جندي أمريكي يعتنق الإسلام في العراق
تقارير مترجمة :عام :السبت 11 صفر1427هـ – 11 مارس 2006م
ريان ماكروسين ـ كريستيان ساينس مونيتور
ترجمة: زينب كمال
مفكرة الإسلام: قرر الرقيب 'مات فيرنانديز' الذي قدم من مدينة أوكلاند بولاية كاليفورنيا الأمريكية اعتناق الإسلام بعد أن قضى وقتًا مع المدنيين العراقيين خلال تأديته للخدمة العسكرية في العراق.
وترجع قصة إسلامه إلى شهر يناير من عام 2004, عندما كان هناك سبعة من الجنود الأمريكيين مستلقين على أرض أحد الشوارع تحت شمس العراق الحارقة, ولعلمهم بتزايد المقاومة العراقية هناك, بدا هؤلاء الجنود مثل حيات متأهبة للانقضاض على فريستها.
وفجأة انتفض أعضاء الفرقة الذين كانوا مكلفين بالقيام بدورية حراسة بالموصل, من رقادهم وأشهروا مدافعهم لدى رؤيتهم إحدى السيارات التي أقبلت مسرعة. تقدموا إلى الأمام على جانبي ذلك الطريق ذي الاتجاهين ملوحين بمدافعهم في إشارة للسائق بالتوقف، ولاحظ قائد المجموعة, الرقيب مات فيرنانديز القادم من أوكلاند, أن السائق لا يلقي بالاً للجنود, ولذا توجه مباشرة تجاه السيارة.
ولما وجد الجنود أن ذلك الشخص لم يتوقف وأنه من المحتمل أن يقوم بمهاجمتهم, قام الجنود بإطلاق العديد من الطلقات التحذيرية على الطريق أمام السيارة, إلا أنهم اضطروا في نهاية الأمر إلى إطلاق النار على السائق.
واتضح أن الرصاصات التي قام فيرنانديز بإطلاقها قد اخترقت الزجاج الأمامي للسيارة وغاصت في الحبل الشوكي لذلك السائق العراقي، وبعد مرور عدة لحظات, شاهد فيرنانديز ـ البالغ من العمر23 عامًا ـ صدر الرجل الذي أغرقته الدماء وهو يعلو ويهبط في محاولة مستميتة للتنفس. وفاضت روح قائد السيارة, الذي بدا في منتصف العمر, أمام ناظري الرقيب، واتضح أنه كان يعمل سائق سيارة أجرة ولكنه كان يقود سيارة خاصة.
وقال فيرنانديز في حوار حديث أجري معه في مدينة أوكلاند: 'لقد كنت غاضبًا وقتها.. ثم يحدث نفسه: ’لماذا لم يتوقف مباشرة عندما أمرناه بذلك‘؟ وأضاف فيرناند: 'لقد كنت محبطًا لأنني لم أكن أرغب في أن أفعل ذلك. لم أرد أن أضطر لأن أزهق روحًا دون مبرر'.
وقد اعتنق فيرنانديز الإسلام بعد الفترة الأولى من الفترتين اللتين قضاهما في العراق، ففي شهر مارس عام 2003 , تم إرسال فيرناند مع الفرقة 82 المحمولة جوًا من قاعدة 'فورت براج' العسكرية بولاية نورث كارولينا الأمريكية, إلى المملكة العربية السعودية بهدف غزو العراق. وعندما بدأت الحرب في نفس الشهر, كان المناط بتلك الفرقة أن تدخل إلى العراق وتسيطر على مطار بغداد الدولي. ولكنهم تورطوا لعدة أسابيع في المستنقع العراقي جنوب البلاد.
وفيما تعد أشد معاركه ضراوة, والتي نشب القتال فيها بين فرقة فيرنانديز والقوات العراقية المنتشرة على جانبي نهر الفرات في السماوة, انبطح فيرنانديز أرضًا ممسكًا بمدفعه وقام بإطلاق النار على العراقيين الذين يحتمون بالمنازل الواقعة على ضفتي النهر كي يمكّن رفاقه من عبور الجسور.
وعند نقطة ما, قام فيرناند بتسلق شرفة أحد المنازل الخالية, معرضًا نفسه لنيران العدو, وذلك كي يتمكن من الوصول لموقع أفضل لإطلاق النار.
يقول فيرنانديز: 'لقد كانت الرصاصات تتطاير حولنا, وكانت قريبة جدًا... 'رصاصات العراقيين' كانت تترك أثرًا على الجدران, ولكن لحسن الحظ لم يصبنا أي منها على الإطلاق'.
ومكافأة له على هذه المناورات, تم منح فيرنانديز ميدالية الجيش التقديرية, كما حصل على وسام الشجاعة, ما ساعده على التقدم ليحصل على ترقية ويصل لرتبة رقيب في شهر سبتمبر عام 2003.
وبعد أن اخترقت الفرقة تلك المنطقة التي احتشدت بها المقاومة, توغل الأمريكيون أكثر داخل العراق, حيث لقي فيرناند أطفالاً ثائرين يندفعون بأعداد هائلة نحو الجنود.
وصرح فيرنانديز أنه لم يدرك ما تحمله قلوب العراقيين إلا بعد أن قام باقتحام منازل العراقيين في أثناء نوبات المراقبة التي كان يقوم بها بالقرب من بغداد خلال فترة خدمته الأولى هناك. وفي أحد جولات المراقبة قام الجنود بتحويل الطابق العلوي لأحد المنازل العراقية إلى برج للمراقبة حيث يمكن أن يساعدوا من خلاله دوريات الحراسة على القيام بعملها, كما يسمح بإجراء مسح شامل للطرق العراقية الرئيسة التي يقوم رجال المقاومة بزرع القنابل بها.
لقد كان الجنود يطرقون أبواب العراقيين ليلاً ويقدمون لهم بطاقات عليها عبارات مكتوبة بالعربية توضح مهمتهم في العراق. ويمكن أن يقضي الجنود عدة ساعات في منازل العراقيين في المرة الواحدة.
ويقول فيرناند بأن مهمته كقائد فرقة كانت عبارة عن قياس نبض العراقيين في المنطقة المحيطة به. وبناءً على هذا قام فيرنانديز بإقامة علاقات ودية مع المدنيين واستخلص منهم معلومات يمكنه استخدامها في التخطيط لهجمات أو القيام بدوريات في المنطقة.
ويقول مات فون, أحد الأعضاء بفرقة فيرنانديز, والذي لا يزال بالعراق عن الرقيب: 'كان صادقًا ومهذبًا ومحترمًا بصفة دائمة'. وأضاف: 'لقد كان يسعى هنا وهناك إلى تعلم أية عبارة عربية. وبهذه الطريقة يمكنه أن يزيد قليلاً من اتصاله بهم'.
ويقول فون: إن الشعب العراقي ظل مسالمًا أثناء محاولات فيرنانديز لجس نبضه. وعلى الرغم من أن الجميع كانوا يتجنبون التطرق إلى السياسة في كلامهم كما لو أنها ألغام شفهية, إلا أنهم كانوا يتحدثون مع الرقيب عن أسرهم وعن الجنود الآخرين وعن عقيدتهم. بل إن الأسر العراقية كانت تقوم بإعداد الشاي للجنود أو تدعوهم لتناول العشاء لديها.
وقال فيرنانديز: 'أول مرة أقوم بجولة في المنطقة المحيطة بي كانت أول تجربة لي مع المسلمين'. وأضاف: 'طوال العام بأكمله الذي قضيته هناك... كنت متأثرًا للغاية بحسن ضيافتهم'.
وعاد فيرنانديز من جولته الأولى بالعراق في شهر يناير لعام 2004 وقد علم أثناء زيارته إلى مدينة ليتيتزبولاية بنسيلفانيا الأمريكية أن والده, جيري فيرنانديز, الذي كان فيما مضى كاثوليكيًا مخلصًا, قد اعتنق الإسلام.
وعندما علم الرقيب بنبأ إسلام والده لم يغضب, بل استمع بهدوء إلى ذلك المحارب الفيتنامي وهو يخبره كيف أشعل ذهابه 'فيرنانديز الابن' إلى العراق فضوله عن العقيدة الإسلامية لأنه تأثر, مثلما فعل ولده, بالكرم وحسن الضيافة الذي يتمتع به المسلمون. فقد كان لوالد جيري فيرنانديز صديق فاضل من المسلمين وكان قد تولى تربيته 'جيري فيرنانديز' لمدة صغيرة عندما كان لا يزال في فترة المراهقة.
ويقول فيرنانديز الأب: 'إنني مضطر إلى أن أفهم كل هذا؛ لأن كل ما أسمعه هو هذا الإرهابي الإسلامي, ذلك الإرهابي الإسلامي'.
لقد استفز هذا فضول الابن, وقصر تركيزه على الإسلام عن طريق توجيه مزيد من الأسئلة لوالده, ومن خلال قراءته عن العقيدة الإسلامية. بل إنه ذهب إلى المسجد الذي يصلي به والده وتحدث مع الإمام عن الإسلام.
لقد تحول فيرنانديز إلى الإسلام في غضون شهر واحد فقط بعد أن اجتذبته ـ ولو بصورة جزئية ـ حقيقة أن القرآن ـ على خلاف الإنجيل - لم يتم تنقيحه من قبل مطلقًا. والآن أصبح فيرنانديز واحدًا من المسلمين الملتزمين.
وظن فيرنانديز الأب أن علاقات ولده مع العراقيين لعبت دورًا في تحول ابنه السريع إلى الإسلام, على الرغم من أن ابنه قلّل من تأثير هذا الأمر على إسلامه.
يقول جيري فيرنانديز: 'يدرك الناس الأمور ويتفهمونها من خلال قلوبهم قبل عقولهم. إن قلوبنا تتأثر عاطفيًا عن طريق الأحاسيس والمشاعر, ثم تأتي بعد ذلك العقول'.
ولكن فيرنانديز الابن لا يبدو من ذلك النوع الذي يسرع إلى المضي في ذلك الطريق المحفوف بما يهدد علاقته مع غيره من الجنود. ففي الحوار الذي أجري معه, أعطى فيرنانديز, مع ضخامة بنيانه, ووجهه الحليق بعناية وشعره القصير للغاية صورة للجندي الصارم.
يقول جون بونيكتر ـ أحد رفقاء فيرنانديز بالغرفة ـ: إن فيرنانديز كان لديه نزعة إلى الدين, حتى قبل ذهابه إلى العراق. لقد كان رفاقه يسعون إلى الراحة عن طريق التسكع في الحانات, وهو ما لم يكن يفعله فيرنانديز. لقد كان يحتفظ بزجاجتين من الخمر في ثلاجته لعدة أشهر كما لو أنه كان يختبر قدرته على السيطرة على نفسه. وأثناء العطلات الأسبوعية كان فيرنانديز, بدلاً من حضور الحفلات, يذهب لتلقّي دروس أو يتطوع للعمل في إحدى حظائر الحيوانات.
وصرح بونيكتر قائلاً: 'لم تكن لديّ الرغبة في هذا ـ الذهاب إلى المدرسة ـ لأننا كنا نعمل طوال النهار, بشكل يومي'. وأضاف: 'لقد كنت أريد أن أستريح في أيام الإجازات, ولكن مات لم يكن كذلك. كان ينهض من نومه ويذهب إلى المدرسة. لقد كان متحمسًا للغاية'.
وعلى الرغم من أن فيرنانديز لا يمانع في الإدلاء بكل ما لديه من أفكار عن الإسلام إذا ما سأله أحد, إلا إنه لم يكن ليبادر بفتح الموضوع من تلقاء نفسه. فقد أخبر فيرنانديز والدته بأمر إسلامه تدريجيًا, كما أنه لم يفصح مطلقًا عن أمر اعتناقه الإسلام في أول لقاء أجراه معه أحد الصحفيين.
بونيكتر نفسه لم يكتشف الأمر إلا عندما استمع إلى شريط يتحدث عن تعاليم القرآن ذات مرة عندما كان يركب سيارة فيرنانديز. وسرعان ما ذاع الأمر بين الجنود.
وقال بونيكتر: 'أعتقد أنني شعرت بالصدمة في أول الأمر، فقد كان لسان حالي: ’ما الذي تفكر فيه بحق الجحيم؟‘ ولكني ندمت على قول هذا بعد ذلك، وكنت أريد أن أعتذر له، فبعد كل الذي مررنا به معًا، لم أكن أود أن نتشاجر حول شيء مثل ذلك‘'.
وعندما عاد فيرنانديز ثانية للعراق في شهر ديسمبر عام 2004 للمساعدة في تمهيد الطريق لإجراء انتخابات الحكومة الانتقالية التي كان من المقرر إجراؤها في شهر يناير, لم يكن يرغب في حدوث أية مشكلات غير ضرورية مع العراقيين.
ويقول فون ـ أحد زملائه بالفرقة ـ إنه على الرغم من كل هذا, صار العديد من العراقيين إخوة له في الإسلام. وفي هذه المرة, كان فيرنانديز يكمن للعراقيين, أثناء دوريات المراقبة, ليفاجئهم بأمر إسلامه, وكان يؤدي الصلاة معهم أيضًا. وبعد الانتهاء من المعارك صباحًا, كان فيرنانديز كثيرًا ما ينسى نفسه أثناء مطالعته للكتب الإسلامية, وخاصة تلك التي تتحدث عن سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
لم تكن قراءات فيرنانديز تمنحه فقط الشعور بالأمن والطمأنينة بعد المعارك, بل إنها كانت تساعده على تسكين جروحه التي تنجم من سوء معاملة بعض رفاقه للمسلمين والتعليقات التي يطلقونها عن الإسلام.
يقول فيرنانديز: 'في رأيي أن موقف الجنود الأمريكيين من عامة الشعب كان أكثر سوءًا. كما تعلم كانوا يشعرون بالحنق والمرارة من العراقيين'.
يقول بونيكتر: 'كان من الممكن أن يكون هذا أمرًا طبيعيًا إذا كان بعض الجنود قد ذاقوا الأمرّين من العراقيين'.
وأضاف: 'أعلم أنه ليس جميعهم كذلك, ولكن عندما يقوم اثنان من العراقيين بإطلاق النار عليك, فإنك لن تميل إلى حبهم بهذا القدر'.
وعلى الرغم من أن فيرنانديز قال: إن نشأته, التي كانت تركز على التسامح, قد حمته من الشعور بالكراهية تجاه العراقيين, إلا أن الأشياء الصغيرة التي يفعلها الجنود الأمريكيون والتي تستخف بالعراقيين بدت أنها تخترق درع فيرنانديز وتسبب له جرحًا غائرًا. كان فيرنانديز يعبر عن ضيقه إذا قام الجنود الأمريكيون بإغلاق أبواب السيارات بأقدامهم بعد تفتيشها, أو إذا قاموا بمغازلة العراقيات أو استخدام التعبيرات العنصرية المسيئة للمسلمين.
وأشد ما كان يؤلم فيرنانديز هو قيام الجنود بالتفاخر بأفعالهم السيئة التي يرتكبونها داخل تلك المنازل العراقية التي احتضنته سابقًا. يقول فيرنانديز: 'كان يدخل في تلك المداهمات مجموعة كبيرة من الجنود, وفي أكثر المرات كانوا يقومون بالعبث فقط. لم يلقوا بالاً لاحترام ملكيات الأشخاص أو احترام السكان والمنازل. لقد علمت أن بعض الجنود كانوا يقومون بسرقة المنازل, وتكسير الأشياء داخل المنازل'.
لقد بذل فيرنانديز كل ما بوسعه كي يمنع رفقاءه من بث سمومهم بين المسلمين. يقول فيرنانديز إنه كان يعلّم فريقه كيفيه التصرف مع العراقيين وكان يعاقب من يخالفون أوامره.
يقول فون عن فيرنانديز: 'كان يصارحنا على التو إذا لم تعجبه طريقتنا في التعامل'.
وبعد عودته في شهر مارس عام 2005 إلى قاعدة 'فورت براج' العسكرية بولاية نورث كارولينا الأمريكية وإعفائه من الخدمة في شهر يونيو, عاد فيرنانديز إلى أوكلاند.
ومنذ ذلك الحين وفيرنانديز يأخذ دروسًا بكلية ميريت, واضعًا نصب عينيه أن يصبح طبيب طوارئ. وأصبح عاكفًا على الذهاب إلى المساجد الواقعة في منطقة الخليج الشرقي بولاية كاليفورنيا. لقد بدا الطريق آمنًا أمام فيرنانديز بعد أن أنهى خدمته من العراق، ولكنه كلما يغلق عينيه ويتذكر ذلك اليوم البغيض تحت شمس العراق الحارقة، ويتمثل أمام ناظريه ذلك العراقي المسلم الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة.
http://www.islammemo.cc/taqrer/one_news.asp?IDnews=743
المفضلات