أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ ! ( نقد أدلة النصارى في تألـيِّه السيد المسيح عليه السلام )
أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ
نقد أدلة النصارى في تألـيِّه السيد المسيح عليه السلام
مقدمة
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... اللهم يا مفتح الأبواب , ويا مسبب الأسباب , ويا دليل الحائرين , توكلت عليك يا رب العالمين , وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ,,,
أما بعد,,
فإن النصارى قد أخذوا في نشر أدلتهم التي يستدلون بها على ألوهية المسيح عليه السلام المزعومة بين المسلمين من خلال نشراتهم وكتيـباتهم التي توزع على المسلمين في العديد من المحافل , وخاصة معارض الكتاب !
وهذه النشرات والكتيبات ليس فيها أي دليل يشير من قريب أو من بعيد على ألوهية المسيح عليه السلام , بل على العكس من ذلك , فوجود نص صريح على لسان المسيح عليه السلام يقول فيه " أنا الله " أو " إعبدوني " ممتنع تمامًا .
لذا لجأوا إلى تأويل بعض النصوص المنسوبة للمسيح -عليه السلام - بلا سند أو دليل بما يوافق ما يريدون أن يروجوا له بين الناس , لكن الأمر على غير ما يتوهمون , فـتأويلهم لتلك النصوص أكبر دليل على عدم وجود نص صريح منسوب للمسيح يقر فيه بألوهيته المزعومة !
هذا ... وقد كنت قد رددت على إحدى رسائلهم التنصيرية في رسالة سميتها " قال إني عبد الله " مبينًا بطلان ما استشهدوا به من أدلة نقلية وعقلية على ألوهية المسيح المزعومة, وأُكمل في هذه الرسالة الرد على بعض النصوص التي يستدلون بها على ألوهية المسيح المزعومة والتي ورددت في كتابهم المقدس .
فالمسيح عليه السلام نطق بالعبودية وأقرها منهجًا وعقيدة في كل تعاليمه , وقد عرضتُ العديد من النصوص الكتابية في رسالة " قال إني عبد الله " تبين ذلك بجلاء , فمن شاء فليرجع إليها , فالذي رفض أن يُدعى صالحاً لأن الصلاح لله وحده كيف يَقبل على نفسه أن يكون إلهًا مع الله !
التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبيده ; 09-09-2006 الساعة 06:38 PM
يستدل المسيحيون بما اقتبسه كاتب إنجيل متَّى في الإصحاح الأول من إنجيله بنبوءة سابقة جاءت في سفر إشعياء في الإصحاح السابع ، يقول كاتب إنجيل متَّى : (( وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل : (( هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه (عمانوئيل ) الذي تفسيره الله معنا )) ( متَّى 1 : 18 – 23 ) .
وبخصوص ما جاء في سفر إشعياء من التنبؤ بعمانوئيل ، فهي ليست عن المسيح ، الذي لم يتسم بهذا الإسم أبدا ً، ولم ينادَ به إطلاقاً. والقصة في سفر إشعياء تتحدث عن قصة قد حصلت قبل المسيح بقرون ، فقد جعل الله من ميلاد عمانوئيل علامة على زوال الشر عن بني إسرائيل في عهد الملك آحاز ، وخراب مملكة راصين . يقول إشعيا: " وَحَدَثَ فِي أَيَّامِ آحَازَ بْنِ يُوثَامَ بْنِ عُزِّيَّا مَلِكِ يَهُوذَا أَنَّ رَصِينَ مَلِكَ أَرَامَ صَعِدَ مَعَ فَقْحَ بْنِ رَمَلْيَا مَلِكِ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لِمُحَارَبَتِهَا فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُحَارِبَهَا. وَأُخْبِرَ بَيْتُ دَاوُدَ: «قَدْ حَلَّتْ أَرَامُ فِي أَفْرَايِمَ». فَرَجَفَ قَلْبُهُ وَقُلُوبُ شَعْبِهِ كَرَجَفَانِ شَجَرِ الْوَعْرِ قُدَّامَ الرِّيحِ. فَقَالَ الرَّبُّ لإِشَعْيَاءَ: «اخْرُجْ لِمُلاَقَاةِ آحَازَ أَنْتَ وَشَآرَ يَاشُوبَ ابْنُكَ إِلَى طَرَفِ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا إِلَى سِكَّةِ حَقْلِ الْقَصَّارِ وَقُلْ لَهُ: احْتَرِزْ وَاهْدَأْ. لاَ تَخَفْ وَلاَ يَضْعُفْ قَلْبُكَ مِنْ أَجْلِ ذَنَبَيْ هَاتَيْنِ الشُّعْلَتَيْنِ الْمُدَخِّنَتَيْنِ بِحُمُوِّ غَضَبِ رَصِينَ وَأَرَامَ وَابْنِ رَمَلْيَا. لأَنَّ أَرَامَ تَآمَرَتْ عَلَيْكَ بِشَرٍّ مَعَ أَفْرَايِمَ وَابْنِ رَمَلْيَا قَائِلَةً: نَصْعَدُ عَلَى يَهُوذَا وَنُقَوِّضُهَا وَنَسْتَفْتِحُهَا لأَنْفُسِنَا وَنُمَلِّكُ فِي وَسَطِهَا مَلِكاً ابْنَ طَبْئِيلَ. هَكَذَا يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ: لاَ تَقُومُ! لاَ تَكُونُ! لأَنَّ رَأْسَ أَرَامَ دِمَشْقَ وَرَأْسَ دِمَشْقَ رَصِينُ. وَفِي مُدَّةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً يَنْكَسِرُ أَفْرَايِمُ حَتَّى لاَ يَكُونَ شَعْباً. وَرَأْسُ أَفْرَايِمَ السَّامِرَةُ وَرَأْسُ السَّامِرَةِ ابْنُ رَمَلْيَا. إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا فَلاَ تَأْمَنُوا». ثُمَّ عَادَ الرَّبُّ فَقَالَ لِآحَازَ: «اُطْلُبْ لِنَفْسِكَ آيَةً مِنَ الرَّبِّ إِلَهِكَ. عَمِّقْ طَلَبَكَ أَوْ رَفِّعْهُ إِلَى فَوْقٍ». فَقَالَ آحَازُ: «لاَ أَطْلُبُ وَلاَ أُجَرِّبُ الرَّبَّ». فَقَالَ: «اسْمَعُوا يَا بَيْتَ دَاوُدَ. هَلْ هُوَ قَلِيلٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تُضْجِرُوا النَّاسَ حَتَّى تُضْجِرُوا إِلَهِي أَيْضاً؟ وَلَكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ». زُبْداً وَعَسَلاً يَأْكُلُ مَتَى عَرَفَ أَنْ يَرْفُضَ الشَّرَّ وَيَخْتَارَ الْخَيْرَ. لأَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ الصَّبِيُّ أَنْ يَرْفُضَ الشَّرَّ وَيَخْتَارَ الْخَيْرَ تُخْلَى الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ خَاشٍ مِنْ مَلِكَيْهَا». يَجْلِبُ الرَّبُّ مَلِكَ أَشُّورَ عَلَيْكَ وَعَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى بَيْتِ أَبِيكَ أَيَّاماً لَمْ تَأْتِ مُنْذُ يَوْمِ اعْتِزَالِ أَفْرَايِمَ عَنْ يَهُوذَا. (إشعياء 7: 1 – 23) .
هنا نلاحظ أن قلب آحاز ملك يهوذا ارتجف لأن دولتي إسرائيل وسوريا تآمرتا عليه وعلى دولته. وكان الرب الإله مع آحاز. وأمر الربُ إشعياءَ أن يذهب هو وابنه شَآرَ يَاشُوبَ ويُطَمْئِن آحاز ملك يهوذا. ووعده الرب أنه في مدة لا تزيد عن 65 سنة تكون حلت الهزيمة بدولتي إسرائيل وسوريا.وقد أعطاه الله علامة على اقتراب تحقق النصر، وهي أن تحبل سيدة منهم بولد فتسميه "عمانوئيل" .
فكيف يزعم النصارى أن هذه النبوءة تنطبق على المسيح وأمه العذراء وهو الذي كان بينه وبين إشعيا أكثر من 700 سنة ؟!
يقول المفسرون : " هذه النبوءة ( عمانوئيل ) مذكورة في ( إش 7 : 14 ) وقد أوحى بها نحو ( 740ق.م ) " ( الكنز الجليل في تفسير الإنجيل - د. وليم أدي : تفسير إنجيل متَّى ص9 ) .
وهذا النص الذي ذكره كاتب إنجيل متَّى ، وكذا النص الذي في إشعياء ، قد تم تحريفهما عن الأصل ليصبحا نبوءة عن المسيح وأمه العذراء ، وكانت الترجمات القديمة للتوراة مثل ترجمة أيكوئلا وترجمة تهيودوشن ، وترجمة سميكس والتي تعود للقرن الثاني الميلادي ، قد وضعت بدلاً من العذراء : المرأة الشابة ، وهو يشمل المرأة العذراء وغيرها.
ويـبين هذا التحريف الحادث في ترجمة الفانديك العربية الترجمة الكاثوليكية للرهبنة اليسوعية , إذ وضعوا فيها كلمة " الصبية " بدلاً من العذراء , ومعروف أن " الصبية " قد تكون عذراء أو غيرها : " فلذلك يؤتيكم السيد نفسه آية : ها إن الصبية تحمل فتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل " .
ويعلق علماء الكتاب المقدس في الترجمة الكاثوليكية قائلين : ( إن اللفظ العبري " علمه " يدل إما على صبية , وإما على امرأة لم يمض زمن طويل على زواجها . غير أن الترجمة السبعينية اليونانية ترجمت هذا اللفظ : بـ " عذراء " . فهى شاهدة للتفسير اليهودي القديم الذي سيتبناه الإنجيل فإن متَّى ( 1/23 ) يرى هذه العبارة إشارة إلى الحبل العذري بالمسيح " ( الترجمة الكاثوليكية ص 1540 ) .
وبمعنى آخر أن كاتب إنجيل متَّى لفق النبوءة وحرف الأصل العبري لكلمة " علمه " ليشير بها إلى المسيح وأمه العذراء !
كما أن كلمة " عمانوئيل " والتي معناها " الله معنا " لا يلزمها أن يكون صاحبها المسمى بها إله , فماعية الله ليست دليلاً على ألوهية أحد , فبوجود المسيح عليه السلام بيننا مثلاً دليل على أن الله يعتني بنا ويتكفل بحفظنا وحريص على هدايتنا , ولهذا أرسل المسيح عليه السلام لنا , وهذا هو المقصود من أن الله معنا على فرض صحة النبوءة , فهو معنا بسؤاله عنا وبعدم رضائه للكفر لنا , ولهذا أرسل الرسل مبشرين ومنذرين رحمة منه بالعالمين , فالرسل أنفسهم دليل على ماعية الله بالعباد وإحاطته بأمورهم و تدبيره للخير لهم .
وإذا كان النصارى يستدلون من كلمة " عمانوئيل " أن المسيح هو الله لأن عمانوئيل معناها " الله معنا " , وجب عليهم أيضًا أن يؤمنوا أن " طوبيا " هو الله أيضًا,
ولبيان ما أعني أعرض ما جاء في مقدمة سفر " طوبيا " أحد الأسفار القانونية الثانية : (طوبيا كلمة عبرية تتكون من مقطعين ( طوب ياه ) ومعناها : الله طيب , وقد وردت هذه الكلمة في الكتاب المقدس إسمًا لأكثر من شخص )( الكتاب المقدس - الأسفار القانونية الثانية ص 17) .
أعتقد أن الأمر واضح لا مرية فيه , فكلمة " طوبيا " في معناها ( الله طيب ) أقوى من "عمانوئيل" التي معناها ( الله معنا ) للإستدلال منها على ألوهية " طوبيا " سواء كان صاحب السفر أم الذين حددهم لنا علماء الكتاب المقدس في تقديمهم للسفر , ورغم كل هذا لم يدعي أحد من اليهود أن ذلك الشخص الذي يدعى " طوبيا " هو الله الطيب يعنون بذلك أنه الإلهه !
المسلم حين تتكون لديه العقلية الاسلامية و النفسية الاسلامية يصبح مؤهلاً للجندية و القيادة في آن واحد ، جامعاً بين الرحمة و الشدة ، و الزهد و النعيم ، يفهم الحياة فهماً صحيحاً ، فيستولي على الحياة الدنيا بحقها و ينال الآخرة بالسعي لها. و لذا لا تغلب عليه صفة من صفات عباد الدنيا ، و لا ياخذه الهوس الديني و لا التقشف الهندي ، و هو حين يكون بطل جهاد يكون حليف محراب، و في الوقت الذي يكون فيه سرياً يكون متواضعاً. و يجمع بين الامارة و الفقه ، و بين التجارة و السياسة. و أسمى صفة من صفاته أنه عبد الله تعالى خالقه و بارئه. و لذلك تجده خاشعاً في صلاته ، معرضاً عن لغو القول ، مؤدياً لزكاته ، غاضاً لبصره ، حافظاً لأماناته ، و فياً بعهده ، منجزاً وعده ، مجاهداً في سبيل الله . هذا هو المسلم ، و هذا هو المؤمن ، و هذا هو الشخصية الاسلامية التي يكونها الاسلام و يجعل الانسان بها خير من بني الانسان.
تابعونا احبتي بالله في ملتقى أهل التأويل http://www.attaweel.com/vb
ملاحظة : مشاركاتي تعبر فقط عن رأيي .فان اصبت فبتوفيق من الله , وان اخطات فمني و من الشيطان
وأما ما جاء في مقدمة يوحنا : " في البدء كان الكلمة ، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان" ( يوحنا 1/1-3 ) فقد كان للمحققين معه وقفات عديدة ومهمة منها :
- ينبه العلامة ديدات في كتابه الماتع " المسيح في الإسلام " إلى أن هذا النص قد انتحله كاتب إنجيل يوحنا من فيلون الإسكندراني ( ت40م ) ، وأنه بتركيباته الفلسفية غريب عن بيئة المسيح وبساطة أقواله وعامية تلاميذه ، وخاصة يوحنا الذي يصفه سفر أعمال الرسل بأنه عامي عديم العلم ، فيقول: " فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا ، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا " ( أعمال 4/13 ) . وقد أقر بهذا أيضًا علماء الكتاب المقدس في تعليقاتهم على النص في الترجمة الكاثوليكية , إذ يقولون : ( يسمى المسيح "لوغوس" . قد يُترجم هذا اللفظ بـ " كلام " , ولكن يـبدو أننا أمام كلمة تأثرت بطرق تعبير الأدب الحكمي والدين الهلنستي ) ( الترجمة الكاثوليكية ص 289).
ويقول القس إبراهيم سعيد رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر سابقًا في شرحه لإنجيل يوحنا : (في البدء كان الكلمة . الكلمة .. ما أعمق هذا الوصف العجيب الذي وصف به المسيح هنا , إذ وصف بـ " الكلمة " وفي اليونانية " لوجوس " لقد هيأت العناية أفكار البشر لفهم هذه اللفظة " الكلمة " قبل أن نطق بها يوحنا . فالعقلية اليهودية كانت قد ألفتها من كتابات " أنقليوس " اليهودي , الذي ترجم التوراة من العبرية إلى الآرمية في القرن الثاني قبل الميلاد , وفي ترجمته استعاض عن اسم الجلالة بلفظ " ممرا " وتقابلها في العربية "الكلمة" .... أما العقلية اليونانية فقد كانت مشبعة بلفظ " لوجوس " من كتابات "فيلو" الفيلسوف الإسكندري ) .
فكيف يُستدل بنص مقتبس من كتابات الفلاسفة على ألوهية نبي من أنبياء الله ؟!
إن الناظر إلى مقدمة إنجيل يوحنا يجد الأمر لا يخرج عن علم الله الأزلي بالخلق , فمن المعلوم أن الله وحده هو الخالق . وقبل أن يخلق وحده قدَّر في علمه ما سيوجده إلى الأبد. قدَّر أن يخلق كذا في يوم كذا , وكذا في يوم كذا . كل شيء في زمانه الذي عينه له , لكن كل ما سيوجده كان عنده معلومًا . وهذا هو معنى " في البدء كان الكلمة " أي في علم الله الأزلي إيجاد المسيا في الزمن المعين له . فيكون في البدء موجودًا في علم الله لا بجسمه بل بتقدير أنه سيوجد بكلمة الله وأوامره .
وقوله : " وكان الكلمة عند الله " معناه : أن المسيا كان عند الله في علمه الأزلي لا بالجسم بل بالفكر , كقول الكتاب المقدس : " والكلام الأصلي يوجد عندي " ( أي 19 : 28 ) وكقول المسيح في إنجيل يوحنا : " بالمجد الذي كان لي عندك " ( يو 17 : 5 ) أي كان في علمك الإزلي .
وقوله : " وكان الكلمة الله " معناه : أن الله واحد , ورسوله المسيا الذي هو كلمته المخلوقة بأوامره ينوب عنه في تبليغ رسالته للناس , فيكون الله وكلمته واحد في الهدف وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد . فلو كان الكلمة هو الله من حيث الجوهر كما يعني النصارى فليفسروا لنا هذا اللوغارتم إذا ما وضعنا لفظ الجلالة محل " الكلمة " : "في البدء كان الله، وكان الله عند الله ! وكان الله هو الله، الله كان في البدء عند الله " !!
- كما ينبه ديدات في كتابه " المسيح في الإسلام " إلى أن ثمة تلاعباً في الترجمة اليونانية ، وهي الأصل الذي عنه ترجم الكتاب المقدس إلى لغات العالم.
ولفهم النص على حقيقته نرجع إلى الأصل اليوناني . فالنص في الترجمة اليونانية تعريبه هكذا : " في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله" . وهنا يستخدم النص اليوناني بدلاً من كلمة (الله) كلمة ( hotheos )، وفي الترجمة الإنجليزية تترجم ( God ) للدلالة على أن الألوهية حقيقة.
ثم يمضي النص فيقول : "وكان الكلمة الله" وهنا يستخدم النص اليوناني كلمة ( tontheos ) وكان ينبغي أن يستخدم في الترجمة الإنجليزية كلمة ( god ) بحرف صغير للدلالة على أن الألوهية مجازية، كما وقع في نص سفر الخروج "جعلتك إلهاً لفرعون" (الخروج 7/1)، فاستخدم النص اليوناني كلمة ( tontheos ) وترجمت في النص الإنجليزي( god ) مع وضع أداة التنكير( a ).
لكن الترجمة الإنجليزية حرفت النص اليوناني لمقدمة يوحنا فاستخدمت لفظة ( God ) التي تفيد ألوهية حقيقة بدلاً من ( god ) التي تفيد ألوهية معنوية أو مجازية، فوقع اللبس في النص، وهذا ولا ريب نوع من التحريف.
ولو غض المحققون الطرف عن ذلك كله فإن في النص أموراً ملبسة تمنع استدلال النصارى به على ألوهية المسيح :
أولها: ما معنى كلمة "البدء" ؟ ويجيب النصارى أي الأزل.
لكن ذلك لا يسلم لهم ، فإن الكلمة وردت في الدلالة على معانٍ منها :
- وقت بداية الخلق والتكوين كما جاء في " في البدء خلق الله السموات والأرض" (التكوين1/1).
- وترد بمعنى وقت نزول الوحي ، كما في قول كاتب إنجيل متَّى : "ولكن من البدء لم يكن هذا " (متَّى 19/8).
وقد تطلق على فترة معهودة من الزمن كما في قول لوقا : " كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء" (لوقا 1/2) ، أي في أول رسالة المسيح.
ومثله "أيها الإخوة لست أكتب إليكم وصية جديدة بل وصية قديمة كانت عندكم من البدء. الوصية القديمة هي الكلمة التي سمعتموها من البدء" ( يوحنا (1) 2/7).
ومثله أيضاً "ولكن منكم قوم لا يؤمنون.لأن يسوع من البدء علم من هم الذين لا يؤمنون ومن هو الذي يسلمه" (يوحنا6/64).
ومثله " أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتالاً للناس من البدء ولم يثبت في الحق، لأنه ليس فيه حق" (يوحنا 8/44).
ومثله " فقالوا له: من أنت؟ فقال لهم يسوع : أنا من البدء ما أكلمكم أيضاً به" (يوحنا 8/25).
وعليه فلا يجوز قول النصارى بأن المراد بالبدء هنا الأزل إلا بدليل مرجح.
ويرجح الشيخ " العلمي " في كتابه الفريد "سلاسل المناظرات" بأن المعنى هنا هو بدء تنـزل الوحي على الأنبياء أي أنه كان بشارة صالحة عرفها الأنبياء كما في (إرميا 33/14).
ثانيها: ما المقصود بالكلمة؟ هل هو المسيح؟ أم أن اللفظ يحتمل أموراً أخرى، وهو الصحيح. فلفظة "الكلمة" لها إطلاقات في الكتاب المقدس، منها الأمر الإلهي الذي به صنعت المخلوقات، كما جاء في المزامير" بكلمة الله صنعت السماوات" (المزمور 13/6).
ومثله: " وقال الله: ليكن نور فكان نور" (التكوين 1/3) و منه سمي المسيح كلمة لأنه خلق بأمر الله من غير سبب قريب، أو لأنه أظهر كلمة الله، أو أنه الكلمة الموعودة على لسان الأنبياء.
وأما المعنى الذي يريده النصارى بالكلمة، وهو الأقنوم الثاني من الثالوث، فلم يرد في كتب الأنبياء البتة.
ثالثها: " وكان الكلمة الله " غاية ما يستدل بها أن المسيح أطلق عليه: الله، كما أطلق على القضاة في التوراة " الله قائم في مجمع الله. في وسط الآلهة يقضي. حتى متى تقضون جوراً وترفعون وجوه الأشرار" (المزمور82/1)، والشرفاء في قول داود: " أحمدك من كل قلبي، قدام الآلهة أرنم لك" (138/1)، وقد قال الله لموسى عن هارون: " وهو يكون لك فماً، وأنت تكون له إلهاً " (انظر الخروج 4 /16).
رابعها: "والكلمة كان عند الله"، والعندية لا تعني المثلية ولا المساواة. إنما تعني أن الكلمة خلقت من الله كما في قول حواء: " اقتنيت رجلاً من عند الرب" (التكوين 4/1)، فقايين ليس مساوياً للرب، ولا مثله، وإن جاءها من عنده، وجاء في موضع آخر" وأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الرب" (التكوين 19/24).
قول المسيح: "أنا والآب واحد" أهم ما يتعلق فيه أولئك الذين يقولون بألوهية المسيح، وقد فهموا منه وحدة حقيقية جهر بها المسيح أمام اليهود وفهموا منه أنه يعني الألوهية.
ولفهم النص نعود فنقرأ السياق من أوله، فنرى بأن المسيح كان يتمشى في رواق سليمان في عيد التجديد، فأحاط به اليهود وقالوا :"إلى متى تعلق أنفسنا. إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً. أجابهم يسوع: إني قلت لكم ولستم تؤمنون. الأعمال التي أنا أعملها باسم أبي هي تشهد لي، ولكنكم لستم تؤمنون، لأنكم لستم من خرافي كما قلت لكم: خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني، وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحد من يدي، أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد" (يوحنا10/24-30).
فالنص من أوله يتحدث عن قضية معنوية مجازية، فخراف المسيح أي تلاميذه يتبعونه، فيعطيهم الحياة الأبدية، أي الجنة، ولن يستطيع أحد أن يخطفها منه (أي يبعدها عن طريقه وهدايته) لأنها هبة الله التي أعطاه إياها، ولا يستطيع أحد أن يسلبها من الله الذي هو أعظم من الكل، فالله والمسيح يريدان لها الخير، فالوحدة وحدة الهدف لا الجوهر، وقد نبه المسيح لهذا حين قال بأن إرادة الله أعظم من إرادته.لكن اليهود في رواق سليمان كان فهمهم لكلام المسيح سقيماً - أشبه ما يكون بفهم النصارى له -، لذا " تناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه، …لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً" . فعرف المسيح خطأ فهمهم لكلامه، واستغرب منهم كيف فهموا هذا الفهم وهم يهود يعرفون لغة الكتب المقدسة في التعبير المجازي فأجابهم: " أليس مكتوباً في ناموسكم: أنا قلت إنكم آلهة" ومقصده ما جاء في مزامير داود: "أنا قلت إنكم آلهة، وبنو العلي كلكم" (المزمور82/6).
فكيف تستغربون بعد ذلك مثل هذه الاستعارات وهي معهودة في كتابكم الذي جعل بني إسرائيل آلهة بالمعنى المجازي للكلمة؟! فالمسيح أولى بهذه الوحدة من سائر بني إسرائيل" إن قال: آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله.. فالذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم، أتقولون له إنك تجدف لأني قلت: إني ابن الله. إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي.." (يوحنا10/37)، وهكذا صحح المسيح لليهود ثم للنصارى الفهم السيء والحرفي لوحدته مع الآب.
وهذا الأسلوب في التعبير عن وحدة الهدف والمشيئة معهود في النصوص خاصة عند يوحنا، فهو يقول على لسان المسيح: "ليكون الجميع واحداً كما أنت أيها الآب في، وأنا فيك، ليكونوا (أي التلاميذ) هم أيضاً واحداً فينا.. ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد... أنا فيهم وأنت في" (يوحنا 17/20-23)، فالحلول في المسيح والتلاميذ حلول معنوي فحسب، وإلا لزم تأليه التلاميذ، فكما المسيح والآب واحد، فإن التلاميذ والمسيح والآب أيضاً واحد، أي وحدة الهدف والطريق، لا وحدة الذوات، فإن أحداً لا يقول باتحاد التلاميذ ببعضهم أو باتحاد المسيح فيهم . وفي موضع آخر ذكر نفس المعنى فقال عن التلاميذ: " أيها الأب القدوس، احفظهم في اسمك الذي أعطيتني ليكونوا واحداً كما نحن" (يوحنا 17/11).
ومثله "تعلمون أني أنا في أبي، وأنتم في، وأنا فيكم" (يوحنا 14/20). ومثله قوله:"إله وآب واحد للكل، الذي على الكل وبالكل، وفي كلكم" (أفسس 4/6).
ومثله يقول بولس: "فإنكم أنتم هيكل الله الحي، كما قال الله: إني سأسكن فيهم، وأسير بينهم، وأكون لهم إلهاً، وهم يكونون لي شعباً". (كورنثوس (2) 6/16-17). ومثله قول المسيح لتلاميذه:" أنا الكرمة، وأنتم الأغصان، الذي يثبت في، وأنا فيه، هذا يأتي بثمر كثير" (يوحنا 15/5)، أي : يحبني ويطيعني ويؤمن بي فهذا يأتي بثمر كثير.
والمعنى الصحيح لقوله: "لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب في وأنا فيه" (يوحنا 10/38) أن الله يكون في المسيح أي بمحبته وقداسته وإرشاده وتسديده، لا بذاته المقدسة التي لا تحل في الهياكل "العلي لا يسكن في هياكل مصنوعات الأيادي" (أعمال 7/48).
وقد تكرر هذا الأسلوب في التعبير عن وحدة الهدف والمشيئة في نصوص كثيرة منها قول بولس " أنا غرست، وأبلوس سقى، …الغارس والساقي هما واحد، فإننا نحن عاملان مع الله" (كورنثوس(1)3/6-9).
ومثله جاء في التوراة في وصف الزوجين "يترك الرجل أباه وأمه، ويلتصق بامرأته، ويكونان جسداً واحداً" (التكوين 2/24)، وغير ذلك من أمثلة وحدة المشيئة والهدف.
4- من رأني فقد رأى الآب
ومن أهم ما يستدل به النصارى على ألوهية المسيح قول المسيح : "الذي رآني فقد رأى الآب"(يوحنا 14/9) ولفهم النص نعود إلى سياقه.
فالسياق من أوله يخبر عن أن المسيح قال لتلاميذه: "أنا أمضي لأعد لكم مكاناً، وإن مضيت وأعددتُ لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم " وقصده بالمكان الملكوت .فلم يفهم عليه توما فقال :" يا سيد لسنا نعلم أين تذهب، فكيف نقدر أن نعرف الطريق " ، لقد فهم أنه يتحدث عن طريق حقيقي وعن رحلة حقيقية، فقال له المسيح مصححاً ومبيناً أن الرحلة معنوية وليست حقيقية مكانية: "أنا هو الطريق والحق والحياة ". (يوحنا14/1-6)، أي اتباع شرعه ودينه هو وحده الموصل إلى رضوان الله وجنته، كما في قول بطرس: " بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه. بل في كل أمة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده" (أعمال 10/34).
ثم طلب منه فيلبس أن يريهم الله، فنهره المسيح وقال له:" ألست تعلم أني أنا في الأب، والأب في، الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي، لكن الأب الحال في هو يعمل الأعمال…" (يوحنا 14/10) أي كيف تسأل ذلك يا فلبس، وأنت يهودي تعلم أن الله لا يرى، فالذي رآني رأى الآب ،حين رأى أعمال الله (المعجزات) التي أجراها على يد المسيح .
يشبه هذا النص تماماً ما جاء في مرقس :" فأخذ ولداً وأقامه في وسطهم، ثم احتضنه، وقال لهم: من قبِل واحداً من أولاد مثل هذا باسمي يقبَلني، ومن قبلني فليس يقبلني أنا، بل الذي أرسلني" (مرقس 9/37)، فالنص لا يعني أن الطفل الذي رفعه المسيح هو ذات المسيح، ولا أن المسيح هو ذات الله، ولكنه يخبر أن الذي يصنع براً بحق هذا الطفل، فإنما يصنعه طاعة ومحبة للمسيح، لا بل طاعة لله وامتثالاً لأمره.
فالرؤية هنا معنوية، أي رؤية البصيرة لا البصر، ولهذا التأويل دليل قوي يسوغه، وهو أن عيسى لم يدع قط أنه الآب، ولا يقول بمثل هذا من النصارى أحد .
ومما يؤكد أن الرؤيا معنوية أنه قال: " بعد قليل لا يراني العالم أيضاً، أما أنتم فترونني" (يوحنا 14 /19 ) فهو لا يتحدث عن رؤية حقيقية ، إذ لا يتحدث عن رفعه للسماء، فحينذاك لن يراه العالم ولا التلاميذ، لكنه يتحدث عن رؤية معرفية إيمانية يراها التلاميذ والمؤمنين , ويعمى عنها الكافر به .
ويشهد له ما جاء في متَّى : " ليس أحد يعرف الإبن إلا الأب، ولا أحد يعرف الأب إلا الإبن " (متَّى 11/27)، فهو المقصود من الرؤية المذكورة في النصوص السابقة، ونحوه قوله: "فنادى يسوع وقال: الذي يؤمن بي ليس يؤمن بي بل بالذي أرسلني. والذي يراني يرى الذي أرسلني. .. لأني لم أتكلم من نفسي، لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية، ماذا أقول وبماذا أتكلم. وأنا أعلم أن وصيته هي حياة أبدية.
فما أتكلم أنا به فكما قال لي الآب هكذا أتكلم" (يوحنا 12/ 44-51)، فالمقصود بكل ذلك رؤية المعرفة، وقوله: " والذي يراني يرى الذي أرسلني" لا يمكن أن يراد منه أن الذي رأى الآب المرسِل قد رأى الابن المرسَل، إلا إذا كان المرسِل هو المرسَل، وهو محال للمغايرة التي بينهما كما قال المسيح: "أبي أعظم مني" (يوحنا 14/28)، وقال: "أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل" (يوحنا 10/29).
ومثل هذا الإستعمال الذي يفيد الإشتراك في الحكم بين المسيح والله، والذي عبر عنه هنا بالرؤية، مثل هذا معهود في العهد القديم والجديد، ففي العهد القديم لما رفض بنو إسرائيل صموئيل " وقالوا له: هوذا أنت قد شخت، وابناك لم يسيرا في طريقك. فالآن اجعل لنا ملكاً يقضي لنا كسائر الشعوب، فساء الأمر في عيني صموئيل... فقال الرب لصموئيل: اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك، لأنهم لم يرفضوك أنت، بل إياي رفضوا " (صموئيل (1) 8/4-7)، إذ رفضهم طاعة صموئيل هو في الحقيقة عصيان لله في الحقيقة، ولذا قال: "أليس وهو باق كان يبقى لك، ولما بيع ألم يكن في سلطانك، فما بالك وضعت في قلبك هذا الأمر، أنت لم تكذب على الناس بل على الله، أليس وهو باق كان يبقى لك، ولما بيع ألم يكن في سلطانك، فما بالك وضعت في قلبك هذا الأمر.أنت لم تكذب على الناس بل على الله" (أعمال 5/4-5).
وكذا من يرى المسيح فكأنه يرى الله، ومن قبِل المسيح فكأنما قبل الله عز وجل، يقول لوقا: "من قبِل هذا الولد باسمي يقبلني. ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني " (لوقا 9/48)، وكذا من رأى الآب فقد رآني، لأنه " الكلام الذي أكلمكم به لست أتكلم به من نفسي، لكن الأب الحال في هو يعمل الأعمال…" (يوحنا 14/10).
وقوله: "أنا هو الطريق والحق والحياة" يقصد فيه المسيح الإلتزام بتعليمه ودينه الذي أنزله الله عليه، فذلك فقط يدخل الجنة دار الخلود، كما قال في موطن آخر: "يدخل ملكوت السموات بل الذي يفعل إرادة أبي" (متَّى 7 /21)، فالخلاص بالعمل الصالح والبر : " أقول لكم إنكم إن لم يزد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلوا ملكوت السموات .. ومن قال: يا أحمق، يكون مستوجب نار جهنم" (متَّى 5/20-23).
ويتأكد ضعف الإستدلال بهذا الدليل للنصارى "الذي رآني فقد رأى الآب" إذا آمنا أن رؤية الله ممتنعة في الدنيا، كما قال يوحنا: " الله لم يره أحد قط" (يوحنا 1/18)، وكما قال بولس: " لم يره أحد من الناس، ولا يقدر أن يراه، الذي له الكرامة والقدرة الأبدية " (تيموثاوس(1) 6/16)، فيصير النص إلى رؤية المعرفة , ولهذا قال المسيح لليهود في نص يـبين الأمر بجلاء : ( أنتم لا تعرفونني ولا تعرفون أبي.ولو عرفتموني لعرفتم أبي )(يوحنا 8 : 19) .
يتبع .......
التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبيده ; 13-09-2006 الساعة 01:25 AM
ويرى النصارى أن بعض النصوص تفيد حلولاً إلهياً في المسيح ، ومنها : " لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب في وأنا فيه" (يوحنا 10/38)، وفي موضع آخر " الذي رآني فقد رأى الآب ...الآب الحال في " (يوحنا 14/9-10)، وقوله "أنا والآب واحد" (يوحنا 10/30).
فهذه النصوص أفادت – حسب قول النصارى - أن المسيح هو الله، أو أن حلولاً إلهياً حقيقياً لله فيه. وقد تتبع المحققون هذه النصوص فأبطلوا استدلال النصارى بها، فأما ما جاءت من ألفاظ دلت على أن المسيح قد حل فيه الله-على ما فهمه النصارى- فإن فهمهم لها مغلوط .
ذلك أن المراد بالحلول حلول مجازي كما جاء في حق غيره بلا خلاف، ونقول مثله في مسألة الحلول في المسيح. وهو ما أشارت إليه نصوص أخرى منها ما جاء في رسالة يوحنا: "من اعترف بأن يسوع هو ابن الله، فالله يثبت فيه، وهو في الله، ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التي لله فينا، ومن يثبت في المحبة يثبت في الله، والله فيه" (يوحنا(1)4/15-16).
ومثله فإن الله يحل مجازاً في كل من يحفظ الوصايا ولا يعني ألوهيتهم ، ففي رسالة يوحنا: "ومن يحفظ وصاياه يثبت فيه، وهو فيه، وبهذا نعرف أنه يثبت فينا من الروح الذي أعطانا" (يوحنا(1) 3/24) فليس المقصود تقمص الذات الإلهية لهؤلاء الصالحين، بل حلول هداية الله وتأييده عليه.
وكذا الذين يحبون بعضهم لله : "إن أحب بعضنا بعضاً فالله يثبت فينا، ومحبته قد تكملت فينا. بهذا نعرف أننا نثبت فيه، وهو فينا". (يوحنا (1)4/12-13) .
وكما في قوله عن التلاميذ: " أنا فيهم، وأنت في" (يوحنا 14 /19)، ومثله يقول بولس عن المؤمنين: "فإنكم أنتم هيكل الله الحي، كما قال الله: إني سأسكن فيهم، وأسير بينهم، وأكون لهم إلهاً، وهم يكونون لي شعباً" (كورنثوس (2) 6/16-17) فالحلول في كل ذلك مجازي.
فقد أفادت هذه النصوص حلولاً إلهياً في كل المؤمنين، وهذا الحلول هو حلول مجازي بلا خلاف، أي حلول هدايته وتوفيقه، ومثله الحلول في المسيح.
كما تذكر التوراة حلول الله - وحاشاه - في بعض مخلوقاته على الحقيقة، ولا تقول النصارى بألوهية هذه الأشياء، ومن ذلك ما جاء في سفر الخروج : "المكان الذي صنعته يا رب لسكنك" (الخروج 15/17)، فقد حل وسكن في جبل الهيكل، ولا يعبد أحد ذلك الجبل. وفي المزامير: "لماذا أيتها الجبال المسمنة ترصدون الجبل الذي اشتهاه الله لسكنه، بل الرب يسكن فيه إلى الأبد" (المزمور 68/16).
6- قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن
ويتحدث النصارى عن المسيح الإله الذي كان موجوداً في الأزل قبل الخليقة، ويستدلون لذلك بأمور، منها ما أورده كاتب إنجيل يوحنا على لسان المسيح أنه قال: " إن إبراهيم تشوق إلى أن يرى يومي هذا، فقد رآني وابتهج بي، من قبل أن يكون إبراهيم كنت أنا " (يوحنا 8/56-58)، ففهموا منه - باطلاً – أن وجوده قبل إبراهيم يعني أنه كائن أزلي.
ويقول كاتب أنجيل يوحنا عن المسيح: "هوذا يأتي مع السحاب، وستنظره كل عين، والذين طعنوه…أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية" (الرؤيا1/7-8) أي الأول والآخر.
فهذه النصوص مصرحة برأي النصارى بأزلية المسيح وأبديته، وعليه فهي دليل ألوهيته.ويخالف المحققون في النتيجة التي توصل إليها النصارى، إذ ليس المقصود الوجود الحقيقي للمسيح كشخص، بل المقصود الوجود القدري والاصطفائي، أي اختيار الله واصطفاؤه له قديم ، كما قال بولس عن نفسه وأتباعه : " كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين" (أفسس 1/4) أي اختارنا بقدره القديم، ولا يفيد أنهم وجدوا حينذاك، وهذا الاصطفاء هو المجد الذي منحه الله المسيح، كما في قوله: "والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يوحنا 17/5)، وهو المجد الذي أعطاه لتلاميذه حين اصطفاهم واختارهم للتلمذة كما الله اختاره للرسالة "وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني" (يوحنا 17/22).ومثله عرف إبراهيم المسيح قبل خلقه، لا بشخصه طبعاً، لأنه لم يره قطعاً " فقد رآني وابتهج بي"، فالرؤية مجازية، وهي رؤية المعرفة، وإلا لزم النصارى أن يذكروا دليلاً على رؤية إبراهيم للابن.وقول يوحنا على لسان المسيح أنه قال: "من قبل أن يكون إبراهيم كنت أنا " (يوحنا 8/56-58)، لا يدل على وجوده في الأزل، وغاية ما يفيده النص إذا أخذ على ظاهره أن للمسيح وجوداً أرضياً يعود إلى زمن إبراهيم، وزمن إبراهيم لا يعني الأزل.ثم لو كان المسيح أقدم من إبراهيم وسائر المخلوقات، فإن له لحظة بداية خُلق فيها، كما لكل مخلوق بداية، وهو ما ذكره بولس: "الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة" (كولوسي 1/15)، فهو مخلوق، لكنه بكر الخلائق أي أولها، والخلق يتنافى مع الأزلية.
وممن شارك المسيح في هذه الأزلية المدعاة، ملكي صادق كاهن ساليم في عهد إبراهيم، فإن بولس يزعم أن لا أب له ولا أم، ويزعم أن لا بداية له ولا نهاية، أي هو أزلي أبدي، يقول: "ملكي صادق هذا ملك ساليم كاهن الله العلي…بلا أب، بلا أم، بلا نسب، لا بداءة أيام له، ولانهاية حياة، بل هو مشبه بابن الله، هذا يبقى كاهناً إلى الأبد" (عبرانيين 7/1-3)، فلم لا يقول النصارى بألوهية ملكي صادق الذي يشبه بابن الله، لكثرة صور التشابه بينهما ؟ بل هو متفوق على المسيح الذي يذكر النصارى أنه صلب ومات، وله أم بل وأب حسب ما أورده متَّى ولوقا، في حين ملكي صادق قد تنـزه على ذلك كله؟ ومنهم سليمان حين قال عن نفسه: "أنا الحكمة أسكن الذكاء، وأجد معرفة التدابير…الرب قناني أول طريقه، من قبل أعماله منذ القديم، منذ الأزل مسحت، منذ البدء، منذ أوائل الأرض، إذ لم يكن ينابيع كثيرة المياه، ومن قبل أن تقرر الجبال أُبدئت، قبل التلال أبدئت …" (الأمثال 8/12-25). وقول بعض النصارى أنه كان يتحدث عن المسيح لا دليل عليه , فسليمان هو الموصوف بالحكمة في الكتاب المقدس ، كما في سفر الأيام "مبارك الرب إله إسرائيل الذي صنع السماء والأرض، الذي أعطى داود الملك ابناً حكيماً صاحب معرفة وفهم، الذي يبني بيتاً للرب وبيتاً لملكه" (أيام (2) 2/12).
وكلمة "منذ الأزل مسحت" لا تدل على المسيح، إذ لفظ "المسيح" لقب أطلق على كثيرين غير المسيح عيسى ممن مسحهم الله ببركته من الأنبياء كداود وإشعيا (المزمور 45/7، وإشعيا 61/1)، فلا وجه لتخصيص المسيح بهذا اللقب. ثم إن الحكمة لم تطلق أصلاً على المسيح، ولم يختص بها، فلا وجه في الدلالة على ألوهية المسيح بهذا النص قطعاً.
وقال الرب لأرميا : ( قبلما صورتك في البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبيًا للشعوب ) ( أرميا 1 : 5). فالأزلية هنا أزلية العلم والفكر لا الوجود والجسم .
أما نصوص سفر الرؤيا والتي ذكرت أن المسيح الألف والياء، وأنه الأول والآخر، فلا تصلح للدلالة في مثل هذه المسائل، فهي كما أشار العلامة ديدات وجميع ما في هذا السفر مجرد رؤيا منامية غريبة رآها يوحنا، ولا يمكن أن يعول عليها، فهي منام مخلط كسائر المنامات التي يراها الناس، فقد رأى يوحنا حيوانات لها أجنحة وعيون من أمام، وعيون من وراء، وحيوانات لها قرون بداخل قرون…(انظر الرؤيا 4/8)، فهي تشبه إلى حد بعيد ما يراه في نومه من أتخم في الطعام والشراب، وعليه فلا يصح به الاستدلال.
ثم في آخر هذا السفر مثل هذه العبارات صدرت عن أحد الملائكة كما يظهر من سياقها، وهو قوله:" أنا يوحنا الذي كان ينظر ويسمع هذا.وحين سمعت ونظرت خررت لأسجد أمام رجلي الملاك الذي كان يريني هذا. فقال لي: انظر لا تفعل. لأني عبد معك ومع إخوتك الأنبياء والذين يحفظون أقوال هذا الكتاب.اسجد للّه. وقال لي: لا تختم على أقوال نبوة هذا الكتاب لأن الوقت قريب.. وها أنا آتي سريعاً، وأجرتي معي. أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر" (الرؤيا 22/8-13) . وليس في ظاهر النص ما يدل على انتقال الكلام من الملاك إلى المسيح أو غيره.
كما أن سفر الرؤيا هذا ظل موضع جدل بين علماء النصارى من حيث كونه وحيًا أم خرافة , جاء في مقدمة الكتاب المقدس ( الترجمة الكاثوليكية للرهبنة اليسوعية ) : "ويبدوا أن مقياس نسبة المؤَلف إلى الرسل استعمل استعمالاً كبيرًا , ففقد رويدًا رويدًا كل مؤَلف لم تثبت نسبته إلى رسول من الرسل ما كان له من الحظوة . فالأسفار التي ظلت مشكوكة في صحتها , حتى القرن الثالث , هى تلك الأسفار نفسها التي قام نزاع على صحة نسبتها إلى الرسل في هذا الجانب أو ذلك من الكنيسة . وكانت الرسالة إلى العبرانيين والرؤيا ( رؤيا يوحنا اللاهوتي ) أشد المنازعات . وقد أنكرت صحة نسبتهما إلى الرسل إنكارًا شديدًا مدة طويلة . فأُنكرت في الغرب صحة الرسالة إلى العبرانيين وفي الشرق صحة الرؤيا " ( الترجمة الكاثوليكية ص 10 ) .
واستدلال النصارى بقول كاتب سفر الرؤيا عن المسيح أنه ( البداية والنهاية ) استدلال ساقط , لأن هذه الجملة لم ترد في أقدم المخطوطات , ولذلك حذفت من الترجمات الحديثة للكتاب المقدس .
جاء في ترجمة " الفانديك " التي يُفضلها الأورثوذكس :
" وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ " ( ا تيمو 3 : 16 ) .
يعد هذا النص أحد أهم الأدلة التي يستدل بها النصارى على عقيدة التجسد الإلهي داخل البدن البشري للمسيح عليه السلام !
وبعيدًا عن مناقشة الأدلة العقلية والنقلية على سقوط هذه الهرطقة المقتبسة من الأديان الوثنية القديمة , فيكفينا أن ننقل ما جاء في الترجمة الكاثوليكية لنعرف ما هو الذي ظهر في الجسد ! :
لقد تم حذف لفظ الجلالة " الله " من النص , وهذا معناه أن الكاثوليك العرب لم يظهر عندهم الله في الجسد مثل الأورثوذكس !
ألا يكفي هذا التضارب لبطلان الإستشهاد بهذا العدد في إثبات عقيدة التجسد ؟!
فأين اختفى لفظ الجلالة " الله " في الترجمة الكاثوليكية ؟ , وما هو الذى ظهر في الجسد في الترجمة الكاثوليكية – لأن الفعل مبني للمجهول " أُظهر " - ؟ , أليس بعد حذف لفظ الجلالة " الله " أصبح الفعل المبني للمجهول " أُظهر " يعود على سر التقوى , أي أن سر التقوى هو الذى ظهر في الجسد ؟ أليست هذه حقيقة مسلم بها لا تحتاج إلى بيان ؟! , أليس إذا ظهرت تقوى الكبير المتعال في قلب الإنسان وجوارحه , إرتقى وارتفع شأن ذلك الإنسان بين البشر , وإذا كان هذا الإنسان نبيًا تقيًا , أليس بتلك التقوى يتبرر ذلك النبي في الروح وتحفظه عناية الله وملائكته وتُؤمن به الأمم ويُرفع في المجد ؟!
وإليك عزيزي القاريء خلاف آخر يثبت مدى التناقض والتضارب في الترجمات والنسخ العربية للكتاب المقدس :
الصورة السابقة تبين مدى التناقض والتضارب بين النص الإنجليزي والنص العربي ( ترجمة كتاب الحياة " عربي - إنجليزي " ) , فالنص الإنجليزي يقول : " المسيح الذي جاء إلى الأرض كإنسان " , بينما النص العربي والمفترض أن يكون ترجمة صحيحة للنص الإنجليزي جاء فيه: " وباعتراف الجميع أن سر التقوى عظيم : الله ظهر في الجسد " !
فأي محاولة خبيثة وخدعة ماكرة تلعبونها على رعاياكم البسطاء الذين لا يدرون شيئًا عما تفعلونه ؟!
وهذه طبعات إنجليزية أخرى أُضيفها تبين حقيقة الأمر :
New International Reader's Version (NIRV):
" Jesus appeared in a body…….."
New Living Translation (NLT):
" Christ appeared in the flesh……"
8- الذي هو صورة الله
ومن أدلة النصارى على ألوهية المسيح ما قاله بولس عنه: "مجد المسيح الذي هو صورة الله" (كورنثوس(2)4/4)، وفي فيلبي :"المسيح يسوع أيضاً الذي إذا كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائر في صورة الناس" (فيلبي 2/6-7) ويقول عنه أيضاً : "الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة" (كولوسي 1/15).
لكن هذه الأقوال صدرت عن بولس، ولا نراها عند أحد من تلاميذ المسيح وحوارييه، وهذا كاف لإضفاء نظرة الشك والارتياب عليها. ثم إن الصورة تغاير الذات، وصورة الله هنا تعني نائبه في إبلاغ شريعته كما قال بولس في موضع آخر عن الرجل : " فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه، لكونه صورة الله ومجده، وأما المرأة فهي مجد الرجل" (كورنثوس(1)11/7)، ومعناه أن الله أناب الرجل في سلطانه على المرأة.
كما أن كون المسيح على صورة الله لا يمكن أن يستدل به على ألوهيته، فإن آدم يشارك الله في هذه الصورة كما جاء في سفر التكوين عن خلقه: "قال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا… فخلق الإله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه" (التكوين 1/26-27).
فإن أصر النصارى على الجمع بين الصورة وألوهية المسيح فإن في الأسفار ما يكذبهم فقد جاء في إشعيا : "اجتمعوا يا كل الأمم…لكي تعرفوا وتؤمنوا بي… قبلي لم يصور إله، وبعدي لا يكون. أنا أنا الرب، وليس غيري مخلص" (إشعيا 43/9-11).
المفضلات