بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
(( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ )) [الحديد:27]
ابتدع النصارى نظام غريب فى الحياة يسمى الرهبنة لم يكتبها الله سبحانه وتعالى عليهم ولم يأمرهم بها ولكنهم رفضوا كل ما انعم الله به عليهم فى الحياة الدنيا !!!
هذه الرهبانية تفصل علنيا وواقعيا بين الدين والواقع، وبين الدين والحياة، فوضعت المسيحية المحرفة الإنسان بين طريقين لا خيار له فيهما: إما أن تدخل في ملكوت الله، فتذهب إلى الدير تتعبد عبادة صارمة مقننة، يشرف عليها رجال غلاظٌ شداد، يبتدعون ما شاءوا، ويفرضونه بالقوة: كذا كذا ترنيمة، وكذا كذا ترديده، وكذا من العشاء الرباني... إلخ!!!!
وغيرها من الخرافات التي يُملُونها على دينهم ، ومن أراد الدنيا فليطرد من ملكوت الله؛ لأنه يريد الدنيا -ويريد التزاوج، وهو أمر ترفع عنه المسيح ويترفع عنه رجال الكنيسة- فمن يريد ان يحرث الأرض ويتكاثر فليعلم ان هذا شغل دنيوي حقير، فالرجل الذي يعبد الله يأتيه الرزق وهو في الدير، تأتيه الهبات، وتأتيه الصدقات!!!!!
فللوجود الإنساني في هذه الأرض غاية سامية أرادها الخالق سبحانه منذ أن اختار الإنسان للقيام بالمهمة العظمى "الخلافة في الأرض"، وحمله مسئولية عمرانها بالصلاح والخير، وحتى لا ينسى الإنسان الغاية من وجوده، ولتقوم عليه الحجة أمام خالقه، جعل الله تعالى تلك الغاية جزءا من تكوينه.
(( فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)) [الروم:30]
ولكنهم رفضوا هذا التكوين الأنسانى الذى فطرهم الله سبحانه وتعالى عليه واعلنوا الثورة على أداميتهم فنزلوا الى أسفل المراتب فأغواهم الشيطان وضلوا الطريق فنسوا الغاية من وجودهم ورفضوا تعمير الأرض ورفضوا التكاثر والتزاوج يتصورون هذه الغاية على غير حقيقتها، فضلت أعمالهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
ومع أن الرهبانية بدعة بشرية مشتركة بين أديان عديدة فأننا نلاحظ أن للرهبانية النصرانية ظروفاً وأسباباً قوية جدا هى التى أدت الى ايجادها وبروزها بهذا الشكل حتى أصبحت أبرز مظاهر الدين الكنسي على مر العصور
ومن اقوال القديس أثناسيوس:
((لأن الشياطين إذ عرفت ضعفها حرّضت البشر قديماً على أن يحارب بعضهم بعضاً، لئلا يلتفتوا إلى محاربة الشياطين إن كفّوا عن محاربة أنفسهم. أما الذين يتتلمذون للمسيح فإنهم لا يحاربون بعضهم بعضاً بل يتجنّدون ضد الشياطين بأخلاقهم الفاضلة وأعمالهم المجيدة فيهزمونها ويهزأون بالشيطان رئيسها، لهذا نجدهم فى شبابهم يكبحون جماح أنفسهم وفى التجارب يحتملون وفى الأتعاب يثابرون وإن شُتِموا يصبرون وإن صُلِبوا يستخفّون بالأمر والمدهش أنهم يحتقرون حتى الموت وفى سبيل المسيح يستشهدون))!!!
وللرهبانية فى المسيحية اسباب وهى كالأتى:
1- عقيدة الخطيئة الأصلية الموروثة:
وكما نعلم هى إحدى التعاليم الكبرى في المسيحية المحرفة، وملخصها أن آدم عليه السلام أكل من الشجرة "شجرة المعرفة!" فعاقبه الله بالطرد من الجنة وأسكنه التراب، وظل الجنس البشري في أغلال تلك الخطيئة سنوات طويلة، حتى أنزل الله ابنه -(تعالى الله على ذلك علواً كبيراً) ليصلب فداءً للنوع الإنساني، وليبين للناس طريق الخلاص من هذه الخطيئة، فأصبح لزاماً على الإنسان أن يقتل نفسه لمنحها الخلاص
يقول إنجيل متى : 'من أراد أن يخلص نفسه يهلكها' [85] .
ويقول إنجيل لوقا : 'من طلب أن يخلص نفسه يهلكها ومن أهلكها...'[86] .
ولما كانت المرأة -حسب رواية سفر التكوين- هي التي أغرت الرجل بالأكل من الشجرة، فإن النصرانية المحرفة أعلنت العداء على المرأة باعتبارها أصل الشر ومنبع الخطيئة في العالم، لذلك فإن عملية الخلاص من الخطيئة لا تتم إلا بإنكار الذات وقتل كل الميول الفطرية والرغبات الطبيعية !!!والاحتقار البالغ للجسد وشهواته لا سيما الشهوة الجنسية.
ومن ناحية أخرى تولد عن الشعور المستمر بالخطيئة أن قنط كثيرون من رحمة الله، فلا يكاد أحدهم يقترف كبيرة حتى تظلم الدنيا في عينيه، ويثأر من نفسه بإرغامها على الالتحاق بأحد الأديرة والمترهبين فيه.
2- رد الفعل المتطرف للمادية اليهودية الجشعة و الرومانية النهمة:
فقد بعث الله عبده ورسوله المسيح بين ظهراني فئتين يربطهما رباط التهالك على الدنيا، والتفاني في سبيل ملذاتها، والعبودية الخانعة لشهواتها، هما: قومه اليهود أجشع بني أدم وأشدهم تعلقاً وتشبثاً بالحياة، ومستعمروهم الروم الغارقون إلى آذانهم في مستنقع الحياة البهيمية وأوكار الشهوات الدنسة، فكان المسيح عليه السلام - بأمر الله - يعظهم بأبلغ المواعظ، ويذكرهم بالآخرة أعظم تذكير، ويضرب لهم الأمثال المتنوعة، ويقص عليهم القصص المؤثرة، كل ذلك لكي يرفعهم من عبودية الدنيا إلى عبادة الله، ويفتح عيونهم على ما ينتظرهم في العالم الآخر من الأهوال، فيحسبوا له الحساب، وآمن بالمسيح قوم تأثرت أنفسهم، واتعظت قلوبهم بما سمعوا منه، لكنهم مع مرور الزمن ورد فعل منهم للضغط المادي عليهم، غلوا وشطوا فى تفكيرهم حتى خرجوا عن حدود ما يأمرهم به الوحي وتمليه الفطرة السوية، ونسبوا إلى المسيح أنه أمر الغني أن يتجرد من أمواله، ويحمل الصليب ويتبعه، وقال:
((مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله ))
وأنه أوصى تلاميذه قائلاً: 'لا تقتنوا ذهباً ولا فضةً ولا نحاساً في مناطقكم، ولا مزوداً للطريق، ولا ثوبين، ولا أحذية، ولا عصاً'.!!!
3- الأثر الذى خلفته الفلسفات والديانات الوثنية :
كان العالم في العصر الواقع بين وفاة المسيح ومبعث محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعيش فترة من انقطاع الوحى، وكان يحتاج إلى دين حقيقى لم تستطيع المسيحية المحرفة أن تسد هذه الفجوة فاستبدت الحيرة والضلال بكثير من ذوي التفكير العميق والإحساس المرهف، فابتكروا، أو اعتنقوا، فلسفات تنم عن التذمر والتهرب من الحياة، وتقوم على التأمل والاستغراق في عالم ما وراء المادة، وخير مثال لذلك الفلسفة الرواقية .
وكان إلى جانب ذلك وثنيات قاتلة تقهر الجسد على حساب الروح وتقدس اليأس والتقشف، كـالبوذية والبرهمية والديانة الجينية وغيرها
ولما كان بولس - محرف المسيحية الأكبر - يعرف هذه الفلسفات والوثنيات وكان متأثراً بآرائها فقد لقح بها ديانته الوضعية وأدخلها في صلب مسيحيته، ثم توارثها الأتباع من بعده، ومن اقتباسات بولس النظرة المتشائمة إلى الحياة الدنيا ومتاعها.
وقد أثرت هذه الاعتقادات وما اقتبسته المسيحية المحرفة منها في رواج الرهبانية وشيوعها في القرون التي تلت المسيح.
يقول صاحب "معالم تاريخ الإنسانية ": 'كانت الأديرة موجودة في العالم قبل ظهور المسيحية ، وفي الفترة التي ألمَّ فيها الشقاء الاجتماعي باليهود، قبل زمان يسوع الناصري، كانت طائفة من النساك الأسينيين تعيش منعزلة في مجتمعات وهبت نفسها لحياة تقشفية من الوحدة والطهر وإنكار الذات، كذلك أنشأت البوذية لنفسها مجتمعات من رجال اعتزلوا غمرة الجهود العامة والتجارة في العالم ليعيشوا عيشة التقشف
ونشأت في زمن مبكر جداً من تاريخ المسيحية حركة مشابهة ففي مصر على وجه الخصوص، خرجت حشود كبيرة من الرجال والنساء إلى الصحراء، وهناك عاشوا عيشة عزلة تامة، قائمة على الصلوات والتأملات، وظلوا يعيشون في فقر مدقع في الكهوف أو تحت الصخور على الصدقات التي تقذفها إليهم الصدفة من أولئك الرجال الذين يتأثرون بقداستهم' .
4- الأوضاع الاجتماعية القاسية:
كان المجتمع الروماني مجتمعاً طبقياً ظالماً، تكدح فيه قطاعات ومجموعات كبيرة لصالح أفراد قلائل، وكان سكان المستعمرات خاصة يعانون البؤس وشظف العيش إلى جانب الظلم والطغيان، فقنط كثيرون من الحياة، ورأوا أن خير وسيلة للتخلص من خدمة الأسياد والحصول على العيش ولو كفافاً، هو دخول الأديرة حيث ينفق عليهم من تبرعات المحسنين وأوقاف الكنيسة، ويذكر صاحب كتاب "قصة الحضارة " أن الآلاف من الشباب كانوا يدخلون الأديرة فراراً من الخدمة العسكرية التي فرضها الرومان"
فما هو نظام الرهبانية:
يتضمن نظام الرهبانية شروطاً لا بد من تحقيقها في الراهب منها:
1- العزوبية:
وهو أهم شروط الرهبانية، إذ لا معنى للرهبانية مع وجود زوجة، ومعلوم أن المسيح عليه السلام، لم يتزوج
وينسب إنجيل متى إلى المسيح قوله: 'يوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات من استطاع أن يقبل فليقبل'[91] .
على أن التنفير من المرأة وإن كانت زوجة، واحتقار وترذيل الصلة الجنسية وإن كانت حلالاً هى من أساسيات المسيحية المحرفة، حتى بالنسبة لغير الرهبان!!
فيقول " سان بونافنتور " أحد رجال الكنيسة: 'إذا رأيتم امرأة فلا تحسبوا أنكم ترون كائنا بشرياً، بل ولا كائناً حياً وحشياً، وإنما الذي ترون هو الشيطان بذاته والذي تسمعون هو صفير الثعبان' [92] .
وكان من المشاكل المستعصية على الكنيسة مشكلة زواج رجال الدين غير الرهبان
(كانت الكنيسة منذ زمن بعيد تعارض زواج رجال الدين بحجة أن القس المتزوج يضع ولاءه لزوجه وأبنائه في منزلة أعلى من إخلاصه للكنيسة).... (وأنه سيحاول أن ينقل كرسيه أو مرتبته لأحد أبنائه، يضاف إلى هذا أن القس يجب أن يكرس حياته لله وبني الإنسان، وأن مستواه الأخلاقي يجب أن يعلو على مستوى أخلاق الشعب وأن يضفي على مستواه هذه المكانة التي لا بد منها لاكتساب ثقة الناس وإجلالهم إياه ' لذلك لابد من تطليق زوجات المتزوجين منهم، وكان لهذا الأمر آثار امتدت إلى القرن السادس عشر وانتهت بانتصار الكنيسة' .
2- التجرد الكامل عن الدنيا:
ويعنى ذلك: العزلة النهائية عن المجتمع، وقطع النظر عن كل أمل في الحياة، والرضا من الرزق بالكفاف، وعدم الاهتمام بالمطالب الجسدية حتى الضروري منها كالملابس والنظافة، وإذا كانت المسيحية المحرفة تأمر الأفراد العاديين باحتقار الحياة وتعده من أولى الواجبات، فبديهي أن تكون معاملة الراهب أقسى وأشد.
يقول صاحب كتاب " المشكلة الأخلاقية والفلاسفة ": 'لنقرأ هذا السفر الطريف
(محاكاة المسيح) إنه سفر من أكبر أسفار التبتل المسيحي ولنطلب بين صحائفه مظاهر الحياة المسيحية بمعناها الصحيح، وأن ما نجده هو احتقار أساسى لكل علم، حتى يشمل ذلك علم الإلهيات، واحتقار أصيل لكل ما نسميه خيرات هذا العالم: الثراء والشرف الاجتماعي، حتى التوسط فى الأشياء يحتم علينا أن نستشعر دائماً التواضع والندم!!
يجب أن نقتل فينا كل ميول دنيوي!! يجب أن يموت عالم الرغبة، يجب أن نبدأ من هذا العالم الزائل ما سوف يُكوِّن لنا الوجود الأبدي'!!!
3- العبادة المتواصلة:
يفرض نظام الحياة الرهبانية على الراهب أن يكون في حالة عبادة مستمرة يمليها عليه الأب، ولا يستطيع التردد في الطاعة، بل عليه أن يجهد نفسه ويرهفها ويكلفها ما لا تطيقه من الصلوات والصيام والتراتيل والترانيم وسائر الطقوس، وإذا سئم من ذلك أو قصر في شيء منه فإن للنظام عقوباته الرادعة... ولنأخذ نموذجاً لذلك تعاليم القديس "كولمبان " الذي أسس الأديرة في جبال الفوج بـفرنسا ، ومن تعاليمه: " يجب أن تصوم كل يوم، وتصلي كل يوم، وتعمل كل يوم وتقرأ كل يوم، وعلى الراهب أن يعيش تحت حكم أب واحد ".
"ويجب أن يأوي إلى الفراش وهو متعب يكاد يغلبه النوم وهو سائر في الطريق، وكانت العقوبات صارمة أكثر ما تكون بالجلد: ستة سياط إذا سعل وهو يبدأ ترنيمة، أو نسي أن يقلم أظافره قبل تلاوة القداس، أو تبسم أثناء الصلاة، أو قرع القدح بأسنانه أثناء العشاء الرباني ".
" وكانت اثنا عشر سوطاً عقاب الراهب إذا نسي أن يدعو الله قبل الطعام، وخمسون عقاب المتأخر عن الصلاة، ومائة لمن يشترك في نزاع، ومائتان لمن يتحدث من غير احتشام مع امرأة.
وأقام " كولمبان " نظام الحمد الذى لا ينقطع، فقد كانت الأوراد يتلوها بلا انقطاع ليلاً ونهاراً طائفة بعد طائفة من الرهبان (( يوجهونها إلى عيسى ومريم والقديسين)) !!!
4- التعذيب الجنوني:
وكما هي طبيعة البدع فلقد ادى ذلك إلى تصرفات جنونية تشمئز لها الفطرة السليمة، ابتدعها بعض الرهبان ليعبروا عن قوة إيمانهم وعمق إخلاصهم لمبدئهم .
(وروى المؤرخون من ذلك عجائب فحدثوا عن الراهب ماكاريوس أنه نام ستة أشهر في مستنقع ليقرض جسمه العاري ذباب سام!!! وكان يحمل دائماً نحو قنطار من حديد
وكان صاحبه الراهب يوسيبيس يحمل نحو قنطارين من حديد...، وقد أقام ثلاثة أعوام في بئر نزح !!!
وقد عبد الراهب يوحنا ثلاث سنين قائماً على رجل واحدة ولم ينم ولم يقعد طوال هذه المدة!! فإذا تعب جداً أسند ظهره إلى صخرة!!
وكان بعض الرهبان لا يكتسون دائما، وإنما يتسترون بشعرهم الطويل ويمشون على أيديهم وأرجلهم كالأنعام!! وكان أكثرهم يسكنون في مغارات السباع والآبار النازحة والمقابر، ويأكل كثير منهم الكلأ والحشيش، وكانوا يعدون طهارة الجسم منافية لنقاء الروح ويتأثمون عن غسل الأعضاء وأزهد الناس عندهم وأنقاهم أبعدهم عن الطهارة وأوغلهم في النجاسات والدنس يقول الراهب اتهينس : إن الراهب أنتوني لم يقترف إثم غسل الرجلين طوال عمره !!! وكان الراهب أبراهام لم يمس وجهه ولا رجله الماء خمسين عاماً!!! وقد قال الراهب الإسكندري بعد زمان متلهفاً: واأسفاه، لقد كنا في زمن نعد غسل الوجه حراماً، فإذا بنا الآن ندخل الحمامات"
وهناك راهب منعزل اخترع درجة جديدة من الورع يربط نفسه بسلسلة إلى صخرة في غار ضيق .!!!!
وأما القديس كولمبان فـ(كانت السناجب تجثم على كتفيه، فتدخل في قلنسوته وتخرج منها" وهو ساكن.
نتائج الرهبانية:
من سنن الله في الكون أن كل مبدأ أو نظام لا يساير الفطرة البشرية فإن مصيره إلى الخسران والفناء، ومصير أتباعه شقاء مطبق وضياع مرير، لا يستطيع أحد أن يأتي بدين يوائم الفطرة إلا خالقها جل شأنه، ولذلك كان المبتدعون وواضعو المذاهب البشرية أكثر شيء إساءة إلى الجنس البشري.
وما من شك في أن الرهبانية ليست من فطرة الإنسان ولا من غايات وجوده، بل هي على النقيض من ذلك، ولهذا لم يأمر بها الله ولم يشرعها
(( وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا)) [الحديد:27]
فهي بدعة حتى بالنسبة للذين تطوعوا بإلزام أنفسهم بها مدفوعين بالحرص على رضاء الله، فما بالك بها بعد أن انخرط في سلكها الفساق وطلاب الدنيا؟
يقول رئيس دير كلوني: إن بعض رجال الدين في الأديرة وفي خارجها يستهترون بابن العذراء استهتاراً يستبيحون معه ارتكاب الفحشاء في ساحاته نفسها، بل في تلك البيوت التى أنشأها المؤمنون الخاشعون لكي تكون ملاذاً للعفة والطهارة في حرمها المسور، لقد فاضت هذه البيوت بالدعارة حتى أصبحت مريم العذراء لا تجد مكاناً تضع فيه الطفل عيسى" !!!!
لقد أدى التزمت والغلو في الدين ومناقضة الطبع السوي والفطرة السليمة إلى نتيجة عكسية تماماً، وأصبحت الأديرة مباءات للفجور والفسق تضرب بها الأمثلة في ذلك، وقد وصل الحال بنصارى الشرق -وربما كانوا أكثر حياءا وأشد تمسكاً- إلى حد أن المستهترين من الخلفاء والشعراء المجان كانوا يرتادون الأديرة كما يرتاد رواد الدعارة اليوم بيوت العهر، وألفوا في ذلك كتباً منها كتاب "الديارات " المعروف لدى دارسي الأدب العربي.
هذا بالنسبة للمترهبنين، أما الفرد المسيحى فقد ضعفت ثقته بالدين، وتزعزعت في نفسه القيم والأخلاق الدينية، كيف لا وهو يرى خصيان الملكوت ومثَّال الطهر يغرقون في الفجور وينالون من المتع الجسدية ما لا يمكنه بلوغه؟!!!
أما الغيورون منهم فقد اتخذوا ذلك ذريعة للانشقاق عن الكنيسة، وتكوين فرق دينية جديدة لها أديرة خاصة تبدأ أول الأمر نظيفة، لكنها لا تلبث أن تعود فتسقط فيما سقط فيه أسلافها، كل ذلك كان في الفترة التي لا تزال قبضة الكنيسة فيها قوية، ونفوذها صلباً، لكن المرحلة التى شهدت ضعف سلطانها فيما بعد شهدت رد فعلٍ طاغياً ضد أغلال الكنيسة وقيودها مما جعل بذور الفلسفات الإباحية، والحركات غير الأخلاقية تنمو نمواً مطرداً، وصُحِّح الرأي القائل بأن "المسيحية نفاق منظم كما اتهمتها أجيال عديدة من النقاد العقليين المرة تلو الأخرى" وأنها "لم تكن عند أكثر الناس غير ستار رقيق يخفي تحته نظرة وثنية خالصة إلى الحياة"
الحمد لله على نعمة الأسلام وكفى بها نعمة
المراجع :
1- موقع فضيلة الشيخ الدكتور / سفر الحوالى
2- الاناجيل : متى و مرقص ولوقا .
3- ويلز 3: 730، 732، وانظر: حياة المسيح للعقاد، ص:46 .
90. ج (14، ص 15).
91. 19: 13.
4-أشعة خاصة بنور الإسلام: 29 .
5- قصة الحضارة
6- تاريخ أوروبا في العصور الوسطى: 2: 152 .
7- ولم يذكر المؤلف اسم كاتب السفر(سفرمحاكاةالمسيح) ، وقد علم الشيخ / سفر الحوالى بعد البحث أنه الراهب أوغسطين، انظر: سلسلة تراث الإنسانية: (2/ 649).
8-كتاب ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين: 168.
9- معالم تاريخ الإنسانية: 732.
11- كتبه أبو الحسن السابشتي، وطبع مؤخراً بتحقيق "كوركيس عواد".
12- تاريخ العالم: 4/ 330.
المفضلات