ما رأيكم في هذا الدليل على وجود الخالق؟
دليل الاستقراء العلمي التجريبي وفق نظرية الاحتمالات
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أفضل الخلق والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
أما بعد:
فقد وقع تحت يدي بحث حول إثبات وجود الخالق بالاعتماد على الطريقة العلمية في البحث باستخدام الاستقراء وتفسير الظواهر الكونية بالاعتماد على نظرية الاحتمالات الرياضية. وقد لفت ذلك نظري فقرأت البحث ووجدت فيه شيئا جديدا فأردت أن أضعه بين يدي القراء في المنتدى للإطلاع والحوار والمناقشة لعل في ذلك فائدة إن شاء الله.
والبحث مقتبس من كتاب " الأسس المنطقية للاستقراء " لمحمد باقر الصدر الذي قال في كلمته الأخيرة من الكتاب:
(( إن هذه الدراسة الشاملة التي قمنا بها كشفت عن الأسس المنطقية للاستدلال الاستقرائي الذي يضم كل ألوان الاستدلال العلمي القائم على أساس الملاحظة والتجربة واستطاعت أن تقدم اتجاها جديدا في نظرية المعرفة يفسر الجزء الأكبر منها تفسيرا استقرائيا مرتبطا بتلك الأسس المنطقية التي كشف عنها البحث وتبرهن الدراسة في نفس الوقت على حقيقة في غاية الأهمية من الناحية العقائدية وهي أن الأسس المنطقية التي تقوم عليها كل الاستدلالات العلمية المستمدة من الملاحظة والتجربة هي نفس الأسس المنطقية التي يقوم عليها الاستدلال على إثبات الصانع المدبر لهذا العالم عن طريق ما يتصف به العالم من مظاهر الحكمة والتدبير فإن هذا الاستدلال كأي استدلال علمي أخر استقرائي بطبيعته وتطبيق للطريقة العامة التي حددناها للدليل الاستقرائي في كلتا مرحلتيه (التوالد الموضوعي والتوالد الذاتي ) فالإنسان بين أمرين:
ـ إما أن يرفض الاستدلال العلمي ككل.
ـ وإما أن يقبل الاستدلال العلمي ويعطي للاستدلال الاستقرائي على إثبات الصانع نفس القيمة التي يمنحها للاستدلال العلمي.
وهكذا يتبرهن على أن العلم والإيمان مرتبطان في أساسهما المنطقي الاستقرائي ولا يمكن من وجهة النظر المنطقية للاستقراء الفصل بينهما.))
وأترككم مع البحث ثم بعد ذلك يكون التعقيب:
الإيمان بالله
من المساحات الأساسية التي تأثرت بالمذهب الذاتي هي البحوث العقائدية حيث استطاعت هذه الدراسة أن تبرهن على حقيقة في غاية الأهمية ولعلها هي الهدف الحقيقي الذي حاولت تحقيقه وهذه الحقيقة هي أن الأسس المنطقية التي تقوم عليها كل الاستدلالات العلمية المستمدة من الملاحظة والتجربة هي نفس الأسس المنطقية التي يقوم عليها الاستدلال على إثبات الصانع المدبر والخالق لهذا العالم عن طريق ما يتصف به العالم من مظاهر الحكمة والتدبير فان هذا الاستدلال كأي استدلال علمي أخر استقرائي بطبيعته وتطبيق للطريقة العامة التي حددت للدليل الاستقرائي في كلا مرحلتيه.
الإيمان بالله في ضوء المذهب التجريبي:
حينما بدأت التجربة تبرز على صعيد البحث العلمي كأداة للمعرفة وأدرك المفكرون أن تلك المفاهيم العامة لا تكفي بمفردها في مجال الطبيعة لاكتشاف قوانينها والتعرف على أسرار الكون آمنوا بأن الحس والملاحظة العلميين هما المنطق الأساس للبحث عن تلك الأسرار والقوانين وكان هذا الاتجاه الحسي في البحث مفيدا على العموم في تطوير الخبرة البشرية بالكون وتوسيعها إلى درجة كبيرة وقد بدأ هذا الاتجاه مسيرته بالتأكيد على أن الحس والتجربة أداتان من الأدوات التي ينبغي للعقل وللمعرفة البشرية أن تستعملهما في سبيل اكتشاف ما يحيط بالإنسان من أسرار الكون ونظامه الشامل وهذا الاتجاه الحسي يعني تشجيع الباحثين في قضايا الطبيعة وقوانين الظواهر الكونية على التوصل إلى ذلك عن طريق مرحلتين:
- مرحلة الحس والتجربة وتجميع معطياتهما.
- مرحلة عقلية وهي مرحلة الاستنتاج والتنسيق بين تلك المعطيات للخروج بتفسير عام مقبول.
ولم يكن الاتجاه الحسي في واقعه العلمي وممارسات العلماء له يعني الاستغناء عن العقل ولم يستطع أي عالم من علماء الطبيعة أن يكتشف سرا من أسرار الكون أو قانونا من قوانين الطبيعة عن طريق الحس والتجربة إلا بالعقل إذ كان يجمع في المرحلة الأولى الملاحظات التي تزوده بها تجاربه وملاحظاته ثم يوازن في المرحلة الثانية بينهما بعقله حتى يصل إلى النتيجة وكان بالإمكان لهذا الاتجاه الحسي والتجريبي في البحث عن نظام الكون أن يقدم دعما جديدا وباهرا للإيمان بالله سبحانه وتعالى بسبب ما يكشفه من ألوان الاتساق ودلائل الحكمة التي تشير إلى الصانع الحكيم غير أن العلماء الطبيعيين بوصفهم علماء طبيعة لم يكونوا معنيين بتجلية هذه القضية التي كانت ولا تزال مسألة فلسفية حسب التصنيف السائد لمسائل المعرفة البشرية وقضاياها.
وهذا يعني أن المادية والإلهية معا قد اتفقتا على تجاوز النطاق الحسي الذي دعت تلك النزعات المادية المتطرفة إلى التقيد به وأصبح من المعقول أن تتخذ المعرفة مرحلتين: مرحلة لتجميع معطيات الحس والتجربة ومرحلة لتفسيرها نظريا وعقليا وإنما الخلاف بين المادية والإلهية على نوع التفسير الذي تستنتجه عقليا في المرحلة الثانية من معطيات العلم المتنوعة فالمادية تفترض تفسيرا ينفي وجود صانع حكيم، والإلهية ترى أن تفسير تلك المعطيات لا يمكن أن يكون مقنعا ما لم يشتمل على الإقرار بوجود صانع حكيم وسنعرض فيما يلي نمطين من الاستدلال على وجود الصانع الحكيم سبحانه يتمثل في كل منهما معطيات الحس والتجربة من ناحية وتنظيمها عقليا واستنتاج أن للكون صانعا حكيما من خلال ذلك.
النمط الأول: نطلق عليه الدليل الفلسفي.
النمط الثاني: نطلق عليه اسم الدليل العلمي أو الاستقرائي.
وقبل أن ندخل في الحديث عنهما يجب أن نتساءل ما هو الدليل الفلسفي؟ وما الفرق بينه وبين الدليل العلمي؟ وما هي أقسام الدليل؟ إن الدليل ينقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
1- الدليل الرياضي 2- الدليل العلمي 3- الدليل الفلسفي.
1- الدليل الرياضي: هو الدليل الذي يستعمل في مجال الرياضيات البحتة والمنطق الصوري الشكلي ويقوم هذا الدليل دائما على مبدأ أساسي وهو مبدأ عدم التناقض القائل إن ( أ ) هي ( أ ) ولا يمكن أن لا تكون ( أ ) فكل دليل يستند إلى هذا المبدأ وما يتفرع عنه من نتائج فقط يطلق عليه اسم الدليل الرياضي وهو يحظى بثقة من الجميع.
2- الدليل العلمي: هو الدليل الذي يستعمل في مجال العلوم الطبيعية ويعتمد على المعلومات التي يمكن إثباتها بالحس أو الاستقراء العلمي إضافة إلى مبادئ الدليل الرياضي.
3- الدليل الفلسفي: هو الدليل الذي يعتمد لإثبات واقع موضوعي في العالم الخارجي على معلومات عقلية والمعلومات العقلية هي المعلومات التي لا تحتاج إلى إحساس وتجربة إضافة إلى مبادئ الدليل الرياضي وهذا لا يعني بالضرورة أن الدليل الفلسفي لا يعتمد على معلومات حسية واستقرائية وإنما يعني أنه لا يكتفي بها بل يعتمد إلى جانب هذا أو بصورة مستقلة عن ذلك معلومات عقلية أخرى في إطار الاستدلال على القضية التي يريد إثباتها ولربما تساءل البعض عن إمكانية الاعتماد على المعلومات العقلية أي على الأفكار التي يوحي بها العقل بدون حاجة إلى إحساس وتجربة أو استقراء علمي؟ فالجواب هو نعم لما تقدم من أن هناك في معلوماتنا ما يحظى بثقة الجميع كمبدأ عدم التناقض الذي تقوم عليه كل الرياضيات البحتة وهو مبدأ يقوم إيماننا به على أساس عقلي وليس على أساس الشواهد والتجارب في مجال الاستقراء.
يتبع بإذن الله
المفضلات