[TR]
المـــــــــــوقف الرابع
وهذا صفوان بن أمية- رضي الله عنه-، قُتل أبوه في بدر، وامتلأ قلبه حقدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو يومئذ على الشرك)، اتفق مع أحد المشركين اسمه عمير بن وهب، وابن عمير هذا كان مأسورًا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فاتفق معه صفوان على أن يذهب عمير، إلى النبي صلى الله عليه وسلم بزعم أنه يريد أن يفتدي ابنه، ثم يختلي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعلاً، أخذ عمير رمحه، وسمّمَ سن الرمح؛ حتى لا تكون هناك فرصة للنجاة، وأتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورآه سيدنا عمر والشر في عينيه، وكان عمر محدثًا- أي كان كأنه ينزل عليه الوحي- فأمسك بتلابيب عمير وقال: أي عمير عدوّالله، ما جاء بك إلا شر، وأخذه إلى رسول الله صلىالله عليه وسلم قال: "دعه يا عمر، ما جاء بك يا عمير؟"، قال: جئت أفتدي هذا الأسير الذي بين أيديكم- أي يفتدي ابنه- قال صلى الله عليه وسلم: "اصدقني القول يا عمير"، قال: هو ما أقول يا محمد، قال: "يا عمير، ألم تجلس أنت وصفوان عند حجر الكعبة فقال لك كذا وقلتَ له كذا؟" فقال: والله ما كان معنا أحد!! وما أخبرك إلا الله، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وانقلب هذا العدو مؤمنًا برسول الله صلى الله عليه وسلم...
|
[/TR]
الشاهد أن صفوان بن أمية ظلَّ على حقده وعلى غيظه يجمع الجموع ويحارب، حتى لما فتحالله مكة، وجاء وجهاء مكة بين يدي رسولالله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه، كان الذي في قلب صفوان أعظم من أن يعتذر لرسولالله- صلىالله عليه وسلم- فترك مكة وخرج منها فارًّا بنفسه لا يريد أن يلقى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، إلى هذا الحد امتلأ قلبه حقدًا على الرسول صلى الله عليه وسلم، وجاءت امرأة صفوان فاستأمنت له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت له: يا رسول الله، أطلب منك الأمان لصفوان، قال: "هو آمن"، فذهبت إليه، وكان قد ركب البحرَ مهاجرًا، فنادته فجاء، وظل صفوان في مكة على كفره، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى غزوة حنين، وكان يحتاج إلى أسلحة (سيوف ودروع وسهام..) وصفوان عنده منها الكثير، فقال: "يا صفوان، أعرني بعض أسلحتك"، قال: أعارية مستردة؟ أم غصب؟، قال: "بل عارية مستردة"- وذلك لأن رسولالله صلى الله عليه وسلم أعطاه الأمان-، ورجع النبي صلى الله عليه وسلم منتصرًا، ورد إلى صفوان أسلحته، فنظر صفوان ورأى غنمًا بين جبلين- أي واديًا مليئًا بالأغنام- ونظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى صفوان ورأى في عينيه أنه يحب أنه لو كان له هذا المال، فقال: "يا صفوان، أتحب أن يكون هذا لك"، قال: نعم، قال: "هو لك"، ثم جعل يُعطيه، ويعطيه، ويعطيه، حتى تغيّر هذا القلب الذي أكله الحقد إلى الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول صفوان: فما زال يعطيني حتى إنه صار أحب إليّ من نفسي.
هذا القلب الكبير، أيستحق أن تعُقه البشرية وأن تسيء إليه؟!!
المفضلات