-
إتحاف الأنام بفقه معاملة الحكام
العقيدة الطحاوية شرح ابن أبي العز/ من موقع:
http://ar.wikisource.org/wiki/
المتن:"ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا ، وإن جاروا ، ولا ندعوا عليهم ، ولا ننزع يداً من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ، ما لم يأمروا بمعصية ، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة"يقول الشيخ ابن أبي العز:"قوله ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا"
شرح : قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم . وفي الصحيح عن النبي أنه قال : من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني . وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف . وعند البخاري : ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة . وفي الصحيحين أيضاً : على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ، إلا أن يؤمر بمعصية ، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة . وعن حذيفة بن اليمان قال : كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر ، مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال : نعم ، فقلت : هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال : نعم ، وفيه دخن ، قال : قلت : وما دخنه ؟ قال : قوم يسنون بغير سنتي ، ويهدون بغير هدي ، تعرف منهم وتنكر ، فقلت : هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال : نعم : دعاة على أبواب جهنم . من أجابهم إليها قذفوه فيها ، فقلت : يا رسول الله ، صفهم لنا ؟ قال : نعم ، قوم من جلدتنا ، يتكلمون بألستنا ، قلت : يا رسول الله ، فما ترى إذا أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، فقلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض على أصل شجرة ، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك . وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله : من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات ، فميتته جاهلية . وفي رواية : فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما . وعن عوف بن مالك رضي الله عنه ، عن رسول الله قال : خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم ، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ، فقلنا : يا رسول الله ، أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك ؟ قال : لا ، ما أقاموا فيكم الصلاة ، ألا من ولي عليه وال ، فرآه يأتي شيئاً من معصية الله ، فليكره ما يأتي من معصية الله ، ولا ينزعن يداً من طاعته .
فقد دل الكتاب والسنة على وجوب طاعة أولي الأمر ، ما لم يأمروا بمعصية ، فتأمل قوله تعالى : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم - كيف قال : وأطيعوا الرسول ، ولم يقل : وأطيعوا أولي الأمر منكم ؟ لأن أولي الأمر لا يفردون بالطاعة ، بل يطاعون فيما هو طاعة لله ورسوله . وأعاد الفعل مع الرسول لأن من يطع الرسول فقد أطاع الله ، فإن الرسول لا يأمر بغير طاعة الله ، بل هو معصوم في ذلك ، وأما ولي الأمر فقد يأمر بغير طاعة الله ، فلا يطاع إلا فيما هو طاعة لله ورسوله . وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا ، فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم ، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور ، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا ، والجزاء من جنس العمل ، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل . قال تعالى : وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير . وقال تعالى : أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم وقال تعالى : ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك . وقال تعالى : وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون . فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم ، فليتركوا الظلم . وعن مالك بن دينار : أنه جاء في بعض كتب الله : أنا الله مالك الملك ، قلوب الملوك بيدي ، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة ، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك ، لكن توبوا أعطفهم عليكم.
صحيح مسلم بشرح النووي، الإصدار 2.01 - للإمام محي الدين بن شرف النووي.
الجزء الثاني عشر >> كتاب الإِمارة >> -75- باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية
من موقع المحدث:
25- وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ -يَعْنِي: الدَّرَاوَرْدِيَّ- عَنْ يَزِيدَ -وَهُوَ: ابْنُ الْهَادِ- عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ إِدْرِيسَ.
26- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَمِّي، عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنِي بُكَيْرٌ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَىَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَهُوَ مَرِيضٌ.
فَقُلْنَا: حَدِّثْنَا -أَصْلَحَكَ اللَّهُ- بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَايَعْنَاهُ.
فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ.
قَالَ: "إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ، مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ".
-----------------------------------------
قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ، مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ) هكذا هو لمعظم الرُّواة.
وفي معظم النُّسخ: بواحاً بالواو.
وفي بعضها: براحاً، والباء مفتوحة فيهما. (ج/ص: 12/229)
ومعناهما: كفراً ظاهراً، والمراد بالكفر هنا: المعاصي.
ومعنى عندكم من اللهِ فيه برهان أي: تعلمونه من دين اللهِ.
ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلاَّ أن تروا منهم منكراً محقَّقاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم، وقولوا بالحقِّ حيث ما كنتم، وأمَّا الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السُّنَّة أنَّه لا ينعزل السُّلطان بالفسق.
وأمَّا الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا: أنَّه ينعزل، وحكي عن المعتزلة أيضاً، فغلط من قائله مخالف للإجماع.
قال العلماء: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتَّب على ذلك من الفتن، وإراقة الدِّماء، وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه.
قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أنَّ الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنَّه لو طرأ عليه الكفر انعزل، قال: وكذا لو ترك إقامة الصَّلوات والدُّعاء إليها، قال: وكذلك عند جمهورهم البدعة.
قال: وقال بعض البصريِّين تنعقد له وتستدام له لأنَّه متأوِّل.
قال القاضي: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشَّرع، أو بدعة، خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه، ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلاَّ لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر، ولا يجب في المبتدع إلاَّ إذا ظنُّوا القدرة عليه، فإن تحقَّقوا العجز، لم يجب القيام، وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها، ويفرَّ بدينه.
قال: ولا تنعقد لفاسق ابتداء، فلو طرأ على الخليفة فسق، قال بعضهم: يجب خلعه إلاَّ أن تترتَّب عليه فتنة وحرب.
وقال جماهير أهل السُّنَّة من الفقهاء، والمحدِّثين، والمتكلِّمين: لا ينعزل بالفسق، والظُّلم، وتعطيل الحقوق، ولا يخلع، ولا يجوز الخروج عليه بذلك، بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة في ذلك.
قال القاضي: وقد ادَّعى أبو بكر بن مجاهد في هذا الإجماع.
وقد ردَّ عليه بعضهم هذا بقيام الحسن، وابن الزُّبير، وأهل المدينة على بني أميَّة، وبقيام جماعة عظيمة من التَّابعين والصَّدر الأوَّل على الحجَّاج مع ابن الأشعث.
وتأوَّل هذا القائل قوله: أن لا ننازع الأمر أهله في أئمَّة العدل.
وحجة الجمهور: أنَّ قيامهم على الحجَّاج ليس بمجرَّد الفسق، بل لما غيَّر من الشَّرع، وظاهر من الكفر.
قال القاضي: وقيل: إنَّ هذا الخلاف كان أوَّلاً، ثمَّ حصل الإجماع على منع الخروج عليهم، واللهُ أعلم.
قوله: (بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ) المراد بالمبايعة: المعاهدة، وهي مأخوذة من البيع، لأنَّ كلَّ واحد من المتبايعين كان يمدُّ يده إلى صاحبه، وكذا هذه البيعة تكون بأخذ الكفِّ. (ج/ص: 12/230)
وقيل: سمِّيت مبايعة لما فيها من المعاوضة لما وعدهم اللهُ من عظيم الجزاء.
قال اللَّهُ: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111] الآية.
قوله: (وَعَلَىَ أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لاَ نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ) معناه: نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر في كلِّ زمان ومكان، الكبار والصِّغار، لا نداهن فيه أحداً، ولا نخافه هو، ولا نلتفت إلى الأئمَّة.
ففيه: القيام بالأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر.
وأجمع العلماء على أنَّه فرض كفاية، فإن خاف من ذلك على نفسه أو ماله أو على غيره سقط الإنكار بيده ولسانه، ووجبت كراهته بقلبه، هذا مذهبنا، ومذهب الجماهير.
وحكى القاضي هنا عن بعضهم: أنَّه ذهب إلى الإنكار مطلقاً في هذه الحالة وغيرها.
وقد سبق في باب الأمر بالمعروف في كتاب (الإيمان) وبسطته بسطاً شافياً
-
فتح الباري، شرح صحيح البخاري، الإصدار 2.05 - للإمام ابن حجر العسقلاني
المجلد الثالث عشر >> كِتَاب الْفِتَنِ >> باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا
من موقع المحدث:
الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ قُلْنَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ
الشرح: قوله (حدثنا إسماعيل) هو ابن أبي أويس.
قوله (عن عمرو) هو ابن الحارث وعند مسلم " حدثنا عمرو بن الحارث".
قوله (عن بكير) هو ابن عبد الله بن الأشج، وعند مسلم " حدثني بكير".
قوله (عن بسر) بضم الموحدة وسكون المهملة، ووقع في بعض النسخ بكسر أوله وسكون المعجمة وهو تصحيف، وجنادة بضم الجيم وتخفيف النون، ووقع عند الإسماعيلي من طريق عثمان بن صالح " حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو أن بكيرا حدثه أن بسر بن سعيد حدثه أن جنادة حدثه".
قوله (دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض فقلنا: أصلحك الله حدث بحديث) في رواية مسلم " حدثنا " وقولهم " أصلحك الله " يحتمل أنه أراد الدعاء له بالصلاح في جسمه ليعافى من مرضه أو أعم من ذلك، وهي كلمة اعتادوها عند افتتاح الطلب.
قوله (دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه) ليلة العقبة كما تقدم إيضاحه في أوائل كتاب الإيمان أول الصحيح.
قوله (فقال فيما أخذ علينا) أي اشترط علينا.
قوله (أن بايعنا) بفتح العين (على السمع والطاعة) أي له (في منشطنا) بفتح الميم والمعجمة وسكون النون بينهما (ومكرهنا) أي في حالة نشاطنا وفي الحالة التي نكون فيها عاجزين عن العمل بما نؤمر به.
ونقل ابن التين عن الداودي أن المراد الأشياء التي يكرهونها، قال ابن التين: والظاهر أنه أراد في وقت الكسل والمشقة في الخروج ليطابق قوله منشطنا.
قلت: ويؤيده ما وقع في رواية إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن عبادة عند أحمد " في النشاط والكسل".
قوله (وعسرنا ويسرنا) في رواية إسماعيل بن عبيد " وعلى النفقة في العسر واليسر " وزاد " وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
قوله (وأثرة علينا) بفتح الهمزة والمثلثة وقد تقدم موضع ضبطها في أول الباب، والمراد أن طواعيتهم لمن يتولى عليهم لا تتوقف على إيصالهم حقوقهم بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقهم.
قوله (وأن لا ننازع الأمر أهله) أي الملك والإمارة، زاد أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة " وإن رأيت أن لك - أي وإن اعتقدت أن لك - في الأمر حقا فلا تعمل بذلك الظن بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة، زاد في رواية حبان أبي النضر عن جنادة عند ابن حبان وأحمد " وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك " وزاد في رواية الوليد بن عبادة عن أبيه " وأن نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم " وسيأتي في كتاب الأحكام.
قوله (إلا أن تروا كفرا بواحا) بموحدة ومهملة " قال الخطابي: معنى قوله بواحا يريد ظاهرا باديا من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحا وبواحا إذا أذاعه وأظهره " وأنكر ثابت في الدلائل بواحا وقال: إنما يجوز بوحا بسكون الواو وبؤاحا بضم أوله ثم همزة ممدودة.
وقال الخطابي: من رواه بالراء فهو قريب من هذا المعنى، وأصل البراح الأرض القفراء التي لا أنيس فيها ولا بناء، وقيل البراح البيان يقال برح الخفاء إذا ظهر.
وقال النووي: هو في معظم النسخ من مسلم بالواو وفي بعضها بالراء.
قلت: ووقع عند الطبراني من رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب في هذا الحديث كفرا صراحا، بصاد مهملة مضمومة ثم راء، ووقع في رواية حبان أبي النضر المذكورة " إلا أن يكون معصية لله بواحا " وعند أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة " ما لم يأمروك بإثم بواحا " وفي رواية إسماعيل بن عبيد عند أحمد والطبراني والحاكم من روايته عن أبيه عن عبادة " سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله " وعند أبي بكر بن أبي شيبة من طريق أزهر بن عبد الله عن عبادة رفعه " سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا تعرفون ويفعلون ما تنكرون فليس لأولئك عليكم طاعة".
قوله (عندكم من الله فيه برهان) أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل، قال النووي: المراد بالكفر هنا المعصية، ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام؛ فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم انتهى.
وقال غيره: المراد بالإثم هنا المعصية والكفر، فلا يعترض على السلطان إلا إذا وقع في الكفر الظاهر، والذي يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة في الولاية فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر، وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية، فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف، ومحل ذلك إذا كان قادرا والله أعلم.
ونقل ابن التين عن الداودي قال: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر.
وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء، فإن أحدث جورا بعد أن كان عدلا فاختلفوا في جواز الخروج عليه، والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه.
مختارات من كتب السلف:أقوال فقهاء السلف في معامة الحكام:
- قال عياض بن غنم لهشام بن حكيم: من أراد أن ينصح لذي سلطان فال يبده له علانية ولكن ليأخذه بيده فيخلو به فإن قبل منه فذاك وإلا فقد أدى الذي عليه...(أحكام أهل الذمة ج2ص43)
- في مسألة الإنكار على الحكام باليد لا بالسيف: من كتاب جامع العلوم والحكم ص404 حديث (من رأى منكم منكرا): في حديث من جاهدهم بيده فهو مؤمن يقول ابن رجب:وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد وقد استنكر الإمام أحمد هذا الحديث في رواية أبي داود وقال هو خلاف الأحاديث التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالصبر على جور الأئمة، وقد يجاب عن ذلك بأن التغيير باليد لا يستلزم القتال وقد نص على ذلك أحمد أيضا في رواية صالح فقال التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح، فحينئذ جهاد الأمراء باليد أن يزيل بيده ما فعلوه من المنكرات مثل أن يريق خمرهم أو يكسر آلات اللهو التي لهم أو نحو ذلك أو يبطل بيده ما أمروا به من الظلم إن كان له قدرة على ذلك وكل ذلك جائز وليس هو من باب قتالهم ولا من الخروج عليهم الذي ورد النهي عنه، فإن هذا أكثر ما يخشى منه ان يقتل الأمر وحده... وأما الخروج عليهم بالسيف... وأما الخروج عليهم بالسيف فيخشى منه الفتنة التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين، إن خشي في الإقدام على الإنكار على الملوك أن يؤذى أهله أو جيرانه لم ينبغ له التعرض لهم حينئذ لما فيه من تعدي الأذى إلى غيره....وفيه تفصيل أكثر في الكتاب...
-جامع العلوم والحكم ص403: قال سعيد بن جبير قلت لابن عباس آمر السلطان بالمعروف وأنهاه عن المنكر قال إن خفت أن يقتلك فلا ثم عدت فقال لي مثل ذلك ثم عدت فقال لي مثل ذلك وقال إن كنت لا بد فاعلا ففيما بينكم وبينه وقال طاووس أتى رجلا ابن عباس فقال ألا أقوم إلى هذا السلطان فآمره وأنهاه قال لا تكن له فتنة قال أفرأيت إن أمرني بمعصية الله قال ذلك الذين تريد فكن حينئذ رجلا...
- جامع العلوم والحكم ص106 حديث (الدين النصيحة): النصيحة لأئمة المسلمن: فحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم وحب اجتماع الأمة عليهم وكراهة افتراق الأمة عليهم والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل والبغض لمن رأى الخروج عليهم وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل.
- جامع العلوم والحكم ص109حديث (الدين النصيحة):سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أمر السلطان بالمعروف ونهيه عن المنكر فقال:إن كنت فاعلا ولا بد ففيما بينك وبينه...
-من كتاب مختصر منهاج القاصدين ص137: قيل لداود الطائي أرأيت رجلا دخل على هؤلاء الأمراء فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر؟ قال أخاف عليه السوط، قيل هو يقوى على ذلك قال أخاف عليه السيف قيل هو يقوى على ذلك، قال أخاف عليه الداء الدفين العجب.... يقول مؤلف الكتاب:يتوسل إلى إظهار جاهه بواسطة إنكاره...
- من (مختصر منهاج القاصدين) ص144 في كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الجائز من ذلك مع السلاطين القسمان الأولان وهما التعريف والوعظ فاما تخشين القول نحو يا ظالم يا من لا يخاف الله فإن كان ذلك يحرك فتنة يتعدى شرها إلى الغير لم يجز، وإن لم يخف إلا على نفسه فهو جائز عند جمهور العلماء. يقول مؤلف الكتاب: والذي أراه المنع من ذلك لأن المقصود إزالة المنكر وحمل السلطان بالانبساط عليه على فعل المنكر:أكبر من المنكر الذي قصد إزالته وذلك أن قرب السلاطين التعظيم فإن سمعوا من آحاد الرعية يا ظالم يا فاسق رأوا غاية الذل لم يصبروا على ذلك.. قال الإمام أحمد: لا تتعرض بالسلطان فإن سيفه مسلول..
- من كتاب(مختصر منهاج القاصدين) ص154 بعد ذكر أمثلة لأمر العلماء للسلاطين ونهيهم: إلا ان السلاطين كانوا يعرفون حق العلم وفضله فيصبرون على مضض مواعظ هؤلاء..والذي اراه الآن الهرب من السلاطين فهو الأولى فإن قدر لقاء اقتنع بلطف الموعظة حسب.. ولذلك سببان الأول يتعلق بالواعظ وهو سوء قصده وميله إلى الدنيا والرياء، فلا يخلص له وعظ.. والثاني يتعلق بالموعوظ فإن حب الدنيا شغل الأكثرين عن ذكر الآخرة وتعظيمهم الدنيا أنساهم تعظيم العلماء وليس لمؤمن أن يذل نفسه...
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة محمود محمدى العجوانى في المنتدى من السيرة العطرة لخير البرية صلى الله عليه وسلم
مشاركات: 6
آخر مشاركة: 09-07-2014, 11:47 AM
-
بواسطة محمود محمدى العجوانى في المنتدى العقيدة والتوحيد
مشاركات: 16
آخر مشاركة: 06-02-2011, 01:27 AM
-
بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 27-02-2010, 02:00 AM
-
بواسطة ahmednou في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 29-09-2009, 05:53 PM
-
بواسطة الريحانة في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 15-04-2006, 05:00 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى
المفضلات