه الله .
إن قانون العقل يقول: إن الرحمة تكون بمن وقعت عليهم الجريمة، وهم الآحاد والجماعة، والنكال الشديد بمن وقعت منه الجريمة، وإن النكال بهذا هو الرحمة بهؤلاء، فلينل حكم الله من جريمته ولتكن شاهد عار إلي يوم القيامة، ليرتدع من غوى ولا يضل من اهتدى، وعسى أن يكون العقاب لذنبه إن تاب وأناب[4].
[1] - إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم 2/69
[2] - تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا 6/314
[3] - التشريع الجنائي في الإسلام لعبد القادر عودة 1/653
[4] - شريعة القرآن من دلائل إعجازه لأبي زهرة ص 76
طبيب
-
مفاسد استبدال عقوبة قطع يد السارق بحبسه لمدة معينة
إن استبدال عقوبة قطع يد السارق بالحبس لمدة معينة له العديد من المفاسد والسلبيات ،ولقد لخص "عبد القادر عودة"رحمه الله عيوب عقوبة الحبس بعدة نقاط مؤيدة بالأرقام الإحصائية فذكر منها :
أولا: إرهاق خزانة الدولة وتعطيل الإنتاج فلاشك أن الدولة سوف تتحمل نفقات كبيرة لإعداد السجون وصيانتها والعناية بها، ومع ذلك فلا يزال السجناء يعانون في كثير من الدول من قلة العناية والرعاية.
ثانيا: إفساد المسجونين ويقول بهذا الصدد وكان من الممكن أن تتحمل الجماعة هذه الخسارة الكبيرة سنوياً أي نفقات هذا السجن والسجناء لو كانت عقوبة الحبس تؤدي إلى إصلاح المسجونين، ولكنها في الواقع تؤدي بالصالح إلى الفساد وتزيد الفاسد فساداَ على فساده، فالسجن يجمع بين المجرم الذي ألف الإجرام وتمرس بأساليبه، وبين المجرم المتخصص في نوع من الإجرام وبين المجرم العادي، كما يضم السجن أشخاصاً ليسوا بمجرمين حقيقين، وإنما جعلهم القانون مجرمين اعتبارا كالمحكوم عليهم في حمل الأسلحة أو لعدم زراعة نسبة معينة من القمح والشعير، وكالمحكوم عليهم في جرائم الخطأ والإهمال، إلى آخر ما ذكره رحمه الله. فحاصل ما ذكر أن السجن أصبح مدرسة إجرامية يلقن فيها المجرمون العتاة والمعتادون المبتدئين من المجرمين.
إلى أن قال: ولقد دلت المشاهدات على أن الرجل يدخل السجن لأمر لا يعتبره العرف جريمة كضبط قطعة سلاح معه، وكان المعروف عنه قبل دخوله السجن أنه يكره المجرمين ويأنف أن يكون منهم، فإذا خرج من السجن حبب إليه الإجرام واحترافه بل صار يتباهى به إلى آخر ما ذكر، وهو كلام جيد مدعم بالإحصائيات فيحسن الرجوع إليه.
ثالثا: قتل الشعور بالمسئولية: وعقوبة الحبس فوق أنها غير رادعة فإنها تؤدى إلى قتل الشعور بالمسئولية في نفوس المجرمين، وتحبب إليهم التعطل، خاصة من يقضى منهم مدة طويلة في السجن.
رابعا: انعدام قوة الردع: إن عقوبة الحبس قد فرضت على أساس أنها عقوبة رادعة ولكن الواقع قد أثبت أنها لا فائدة منها ولا أثر لها في نفوس المجرمين، فالذين يعاقبون بالأشغال الشاقة وهى أقصى أنواع الحبس لا يكادون يخرجون من السجن حتى يعودوا لارتكاب الجرائم، ولو كانت العقوبة رادعة لما عادوا، لما عوقبوا عليه بهذه السرعة ثم ذكر إحصائيات تدعم ذلك.
ومن الطريف ما ذكره بعض الكتاب أنهم في أمريكا قاموا بعرض أفلام على السجناء عن بعض المجرمين وكيف كانت نهايتهم المحزنة، وأن الجريمة لم تجرهم إلا إلى الخيبة والفشل، ثم استطلعوا آراء السجناء ليعرفوا مدى تأثرهم بهذه الأفلام وتأثيرها في سلوكهم، وكان الباحثون يتوقعون أن يعتبر السجناء بمصير المجرمين ويتعظوا، ولكن الذي حصل هو أن السجناء كانوا يركزون على البحث في نقاط الضعف في الخطط التي سلكها المجرمون، ويركزون على الأخطاء التي صدرت عنهم، وكانت سببا في القبض عليهم، فكانوا يقولون لو أن المجرم عمل كذا لنجا، ولو أنه لم يعمل كذا لما قبض عليه وهكذا، مما يدل على تأصل الروح الإجرامية في هؤلاء، وأن السجن لم يزدهم إلا عتوا وتمردا، مصادقا لما ذكره عودة رحمه الله.
خامسا: ازدياد سلطان المجرمين بعد خروجهم من السجن وتمردهم على المجتمع.
سادسا: انخفاض المستوى الصحي والأخلاقي نظرا لأن السجون ثابتة المساحة. بينما السجناء يزداد عددهم يوما بعد يوم، وبالتالي ينخفض مستوى الخدمات التي تقدم لهم.
سابعا: ازدياد الجرائم: وقد وضعت عقوبة الحبس على اختلاف أنواعها لمحاربة الجريمة ولكن الإحصائيات التي لا تكذب تدل على أن الجرائم تزداد عاماً بعد عام زيادة تسترعى النظر وتبعث على التفكير الطويل ثم أورد الإحصائيات الرسمية التي تؤيد ذلك.
ثامنا: وأمر مهم أغفله "عودة"رحمه الله ألا وهو وضع عوائل المسجونين. من ينفق عليها، ومن يقوم بشأنها، ومن يتولى تصريف شئونها وتدبير أمورها، من يغمر صغارهم بالعطف والمودة، لاشك أن أسرة السجين سوف تتعرض للضياع، وربما لحقت بوليها في ركاب الإجرام نتيجة الانحراف الذي ينجرف بها إلى الإجرام، وبسبب الحاجة الماسة وانعدام الشفقة والعطف، وربما قيل إن المجرم وجوده كعدمه في الأسرة. بل قد يكون وجوده وبالا عليها وسببا في ضلالها وانحرافها إن كان وليا لها أو مجرد فرد من أفرادها ربما قيل ذلك.
ولكننا نقول أولا : إن أكثر المسجونين والعدد الأكبر منهم ليسوا مجرمين بمعنى الكلمة كما ذكر "عودة"رحمه الله، وليست قضاياهم بالقضايا الإجرامية الخطيرة، بل قد لا تكون جريمة على الإطلاق، ولكنها مخالفة بسيطة وبالتالي فلا خوف على السجين لأنه ليس مجرما.
ثانيا: إن المجرم مهما كان متماديا في الأجرام فإنه أولى برعاية أسرته وهو أشفق عليها وأرحم بها من غيره، كما أن الحيوانات المتوحشة تعطف على أبنائها وتربيهم رغم ما فيها من القسوة والوحشية، فكذلك هذا الإنسان المجرم اللهم إلا في الجرائم الخطيرة جدا وهي قليلة نادرة فقد تقتضي المصلحة عزلة الَمجرم وإبعاده عن أسرته لألا يفسدها وهذا نادر[1].
و قد يقول قائل : " إذا قطع يد شخص بريء ظنا من القضاء انه سارق فلا يمكن رد يده إليه لكن في عقوبة الحبس يمكن أن يتم تعويض الشخص عنها فلابد من استبدال القطع بالحبس" ،والجواب أن الشرع اشترط شروطا صارمة لإثبات حد السرقة على المدعى عليه فلا يثبت حد السرقة إلا بالإقرار من السارق أو شهادة عدلين ، ، وألزم القاضي بعدم الحكم بعلمه الشخصي، بل بالقرائن الظاهرة و الأدلة المقدمة في الدعوى ، وبذلك يندر أن يحدث خطأ في الحكم،والعبرة بالغالب لا بالقليل النادر .
وإن حدث خطأ في الحكم فلا يسأل القاضي في هذه الحالة؛ لأنه حكم بمقتضى ما توفر له من أدلة ،والعقوبة بالحبس غير رادعة ولها العديد من السلبيات ،واستبدال حد السرقة بالحبس بحجة إمكانية الخطأ في الحكم ،وأن اليد لا ترد إن قطعت كمثل من يريد استبدال عملية بتر عضو لوجود ورم خبيث به يخشى تفشيه في الجسد بالدواء بحجة إمكانية خطأ الطبيب في التشخيص أو البتر .
هذا و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات
[1] - دفاع عن العقوبات الإسلامية لمحمد ناصر السحيباني 81-83
طبيب
-
طبيب
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة نيو في المنتدى استفسارات غير المسلمين عن الإسلام
مشاركات: 5
آخر مشاركة: 07-04-2023, 05:32 PM
-
بواسطة د.ربيع أحمد في المنتدى استفسارات غير المسلمين عن الإسلام
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 23-02-2016, 08:23 AM
-
بواسطة مريم في المنتدى قسم الأطفال
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 31-05-2012, 04:09 PM
-
بواسطة نسيبة بنت كعب في المنتدى شبهات حول العقيدة الإسلامية
مشاركات: 8
آخر مشاركة: 13-05-2012, 08:17 PM
-
بواسطة ابو محتسب في المنتدى المنتدى العام
مشاركات: 4
آخر مشاركة: 18-03-2010, 11:04 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات