كتاب هل تنبأ الكتاب المقدس عن نبي آخر يأتي بعد المسيح؟ - القمص عبد المسيح بسيط
فصل 4: مَنْ هو النبي المثيل لـ موسى؟
1- يقيم لك الرب إلهك نبى مثلك:
تنبأ موسى النبي، في سفر التثنية قبل موته قائلًا: " يُقِيمُ لكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لهُ تَسْمَعُونَ. حَسَبَ كُلِّ مَا طَلبْتَ مِنَ الرَّبِّ إِلهِكَ فِي حُورِيبَ يَوْمَ الاِجْتِمَاعِ قَائِلًا: لا أَعُودُ أَسْمَعُ صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِي وَلا أَرَى هَذِهِ النَّارَ العَظِيمَةَ أَيْضًا لِئَلا أَمُوتَ، قَال لِيَ الرَّبُّ: قَدْ أَحْسَنُوا فِي مَا تَكَلمُوا. أُقِيمُ لهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلكَ وَأَجْعَلُ كَلامِي فِي فَمِهِ فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ. وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الذِي لا يَسْمَعُ لِكَلامِي الذِي يَتَكَلمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ" (تثنية18/15-19) (انظر نص السفر هنا في موقع الأنبا تكلا).
ويرى بعض الكتّاب من الأخوة الأحباء المسلمين، بعد أنْ حذفوا الآيتين الأولى والثانية من النبوّة، واكتفوا فقط بالآيات التي تبدأ بقوله " أُقِيمُ لهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلكَ"، أنّ النبي المقصود في هذه النبوّة هو نبي المسلمين وليس الربّ يسوع المسيح. وقد بنوا نظريتهم على الافتراضات التالية:
(أ) أنَّ الإخوة المقصودين في عبارة " مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ " هم العرب بنو إسماعيل (1). فقد كان إسماعيل هو ابن إبراهيم البكر وأخو إسحق والذى وُعد بأنْ يكون أمّة عظيمة، وبالتالي تعني عبارة " إِخْوَتِهِمْ " العرب. فقد كان إسماعيل وإسحق أبناء الوالد نفسه إبراهيم، إذن فهما أخوان، وهكذا فإنَّ أبناء أحدهما هم إخوة لأبناء الآخر.
(ب) أن الله سيضع كلامه في فم النبي الموعود، "وَأَجْعَلُ كَلامِي فِي فَمِهِ" وهو إشارة إلى أنَّ ذلك النبي الذي ينزل عليه الكتاب سيكون أميًا حافظًا للكلام (2) والملاك وضع الكلام في فم نبي المسلمين فقد " نزل جبريل بالقرآن الكريم على قلب محمد ليكون من المنذرين" (3) أليس هذا تصديق لنبوّة موسى " وأجعل كلتمي في فمه"!! وأيضًا " أنَّ أسلوب الكلام وطريقة نطقه وجمله وكلماته وحروفه كلها من كلام الله سبحانه وتعالى باللفظ والمعنى. فالقرآن... هو الكتاب الوحيد الذي ينطبق عليه هذه الصفة" (4).
(1) أنظر كتاب " إظهار الحق"، للشيخ رحمة الله الهندي: ج2 ص199و200.
(2) المرجع السابق ص 201.
(ج) وقال البعض مستشهدين بما جاء في تثنية (34/10)؛ " وَلمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيل مِثْلُ مُوسَى الذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهًا لِوَجْهٍ"، وقد نقلها كاتب إظمار الحق " ولم يقم بعد ذلك" (ج2ص202)، مضيفًا كلمة " ذلك"، كما نقلها بعض القدماء مُحرّفة هكذا " لايقوم فى بني إسرائيل نبي مثل موسي"!!(5)، لتوحي بأنَّه لن يخرج من بني إسرائيل نبي مثل موسى!! وبالتالي يكون المقصود هو نبي المسلمين وليس المسيح الذي جاء من بني إسرائيل!! وقالوا " لو كان المراد بها المسيح لقال: أقيم لهم نبيًا من أنفسهم" (6)!!
(د) ويضعون بعض المماثلات بين موسى ونبي المسلمين وهي كالآتي(7):
1- كان لكل منهما والدان (أب وأم)، أمَّا المسيح فله أمّ وليس له أب بشريّ.
2- وُلد كلٍّ منهما ولادة عاديّة بالأسلوب الطبيعيّ، ولكن المسيح خُلق بالقدرة الإلهيّة المميّزة.
3- كل منهما تزوّج وأنجب ذريّة وكان له عائلة، أما المسيح فلا.
(3) أنظر " ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد " لأحمد ديدات، دار المنار ص 36 و37.
(4) " هيمنة القرآن المجيد على ما جاء في العهد القديم والجديد " د. مهما محمد فربد من 71 و72.
(5) كتاب " هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى " لابن قيم الجوزية (691-751ه) دار القرآن ص 71. ونقلت هكذا في " هل بشر الكتاب المقدس بمحمد " ebnmaryam عن التوراة السامرية. أنظر " التوراة السامرية " ترجمة أبو الحسن اسحق الصوري نشرها وعرف بها د. أحمد حجازي السقا (ص 242).
(6) المرجع السابق ص 71.
(7) أنظر " إظهار الحق " ج2: 203، " ماذا يقول الكتاب المقدس عن محمد " لأحمد ديدات ص 21-33، وكتاب " أشهد للمسيح ويشهد معي المسيح " أحمد أبو الخير ص 217و218.
4- بدأ كلٍّ منهما رسالته النبوية في سنّ الأربعين، أما المسيح فقد بدأ رسالته في سنّ الثلاثين. وهذا خطأ واضح لأنَّ موسى النبي دعاه الله في سن ال80 سنة. فقد قضى أربعين سنة في قصر فرعون " وَلَمَّا نُبِذَ إتَّخَذَتْهُ اِبْنَةُ فِرْعَوْنَ وَرَبَّتْهُ لِنَفْسِهَا اِبْنًا. فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ وَكَانَ مُقْتَدِرًا فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَال، وَلَمَّا كَمِلَتْ لَهُ مُدَّةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً خَطَرَ عَلَى بَالِهِ أَنْ يَفْتَقِدَ إِخْوَتَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ" (أعمال الرسل7/21-22)، وأربعون سنة أخرى في سيناء قبل أنْ يُكلّمه الله " وَلَمَّا كَمِلَتْ أَرْبَعُونَ سَنَةً ظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ فِي بَرِّيَّةِ جَبَلِ سِينَاءَ فِي لَهِيبِ نَارِ عُلَّيْقَةٍ" (أعمال الرسل7/30)!!
5- كان كل منهما مُسَلّمًا به كنبي من قبل شعبه، وحتّى اليوم، على الرغم من أنهما عانيا الكثير. أمّا المسيح فقد رفضه اليهود برمتهم على مدى ألفي سنة!!
وهنا وقعوا في خطأين، الأوّل هو قولهم أنَّ محمدًا كان مسلما به كنبي من شعبه، فقد رفضه العرب معظم أيام دعوته واتهموه بأنه رجل مسحور " إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلًا مَّسْحُورًا" (الإسراء47)، وبأنه شاعر مجنون " وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ" (الصافات36)، وقالوا عن قرآنه إنه أساطير الأولين " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا" (الفرقان4، 5).
والخطأ الثاني هو قولهم أنَّ اليهود برمتهم رفضوا المسيح!! وهذا غير صحيح لأنَّ جميع الذين انضموا للمسيحية ونشروها في السنوات العشر الأولي للمسيحية كانوا من اليهود الذين آمنوا بالمسيح، سواء في فلسطين أو في بقية دول حوض البحر المتوسط. فقد آمن في أوّل عظة للقديس بطرس بعد حلول الروح القدمن حوالي ثلاثة آلاف نفس " فَقَبِلُوا كَلاَمَهُ بِفَرَحٍ وَاعْتَمَدُوا وَانْضَمَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ نَفْسٍ" (أعمال الرسل 2/41).
6- كان كل منهما نبيًا وزعيمًا وقادا معارك حربية وكان لهما السلطة التنفيذية في إصدار حكم الموت وتنفيذه، أمَّا المسيح فقد كان من فئة الأنبياء الذين لاحول لهم ولا قوّة في مواجهة المواقف العسيرة(8)!! وعندما حوكم المسيح أمام بيلاطس قال " مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هَذَا اَلْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا اَلْعَالَمِ لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى اَلْيَهُودِ. وَلَكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا" (يوحنا18/36). ومن ثم فهو لا يشبه موسي!!!!!!
ومن الواضح أنّ هذا الكاتب لا يفهم إلا لغة العنف والقوة الحربية!! فالمسيح واجه أصعب المواقف بقدرة إلهية لايملكها أحد سواه!! ولو استخدم فيها القوة لسالت الدماء ومات المئات وترمّلت المئات من النساء وتيتّم الآلاف من الأطفال!! فعندما حاول أهل الناصرة طرحه من على الجبل لم يقاوم ولم يستخدم أيّة قوّة ماديّة " فَقَامُوا وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى حَافَّةَِ الْجَبَلِ الَّذِي كَانَتْ مَدِينَتُهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِ حَتَّى يَطْرَحُوهُ إِلَى أَسْفَلُ، أَمَّا هُوَ فَجَازَ فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى" (لوقا4/29-30)، ولما حاولوا رجمه يقول الكتاب " فَرَفَعُوا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. أَمَّا يَسُوعُ فَاخْتَفَى وَخَرَجَ مِنَ اَلْهَيْكَلِ مُجْتَازًا فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى هَكَذَا" (يوحنا8/59). فهل كان المسيح لاحول له ولاقوّة، كما يزعمون؟!! أم كان هو القوى ولكنه الوديع المحب الذي لم يأت ليُهلك بك ليُخلّص، كقوله " لأَنَّ اِبْنَ اَلإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ اَلنَّاسِ بَلْ لِيُخَلِّصَ" (لوقا9/56).
المفضلات