احتفال التونسيين باعياد الميلاد..
التقليد والبحث عن فسحة أمـل
تونس ـ يو بي أي: مع اقتراب موعد عيدي الميلاد ورأس السنة من كل عام ترتفع وتيرة الحركة التجارية في تونس، وتتزايد زحمة التسوق، حيث يتسابق الاباء علي شراء الهدايا لاطفالهم، فيما يزداد الطلب علي الحلويات والورود بما فيها شجرة الميلاد.
وعلي الرغم من ان المجتمع التونسي مسلم هوية وانتماء، واجواء عيد الميلاد بعيدة كل البعد عن ثقافته، فان المواطن التونسي يحرص مع ذلك علي ايلاء اهمية خاصة للاحتفال بالسنة الميلادية.
ولئن تعددت اشكال الاحتفال بهذه المناسبة وتنوعت باختلاف واقع الفئات الاجتماعية وامكانياتها المادية، فان ما تشهده التجمعات التجارية الكبري من حركة نشيطة، وما تقوم به الفنادق والمطاعم من اعلانات متنوعة لبرامجها الاحتفالية، تؤكد ان اغلب العائلات التونسية تحتفل بهذا العيد الذي يشكل فرصة اضافية للتجارة والسياحة والمرح في آن واحد.
وبحسب المدرس التونسي عبد الفتاح الذي وقف امام شجرة ميلاد عملاقة وسط واحد من اهم مراكز التسوق في منطقة لافييت بتونس العاصمة، زينت بابهي زينة، ورصعت باضواء كثيرة تذكر بدون شك بالصورة النمطية لعيد الميلاد في الغرب، فان عيد الميلاد هو عيد هام في العالم خاصة بحكم تزامنه مع عيد رأس السنة الجديد .
وقال لـ يونايتد برس انترناشيونال انه تعود علي الاحتفال بهذه المناسبة منذ ان كان طالبا في فرنسا بدون ان يؤثر ذلك علي هويتي كمسلم ، لانه يعتبر ان هذه المناسبة ترمز الي الفرح والتفاؤل بالمستقبل.
ويري ان احتفال التونسي بهذه المناسبة غير مرتبط ببعد ديني، وهو ما تؤكده فاطمة التي تعمل بائعة في متجر لبيع اكسسوارات الزينة في شارع الحرية وسط تونس العاصمة والتي قالت انظر هذه الحركة وهذا الاقبال علي ادوات زينة شجرة الميلاد العادية، ادوات الزينة لا ترتبط بشعائر دينية لها صلة بالمسيحية .
وتضيف ان المواطن التونسي عادة ما يحتفل بهذه المناسبة من خلال تنظيم السهرات العائلية مع الاصدقاء حيث تطهي الاطعمة الشهية خصوصا الملوخية حتي يكون العام اخضر، بينما هناك من يفضل السهرات الصاخبة في الفنادق او المطاعم .
وقال بائع الورد محمد ان هذه الفترة من العام تزدهر تجارته، حيث يقبل التونسي علي شراء باقات الورود، واشجار الميلاد التي عادة ما يبيعها الي الفنادق والمطاعم والشركات، وكذلك ايضا الي بعض المواطنين الذين يرون في ذلك تعبيرا حقيقيا عن استقبال عام جديد.
وأضاف في الماضي كان يقبل علي شراء شجرة الميلاد التي يبلغ ثمنها حوالي 50 دينار (37 دولارا) اشخاص معينون، اما الآن فالكثيرون يعتبرونها رمزا للاحتفال بالعام الجديد، ومظهرا من مظاهر وداع عام انتهي واستقبال عام جديد شعاره الامل والطموح.
وبالمقابل هناك في تونس من لا يروق له الاحتفال بعيد رأس السنة الميلادية، ويري في ذلك استسلاما لغزو ثقافي وحضاري وديني، حيث يقول محمد صالح الذي يعمل استاذا للتربية الاسلامية باحد المعاهد الثانوية بتونس، انه كان يأمل لو اهتم المواطن التونسي اكثر بعيد رأس السنة الهجرية بدل تقليد الغرب واللهث وراء عاداته وتقاليده.
وقال ليونايتد برس انترناشيونال ان الاحتفال بهذه المناسبة لا يمت بصلة الي ثقافتنا وتاريخنا العربي والاسلامي، وهو يعكس انسلاخا حضاريا بالنسبة لاولئك الذين يبالغون في تقليد الغرب وصولا الي الاصرار علي شراء الديك الحبشي علي سبيل المثال، وكأن عدم اكل الديك سيحول عامه الجديد الي جحيم .
الي ذلك، يري الخبير في علم النفس الدكتور سليم العنابي ان الانتماء اللاشعوري الي حضارتين، والبحث اللاشعوري عن الفرح وراء احتفال التونسي برأس السنة الميلادية .
واعتبر في تصريح نشر الجمعة ان هناك جملة من الاسباب المتشابكة التي جعلت سلوك التونسي علي هذا النحو مع بداية كل عام جديد، وهي اسباب تتراوح بين التاريخي والثقافي والنفسي يتزاحم فيها الوعي واللاوعي وطلب النفس للفرح كحاجة ملحة لمواصلة الحياة .
وبين هذا الرأي وذاك، لاشك ان الاحتفال بعيد السنة الميلادية يبقي بالنسبة الي غالبية الشعب التونسي فسحة امل، ومحاولة لابقاء التفاؤل قائما من خلال استقبال عام جديد بغض النظر عن طبيعة الاحتفال اكان عاديا او مبالغا فيه.
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 24 ديسمبر 2005)
المفضلات